"أقمار غاليليو".. خمسة قرون من التسلل البشري إلى حديقة المشتري
"أقمار غاليليو".. خمسة قرون من التسلل البشري إلى حديقة المشتري
٩ أغسطس ٢٠٢١
قبل نحو 4.6 مليارات سنة خلت، لم يكن مشهد المجموعة الشمسية المعتاد كما هو عليه اليوم بانتظامه وتناسقه المألوف، فقد كان هذا الحيز المكاني السابح في الكون يتخلله الغبار الكوني حائما حول بعضه دون وجود أي ملامح لمستقبله، وعلى الرغم من الفاصل الزمني الطويل للغاية، فإن ثمة نظريات تتناول نشأة الشمس والكواكب والأقمار قد طرحها مختصون وعلماء عدة أمثال عالم الفلك والرياضياتي "سيمون لابلاس" مع نهاية القرن الثامن عشر وآخرين.
ومع تعدد نظريات نشأة المجموعة الشمسية، لم تكن هناك نظرية واحدة كاملة قادرة على تفسير المنظومة الحركية والمركزية والتركيبية لأجرام المجموعة الشمسية، إلا أن نظرية طُرحت حديثا بدت أكثر شمولا من غيرها، وهي نظرية "السديم الحديث" (The Modern Nebular Theory)، وتعالج المفاصل الأساسية بما يخص تموضع الكواكب على مستوى واحد تقريبا في أثناء دورانهم حول الشمس ونشأة الكواكب الصخرية والغازية وغير ذلك.
وتشير هذه النظرية إلى أن الكواكب تشكلت من قرص كثيف احتوى على غازات وغبار كوني، بينما تكونت الشمس (النجم) إثر انهيار الغازات المتمركزة في منتصف القرص بعضها على بعض.
وكانت الصور التي التقطها تلسكوب "هابل" الفضائي عام 1992 داعما حقيقيا لنظرية السديم الحديث، إذ أظهرت للعلماء للمرّة الأولى أقراص الكواكب الأولية (protoplanetary Disks) في سديم الجبار، حيث كنّا وما زلنا على موعدٍ مع ولادة مجموعة نجمية مشابهة لنظامنا الشمسي.1
وخلال هذه الفترة الزمنية السحيقة، تكونت الكواكب لتشكل عائلة كواكب المجموعة الشمسية، وتميّز كلّ كوكب عن الآخر بموقعه ولونه وشكله وتركيبته الصخرية أو الغازية، فهناك الكوكب الأقرب للشمس عُطارد، وهناك الكوكب الأزرق الأرض، وهناك الكوكب الأضخم حجما المشتري وهكذا.
المشتري.. إله الأقدمين الذي كاد يصبح نجما
يُعد كوكب المشتري أحد الكواكب الخمسة التي عرفتها الحضارات الغابرة، لأنها تظهر مرئية للعين المجردة في السماء، دون الحاجة إلى الاستعانة بأدوات التكبير، وقد نال قدسية خاصة وفق الأساطير الرومانية والإغريقية، فكان ملك الآلهة والأقوى على الإطلاق، وهذه دلالة على التباين الجزئي في حجمه الظاهري بالنسبة لأعينهم قديما لضخامته.
وكان العرب كحال غيرهم من الأمم، إذ عرفوه ورصدوه، ومنهم من كتب به شعرًا وتغنى به، إذ يقول أبو إسحاق الصابي:
وفِضْ كفَيضِ المشتَري بالنَّدى
إِذا اعتَلى في أُفقِه الأَبعَدِ
وجاء في ذكر أصل تسميته العربية في "نهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويري (1279-1333م): وقالوا في المشتري إنه إنما سمي بذلك لحسنه، كأنه اشترى الحسن لنفسه. وقيل لأنه نجم الشراء والبيع، ودليل الأموال، والأرباح.2
ويحتل المشتري الترتيب الخامس بالنسبة لقربه من الشمس من بين الكواكب، ويُعد كوكبا غازيا كحال بقية الكواكب الثلاثة التي تعقبه في الترتيب. وللمشتري رقم قياسي في سرعة دورانه حول نفسه، فيومه قصير للغاية يبلغ قرابة 10 ساعات فقط، لكنه يستغرق 12 سنة أرضية لكي يتم دورة كاملة حول الشمس.
وما هو مثير في كوكب المشتري أنه يشترك مع الشمس في التكوين الغازي، فكلاهما يتكونان من غازي الهيدروجين والهيليوم بنسب كبيرة، ولذلك يُطلق على المشتري "النجم غير الموفق"، لأنه يحتوي على الوقود اللازم للعمليات النووية، غير أنه ليس ضخما بما فيه الكفاية ليكون نجما.
