عبد الفتاح البرهان.. من الظل إلى الرجل الأول في السودان
عبد الفتاح البرهان عسكري سوداني ولد عام 1960، وتدرج في المناصب العسكرية المختلفة إلى أن أصبح مشرفا على القوات العسكرية السودانية، ظهر إلى الضوء مع الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير عام 2019، إذ تسلم رئاسة المجلس العسكري ثم مجلس السيادة السوداني، وأصبح الرجل الأول في الحكومة السودانية منذ أغسطس/آب 2021.
المولد والنشأة
ولد عبد الفتاح البرهان عام 1960 في قرية قندتو بولاية نهر النيل شمال العاصمة السودانية الخرطوم، وتبعد القرية -التي ينتمي معظم سكانها إلى قبيلة الشايقية- عن الخرطوم نحو 173 كيلومترا، وتعد مدينة شندي التاريخية أقرب المدن إليها.
والده هو البرهان عبد الرحمن البرهان، ووالدته صفية الصديق يعود نسبها إلى الشيخ علي الحفيان أحد شيوخ الصوفية في السودان، أما جده فهو عبد الرحمن البرهان المدفون في مدينة العيدج وسط السودان، ويعد قبره هو الآخر أحد مزارات الصوفية.
لعبد الفتاح البرهان 7 إخوة أشقاء وأختان شقيقتان، كما أن له إخوة وأخوات غير أشقاء من زوجة والده الثانية.
وينتمي البرهان إلى عائلة مسلمة متدينة على الطريقة الختمية، وهي إحدى الطرق الصوفية في السودان.
تزوج البرهان من فاطمة سليمان، ولديه 3 أبناء (ولدان وبنت)، وقد عاش السنوات الأخيرة قبل ثورة 2019 ضد البشير متنقلا بين اليمن والإمارات.
عبد الفتاح البرهان انتدب لدورات تدريبية في مصر والأردن (الجزيرة)
الدراسة والتكوين العلمي
درس البرهان المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس قريته، وانتقل بعد ذلك إلى مدينة شندي القريبة من القرية ليكمل دراسته الثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية السودانية ضمن ضباط الدفعة الـ31 وتخرج فيها، وانتدب لدورات تدريبية في مصر والأردن حتى عام 2018.
التجربة السياسية والعسكرية
بعد تخرجه في الكلية الحربية عمل بالعاصمة السودانية متنقلا بين وحدات الجيش السوداني، كما عمل مع قوات حرس الحدود فترة طويلة، ثم ملحقا عسكريا في الصين، وعيّن بعد ذلك قائدا لقوات حرس الحدود، ثم تدرج ليصبح نائبا لرئيس أركان عمليات القوات البرية، وأصبح بعدها رئيسها.
خاض معارك عسكرية مع الجيش أيام حرب الجنوب قبيل انفصال جنوب السودان عام 2011، كما خاض عمليات كثيرة خلال عمله ضابطا في سلاح المشاة، وعمل مدربا في معاهد عسكرية بمنطقة جبيت شرقي البلاد.
رقاه البشير من رتبة فريق ركن إلى فريق أول يوم 26 فبراير/شباط 2018، وعينه مفتشا عاما للجيش، وعرض عليه تولي منصب والي إحدى الولايات السودانية لكنه رفض.
الوظائف والمسؤوليات
تدرج البرهان في المناصب العسكرية، وتقلد عدة وظائف، من أهمها:
الإشراف على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع محمد حمدان حميدتي منذ 2015.
قائد القوات البرية السودانية عام 2018.
رئيس أركان القوات في الجيش السوداني.
عينه البشير مفتشا عاما للقوات المسلحة يوم 27 فبراير/شباط 2018.
تولى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد استقالة وزير الدفاع الفريق عوض بن عوف في أبريل/نيسان 2019.
ترأس مجلس السيادة السوداني منذ عام 2021.
دوره في الحياة السياسية بالسودان
سُلط الضوء على البرهان مع توليه قيادة المجلس العسكري الانتقالي بعد الإطاحة بعمر البشير على يد الجيش إثر مظاهرات عمت البلاد لعدة أشهر.
وأدى اليمين يوم 12 أبريل/نيسان 2019 رئيسا للمجلس العسكري الذي حكم السودان بعد الإطاحة بالبشير، وذلك بعد تنازل الفريق أول ركن عوض بن عوف عن رئاسة المجلس بسبب ضغط الشارع بعد أقل من 24 ساعة على استلامه المنصب.
وبذلك أصبح البرهان الرئيس الفعلي للسودان في مرحلته الانتقالية، وعيّن محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبا له.
مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في السودان
بعد الإطاحة بنظام البشير واستلام المجلس العسكري للحكم في البلاد بقي المتظاهرون في ساحات الاعتصام إصرارا منهم على الحكم المدني للبلاد ورفضا للحكم العسكري.
قامت قوات عسكرية بالتعاون مع قوات الدعم السريع بمهاجمة خيم الاعتصام في الثالث من يونيو/حزيران 2019، في محاولة لفض الاعتصام بالقوة، وأدى الهجوم إلى مقتل العشرات من المعتصمين، وقيل إن العدد وصل إلى 128 قتيلا، بالإضافة إلى سقوط مئات الجرحى والمفقودين.
