مستقبل مُبهَم
إن نموذج تقاسم السلطة الحالي في الهند يمرُّ بأزمة، إذ إن الفدرالية التقليدية تكافح لتلبية متطلبات النمو الاقتصادي وحلِّ التفاوتات الديمغرافية بطرق ناجعة سياسيا.
ولن تؤدي هذه الشروخ إلى مآلات جذرية مثل تأجيج الانفصالية مثلا، فالنجاح الكبير للفدرالية الهندية يكمُن في أن نموذج "الدولة-الأمَّة" متجذر بعمق، رغم الاستقطاب بسبب سياسات الهوية.
وحتى أولئك الذين يتحدُّون الوصول إلى تسوية فدرالية جديدة لا يزالون يسعون إلى حلول ضمن الإطار الفدرالي. ولكن مع تفاقم الانقسامات الاقتصادية والسياسية الإقليمية، ستزداد صعوبة الحُكم الوطني وحلِّ النزاعات، وسيغدو التوافق والتعاون بين الولايات، وبين الولايات والحكومة الاتحادية، أصعب من ذي قبل.
إن ضرورات السياسة الحزبية ستطغى على المحاولات المنضبطة لحل التوترات داخل النموذج الفدرالي، ومن المُرجَّح أن نشهد الوصول إلى حائط صدٍّ لا إلى تسوية حقيقية.
تدور في المجال العام الهندي عدة حلول ممكنة للأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجه الفدرالية الهندية. مثلا، يمكن للهند أن تُجري إصلاحات في نظامها البرلماني، فقد صُمِّم مجلس "راجيا سابها"، أو مجلس الشيوخ، ليكون بمنزلة "مجلس للولايات"، لكن دوره تلاشى إلى حدٍّ كبير، فصار لا يتعدَّى كونه ساحة للسياسيين النافذين الذين يسعون إلى لعب دورٍ تشريعي دون الحاجة إلى الفوز في الانتخابات. لو تحوَّل "راجيا سابها" إلى منتدى حقيقي لتمثيل مصالح الولايات، فإنه يُمكن أن يتيح فرصا أكبر لإيجاد توافق سياسي جديد.
يمكن للهند أيضا أن تستغل كيانات موجودة بالفعل ولا تُستغل بما يكفي؛ لإجراء نقاشات بين الولايات وحلِّ النزاعات بينها. ففي أوائل التسعينيات، أنشأت الهند مجلسا بين الولايات للتوسُّط في العلاقات المالية والإدارية بين الولايات وبعضها، وكذلك بين الولايات من جهة والحكومة الاتحادية من جهة.
ولكنّ أيًّا من الحكومات المتعاقبة لم تتعامل مع هذا المجلس أو إمكاناته بجدية، ولذا هُمِّش على مدار العقود الثلاثة الماضية، وبات يُنظر إلى التعيين فيه من قِبل رجال البيروقراطية على أنه نوع من العقوبة نتيجة خطأ ارتكبوه، أو بمنزلة الخروج من دائرة الامتيازات.
إن تجديد العقد الفدرالي في الهند مسألة التزام سياسي بالمبدأ نفسه قبل أي شيء. أما تملمُل حزب بهارتيا جَنَتا من المبدأ الفدرالي فقد ترك البلاد دون وسيط يتمتع بالمصداقية في هذه اللحظة المفصلية. ومع الانقسامات التي ترسَّخت بالفعل في البلاد، ثمَّة حوافز قليلة تدفع الولايات أو الحكومة الاتحادية للمُضي قُدُما نحو إصلاحات ذات مغزى.
وبدلا من ذلك، من المُرجَّح أن تُشكِّل السياسة الفدرالية المُتصدِّعة ملامح الهند على مدار العقد المقبل، وعلى نحو قد يُقوِّض طموحاتها الاقتصادية. ولعل الأهم من ذلك أن الأزمة قد تُضعِف
الرباط الذي جمع البلاد في كُتلة واحدة في المقام الأول، وجعل ديمقراطيتها
تجربةفريدة من نوعها، فلطالما برهنت الهند للعالم على كيفية تعايش الهويات المتعددة ضمن إطار دولة قومية واحدة.
———————–
* إضافات المُترجم
هذا التقرير مترجم عن
فورين أفيرز