بعد 56 عاما على انطلاقتها.. حركة فتح تواجه تحديات وجودية ومطالب بمراجعات شاملة
عناصر من فتح يحملون صورة الراحل عرفات في رام الله قبل عامين (الجزيرة)
1/1/2021
تحتفل حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" اليوم الجمعة بالذكرى 56 لانطلاقتها، ويرى محللون أنها باتت على مفترق طرق، وأن عليها إجراء مراجعات شاملة وتحقيق مشروع الوحدة، ومواجهة تحديات الاستيطان وموجات التطبيع العربي مع الاحتلال.
وفي تشخيصه للواقع، يقول الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي إن فتح "باتت تقف إزاء مسارين، إما النهوض أو الأفول، وإن أي مسار منهما يتوقف على ما تفعله أو ما لا تفعله قيادة هذه الحركة".
ويعيد كيالي في دراسة بعنوان "حركة فتح أين كانت؟ وأين صارت ولماذا؟" الفضل لفتح بعد انطلاقتها مطلع عام 1965، في بعث الهوية الوطنية لشعبها بالتعويض عن غياب الإقليم المستقل وبإقامة كيان سياسي يستطيع ترميم حال التمزّق في واقع الشعب الفلسطيني، مما مهد لفرض وجوده على الخريطة السياسية ولاحقاً على الخريطة الجغرافية.
غير أن الكاتب، وبعد 5 عقود من ذلك، يتحدث عن السيناريو الأكثر تشاؤما فيما يخص واقع فتح ومستقبلها، ويقول للجزيرة نت إن الحركة أصبحت في مواجهة أزمة كبيرة في بنيتها التنظيمية وفي سلوكها السياسي وكذلك في قيادتها "وما لم تُحدِث مراجعة لمسيرتها وإصلاحا في مشروعها وعلاقاتها، فلا مستقبل في المدى المنظور".
ويضيف أنه رغم سيرتها الكفاحية والحنكة السياسية التي تمتع بها قادتها الأوائل، وفي مقدمتهم الزعيم الراحل ياسر عرفات، فإن فتح -التي أطلقت الكفاح المسلح- أنهته لصالح خيار المفاوضة والتسوية، بتوقيعها اتفاق أوسلو (عام 1993).
ويرى أن الحركة عززت مكانة منظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، ثم همّشت المنظمة وغيّبتها لصالح السلطة، وأن الحركة التي صنعت الهوية والكيان السياسي للفلسطينيين هي التي ذهبت نحو حل لجزء من الشعب على جزء من الأرض.
الطيراوي: نتباين في الرأي ولا نتحارب (الجزيرة)
هل أخفقت؟
مع احتفائه بالدور التاريخي لفتح في تأسيس الكيان الموحد للفلسطينيين بعد النكبة، وبدورها في العمل المقاوم طيلة عقود، يقول عضو اللجنة المركزية للحركة توفيق الطيراوي إن فتح أخفقت في إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وهو الأمر الذي ما زال بحاجة لنضال طويل ومستمر.
وعند الحديث عن الانقسامات، خاصة بعد انشقاق القيادي محمد دحلان ونزاعه مع قيادة الحركة في رام الله، يقول الطيراوي إن فتح منذ نشأتها اتهمت بالانقسامات وهذا غير صحيح، لأنها ليست حزبا أيديولوجيا بل حركة واسعة مثل "بستان متعدد الأفكار والتيارات" مضيفا "نتباين في الرأي ولكن لا نتحارب".
وبهذا الحديث يريد الطيراوي تجاوز تحدي الأزمات الداخلية لدى الحركة لصالح تحديات أكثر خطرا، وخاصة ما يحيط بالقضية الفلسطينية من مخططات استيطانية ودعم أميركي غير محدود لإسرائيل وتطبيع عربي.
لكن النائبة السابقة عن الحركة بالمجلس التشريعي نجاة أبو بكر تقول إن فتح بعد 56 عاما على انطلاقتها أصبحت في حالة تراجع وانقسام "وما نشاهده الآن لا ينذر بمستقبل إيجابي".
