خبيران بالمنظمات الإنسانية: مالي بحاجة لحلول مناخية وليس للمزيد من القوات
التنافس على موارد المياه المتقلصة باستمرار والأراضي الخصبة أدى إلى تأجيج التوترات بين المجتمعات المختلفة
جنود فرنسيون يستقلون طائرة مروحية هجومية في معسكر صحراوي (رويترز)
1/4/2021
يقول اثنان من الخبراء بالمنظمات الإنسانية المعنية بالصراع في مالي ومنطقة الساحل عموما إن حل إزمة العنف بالمنطقة لا يمكن أن يكون عسكريا فقط، إذ تحتاج مالي وجيرانها والمجتمع الدولي إلى الاستثمار في حملة كبرى لبناء السلام، تركز على جذور الصراع، وليس على نتائجه.
ويوضح المدير الإقليمي لمنظمة "التنبيه الدولي-إنترناشونال أليرت" في مالي أحمد معيجا، ومستشار بناء السلام في المنظمة كميل ماركيت، في مقال مشترك لهما نشرته الجزيرة.كوم، أن أصل الصراع في مالي يرتبط بتغيّر المناخ، ولا يمكن حله من دون اتخاذ إجراءات بشأن المناخ.
وأشارا إلى أن اندلاع الحرب في مالي مرت عليه 9 سنوات، ومرت على تدخل القوات الفرنسية لدعم الجيش المالي 8 سنوات؛ ومع ذلك فإن النزاع لا يقترب من أي حل اليوم.
التوترات الطائفية
وأعادا إلى الأذهان أن شمال مالي عانى من عدم الاستقرار والصراع منذ حصول البلاد على استقلالها عن فرنسا عام 1960. وفي عام 2012، بعد عام من الانتفاضة الليبية وعملية الناتو التي أسقطت نظام العقيد الراحل معمر القذافي، امتد عدم الاستقرار إلى مالي.
وأدى انتشار الأسلحة الصغيرة وانتقال مقاتلي الطوارق من ليبيا إلى مالي إلى تأجيج التمرد. وفي حين يعاني الناس في شمال مالي من مظالم سياسية طويلة الأمد، فإن حالتهم الاجتماعية والاقتصادية تأثرت بشدة بنقص المياه والتصحر بسبب تغيّر المناخ وعوامل بيئية أخرى.
التنافس على الموارد
وأدى التنافس على موارد المياه المتقلصة باستمرار والأراضي الخصبة إلى تأجيج التوترات بين المجتمعات المختلفة؛ لهذا السبب لا يمكن النظر إلى الصراع في مالي على أنه مجرد نتيجة لقوة إسلامية متمردة على الحكومة المركزية.
وفي 23 مارس/آذار 2019، قُتل في وسط مالي حوالي 160 مدنيا، معظمهم من الرعاة شبه الرحل من عرقية الفولاني على أيدي قبائل دوغون، ومعظمهم من المزارعين.
ونظر المجتمع الدولي أولا إلى الانقسامات العرقية والتطرف لتفسير الهجوم، لكن الحقيقة أن تناقص فرص الحصول على المياه والأراضي الخصبة وضع الرعاة في مواجهة المزارعين منذ فترة طويلة.
تحوّل الصراع إلى سياسي
ويستمر معيجا وكميل ليقولا إن هذا الصراع أصبح سياسيا بشكل متزايد؛ فوصول مجتمعات الرعاة إلى الأراضي والسيطرة عليها يتناقص، الأمر الذي أدى إلى شعورهم بشكل متزايد بأن الحكومة لا تتخذ أي إجراء لتخفيف مشاكلهم.
ونتيجة لذلك، أصبح الرعاة ينظرون إلى أنفسهم على أنهم "ضحايا" للحكم الحزبي، ويفكرون في حمل السلاح، الذي أصبح متوفرا الآن في مالي باعتباره وسيلة لتصحيح المظالم التي يواجهونها.
لقد أدى تغير المناخ إلى تأجيج التوترات ليس فقط في الشمال والوسط من مالي، بل في الجنوب الأكثر استقرارا نسبيا أيضا. ففي السنوات الأخيرة، شهدت منطقة سيكاسو (جنوبي البلاد) أيضا حوادث عنف متكررة بين المزارعين والرعاة وموظفي الدولة المكلفين بحماية الغابات بشأن استخدام الأراضي والموارد الطبيعية.
وتأثرت دلتا النيجر الداخلية، التي تمتد وسط وجنوب مالي، بشكل خاص بتغير المناخ، حيث تقلص هطول الأمطار بنسبة 30% على مدى 50 سنة الماضية، وكانت هناك زيادة سنوية في درجات الحرارة بمعدل 0.8 درجة مئوية، وأدى تعاقب موجات الجفاف والفيضانات إلى تضاؤل غلة المحاصيل، وأثّر على الرعي وصيد الأسماك.
