سباق التسلح الدولي
حمى سباق التسلح الدولي بكل أشكاله التي تجتاح المجتمع الدولي هي المصدر الرئيسي للصراع الدولي بتنوع مظاهره سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو دعائيا وربما حضاريا، كما أن أدوات الصراع قد تتخذ نماذج له كالضغط والحصار والتهديد والمساومة والإغراء والتنازل والتحالف والتحريض والتآمر، لتبقى الحرب في نهاية المطاف نقطة النهاية في تطور بعض الصراعات الدولية. انطلاقا من هذا الواقع حاول مؤلف الكتاب تقديم حصيلة لما وصل إليه منظروا السياسة الدولية من نظريات لإقامة السلام العالمي وفرض نظام الأمن الجماعي، ومدى تطبيقها على الواقع بجميع مفارقاته.
البعد الحقيقي لسباق التسلح في العالم العربي
يرى الكاتب أن العوامل الفنية والسياسية ليست هي الوحيدة في إعاقة عملية نزع السلاح، ذلك أن للمؤسسات العسكرية البيروقراطية، وكذلك التوجهات السياسية والعقائدية لقادة الدول في العالم دورا أساسيا في ذلك، إلا أن السبب الأهم هو تلك الشبكة المعقدة من المؤسسات والصناعات العسكرية المعنية مباشرة بإنتاج وتطوير الأسلحة المختلفة، والتي تتدخل باستمرار لإحباط أي مشروع لنزع السلاح في العالم، وهي "كارتل" ضخم من المجمعات الصناعية العسكرية تتألف من الدوائر العسكرية الرسمية ووزارات الدفاع والصناعات الحربية الخاصة والشركات الكوكبية عابرة القارات، والوكلاء الذين يروجون هذه الأسلحة ويعقدون الصفقات المربحة بين الدول والمصانع.
- الكتاب: سباق التسلح الدولي
- المؤلف: عبد القادر رزيق المخادمي
- عدد الصفحات: 263
- الناشر: ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر
الطبعة: الأولى/2010
إن هذه المجمعات العسكرية الصناعية تقف ضد أي تخفيض في الأسلحة وتحارب كل الأفكار التي تروج لنزع السلاح النووي وغيره، كما تمتلك قدرات وإمكانيات مالية ودعائية هائلة توظفها في تغذية التوترات الدولية والتأثير في صناعة القرارات ورسم السياسات الدفاعية للدول، من خلال فرق تضعها وزارات دفاع الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا عرفنا أن حجم مبيعات هذه المؤسسات والمصانع السنوية يبلغ آلاف مليارات الدولارات وأن اقتصاديات عدد من الدول الكبرى يعتمد على هذه الصناعة، عرفنا البعد الحقيقي لسباق التسلح.
وحاليا تشهد المنطقة العربية حدة في سباق التسلح بشكل لم تشهده من قبل مشرقا ومغربا، وقد تحولت إلى سوق لمختلف أنواع الأسلحة.
وابتلع ذلك السباق نسبا عالية من الدخل الاقتصادي، وهو لا يزال في أوجه مع استمرار الصراع العربي الإسرائيلي وصراعات أخرى داخل وعلى أطراف المنطقة، زيادة على كونها من أكبر المناطق التي تحوي ثروات طبيعية في مقدمتها المواد الأولية اللازمة للصناعة وأولها النفط، كما تعتبر سوقا ضخمة لتصريف المنتجات.
ونظرا لحاجة العالم لهذين الأمرين (المواد الأولية والأسواق) فقد فرض على دول المنطقة الاحتفاظ بحجم ضخم من القوات المسلحة للتغلب على الأطماع الخارجية.
وتنفيذا لدبلوماسية نشر الخوف في المنطقة العربية، قامت الولايات المتحدة بعقد صفقات بيع أسلحة فاقت 40 مليار دولار، وقد تزامنت مع ولادة الجبهة الأميركية العربية ضد إيران. وعلى سبيل المثال كشفت دراسة للكونغرس الأميركي أن دولة الإمارات احتلت المركز الأول في قائمة أكبر مستوردي السلاح، تليها السعودية باتفاقيات تسلح بلغت قيمتها 8.7 مليارات دولار، فالمغرب بـ5.4 مليارات دولار.
وفي المقابل أشار تقييم أعدته مصالح الدفاع الأميركية وضم 25 بلدا عملت الولايات المتحدة على تسليحه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في سياق الحرب على "الإرهاب"، إلى أن الجزائر قد رفعت قيمة شرائها للأسلحة الأميركية بشكل جعلها تحتل المراتب الأولى، رغم أنها تقتني أغلب أسلحتها من روسيا.
