زيادة الميزانية العسكرية
تدرك بكين الخطط والمخاطر التي تحدق بها والتحالفات التي تعقدها الولايات المتحدة والدول الغربية لمحاولة حصارها في محيطها وإيقاف صعودها، وتعي جيدا أنّ الاكتفاء بالاقتصاد والبقاء على وضع ثابت لقواتها العسكرية لن يكون كافيا للدفاع عن خططها، ولن يحقق الاستقرار لمصالحها.

ولهذا زادت الصين ميزانيتها العسكرية والدفاعية بشكل واضح لمواجهة هذه التهديدات، وإيجاد حالة قوة تستطيع التلويح بها أمام أي عدوان خارجي، سواء بالتحالفات التي تستهدفها أو محاولة انفصال تايوان، أو الحفاظ على مصالحها في العالم، وهو ما جاء متكاملا مع علاقتها الخارجية مع الدول منذ 2013 المرتكزة على مبادرة "الحزام والطريق" التي أعلنها الرئيس شي جين بينغ.
وفي عام 2024، كشف تقرير رسمي أنّ الصين زادت ميزانيتها العسكرية 7.2%، إذ ستبلغ تريليونا و665 مليون يوان (نحو 231 مليار دولار)، وهي الزيادة التاسعة على التوالي، وهو ما تنظر إليه الولايات المتحدة وشركاؤها على أنها انعكاس للتطورات مع الصين وخططها الإستراتيجية مع تصاعد التوتر خلال السنوات الماضية.
كما أنّ الإستراتيجية الصينية التي تسعى لحضور أكبر في المنظمات الدولية على غرار منظمة شنغهاي وبريكس، بدأت تستشعر أنّ المواجهة حتمية مع الغرب، وأنها ربما تكون مسألة وقت فحسب، مما جعلها معنية أكثر بتطوير علاقاتها مع دول العالم، لضمان وقوفها إلى جانبها في حالة حدوث شيء يضر بمصالحها.
ورغم هذه الاعتبارات، فإنّ الصين ما زالت تمارس سياسة خارجية حذرة، تقوم على حل المشكلات بالتفاوض، لأنّها غير معنية في الدخول بالمواجهة المباشرة مع الغرب والولايات المتحدة، لفارق القوة والتكنولوجيا وإدراكها الخسائر الهائلة التي ستنتج عن مواجهة من هذا النوع، خاصة أنّها لم تصل بعد لاستكمال خططها الإستراتيجية، خاصة الصين 2049.

