قال مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الأرمنية لأوراسيا نت، تحدَّث شريطة عدم ذكر اسمه: "لقد أعطت تركيا ما تدين به لأذربيجان، وقد تُقوِّض أذربيجان المحادثات مجددا، وأرمينيا مستعدة لهذا السيناريو. بيد أنه على أذربيجان عدم الاستهانة بنفوذ تركيا طويل الأجل هناك، بما في ذلك السياسيون المؤيدون لتركيا واعتماد أذربيجان الجديد على التسليح التركي".
تمارس أذربيجان الضغط على أرمينيا لتوقيع حل نهائي للنزاع في قرة براغ يتضمَّن اعتراف الأخيرة بأن الإقليم أرض أذرية. بيد أن باكو التزمت الصمت حين تبادل أردوغان وباشينيان البوادر الإيجابية، ومن غير المرجَّح أن تحاول أذربيجان الدفع بأجندتها في العملية، وذلك بحسب "فريد إسماعيل زاده"، نائب رئيس جامعة "أدا" في باكو. وقد أضاف إسماعيل زاده لأوراسيا نت: "لا أعتقد أن الاتفاق الثنائي بين أرمينيا وتركيا سيرتبط بالضرورة بمسألة قرة باغ، لكن عموما، المتوقَّع هو أنه إذا ما طبَّعت تركيا وأرمينيا علاقاتهما، فستكون هناك المزيد من الفرص للسلام في قرة باغ أيضا".
العامل الروسي
في حين يبدو الجميع مؤيدا للتطبيع هذه المرة، ثمة اختلافات في توقُّعات الأطراف المختلفة إزاء كيفية تنفيذه. ويعتقد معظم المحللين والمسؤولين الأرمن أن على يرِفان السعي للتطبيع مع أنقرة بمفردها دون روسيا أو أذربيجان أو أي طرف آخر. أما تركيا فتبدو أكثر اهتمامابالتطبيع بموجب الخطة "3+3" التي اقترحتها سابقا، وهي عبارة عن منتدى إقليمي يتألَّف من دول جنوب القوقاز وجيرانها: أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، إضافة إلى إيران وروسيا وتركيا.
وأوضح صويلو أن تركيا "تُخطِّط لضم كل مَن في المنطقة إلى هذا التطبيع مع يرِفان، ولذا فإن أذربيجان أيضا ستكون جزءا من الخطة، كما تأمل تركيا أن تستعد روسيا لتكون جزءا من الخطة التي ستُطبِّع العلاقات مع أرمينيا، بيد أنه يصعب التنبؤ بما إذا كانت روسيا ستصير شريكا متحمسا لذلك". ومن جانبهم، تحدَّث مسؤولون روس بإيجابية بشأن الخطاب الجديد بين أرمينيا وتركيا، وعبَّروا عن استعدادهم للمساعدة. فقد قال وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" في 3 سبتمبر/أيلول: "الآن، وبعد انتهاء الحرب في ناغورني قرة باغ، هناك ما يدعو لفك جمود العملية السياسية، واستعادة العلاقات في مجالات الاقتصاد والنقل، وسيكون منطقيا أن تستأنف أرمينيا وتركيا جهودهما لتطبيع العلاقات".

يعتقد بعض المسؤولين في يرِفان أن تدخُّل روسيا قد يساعد بالفعل بالنظر إلى أن المعارضة المحلية، التي يؤيد معظمها روسيا، تحشد مؤخرا ضد فكرة التطبيع. ويقول "حايك ماميجانيان"، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأرمني، إنه يعتقد أن تركيا في الحقيقة ستضع شروطا استباقية للتطبيع لم يأتِ أردوغان على ذكرها في تصريحاته الأخيرة، وأن الحكومة تُخفي هذا الأمر عن الشعب الأرمني. وقد صرَّح ماميجانيان لإذاعة أوروبا الحرة في 3 سبتمبر/أيلول قائلا: "إما أن تُبدِّد هذه الشكوك الآن، وإما أن ذلك يعني أنك قرَّرت شيئا من وراء ظهور الشعب الأرمني".
وفقا لهذا المنطق، سيُلطِّف الانخراط الروسي في الوساطة بين أنقرة ويرِفان من حِدَّة هذه المعارضة. بيد أن آخرين في الحكومة يُرجِّحون أن تلعب روسيا دورا يُفسِد التطبيع، بالنظر إلى الطبيعة المُتقلِّبة للعلاقات بين أنقرة وموسكو. وقد قال المسؤول الحكومي الأرمني المذكور آنفا إن أرمينيا "تحاول إبعاد روسيا فيما يخص التطبيع مع تركيا"، وبينما تبدو العلاقات بين البلدين جيدة حاليا، فإن "أرمينيا تعي أن عليها الإسراع قبل أن تُسقط تركيا طائرة روسية أخرى وينغلق هذا الباب. بعبارة أخرى على يرِفان أن تنجز التطبيع قبل أن تعترض روسيا".
يأمل بعض المحللين الأرمن أن يكون لدى أنقرة ما يُحفِّزها لإبقاء موسكو بعيدة عن العملية، وتُرجِّح التصريحات الصادرة مؤخرا من موسكو أنها غير منخرطة، وأنها تحاول اللحاق متأخرة ليس إلا، وذلك بحسب "ريتشارد غيراغوسيان"، مدير "مركز الأبحاث الإقليمية" في يرِفان. ويُضيف غيراغوسيان أن تركيا تشعر بتهميشها من جانب روسيا بعد حرب القوقاز الأخيرة، فقد استُبعِدَت من مهمة حفظ السلام الروسية، وغابت عن مجموعة العمل التي تضم أرمينيا وأذربيجان وروسيا بشأن إعادة فتح طرق النقل الإقليمية. ومن ثمَّ فإن التطبيع "طريقة تركيا للرد والضغط على روسيا وحجز مقعدها على الطاولة".
هذا وأضاف المسؤول الحكومي الأرمني: "على أي حال، إذا كانت هنالك محادثات جادة جارية، فإنها لا تزال تقتصر على المستويات العليا وبصورة غير رسمية. ولربما يكون الأشخاص الوحيدون العالِمون بهذه المحادثات هم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورئيس الاستخبارات". ولا يزال المسؤول الحكومي الذي رفض ذكر اسمه متفائلا بشأن تركيا هذه المرة، إذ "تحتاج أنقرة إلى قصة واحدة سعيدة على الأقل هذا العقد، وهذه هي فرصتها" على حد قوله.
__________________________________________________ _________________
ترجمة: هدير عبد العظيم
المصدر : الجزيرة نت