وتضيف "كانت مهمة فتح أن تشعل الأضواء كي لا يقع الفلسطينيون في ممرات معتمة، الآن وقع الفلسطينيون في ممرات معتمة سياسية واجتماعية، وهذا يدل على خبو دور فتح، بما ينذر بإطالة عمر الاحتلال وتراجع المشروع الوطني لصالح الاستيطاني".
وتعيد النائبة التراجع إلى ما وصفته بتصدر المنتفعين المشهد التنظيمي داخل فتح، بعد تنحية الجيل الوسيط بين القديم والجديد، والذي كان بإمكانه استنهاض الحركة فعلا.
رغم ذلك، تقول "صحيح أن فتح الآن تظهر كجنّة في العناوين ونار في التفاصيل، لكن لا خيار سوى تصويب عمل الحركة باتجاه البوصلة التي وجدت من أجلها".
أنصار فتح يرفعون صورة للرئيس عباس عام 2016 (الجزيرة)
أزمة الكل
من ناحية أخرى، يرى القيادي بالجبهة الديمقراطية رمزي رباح أن أزمة فتح هي أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، حيث أصبحت حركتا فتح وحماس جزءا منه بعد الانقسام عام 2007 والفشل في استعادة الوحدة، مع ما راكمه المسار السياسي بعد اتفاق أوسلو من أزمات أضعفت المشروع الوطني وكثفت الاستيطان ومنحت مبررات للأنظمة العربية في التطبيع.
رغم ذلك، يعتقد رباح أن فتح ما زالت مؤهلة لإدارة المشروع الوطني. لكن نجاحها مرهون بإجراء مراجعة ووقف مسار إعادة العلاقة مع الاحتلال، بل تحديدها كما نصت على ذلك قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، واستحضار نقاط القوة من المقاومة إلى الوحدة الداخلية وتفعيل قرارات الشرعية الدولية والضغط الدولي على إسرائيل، وخاصة بعد رحيل دونالد ترامب.
ويرى رباح أن فتح قادرة على ذلك، ولكنها بحاجة إلى إرادة سياسية وإلى "إنهاء حالة التفرد بالقرار التي تمارسها قيادة منظمة التحرير في إدارة الظهر لقرارات الإجماع الوطني".
شاهين: ما لم تقم فتح بتقييم للمرحلة السابقة وإصلاح المشروع الوطني فستشهد مزيدا من التراجع (الجزيرة)
وضع خطِر
أما الباحث في مركز مسارات للدراسات السياسية خليل شاهين فيقول إن أزمة فتح خلال السنوات الماضية كانت بسبب عدم قدرتها على المزاوجة بين المشروع النضالي وبين مشروع السلطة، مع الرهان على عملية سياسية مع إسرائيل، واليوم "نحن أمام تراجع" على صعيدي السلطة والعملية السياسية.
وحسب الباحث، ما لم تقم فتح بتقييم للمرحلة السابقة وبإصلاح المشروع الوطني فستشهد مزيدا من التراجع لصالح ظهور إرهاصات حركة وطنية جديدة.
رغم ذلك، يعتقد الباحث أنه منذ شهور قليلة مضت كان التخوف كبيرا من دخول فتح في نفق مظلم بسبب صراعاتها الداخلية وغياب الأفق السياسي، لكن انتخاب إدارة أميركية جديدة أعطى "متنفسا ولو كان صناعيا" للسلطة التي تقودها فتح باتجاه الحفاظ على الوضع القائم، خاصة مع عودة التنسيق مع إسرائيل واستعادة العلاقة المرتقبة مع واشنطن وتوقع عودة الدعم المالي الأميركي للسلطة.
لكن هذه الحالة، ورغم الاستقرار الظاهر الذي تبديه، يرى الباحث أنها ستقود فتح والحركة الوطنية إلى مزيد من التدهور مع تعمق الاحتلال على الأرض بدون أي حل سياسي.
المصدر : الجزيرة نت - ميرفت صادق – رام الله