كما أثار التعاون الجزائري الإسباني الواسع في مجال الدفاع جدلا واسعا في الأوساط المغربية بحجة أنه يدخل في سباق التسلح كما تروج له الأوساط المغربية، بسبب الأزمة السياسية التي تشهدها العلاقات بين المغرب والجزائر على خلفية القضية الصحراوية.
السلاح النووي بين التسابق والردع
استضافت الولايات المتحدة قادة 47 دولة في واشنطن بتاريخ 14/4/2010 لمناقشة الخطر النووي على مستقبل البشرية، وغابت إسرائيل مع أنها ترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتمتنع بشدة عن التعامل مع منظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن أكبر تهديد لأمن بلاده يتمثل في حيازة "منظمات إرهابية" سلاحا نوويا.
وأضاف أن بلاده وروسيا ودولا نووية أخرى ينبغي أن توسع تطبيق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتأكد من أن جميع الدول تطبق وتحترم التزاماتها بموجب هذه المعاهدة مع التأكد من أن جميع الأسلحة النووية لا تصل إلى أيدي "الإرهابيين".
ومنه يؤكد الكاتب أن هناك خمس دول تمتلك أسلحة الدمار الشامل رسميا، وهي نفسها القوى الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن أي: الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، والغريب أنها تصر على احتكار السلاح النووي وتعارض امتلاك أي دولة أخرى له.
لكن جرى خرق لهذا الحظر من طرف العديد من الدول التي قامت بتصنيع أسلحة نووية مثل الهند، وباكستان، وجنوب أفريقيا، وكوريا الشمالية، وإسرائيل.
وبالتالي فتجاوز المحظور يعني رفض توقيع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي تم التوصل إليها سنة 1995، أي صار ممنوعا على أي دولة أن تكون مالكة للسلاح النووي وتتمتع بعضوية الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوقت نفسه.
والسبب هو أن أحد شروط العضوية في الوكالة هو التوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووي، وهذا لا ينطبق من حيث المبدأ على القوى النووية التقليدية، لكون برامجها النووية أصبحت سابقة للاتفاقية.
وفي نهاية المطاف، فالدول التي سعت منذ ذلك الحين لدخول النادي النووي عليها أن تختار بين برنامج نووي عسكري يعرضها لمتاعب مع المجتمع الدولي كما هو الحال مع إيران، وبرنامج نووي سلمي تتولى منظمة الطاقة الإشراف عليه ومراقبته بصورة مستمرة وتقديم المساعدات الفنية اللازمة له. وقد ندر حتى الآن التسامح مع أي محاولة لخرق هذه القاعدة، وهو ما نلاحظه اليوم من خلال النزاع حول الملفين الكوري الشمالي والإيراني.
واستند الكاتب إلى ما ورد عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن، من أن البرنامج الإيراني سوف يدفع دولا أخرى في المنطقة إلى التفكير في اقتناء التكنولوجيا النووية، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة النووية -وعلى رأسها الولايات المتحدة- تعهدت منذ 2007 بالإعلان عن مراقبة 14 مفاعلا من أصل 22 مما يعني توصيل رسالة لمن يعنيهم الأمر، وقد كانت موجهة حسب الكاتب إلى الصين بحكمها القطب الصاعد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وإيران والعالم العربي والإسلامي على حد سواء.
أما القوس النووي الذي كانت تخطط له فيرتكز شرقا في اليابان والهند وصولا إلى إسرائيل، على أن تهيمن عليه الولايات المتحدة ليخدم مصالحها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط حيث منابع البترول.
فلولا الولايات المتحدة لما وصلت إسرائيل إلى ما وصلت إليه من تفوق في السلاح، والسلاح النووي الإسرائيلي هو بالأساس سلاح أميركي من الألف إلى الياء. وقد حولت مراكز البحث في مختلف المؤسسات العلمية إلى مراكز جذب لعلماء الفيزياء والكيمياء اليهود منهم وغير اليهود، مما مكنها من الاكتفاء الذاتي في الإطارات القادرة على استغلال الطاقة النووية في الحرب والسلم.
ويرى الكاتب أن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي يشكل أخطر التهديدات الإستراتيجية للأمن القومي العربي في العقدين القادمين، خلافا لما يروج عن السلاح النووي الإيراني، بحيث تمتلك إسرائيل من الأسلحة النووية وسبل إطلاقها ما يهدد المنطقة العربية برمتها، ولهذا تسعى جاهدة لمنع غيرها من امتلاك الأسلحة النووية.
وخير دليل على ذلك ما فعلته في العراق، إذ نفذ الطيران الإسرائيلي عملية قصف تدميرية للمنشآت النووية العراقية في ذروة الحرب العراقية الإيرانية، ناهيك عن اغتيال عشرات العلماء العرب.