تطوير القدرات العسكرية
وعملت الصين منذ تولي شي جين بينغ السلطة على إعادة إصلاح الجيش وتنظيمه ليتناسب مع طموحها وخططها الإستراتيجية، وحماية مشاريعها والدفاع عن مصالحها الرئيسية، وعن مطالبها الإقليمية والبحرية والحدود البرية.
وركّزت في تطوير قوتها العسكرية لجيش التحرير الشعبي على تقليص أوجه الضعف والتعامل مع التهديدات، وتحديث قدراته بشكل كامل، لتتناسب مع طبيعة الحروب المعاصرة، واستخدام أسلحة متقدمة، وتغيير في أنظمة القيادة والتحكم والاتصالات والحوسبة والمراقبة والاستطلاع، بالإضافة لقوة الردع النووية.
ووضعت في 2020 مخططا لتسريع التطوير المتكامل في الجوانب الآلية والمعلوماتية والاستخباراتية للقوات المسلحة، التي إذا تحققت سوف توفر لها مزيدا من الخيارات العسكرية في حالات الطوارئ، خاصة في قضية تايوان، وتكون بمثابة حالة ردع وهامش من المناورات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ذكر متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية أنّ الجيش أنجز مرحلة التحديث "لتحقيق الميكنة بشكل عام"، وهو الهدف الذي يُفهم منه تحديث أسلحته ومعداته بحيث يمكن ربطها شبكيا، واستخدام تكنولوجيات أكثر تقدما مناسبة للحرب "المزودة بالمعلومات والذكية".
وخلال عام 2021، نجحت الصين في تجربة صاروخ يستطيع الدوران حول الأرض بسرعة تفوق سرعة الصوت 5 مرات، مما يمكنه من الإفلات من النظام المضاد للصواريخ الذي يحمي الولايات المتحدة المركّب في ألاسكا "الدرع"، على اعتبار أنّ مسار الأسلحة العابرة للقارات يمرّ عبر القطب الشمالي.
في حين أن الصاروخ الصيني الجديد يمكن أن يأخذ مسارا آخر عبر القطب الجنوبي، مما يجعل "الدرع" معطلا، وهو ما وصفه قائد هيئة أركان القوات المسلحة الأميركية السابق الجنرال مارك ميلي بأنّه واحد من أكبر التحولات في القوة الجيوستراتيجية التي لم يشهد العالم مثله على الإطلاق.
وإذ كانت الصين في السابق تعمل للحصول على الحد الأدنى من القوة النووية التي يتيح لها الانتقام من أي هجوم نووي عليها لتحقيق الردع، فإنها اليوم تسعى لامتلاك 1000 رأس نووي بحلول عام 2030، بحسب توقعات وزارة الدفاع الأميركية، كما تقوم بإنشاء البنى التحتية اللازمة لدعم هذا التوسع الكبير لقواتها النووية.

معارك البحار
يضم الجيش الصيني في قواته البرية الصينية نحو 975,000 مقاتل، كما أنّه يضم أقوى قوة طيران في المنطقة وثالث أكبر قوة طيران في العالم.
وبمقارنة الجيش الصيني مع الجيش الأسترالي، القوة الغربية الأقرب له، فإنّ الأول يمتلك أكثر من 3260 طائرة حربية، في حين يمتلك الثاني نحو 425 طائرة حربية بينها 75 مقاتلة فقط.
ومن حيث القوة البحرية، يتكون الأسطول الصيني من 777 قطعة بحرية، منها 3 حاملات طائرات هي "لياونينغ" و"شاندونغ"، فيما جرى اختبار الثالثة "فوجيان" عام 2024، وهي أكبر سفينة تابعة للبحرية، ما يمثل خطوة رئيسية في تعزيز البحرية الصينية في إطار سعيها لترسيخ وجودها في البحار والمحيطات، خاصة مع زيادة التوتر في بحر جنوب الصين.
وتوصف البحرية الصينية بأنّها الأكبر في العالم، حسب تقرير أصدرته خدمة أبحاث الكونغرس في يناير/كانون الثاني 2024، نقلا عن وزارة الدفاع، متوقعا أن تضم 435 سفينة بحلول عام 2030.
وتدرك الصين أنّ المواجهة البحرية هي الأهم والأخطر، لذلك تريد تعزيز قوتها لتكون قادرة على ردع التحالفات الأميركية وتدخلها في حال اندلاع صراع مع تايوان أو أي قضية أخرى.
فخلال عام 2021، نشرت بكين صواريخ طويلة المدى المضادة للسفن على طول سلسلة الجزر التي تمتد من اليابان إلى تايوان والفلبين، وبدأت في نشر قوات قادرة على إجراء عمليات خارج تلك الجزر.
وهكذا، ومع تزايد التهديدات يوما بعد يوم، يحرص التنين الأحمر على السعي دائما لتطوير قدراته العسكرية، بغرض الجاهزية لتحقيق الردع ضد أي تهديد وتأمين مصالحه الاقتصادية المنتشرة عبر العالم، خصوصا خطوط الطاقة التي يعتمد عليها الاقتصاد الصيني بشدة.
ووفقا لهذا السعي، نستطيع أن نشهد الصين وهي تتحول تدريجيا من قوة اقتصادية عظمى إلى قوة إستراتيجية عظمى جديدة.