وبينما يسود الغموض حول تفاصيل هذه الصفقة الجوية التاريخية، تطفو على السطح تساؤلات مثيرة حول ماهية هذه الطائرات وقيمتها الإستراتيجية؟
وتعد طائرة "جيه-10 سي" من مقاتلات الجيل الرابع المتقدمة، وتُصنف ضمن فئة "الجيل 4.5" وهي مزوّدة برادار "إيه إي إس إيه" (AESA) ومحرك مطور من طراز "دبليو إس-10 بي" (WS-10B) وتتمتع بقدرات مناورة وتسليح متقدمة تشمل صواريخ جو جو طويلة المدى.
ويُعتقد أن إيران تسعى منذ سنوات لامتلاك هذه الطائرة لتعويض عجز سلاحها الجوي الذي يعتمد على أسطول قديم من مقاتلات أميركية وروسية.
ووفق ما نقلته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، في 26 يونيو/حزيران 2025، نقلا عن مصادر استخباراتية آسيوية، فإن "الاتفاق بين بكين
وطهران يشمل تسليم 24 طائرة على دفعات تبدأ نهاية العام الجاري، مقابل دعم طهران لتمركز الشركات الصينية في ممرّات الطاقة الإيرانيّة".
وقد بدأت المحادثات حول الصفقة منذ عام 2021، لكنها تسارعت في أعقاب توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين البلدين عام 2021، والذي مهّد لإطار تعاون عسكري واقتصادي أوسع.
ففي 27 مارس/آذار 2021، وقّعت
الصين وإيران "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة" تمتد إلى 25 عاما، لتكون بمثابة خارطة طريق لتعاون طويل الأمد بين البلدين في مجالات الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية والدفاع.
وتستند الاتفاقية إلى مبدأ المنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتشمل التزامات صينية ضخمة تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، بالاستثمار في قطاعات إيرانية حيوية مثل تطوير الموانئ والسكك الحديدية، والنفط والغاز والبتروكيماويات، مقابل حصول بكين على إمدادات طاقة مستقرة بأسعار تفضيلية.
وتُعد الاتفاقية جزءا من سياسة الصين لتعزيز نفوذها عبر "مبادرة الحزام والطريق" في حين تسعى إيران عبرها إلى التخفيف من وطأة العقوبات الغربية وتثبيت حضورها في التوازنات الآسيوية.
كما تفتح الاتفاقية الباب أمام تعاون عسكري وأمني، من خلال تبادل الخبرات، وتنظيم تدريبات مشتركة، وتعزيز الصناعات الدفاعية، وهو ما انعكس لاحقا في تسارع التنسيق العسكري بين الجانبين، وصولا إلى صفقة مقاتلات "جيه-10 سي".
وجاءت المواجهات بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025 لتُعيد تحفيز الصين على تفعيل هذا التعاون مع طهران، في إطار سعيها لتقويض النفوذ الأميركي في
الشرق الأوسط، وفق تحليل معهد ستراتفور.

وبينما تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط، تبرز الصين كلاعب جديد يحمل مفاتيح تغيير الموازين، مما قد يؤدي إلى تحول جذري في دور بكين من شريك اقتصادي إلى ضامن أمني في المنطقة.
ففي 24 يونيو/حزيران الماضي، وضعت المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل أوزارها بعد 12 يومًا من القصف المتبادل، وخلّفت دمارا واسعا في منشآت عسكرية وبنى تحتية إيرانية، مقابل استهدافات دقيقة للبنية التحتية العسكرية الإسرائيلية خاصة في
الجليل والنقب.
وفي هذا السياق، تبدو الصفقة الإيرانية المحتملة مع الصين بمثابة رد إستراتيجي لتعويض الخسائر، وخطوة تعكس مزيدا من الانفتاح الإيراني على المعسكر الشرقي.
وقد غرد الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني
علي شمخاني، في 28 يونيو/حزيران، قائلًا "العقيدة الدفاعية الإيرانية بحاجة إلى إعادة هيكلة جوية، والتعاون مع الصين ليس مجرد خيار تكتيكي بل هو تحوّل إستراتيجي".
لطالما آثرت بكين أدوات النفوذ الاقتصادي على التدخلات العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط. لكن الصفقة المرتقبة -إن تمّت- فستكون أول صفقة علنية تبيع فيها الصين طائرات قتالية لدولة تخوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وتحت طائلة العقوبات الأميركية.
ووفق تحليل صادر عن مركز الدراسات التابع
لوزارة الدفاع الأميركية، فإن "بكين تُدشّن مرحلة جديدة من الدبلوماسية الدفاعية، تعيد تشكيل موازين القوى التقليدية، وتخترق هيمنة
واشنطن على أمن الشرق الأوسط".
من المتوقع أن تلقي هذه الصفقة بين طهران وبكين بظلالها على المنطقة والعالم، وأن تثير ردود الفعل المتوقعة من القوى الكبرى، فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التوتر الجيوسياسي الذي سيشعل صراعات خفية وعلنية؟
ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي مباشر من الحكومة الإسرائيلية بشأن الصفقة الصينية الإيرانية المحتملة، فإن مصادر استخباراتية إسرائيلية أعربت عن قلقها من تداعياتها.
فقد نقل تقرير نشره موقع صحيفة "إنديا تودي" عن مسؤول سابق باستخبارات
الجيش الإسرائيلي قوله إن الصفقة "قد تتضمن تبادل معلومات عسكرية وتقنيات حساسة، وهو ما يثير قلقا إستراتيجيًا متزايدا في إسرائيل".
وأشار المصدر إلى أن امتلاك إيران مقاتلات من نوع "جي-10 سي" قد يقلص من هامش التفوق الجوي الإسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية.
وفي المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي من وزير الدفاع
يسرائيل كاتس أو مكتب رئيس الحكومة
بنيامين نتنياهو، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه محاولة لتفادي توتير العلاقات مع بكين، أو إعطاء الصفقة طابعًا تضخيميًا إعلاميًا يخدم طهران.
ويعكس هذا الصمت الرسمي ترددا إسرائيليا في الدخول بمواجهة علنية مع الصين، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية واشتباك واشنطن وبكين على أكثر من جبهة.