ولم تتوان إسرائيل في استخدام الأسلحة المحرمة دوليا كما حدث في العدوان على غزة، إذ لا تزال حتى الآن ترفض انضمامها إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، وترفض تفتيش منشآتها في تحد للإرادة الدولية، مما قد يشجع على سباق التسلح النووي في المنطقة من قبل الدول العربية الرئيسية، خاصة بعد الجدل المثار حول البرنامج النووي الإيراني.
من الأمن الجماعي إلى أمن المجموعة
بدخول المارد النووي ساحة المعركة أثناء الحرب العالمية الثانية، كاد يقضي على النظام العالمي كله، مما جعل الدول المنتصرة تتداعى لتحريم اللجوء إلى الحرب إلا في حالة الدفاع عن النفس، وضرورة تسوية النزاعات بالطرق السلمية وفرض العقوبات على المخالفين من خلال هيئة دولية قادرة على فرض الأمن الجماعي عبر مجموعة من القواعد القانونية الملزمة.
وقد جاهدت منظمة الأمم الدولية ولا تزال حتى تبقى وفية لميثاقياتها، ملتزمة بقوانينها التي سنت لحماية الأمن الدولي ونشر العدالة بين البشر، من خلال الأجهزة والفروع التابعة لها.
ولكن الواقع الدولي وصراع القوى الكبرى ولعبة التوازن والمصالح الخاصة بهذه القوى أثر مباشرة على دور المنظمة وفعاليتها.
لذلك يؤكد الكاتب ضرورة الالتفاف حول فكرة الأمن الجماعي وتفعيلها، لأن هذا النظام بشعاره "الكل ضد واحد" يعطي القدرة على تحديد هوية المعتدي ويشيع الثقة والطمأنينة لدى أطرافه، فلا يحتفظون إلا بقدر محدود من القوة العسكرية، ومن ثم يصعب على أي دولة حيازة قوة ضاربة في غفلة من الآخرين إذ سيكشف مسعاها عن نوايا عدوانية وشيكة تستدعي رد فعل حازما من قبل الآخرين، مما يصرف الدول عن سباق التسلح عكس ما هو سائد من اعتبار الأمر مطلوبا للحفاظ على وضعية التوازن التي تحول دون نشوب الحروب.
ويرى بعض الباحثين أنه حالما يتوفر للأمن الجاري تناسق سياسي عسكري عميق بين أقطابه وتكريسه لإحساس موحد بالانتماء للجماعة الدولية، فإن السلام والأمن سيتحققان تلقائيا وتنتفي معهما الحاجة إلى بناء هياكل تنظيمية تحتويهما.
بينما يرى البعض الآخر أن تأطير الأمن الجماعي في هياكل تنظيمية إنما يوثق علاقات التعاون ويضاعف كفاءة أداته، بما يقننه من قواعد وما يرسيه من مبادئ وقيم في إطار الهيكل التنظيمي للأمن الجماعي، من شأنها تسوية الخلافات سلميا وبعيدا عن منطق السلاح والصدام العسكري، واعتماد إجراءات عقابية صارمة توقعها كافة الدول على الطرف المنشق، الأمر الذي يدعم كفاءات الردع لميكانيزم الأمن الجماعي.
إلا أن صيغة الجماعة حسب رأي الكاتب تحول دون تحقيق الاندماج السياسي الأمثل بسبب اتساع نطاق العضوية، فكلما زاد عدد الأعضاء صعب توصلهم إلى اتفاق عام حول ماهية العدوان وتوقيت التكاتف لصده.
ومن جهة أخرى قد تحجم عدة دول عن الانضمام إلى العضوية مخافة أن تجد نفسها مدفوعة إلى الحرب دون مراعاة ظروفها الداخلية والخارجية.
لذلك برز ما يسمى نظام "أمن المجموعة محدودة العضوية" وهو ما تعارف على تسميته بـ"الكونسرت"، حيث تقتصر العضوية فيه على الدول الكبرى فقط ذات الرؤى المتجانسة والأهداف الموحدة فتندر احتمالات الشقاق، كما يتسم هذا النظام بدرجة عالية من المرونة لإدراك أقطابه بأنه ليس كل عدوان ملزما بالردع والعمل الجماعي، وإنما يضع المصلحة فوق كل اعتبار.
بالنظر إلى الواقع وتداعياته، صار لزاما على الحكومات العربية في الوقت الراهن الإعلان عن نواياها الدفاعية لشعوبها، ثم مباشرة بناء مفاعلات لأغراض عسكرية أو ما اصطلح عليه بالرادعة، بما أن المنطقة العربية من أكثر المناطق تقلبا لاحتوائها على منابع النفط و"التطرف الديني" و"الإرهاب المنظم".