لإضعافه وتقويض قدراته العسكرية.. هذه أبرز خفايا الحظر الجوي على العراق عام 1991
بغداد اعتبرت آنذاك الحظر الجوي بمثابة إعلان حرب عليها
مقاتلة أميركية أثناء مهمة في مناطق حظر الطيران شمال العراق مطلع عام 1993 (رويترز)
8/4/2021
قبل 30 عاما أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 688 بفرض حظر جوي على مناطق شمال العراق وجنوبه، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت، بدعوى حماية الأكراد والشيعة بعد هروب الكثير منهم باتجاه إيران وتركيا خوفا من عودة الجيش العراقي إلى مدنهم بعد إخماد انتفاضتي الأكراد والشيعة عام 1991، إلا أن باطن الأمر يُفسّر أنّه الخطوة الأولى للبدء بغزو العراق فعليا.
وفي أعقاب صدور القرار يوم 5 أبريل/نيسان عام 1991 أنشأت أميركا وحليفتيها فرنسا وبريطانيا منطقة آمنة شمال العراق بالقوة، عرضها 15 كيلومترا على الحدود التركية العراقية، وفي وادي نهر دجلة لمسافة 40 كيلومترا وطول 60 كيلومترا على الحدود بمساحة قدرها 2400 كيلومتر مربع.
كما فرضت حظرا جويا عليها عند خط عرض 36 شمالاً، وتمركزت الطائرات المنفذة للحظر في قاعدة إنجرليك التركية، لتصف الحكومة العراقية آنذاك بأنّ هذه الخطوات ما هي إلا إعلان للحرب عليها.
واستكمالاً للخطوة ذاتها، قررت الولايات المتحدة بالتنسيق مع بريطانيا وفرنسا في أغسطس/آب 1992 وضع خطة لحماية الشيعة جنوبي العراق عقب اتهام الحكومة العراقية بالهجوم عليهم مطلع الشهر نفسه، وتضمنت هذه الخطة إنشاء منطقة حظر طيران جنوبي خط عرض 32 تعدلت عام 1996 إلى خط عرض 33 جنوبا بمساحة إجمالية تزيد على 150 ألف كيلومتر مربع، أي ثلث مساحة العراق تقريبا.
البياتي رأى أن الحظر الجوي هدف آنذاك إلى منع صدام من تنفيذ أي عمل عسكري محتمل ضد الأكراد والشيعة (الجزيرة)
أضرار الحظر
أدى قرار الحظر إلى حرمان القوات الجوية العراقية آنذاك من نحو 40% من سيادتها الجوية على أراضيها، واستمرار حصول القوات الأميركية بشكل دائم على معلومات مصورة عن دفاعات العراق ومدى تطوير قواته المسلحة، بالإضافة إلى توفير الإنذار المطلوب عن أي تحركات عسكرية عراقية مع استمرار التعاون العسكري بين القوات الجوية الأميركية مع حليفتها القوات البريطانية، كما أدت إلى تحجيم سيطرة الحكومة العراقية على هذه المناطق.
ولحق بالعراق الكثير من الخسائر جراء هذا الحظر بغارات جوية نفذتها طائرات التحالف، فذكرت مصادر حكومية آنذاك أن أكثر من 1500 عراقي قتلوا وأصيب 1400 آخرون خلال تطبيق الحظر.
وقد بلغ عدد الطلعات الجوية البريطانية والأميركية فوق العراق منذ تطبيق الحظر عام 1991 أكثر من 199 ألفا و541 طلعة جوية وفقا للتقرير الصادر من منظمة التفاهم العربي- البريطاني المعروفة اختصارا باسم هيئة "كابو" ومقرها لندن.
ما دفع أميركا إلى تبرير هذا الحظر هو تخوفها وقناعتها بأن العراق لديه تطلعات باتجاه جيرانه على غرار ما حصل مع الكويت، لذلك أصدرت هذا القرار كما يقول الخبير العسكري سرمد البياتي لتحييد وتقييد حركات الجيش العراقي، لتتمكن من خلاله قصّ أجنحة صدام حسين، لتمنعه من تنفيذ أي عمل عسكري محتمل ضد الأكراد والشيعة بعد انتفاضتيهما ضد النظام عام 1991.
ويؤكد البياتي -وهو ضابط سابق- أن الحظر كان الخطوة الأولى لإضعاف قدرات الجيش العراقي على أرض الواقع، واصفا تلك الأوقات بالعصيبة جدا على القطاعات العسكرية التي كانت طائرات التحالف تحلّق فوقها، بالإضافة إلى وجود مراقبة جوية عليها باستمرار.
وبحسب البياتي، فإن غزو العراق بدأ بسلسلة خطواتٍ متسلسلة، الفعلي منها انطلق بإعلان الحظر الجوي الذي لحق به الحصار الجائر الذي دمّر الجيش والشعب في آنٍ واحد إلى أن انتهى بالعمليات العسكرية البرية والجوية عام 2003، مشيرا إلى أن هذه الإستراتيجية وضعت بعد انتهاء حرب الكويت مباشرةً.