ومع ذلك، فهو ضخم بالنسبة لبقية الكواكب، فلو جُمعت جميع الكواكب الأخرى في قالب كوكب واحد ضخم، لبقي المشتري متوفقا عليهم بالحجم بضعفين ونصف.3
وبسبب ضخامته هذه، استطاع المشتري أن يجذب إليه عددا كبيرا من الأقمار إذ بلغ عددهم 79 قمرا مكتشفا حتى هذه اللحظة، مع إمكانية زيادة هذه الأعداد مستقبلا. كما أن 53 قمرا نالوا أسماءهم الخاصة، بينما لا يزال الباقي في طور الانتظار للحصول على فرصة التسمية.4
رسم لغاليليو غاليلي وهو يرصد السماء والكواكب بتلسكوبه
"غاليليو غاليلي".. عين خارقة تكشف أسرار السماء
في بيزا الإيطالية ذات البرج المائل وُلِد أحد عظماء النهضة الأوروبية لأب موسيقار، العالم "غاليليو غاليلي"، وذلك في عام 1564. لقد كان الأكبر من بين إخوته الستة وأكثرهم براعة، ففي عام 1581 التحق "غاليليو" في جامعة بيزا في عمر مبكر لدراسة الطب، لكنه ما لبث أن وجد نفسه يميل نحو الرياضيات، وهو ما دفعه إلى أن يغيّر مجال تخصصه.
وفي عام 1583 سجّل أول اكتشاف مهم له في وصف القوانين التي تحكم حركة البندول، ثم لاحقا قام بتجاربه من أعلى برج بيزا الشهير لإثبات أن لتسارع الجاذبية قيمة ثابتة.5
وفي هذه الأثناء كان رجلان هما "هانز ليبرشي" و"زاكرياس يانسن"، يعملان في صناعة النظارات بشكل مستقل، وقد استطاعا أن يصنعا آلة بإمكانها تكبير الأشياء إلى ضعف حجمها الحقيقي بمجرد تصويب العدسات نحوها في عام 1608.
وصل خبر "العدسات العجيبة" إلى إيطاليا، وسمع بها "غاليليو" الذي أبدى إعجابه الشديد بها، وفي غضون أيام قليلة استطاع أن يصنع مجهره الخاص (تلسكوب) دون الاستعانة بأي نموذج لمجهر آخر، ولبراعته كان بمقدور مِقرَابه أن يكبّر الأشياء إلى 20 ضعفا من حجمها الأصلي، فقام بتوجيه عدسات مقرابه نحو الأعلى، ليكون بذلك أول من يستعين بأداة للتنقيب عن ما تخفيه سدل الظلام في السماء، بدلا من الاعتماد على العين المجردة وحدها.
لقد استطاع "غاليليو" الكشف عن مرتفعات وفوهات قمرية وبقع شمسية، وحلقات كوكب زُحل الدائرية، وأيضا أربعة أقمار تابعة لكوكب المشتري، وهي الأقمار الأكبر حجما، وتنسب هذه الأقمار إليه، إذ يُطلَق عليها "أقمار غاليليو" (Galilean Moons).6
المشتري وأقمار غاليليو الأربعة
أقمار المشتري.. مجهر "غاليليو" يكشف عن عشيقات "زيوس"
نشر "غاليليو غاليلي" على وجه السرعة اكتشافاته وضمها في كتاب واحد، وأطلق عليه "رسول النجوم" (باللاتينية: Sidereus Nuncius) في مارس/آذار عام 1610، معتقدا في بادئ الأمر أن هذه الأجرام الأربعة لم تكن سوى نجوم تحوم حول المشتري، ولكي ينال استحسان "كوزيمو دي مديشي الثاني" دوق توسكانا الأكبر، فقد أطلق على هذه الأجرام في كتابه "نجوم مديشي" (Medician Stars)، لكنها تغيرت تسميتها لاحقا.
وفي ذات الفترة الزمنية، ادعى عالم الفلك الألماني "سيمون ماريوس" أنّه رصد أقمار المشتري قبل أن يفعل "غاليليو" لكنه لم يكشف عن ذلك، وهو ما لم يستطع أن يقره المجلس العلمي، لذا نُسِب هذا الاكتشاف كله لصالح "غاليليو". لكن "سيمون" لم يعد بخفي حنين خالي اليدين، فإليه يعود الفضل في تسمية الأقمار الأربعة، فقام بتسميتهم على أسماء عشيقات "زيوس" (جوبيتور بالرومانية) وفق الأسطورة اليونانية. فأطلق عليهم "ايو" و"يوروبا" و"غانيميد" و"كاليستو".7
وبسبب آرائه العلمية غير المألوفة كمسألة مركزية الشمس، فقد حاربت الكنيسة "غاليليو غاليلي" لسنوات طويلة متهمين إياه بالهرطقة، فلزم بيته تحت الإقامة الجبرية دون أن يحقق أي تقدم في هذا الصدد، وترك الباب مفتوحا لمن لحقه في إنجاز مهمة اكتشاف أقمار المشتري.
مركبتا فوياجر 1-2 مرتا بالقرب من كوكب زحل والمشتري
عصر المركبات الفضائية.. بداية غزو الآلات للمشتري
مع بدء غزو الفضاء، كانت المركبة الفضائية "بايونير 10" هي أول مبعوث بشري يقترب من المشتري في ديسمبر/كانون الأول عام 1973 في أثناء طريقها إلى خارج المجموعة الشمسية، وقد التقطت المركبة صورا لقطبي الكوكب وأقماره وتفاصيل لم تستطع إدراكها أعظم التلسكوبات على الأرض حينها.
