مجزرة سربرينيتشا..
السياق التاريخي
في عام 1990 انفرط عقد الاتحاد اليوغسلافي متأثرا بسقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الشرقي
، فبرزت تطلعاتٌ وطنية للشعوب المكونة للفدرالية بعد عقود من الهيمنة الصربية في إطارِ الاتحاد الذي أسسه الجنرال جوزيف بروز تيتو عام 1941.
وقبل نهاية عام 1990 أعلنت كرواتياوسلوفينيا استقلالهما ردا على أطماع الصرب في ضمّ جميع أقاليم الدولة في كونفدرالية واحدة يكون لهم النصيب الأكبر من السلطة فيها، وهو ما حفّز العرقيات الأخرى للمطالبة بالاستقلال وإقامة كياناتها السياسية الخاصة بها، وهكذا أعلنت كل من مقدونيا والبوسنة والهرسك استقلالهما. رفضت صربيا استقلال البوسنة والهرسك بشدة مُبدية "مخاوفها" على صرب البوسنة الذين يُشكلون مكونا في الإقليم ذي الأغلبية المسلمة. قاطع صرب البوسنة وكرواتيا مسار الاستقلال، بدعم من سلطات بلغراد. الحرب
وفي أبريل/نيسان 1992 شنت المليشيات الصربية حملة عسكرية واسعة للسيطرة على البوسنة والهرسك ، وركزت هجماتها على المناطق المتاخمة للحدود، وكان لمدينة سربرينيتشا نصيب وافر منها نظرا لموقعها الإستراتيجي، فهي تُشكل جيبا داخل أراضي صربيا، وبالتالي تُمكن السيطرة عليها بعزل كل المناطق الواقعة منها إلى الشرق والشمال الشرقي عن باقي أراضي البوسنة
نصبت القوات الصربية مدفعيتها على الجبال المحيطة بالمدينة وشرعت في دكها بوحشية دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، وسحبت عددا من وحداتها المقاتلة من كرواتيا المجاورة ودفعت بها إلى الجبهة البوسنية.
وفي محاولة لصد العدوان عنهم؛ نظم مسلمو البوسنة مجاميع مسلحة تتألف في أغلبها من القرويين المسلحين تسليحا بسيطا عماده بنادق الصيد. وما انقضت الأيام العشرة الأولى من أبريل/نيسان 1992 حتى دخلت القوات الصربية بلدة زفورنيك الإستراتيجية، عازلة بذلك سربرينيتشا عن توزلا وهي الحاضرة الثانية الأهم في الجيب المسلم.
وعندمما بدا سقوط سربرينيتشا وشيكا، بادر خمسة من وجهاء المسلمين في المدينة إلى فتح قنوات اتصال بقيادة صرب البوسنة لإخلاء المدينة مقابل حماية المدنيين. والتقى الوفد قيادة الصرب في معقلها ببراتوناك، واتفق الطرفان على تسليم المسلمين أسلحتهم وإخلاء المدينة من المقاتلين في 24 ساعة.
وبالتزامن مع ذلك، التحق كثير من المدنيين الصرب بالمليشيات وشاركوا في عمليات نهب وسلب واسعة لمساكن وأملاك المسلمين في المدينة والبلدات المحيطة بها. ودمروا نحو 300 قرية للمسلمين في نواحي سربرينيتشا، وقتلوا أكثر من ثلاثة آلاف شخص تمت تصفية مئات منهم تنفيذا لسياسة التطهير العرقي.
المجزرة
مع مطلع 1995 أحكم الصرب حصار سربرينيتشا وقضوا على كل جيوب المقاومة حولها
، وفي 7 يوليو/تموز من العام نفسه شنوا هجوما واسعا للسيطرة على المدينة بقيادة الجنرال رادكو ملاديتش. وشرعوا في تصفية كل من صادفوه في طريقهم، ويُقدَّر أنَّ ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص (أغلبهم أطفال ونساء وعجزة) قضوا بنيرانها في أسبوع واحد.
انسحبت المقاومة البوسنية في طوابير تفاديا لحقول الألغام الكثيرة، ولكن سرعان ما حصارها الصرب وكان أغلبُ المنسحبين بلا أسلحة.
ورغم ذلك دارت معارك عنيفة بين الجانبين استمرت يوميْ 11 و12 يوليو/تموز، لكن رجحت الكفة للصرب في اليوم الموالي وتمكنوا من أسر أعدادٍ كبيرة من البوسنيين بينهم عجزة ونساء وأطفال، ونقلوهم إلى راتوناك حيث زارهم ملاديتش شخصيا وطمأنهم بأنهم سيحررون في عملية تبادل للأسرى.
وفي 14 يوليو/تموز نقل هؤلاء المعتقلين إلى جهات مختلفة حيث أعدم ما بين 4000 و5000 شخص في عمليات تصفية ممنهجة ومنظمة، وفق تقديرات المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا، في حين قُتل 4000 آخرين خلال اقتحام القوات الصربية للمدينة.
اعتبرت المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا مجزرة سربرينيتشا "إبادة عرقية"، لكنَّها رفضت عام 2006 تحميل المسؤولية للدولة الصربية مكتفية باتهامها بالتراخي في منع الإبادة. وفي المقابل، أدانت المحكمة زعيميْ صرب البوسنة رادوفان كراديتش وراتكو ملاديتش بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية