الخميس "الدامي" يتفاعل سياسيا وقضائيا.. ما السيناريوهات المرتقبة في لبنان؟
الجيش اللبناني أصدر بيانا بشأن تورط أحد جنوده بإطلاق النار على المحتجين (الأوروبية)
17/10/2021
بيروت – يشتد الاستقطاب السياسي في لبنان، ويخشى متابعون من تداعيات ذلك، بعد أن وضعت أحداث الخميس السلم الأهلي أمام امتحان خطير.
ويصر حزب الله، وحركة أمل، على اتهام حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، بقتل 7 أشخاص وجرح العشرات من أنصارهم بعمليات قنص من أسطح الأبنية، في الطيونة الفاصلة بين منطقتي عين الرمانة ذات الغالبية المسيحية والشياح ذات الغالبية الشيعية.
وسقط الضحايا أثناء مظاهرة للمطالبة بتنحية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
في المقابل، نفى حزب "القوات" الاتهامات، واعتبر أن المسؤول عن هذه الاحداث هو تفلت السلاح والتجييش ضد البيطار.
ووصف جعجع أحداث الطيونة بأنها "نسخة مسيحية مصغرة عن 7 أيار 2008" حين سيطر حزب الله على بيروت.
ووسط تبادل الاتهامات، برز تطور جديد يرتبط بما كشفت عنه كاميرات المراقبة في الطيونة، حيث أظهرت مقتل أحد المحتجين بنيران جندي من الجيش الذي أوضح أنه يخضع للتحقيقات.
هل يبرئ الفيديو حزب "القوات"؟
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي، المقرب من حزب الله، أن الفيديو لا يبرئ "القوات" بل يرسم علامات استفهام على دور الجيش وعدم جاهزيته للحدث، رغم التطمينات الأمنية قبل المظاهرة.
وقال للجزيرة نت إن الفيديو يكشف عدم فرض الانضباط أمنيا، ولا ينفي تخطيط القوات للكمين، لإيصال رسائلها السياسية زمانيا ومكانيا.
ويرفض بزي اتهام مناصري حزب الله وأمل بدخول "عين الرمانة" مسلحين "بل جاءوا بسلاحهم بعد نحو 20 دقيقة، كرد على عمليات القنص".
برأيه، أثبتت أحداث الطيونة أن جعجع لم يتحرر من تاريخه بالحرب الأهلية، رغم سجنه واتهامه بارتكاب المجازر والاغتيالات ومنها اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي (عام 1987).
ويقرّ المحلل السياسي بخسارة حزب الله وأمل بسقوط 7 قتلى "لكن تاريخ حزب الله حافل بدفع الدم قبل تسجيل الانتصارات".
لكن الباحث والمحلل السياسي فادي الأحمر يرفض اتهام "القوات" بدماء الطيونة، فـ "لم تتخذ قرارا رسميا بقتل سلميين، بل هناك من دخل عين الرمانة مدججا بالسلاح والشعارات الطائفية، وأهلها دافعوا عن أنفسهم".
وقال للجزيرة نت إن "القوات" ليست تنظيما مسلحا منذ عام 1991، بعد أن أنهى اتفاق الطائف (عام 1989) وجود المليشيات، معتبرا أن حزب الله يدرك حساسية عين الرمانة طائفيا "واعتدى مناصروه عليها".
ويذكر الأحمر أن جعجع اتخذ قرار مواجهة حزب الله سياسيا لا بالسلاح، ويتهم تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري وحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط) بالتخاذل عن المواجهة، تاركين جعجع وحيدا ضد الحزب ومن خلفه إيران".
ويدعو الباحث إلى انتظار تحقيقات الجيش لتحديد المسؤوليات، و"أن يلحظ مستوى استفزاز عناصر الثنائي الجيش وأهالي عين الرمانة".
امتداد المواجهة
وغذّت أحداث الطيونة المواجهة السياسية، ويخشى كثيرون المساس بالسلم الأهلي، لإثارة العصبيات قبيل الانتخابات البرلمانية الربيع المقبل.
ودخل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على الخط، بهجوم عنيف ضد خصمه المسيحي جعجع، محذرا بـ "أن حقوق المسيحيين لا تحصل بالدم" مقابل دعوته استكمال التحقيقات بانفجار المرفأ.
وهنا، تعتبر الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بو منصف أن باسيل محرج كثيرا، لأن جعجع نصب نفسه مدافعا عن حقوق المسيحيين، في حين هو غير قادر على التخلي عن حليفه الوحيد (حزب الله) رغم ضغوط الحملات الانتخابية.
ويعود الباحث الأحمر ليصف هجوم باسيل على جعجع بالتاريخي، ويستغرب "المغالطات الفادحة التي ذكرها" فيما السلم الأهلي على المحك، مشيرا إلى أن عنوان حملة جعجع الانتخابية "مواجهة تمادي حزب الله دفاعا عن شرعية الدولة".