واتهم معارضون القوى العسكرية بأنها حاولت "إخفاء جريمتها عبر رمي الجثث في نهر النيل، لكن الأمر كشف واستخرجت الجثث من النهر".
وقد شكلت لجنة للتحقيق في هذه الحادثة، لكنها لم تتمكن من تسليم خلاصة ما وصلت إليه إلى الجهات المختصة.
وتقول جهات سياسية في السودان إن الإجراءات التي نفذها البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أوقفت عمل اللجنة بعد "إطاحته" بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
تشكيل مجلس السيادة السوداني
وفي أغسطس/آب 2019 وبعد حركة الاحتجاجات والعنف في الشارع والمفاوضات مع الحراك المدني الذي كان يقوده "ائتلاف قوى الحرية والتغيير" وقع المجلس العسكري اتفاقا مع الائتلاف سمي "الوثيقة الدستورية".
تم الاتفاق في "الوثيقة الدستورية" على وجود مرحلة انتقالية يكون حكم السودان فيها منوطا بما عرف باسم "مجلس السيادة السوداني"، وهو مجلس يتكون من 11 شخصا، 5 مدنيين و5 عسكريين يختارهم المجلس الانتقالي، على أن يكون مجلس السيادة السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان.
وقد أدى البرهان اليمين أمام مجلس القضاء يوم 21 أغسطس/آب 2019، وعُيّن عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء في أغسطس/آب 2019.
"الانقلاب" على حكومة عبد الله حمدوك
يقول معارضو البرهان إنه "قاد انقلابا" للإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 مع إعلان حالة الطوارئ، وحل مجلس السيادة السوداني والحكومة الانتقالية، وقد اعتقل الجيش حمدوك ومعظم أعضاء الحكومة وعددا من المسؤولين والعاملين في قطاع الإعلام.
عجت الشوارع بالمظاهرات والاحتجاجات المطالبة برفض التفاوض والشراكة وحكومة العسكر إلى أن حدث اتفاق سياسي بين البرهان وحمدوك بمبادرة وطنية جامعة وقعت عليها أطراف من القوى السياسية والاجتماعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
ونص الاتفاق على عودة حكومة عبد الله حمدوك، وتفعيل الشراكة والعمل معا بين الجانبين المدني والعسكري لاستكمال الفترة الانتقالية وتكوين حكومة وطنية من تكنوقراط.
الخلاف بين البرهان وحميدتي
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021 بدأت بوادر الخلاف والتنافس تظهر بين البرهان وحميدتي، إذ بدأ كل منهما يسعى إلى حشد دعم إقليمي ودولي، ولا سيما حميدتي الذي حاول إبعاد نفسه عن "الانقلاب" والاكتفاء بدعم الشارع السوداني ومطالبه.
بعد توقيع الجيش وبعض القوى المدنية اتفاقا إطاريا سياسيا يهدف إلى التأسيس لمرحلة انتقالية مدتها 24 شهرا وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2022 نفى حينها البرهان وجود أي إملاءات خارجية بخصوص الاتفاق، لكن حميدتي قال وقتها إن ما سماه "الانقلاب" كان خطأ سياسيا وأدى إلى مزيد من الانقسامات، وأكد على أهمية الاتفاق الإطاري للانتقال نحو الديمقراطية.
وقد نص الاتفاق على مرحلة انتقالية تمتد لعامين تنتهي بتسليم السلطة إلى المدنيين مع تشكيل حكومة انتقالية في يوليو/تموز 2023.
وفتح الاتفاق الباب لتوسع الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ أعلن البرهان أن إخراج الجيش من الحياة السياسية وتشكيل حكومة مدنية مرهونان بتنفيذ كامل شروط الاتفاق الإطاري، وأهمها دمج قوات الدعم السريع وتوحيد المؤسسة العسكرية.
وعلى الرغم من توقيع حميدتي الاتفاق والموافقة عليه فإن خصومه يتهمونه بأنه "عرقل كل الخطوات لتنفيذه"، ولا سيما خطوة دمج قواته في الجيش.
وفي محاولة لاحتواء الخلاف عقدت ورشة "الإصلاح الأمني والعسكري" في السودان تحت رعاية اللجنة الرباعية المكونة من أميركا والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات في مارس/آذار 2023، وانتهت من دون توصيات نهائية، ولا سيما في موضوع دمج قوات الدعم السريع.
ونشب الخلاف مرة أخرى في أبريل/نيسان 2023 بشأن الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع، وتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج، ومكانة ضباط الدعم السريع في التسلسل الهرمي المستقبلي للجيش.
وأدى هذا الخلاف إلى المواجهة العسكرية التي بدأت بتمركز قوات الدعم السريع في مدينة مروي شمال السودان قريبا من مطار المدينة في 13 أبريل/نيسان 2023، فعززت قوات الجيش النظامي وجودها في المنطقة واشتعلت المواجهة في مدن السودان نتيجة لذلك.
المصدر : الجزيرة نت + وكالات