خسائر كبيرة
ووفقا للتقديرات الأخيرة، فإنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء فقد يؤدي هذا الوضع إلى خسارة عوائد مالية تتراوح بين 70 و142 مليون دولار، وزيادة عدد المعرّضين لخطر الجوع من 44% إلى أكثر من 70% من سكان مالي.
ويوضح الخبيران أن مالي ليست الدولة الوحيدة التي تأثرت بشدة بتقلب المناخ في المنطقة، وهناك خطر متزايد من أن الصراع المحتدم داخل حدودها يمكن أن يمتد إلى جيرانها.
فقد أدى اضطراب أنماط الطقس والاستجابات البشرية السيئة إلى تدهور بيئي قوّض سبل العيش في منطقة الساحل بأكملها، والتي تم إعلانها "نقطة البداية" لتغير المناخ بسبب تعرضها الكبير لآثاره.
الاستجابات المناخية مفتاح السلام
ويقول الخبيران إنه في 15 فبراير/شباط الماضي عقدت دول الساحل الخمس إلى جانب فرنسا "قمة الساحل" لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة، واتفق قادة مالي وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا والنيجر وفرنسا على تكثيف جهود مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، تم تأطير النقاش مرة أخرى حول كيفية الحد من إراقة الدماء المستمرة في غرب أفريقيا عسكريا، وكان التركيز على الانسحاب الفرنسي المحتمل والحاجة إلى استبدال القوات.
وفي نهاية المطاف، اقتنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بضرورة بقاء 5 آلاف جندي فرنسي منتشرين في منطقة الساحل كجزء من "عملية برخان" لفترة أطول قليلا، حتى تتمكن الدول الأخرى من نشر قوات لتحل محلهم.
وفي الشهر نفسه، بعد أسبوع من انعقاد قمة الساحل، حضر ماكرون اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي ركز على الأمن المناخي، والذي من شأنه أن يحدد طابع المحادثات متعددة الأطراف في مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ المقرر عقده في نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام في غلاسكو بأسكتلندا.
مبعوث أممي خاص للأمن المناخي
واختار ماكرون مناسبة انعقاد اجتماع مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي ليقترح تعيين مبعوث خاص للأمن المناخي للدول الأعضاء، قائلا "إن مكافحة تغير المناخ وحماية البيئة مسألة سلام وأمن".
وأعرب الخبيران عن موافقتهما التامة على ذلك، مشيرين إلى أن مالي هي خير مثال على صحة هذا البيان، لكنهما نبها إلى أن على ماكرون التصرف وفقا لكلماته ودمج العمل المناخي في استجابة فرنسا لأزمة الساحل.
ودعا الخبيران ماكرون والمجتمع الدولي إلى مساعدة حكومات منطقة الساحل في إدارة الموارد بقدر ما يساعدون في الحفاظ على الأمن. وأوضحا أنه من الممكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والأمم المتحدة بشكل عام، دعم "عودة الدولة" إلى المناطق النائية، ليس فقط من خلال نشر قوات حفظ السلام، ولكن أيضا من خلال تعزيز توفير الرعاية، والحوكمة الرشيدة للأراضي، وإصلاح نظام العدالة التي تعزز الوصول العادل إلى الماء والأرض.
وقالا إن هذا الدعم الدولي يجب أن يركز أيضا على الشباب؛ ففي مالي، وأماكن أخرى من المنطقة، ينخرط الشباب من المجتمعات التي لم تشارك في المبادرات، في حيازة الأسلحة وتخزينها.
وأدى انتشار الأسلحة الصغيرة في جميع أنحاء مالي، بالإضافة إلى التهريب، إلى تعزيز أعمال النهب المسلح في المناطق الحدودية التي أصابها النزاع بالفعل. ويمكن لمشاركة الشباب في المبادرات المتعلقة بتغيّر المناخ أن توفر لهم سبل عيش بديلة من شأنها تحسين الوضع الأمني في المناطق الحدودية والبلاد ككل.
واختتما بالقول إن الانتقال المدار بعيدا عن التدخلات العسكرية يحتاج إلى دعم دولي، ومشاركة محلية، من خلال سياسات شاملة ومستنيرة. ومن الممكن تحقيق السلام للماليين من خلال إنشاء منصات للحوار بين المجتمعات المحلية حول الاستجابات المناخية، وليس المحادثات متعددة الأطراف حول استبدال كتيبة دولية بأخرى.
المصدر : الجزيرة نت