هذا التوتر بين الجانبين يحمل في طياته تعقيدا متعلقا بدور "اليهود الأميركيين" وموقفهم من الخلاف، فقد وضع هذا الخلاف بين رئيس الوزراء الأطول مكثا في الحكم في إسرائيل والإدارات الديمقراطية، اليهود الديمقراطيين على محك الاختيار بين مصالح الولايات المتحدة ورؤية الحزب الديمقراطي من جهة ومصالح "إسرائيل" التي طالما حظيت بدعمهم ورعايتهم.
ومع تصاعد الخلاف هذه الأيام بين إدارة بايدن ونتنياهو، جاء الصوت الأكثر علوا وحدة من أرفع شخصية سياسية يهودية في الولايات المتحدة، زعيم الأغلبية الديمقراطية، تشاك شومر، الذي بدء خطابه في إشارة لمعنى اسمه في العبرية "الوصي"، وطالب بعقد انتخابات جديدة في إسرائيل لاستبدال نتنياهو في إشارة نادرة للتباين بين نتنياهو والقيادات اليهودية الأميركية.
ولعل هذا أحد أهم أوجه الخلاف مع نتنياهو، ولكنه أقلها ظهورا للعلن، نظرا لتجنب اللوبي اليهودي عموما توجيه انتقادات لإسرائيل وسياساتها. لذا اعتبر خطاب تشاك شومر حدثا استثنائيا وغير مسبوق.
يرى التيار الأوسع في اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة أن حكومة نتنياهو الحالية تعرض هوية ومصالح "إسرائيل" للخطر بتحالفه مع التيار الديني القومي المتطرف.
"أحضان" السابع من أكتوبر
شكلت عملية "
طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر لحظة مغايرة في العلاقة بين الجانبين، فبعد توتر شديد فرضته المظاهرات المناوئة لنتنياهو احتجاجا على خطته للإصلاح القضائي، وجد نتنياهو نفسه في "أحضان بايدن" عشية الضربة غير المسبوقة التي نفذتها
كتائب القسام الجناح العسكري لحركة
حماس في غلاف غزة.وتحت وطأة الصدمة والشعور بالتهديد الوجودي في إسرائيل، ألقت إدارة بايدن بثقلها في رص الصفوف الداخلية ووضع المسار الإستراتيجي للحرب الإسرائيلية على غزة والتي سيقودها نتنياهو.
ورغم أن الأخير قد وافق على تشكيل مجلس للحرب صُمم وفقا للشروط الأميركية، فإن حقيقة الخلاف مع إدارة بايدن بقيت حاضرة في أجندة نتنياهو أثناء الحرب، بل شكلت عاملا مهما في قرارته المتعلقة بالحرب.
ويعد الخلاف حول ما أطلق عليه "اليوم التالي" للحرب أولى ملفات التباين بين الجانبين في إدارة الحرب، إذ تسعى إدارة بايدن ومن مدخل الحرب على غزة أن تعيد ضبط البوصلة الإقليمية في إعادة الهدوء وفرض مقاربتها في إدارة الصراع في فلسطين عبر إبقاء "حل الدولتين" في الأفق البعيد. في المقابل، يصر نتنياهو على رفض المقاربة الأميركية بعودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة.
ويرى نتنياهو أن طرح قضايا اليوم التالي للحرب وخاصة عودة السلطة الفلسطينية لغزة هي محاولة من إدارة بايدن لضرب الائتلاف الحكومي الذي يقوده نظرا لموقف حلفائه من اليمين المتطرف برفض حل الدولتين والتهديد المتواصل لنتنياهو في حال استجاب للضغوط الأميركية.
الفشل العسكري
كما شكل الفشل العسكري الإسرائيلي في سرعة حسم المعركة وتحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على حماس وإنهاء حكمها وإطلاق سراح الأسرى، مدخلا لعودة الخلاف مع إدارة بايدن التي سعت أن تدخل السنة الانتخابية وقد توقفت الحرب على قطاع غزة. لكن المقاربة التي انتهجها نتنياهو بإطالة أمد الحرب قد تسبب بتداعيات على مستقبل بايدن الانتخابي وصورة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي. لتعود تدريجيا قناعة الديمقراطيين بالظهور مجددا بأن نتنياهو يضحي بمصالح إسرائيل والعلاقة مع الولايات المتحدة مقابل بقائه في الحكم، وتبدأ حملة جديدة من التصعيد بين الجانبين. وأظهر هذا الخلاف أن سياسة إدارة بايدن حول الحرب في غزة عالقة بين إصرارها على دعم نتنياهو في تحقيق أهداف حربه المعلنة ورفضها لوقف دائم لإطلاق النار وبين توظيف نتنياهو لذلك في تعزيز بقائه في الحكم ومواجهة الضغوط الأميركية عليه.
وفي الوقت ذاته، فإن حدة الخلاف بين الجانبين وخطاب شومر الأخير يشير لدخول العلاقة بين الجانبين لمرحلة حرجة قد تسفر عن تحول في مستوى وطبيعة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها إدارة بايدن للضغط على نتنياهو.
ومن سلسة هذه الإجراءات ما أشار له الكاتب الأميركي جوناه بلانك في مقاله في مجلة "الشؤون الخارجية" الأميركية. إذ يرى بلانك أن إدارة بايدن بإمكانها ممارسة ضغوط على إسرائيل عبر تعليق المساعدات وإعادة مراجعتها، وعبر رفع الغطاء عنها في المؤسسات الدولية وخاصة مجلس الأمن، وقد تذهب لحد إعلان قطع العلاقة مع نتنياهو ومطالبته بالاستقالة.
وفي مقابلة نشرتها أمس الأربعاء صحيفة نيويورك تايمز مع زعيم الأغلبية الديمقراطية، قال تشاك شومر "لقد تصارعت مع نفسي، ربما يجب أن أقول إن بيبي يجب أن يتنحى".
قد يشكل هذا المستوى من النقد العلني والمباشر المستوى الأعلى من خيارات الديمقراطيين على نتنياهو، لكن قوة الموقف التي يتمتع به نتنياهو في الكنيست وحرصه على تجنب سقوط حكومته ومواجهة قضايا الفساد ولجان التحقيق مجددا، ستدفعه لمواصلة النزال مع الديمقراطيين، الذين قد يجدون أنفسهم أمام السؤال الرئيسي، إما أن نسقط نتنياهو، أو يخسر جو بايدن الانتخابات.
المصدر : الجزيرة نت