ومن جانبه يرى الكاتب بزي أن أهمية خطاب باسيل المقارنة بين مشهدين: دماء الطيونة أو اتفاق "مار مخابل" بين تياره وحزب الله (عام 2006) أي وضع المسيحيين، برأيه، أمام خياري الدم أو الحوار والتلاقي مع حزب الله، و"الكرة بملعبهم لأن لعبة الدم ليست من مصلحة أحد".
تحقيقات المرفأ
ويترقب لبنان اجتماع مجلس القضاء الأعلى الثلاثاء القادم بعد اكتمال التعيينات القضائية، ومن المتوقع بحث ملف تحقيقات المرفأ، ويستبعد كثيرون أن ينجح بدفع البيطار إلى التنحي لأنه يملك صلاحية مطلقة على ملفه، ودعاوى العزل والارتياب سقطت بمحكمة الاستئناف، بعد أن رفعها ضده الوزراء السابقون المدعى عليهم (نهاد المشنوق وغازي زعيتر وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس).
وتعود الباحثة السياسية بومنصف للجزيرة نت لتقول إن فريق رئيس الجمهورية ميشال عون يتحمل مسؤولية انتهاك القضاء "عبر تأخير التشكيلات القضائية حتى ترضيهم".
في حين يرى بزي أن منطق الأمور يوجب على البيطار التنحي، وأن "عليه الخروج من المشهد بعد دماء الطيونة لمصلحة الدولة العليا".
ويتهم قاضي التحقيق بالاستناد لقوة دفع خارجية تجلت في بيانات نواب من الكونغرس والخارجيتين الفرنسية والأميركية، متفاديا البحث بأسباب مجيء بواخر "النترات" ورسو حمولتها 7 سنوات بالعنبر 12.
غير أن بومنصف تستغرب استشراس حزب الله ضد البيطار، مقابل تأكيد عدم تورطه بانفجار المرفأ. وتدعو أيضا لمراجعة أداء هذا القاضي لجهة اصراره على البدء بأعلى الهرم لتحديد المسؤوليات وجوانب التقصير، بدل الانتهاء من التحقيق مع كافة المسؤولين الأمنيين والإداريين السابقين والحاليين بالمرفأ.
حسابات إقليمية
وتربط المحللة السياسية بين تصعيد حزب الله ونتائج الانتخابات بالعراق "لأن الحزب وحليفته إيران يقلقان من هزيمتهم هناك، ويشعرون أن ثمة مؤامرات تحاك ضدهم وجبت محاربتها".
ومع إحياء لبنان الذكرى الثانية لحراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تذكر بومنصف أنها تزامنت مع انتفاضة بالعراق، واعتبرت طهران حينها أن حلفاءها، بالعراق ولبنان، مستهدفون بالشارع".
وتستثمر "القوات" الواقع، حسب الكاتبة، و"توظف غضب المسيحيين من حلفاء إيران، مستفيدة من جو إقليمي ودولي ضد حزب الله وإيران، لتصبح رأس حربة بلبنان".
وتشير بومنصف إلى أن أحداث الطيونة حدثت في يوم وصول فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركية إلى بيروت.
وتقول إن هذا التزمن وإن كان صدفة فإنه بدا مؤشرا سلبيا لواشنطن، إذ لم تحظ نولاند بحفاوة زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، وقد تضطر للتسليم بنفوذ حزب الله في لبنان.
مأزق الحكومة
وألقت الأحداث بحمولة ثقيلة على حكومة نجيب ميقاتي التي تعجز عن الانعقاد عقب ولادتها، وتفيد معطيات عن سعي ميقاتي لإيجاد مخرج قانوني وقضائي لمسألتي البيطار وتحقيقات الطيونة.
ويعتبر الباحث السياسي الأحمر أن انعقاد الحكومة يتطلب تراجع حزب الله عن مطلب تنحية البيطار "لأنه غالبا لن يتنحى بقرار سياسي خارج الأطر القانونية". وقال إن الحزب فرض الدم مقابل بقاء البيطار، مما يضع الحكومة بمأزق كبير، سياسيا وشعبيا ودستوريا.
أما المحلل السياسي بزي فيرى أن الحكومة تعاني "شللا سياسيا" وأن استئناف اجتماعها بالنسبة لحزب الله مربوط بمسألتين: نتيجة تحقيق الجيش بأحداث الطيونة، وتنحية المحقق العدلي.
وتخشى الكاتبة بومنصف أن يخفي تعليق عمل الحكومة أهدافا لتعطيل التسويات بملفات أخرى، كالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، والمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود مع إسرائيل.
وقالت إن الحكومة أمام اختبار دستوري، وأي "مخرج ينفذ مطلب حزب الله، يعني ضرب القضاء ونسف التحقيقات واهتزاز ثقة المجتمعين العربي والغربي بلبنان". ويبقى تعليق عمل الحكومة وسقوط قتلى، واحتقان الشارع طائفيا وسياسيا، أسبابا دافعة لتنحي البيطار عن التحقيق بجريمة العصر، وفقها.
المصدر : وكالات