كوران قادر قال إن التدخل في شؤون العراق هدف خفي وراء فرض الحظر الجوي ( الجزيرة)
ملاذ آمن للأكراد
وخلق الحظر الجوي ملاذا آمنا للفصائل المعارضة لنظام صدام حسين وفسح المجال لها للوجود بشكل أوسع داخل الأراضي العراقية دون خوف أو هلع من أي هجومٍ أو استهداف جوي كما كان يحصل، إلا أنه لا يخفي وجود هدف خفي هو التدخل في شؤون العراق بذريعة تنفيذ القرار مع وجود هدف ظاهري في الوقت ذاته قائم على أساس حماية المدنيين، كما يقول المحلل السياسي الكردي كوران قادر.
وقتذاك، أُربكت الأسرة الدولية بتأثيرات هجرة وهروب الأكراد والشيعة عام 1991، لتخلق لها عذرا مناسبا للتدخل بصورة مغايرة، فأصدر على ضوء ذلك مجلس الأمن الدولي قراره رقم 688 لإنشاء مناطق للحظر الجوي في شمالي وجنوبي العراق.
ويقول قادر إن القرار الأممي انعكس إيجابياً لصالح الأكراد وكان سندا لهم ومصدر ضمان لعدم التعرض لأية ضربة جوية عراقية، وشكل دعما سياسيا للأحزاب الكردية المعارضة للإدامة بنشاطاتها السياسية على أرض الواقع وفي المناطق المحررة المدعومة، وكان بمثابة دعم معنوي أيضا لشعور الناس في تلك الأماكن المشمولة بالحظر بالأمان النفسي والاطمئنان من أي هجوم جوي مباغت وغير محسوب.
أما من الناحية الاقتصادية فقد أدى القرار إلى تنشيط الحركة الاقتصادية، وكان فرض الحصار الاقتصادي الدولي يكاد يكون معدوما، وبذلك انشغل التجار بممارسة نشاطاتهم التجارية والتي لم تكُ توجد في المناطق غير المشمولة بالحظر وخصوصا في إقليم كردستان العراق.
ويعزو قادر أسباب نجاح الجبهة الكردستانية في نيل استقلالها بإنشاء إقليم خاصّ بالأكراد وفشل الحالة في المناطق الجنوبية التي بقيت تحت سلطة نظام صدام إلى تمسكّ الأحزاب الكردية بجبهة واحدة، وهي الجبهة الكردستانية وهذا ما مكّنها من إجراء انتخابات وتشكيل حكومة الإقليم بعد ذلك، بالإضافة إلى أنها كانت مُنظمة أكثر من الأحزاب المعارضة التي كادت أن تكون غير موجودة تماما في الجنوب العراقي.
الحياني اعتبر أن الحظر الجوي خطوة واضحة لتقسيم العراق (الجزيرة)
ذريعة سياسية
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي العراقي الدكتور محمد الحياني مع البياتي وقادر، بأن هذه الخطوة تأتي ضمن خطوات إضعاف العراق عسكريا واقتصاديا لإنهاك الحكومة والشعب والتدخل في شؤونهما واتخاذ القرار ذريعة أو مخرجا سياسيا لأميركا وبريطانيا لإقامة مناطق الحظر الجوي.
وعن احتمالية أن يكون القرار بمثابة تمهيد مبطن لتقسيم العراق، يؤكد الحياني للجزيرة نت أنه كان خطوة واضحة لتقسيم العراق أو لتشجيع المناطق الشمالية والجنوبية للانفصال عن العراق لكي تهيمن أميركا وحليفتها بريطانيا على منابع النفط والثروات الأخرى في مناطقهم، وحث العراقيين على تغيير نظام الحكم أو إعطاء تنازلات أكبر للولايات المتحدة وبريطانيا.
ويرى الحياني أن قرار مجلس الأمن رقم 688 شرّع لحماية الأكراد شمال البلاد بعد قمع الحكومة العراقية أثناء تجمع الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب، مؤيدا في الوقت ذاته ما تم ذكره في بداية التقرير بشن الطائرات الأميركية والبريطانية التي كانت توجد في قاعدة إنجرليك التركية مئات الضربات الجوية على العراق واستهدفت القطاعات الأمنية والاقتصادية والمواصلات والاتصالات والمقرّات المختلفة.
ويصف الحياني الحظر الجوي بأنه احتلال واضح وصريح قامت به الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا خارج الإرادة الدولية على عكس ما يظنّ الكثير أن الغزو بدأ عام 2003، وكان الغرض منه الاستهداف المتكرر للبنية التحتية للبلد الذي دفع ضريبته المواطن بضعف معيشته وقوت يومه.
ويستغرب الحياني من صمت دول العالم آنذاك إزاء انتهاك السيادة العراقية والسماح لدول أخرى بالتدخل الكبير في شؤونه سواء كان ذلك في الشمال أو الجنوب على حدٍ سواء، والذي أدى إلى عزل البلد تماما عن المجتمع الدولي وانهيار قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة فيه إلى أن وصلت به الحال بوقوعه تحت سطوة الغزو الأميركي عام 2003.
المصدر : الجزيرة نت -صلاح حسن بابان