وفي عام 1977 أُرسِل التوأمان "فوياجر" بمهمة خارج المجموعة الشمسية مرورا بالمشتري، وقد حصل العلماء حينئذ على 52 ألف صورة ملتقطة يظهر بها وجود بركان على قمر "أيو".
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1989 أطلق أول قمر صناعي يدور حول كوكب المشتري، وقد حمل مسبارا أسقط في الغلاف الجوي للكوكب، وكان أهم الاكتشافات في هذه المهمة هو الكشف عن وجود محيطات مالحة سائلة تحت سطح أقمار المشتري. وقد انتهت المهمة في عام 2003 بإسقاط القمر الصناعي نحو المشتري نفسه، بدلا من الأقمار لتفادي حدوث أي تلوث أو خراب.
وأرسلت عدة مراكب فضائية لاحقا مثل "كاسيني" و"نيوهورايزن" في بداية الألفية الثالثة، وكان آخر تلك المراكب "جونو" الذي أطلِق في أغسطس/آب عام 2011، وقد ساهم في الكشف عن مزيد من التفاصيل، وبفضل هذه البعثات تمكن العلماء من أن يمتلكوا صورة كاملة عن الكوكب وأقماره الأربعة على نحو أكثر دقة من أي وقت مضى. وتظهر من الصور والمعلومات القادمة الفروق الشاسعة والمزايا التي يتصف بها كل كوكب عن الآخر.
أيو.. قمر قطعة البيتزاأيو.. مد وجزر على اليابسة القمرية
يُعد القمر "أيو" الجرم الأكثر نشاطا بركانيا في المجموعة الشمسية، ويغطي سطحه الكبريت بعدة ألوان مختلفة. وبسبب جاذبية المشتري الهائلة، فإن تأثيرها على سطح "ايو" اليابس يبدو جليا، ويحاكي ما تفعله جاذبية القمر من مد وجزر لمياه المحيطات على الأرض، إذ ينكمش سطح "ايو" اليابس ويتمدد، ويصل ذلك التمدد إلى 100 متر.9
يوروبا.. القمر الوعر ذو الخطوط الملونة
يوروبا.. قمر المحيطات الجليدية والسائلة
أما قمر "أوروبا" فعليه تقع الكثير من آمال العلماء في إمكانية وجود أو إيجاد بيئة ملائمة للحياة على سطحه، إذ يشغل جليد الماء الحيز الأكبر منه، كما أن هناك مؤشرات تشير إلى وجود محيطات من الماء تحت سطحه بحالته السائلة.10
ويُعتقد كذلك أن المياه التي يحتويها قمر "يوروبا" تعادل ضعف المياه الموجودة على الأرض، وهذا ما يدفع علماء الأحياء الفلكية إلى تكثيف مساعيهم نحو هذه البقعة.
غانيميد.. أكبر أقمار المجموعة الشمسية
غانيميد.. أعظم أقمار المجموعة الشمسية
يعد قمر "غانيميد" القمر الأكبر التابع لكوكب المشتري، بل الأكبر في المجموعة الشمسية بين أقرانها من الأقمار، ومن المثير أنه أكبر من كوكب عُطارد كذلك.
وفي عام 1998 التقط جهاز التصوير الطيفي لتلسكوب هابل (STIS) أول صورة أشعة فوق البنفسجية لقمر "غانيميد"، وقد أظهرت نشاطا شفقيا عند قطبيه، مما يُعد مؤشرا على وجود غلاف جوي للقمر. وبالاستعانة بذات المصدر، استطاع العلماء الكشف عن وجود بخار للماء يتسرب من السطح الجليدي.11
كاليستو.. القمر بعيد المنال عن اكتشافات العلماء
كاليستو.. أرضية مرصعة بالنجوم
لقمر "كاليستو" منظر فريد يميزه عن أشقائه الأقمار، فإنه يبدو كسماء انطوت على سطحه وترصعت بنجومٍ لا حصر لها. وتعد الفوهات المنتشرة على سطحه دليلا حيا على التغير الذي طرأ على المجموعة الشمسية أثناء تشكلها.
ولا يمتلك علماء الفلك أدنى فكرة عن قدرة "كاليستو" على احتضان الحياة بسبب البحث المحدود بشأنه، لكن يكفي أن ندرك أن وعورة سطحه تشكل عائقا كبيرا، وكذلك درجة الحرارة المنخفضة كحال بقية الأقمار التي تصل إلى 140 درجة مئوية تحت الصفر.12
وعلى متوسط مسافة 800 مليون كيلومتر تفصل بيننا وبين كوكب المشتري وأقماره، يشق الإنسان طريقه نحو اكتشاف العوالم الأخرى. ربما أخيرا كان على العلماء أن يتقبلوا فكرة العيش على أقمار بدلا من أن تبقى تطلعاتهم محصورة على أسطح الكواكب، وبدلا من رؤية هلال القمر، قد نكون على موعد من رؤية هلال كوكب ما في المستقبل.
يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية