كيف وظّفت إيران "حيلة الصواريخ" لضرب العمق الإسرائيلي؟

أحمد حافظ، ديانا جرار
17/6/2025
في ظل تصاعد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران برزت تكتيكات إيرانية غير مسبوقة في إدارة الهجمات الصاروخية والمسيّرات ضد إسرائيل، مما أدى إلى إرباك الدفاعات الجوية وتغيير أنماط القتال بين الطرفين.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال خبيران عسكريان إن هذه المواجهة تطرح أسئلة عميقة بشأن الأهداف النهائية لمنظومة الرد الإيرانية، ومدى انعكاسها على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وحتى على موازين القوى الإقليمية.
وتميزت المواجهة الحالية بأنها الأوسع من حيث الوصول إلى أهداف إيرانية حساسة، إذ شملت منشآت نووية وقواعد صواريخ واغتيال شخصيات قيادية، مما خلف مئات القتلى والجرحى في إيران.
وردّت إيران فورًا بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة باتجاه العمق الإسرائيلي، مما أسفر عن قتلى وجرحى وأضرار مادية واضحة، وشلل جزئي للمجال الجوي، وذعر في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، واستدعاء التدخل الأميركي والبريطاني المباشر دعما لإسرائيل.

خداع الصواريخ
ويشير الخبير العسكري والإستراتيجي إلياس حنا إلى أن إيران -في ردها الأخير المسمّى "
الوعد الصادق 2″- اتبعت تكتيك القتال المشترك بين مختلف الأسلحة الدقيقة.
وفي تفاصيل المقصود بهذا الأسلوب في القتال، يشرح حنا ذلك بأن إيران تتعمد إطلاق المسيّرات البطيئة أولا لاستكشاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإرباكها واستنزافها، ثم تأتي بعد ذلك موجات من
صواريخ كروز والصواريخ المجنحة، ثم الصواريخ الباليستية.
وأضاف أن صواريخ كروز تتمتع بخصائص تجعل اكتشافها صعبًا في مرحلة مبكرة، والمسيّرات فهي قادرة على المناورة والمراوغة، رغم أنها قد تُرصد من الدفاعات الجوية. أما الصواريخ الباليستية ورغم أن مسارها يمكن التنبؤ به نسبيًا، فإن خطورتها تكمن في الكيفية التي تُطلق بها بحيث تستطيع تشتيت الدفاعات وتحقيق الاختراق، حسب تفسير إلياس حنا.
ومن وجهة نظر الباحث في الشأن الدفاعي والعسكري الإيراني حسين حقيان فإن الهجمات المركّبة التي تمزج بين المسيّرات الانتحارية وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية تمنح إيران ميزة عملياتية مركّبة؛ فهي لا تكتفي بإشغال المنظومات الدفاعية الإسرائيلية فقط، بل تدفع سلاح الجو الإسرائيلي نفسه إلى المشاركة والتشتيت، لأن أفضل وسيلة لاعتراض مثل هذه الهجمات تكون عبر المقاتلات الحربية.
وأشار حقيان إلى أنه مع انشغال سلاح الجو، تزداد حرية "المدن الصاروخية" الإيرانية في إطلاق موجات جديدة من الهجمات، وبالتالي يتحول هذا النمط الإيراني من الهجمات إلى وسيلة لاستنزاف صواريخ الاعتراض لدى إسرائيل، واضطرارها للاعتماد على دعم حلفائها.

السيطرة الجوية
ويهدف كلا الطرفين إلى تحقيق أقصى سيطرة جوية في عمق أراضي الطرف الآخر، أو على الأقل إبطال إستراتيجية الأفضلية التي قد تمثل تهديدا لخطط كل من إيران وإسرائيل.
فإلياس حنا يرى أن الهدف الجيوسياسي الأعمق لإسرائيل يتجلّى في الهيمنة الجوية عبر شلّ منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، وتدمير منصات ومخازن الصواريخ قبل الإطلاق. مؤكدا أن هذا ما دفع إسرائيل إلى إعلان استهدافها نحو 30-40% من منصات الإطلاق الإيرانية، معتبرة أن ضرب المنصة (وليس الصاروخ) هو الهدف الأقل كلفة والأكثر فعّالية في المدى المتوسط.
أما إيران، فتعتمد على مخزون ضخم من الصواريخ (تقدّرها إسرائيل بـ3 آلاف صاروخ، منها ألفا صاروخ باليستي)، وتراهن على أن توزيع الأهداف الجغرافية على مساحة البلاد الشاسعة يمنحها قدرة على الصمود، رغم صعوبة الدفاع الجوي الشامل، حسب تحليل الخبير العسكري والإستراتيجي.
ويربط حنا تكتيك توظيف الصواريخ بالإستراتيجية الكبرى لدى الطرفين، موضحًا أن الهدف الإسرائيلي لا ينحصر في تعطيل المشروع النووي الإيراني بناء على رغبة أميركية، بل يتوسع ليشمل ضرب كل البنى الحيوية، وتحويل إيران إلى "دولة فاشلة"، تمهيدًا لتغيير النظام وتبديل موازين القوى الإقليمية.
أما لدى إيران، فيرى حقيان أن استنزاف الدفاعات الإسرائيلية هو المدخل لمعادلة جديدة؛ فكل صاروخ إيراني ينجح في اختراق منظومة الدفاع سيكون ضربة مباشرة ضد أصول إستراتيجية في إسرائيل، ويقرّب من هدف إضعاف الثقة في القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.

الذعر ونهاية المواجهات
وتنعكس المواجهة المركّبة بين إسرائيل وإيران بوضوح على الجبهة الداخلية، ولا يمكن أثناء المعارك التنبؤ بنهايات قاطعة، لكن تتجلى في الوقت الحالي مرحلة يمكن تسميتها "ضباب الحرب" ويصعب معها الحسم.
فالهجمات المتبادلة تتسبب في ارتفاع حاد في مشاعر انعدام الأمن لدى المواطنين في كلا البلدين، خاصة مع سقوط الصواريخ على مناطق مكتظّة بالبنى التحتية المدنية والعسكرية معًا، حسب ما قاله الباحث في الشأن الدفاعي والعسكري الإيراني.
ويلاحظ حقيان أن إسرائيل رغم اتهامها لحركة المقاومة الإسلامية (
حماس) باستخدام المدنيين دروعا بشرية، فإنها تنشر منصات دفاعها الجوي وسط المدن المكتظة بالسكان، وهذا يزيد المخاطر ضد المدنيين الإسرائيليين أنفسهم.
ومع تزايد شراسة الهجمات، يحذر المحللان من مغبّة التسرع في إعلان تغيّر جذري في ميزان القوى العسكرية، فالنتائج النهائية تبقى رهينة بمآلات الحرب وتداعياتها غير المتوقعة.
وخلصا أيضا إلى أن المعطيات الميدانية والسياسية الحالية تشير إلى أن الحرب -حتى لو توقفت اليوم- قد خلّفت تحوّلًا نوعيًا في معادلة الردع الإقليمية، وأن الجغرافيا والمساحة والمسافة تلعب دورًا مزدوجًا في هذه الحرب؛ فهي تسهّل الدفاع في إسرائيل بسبب المساحة الصغيرة وتكثيف الأهداف، لكنها تجعل كل هدف أكثر خطورة، بينما تمنح إيران القدرة على المناورة والاختباء، ومع ذلك تصعّب عليها حماية كل شبر من أراضيها.
وتكشف معركة الصواريخ والمسيّرات بين إيران وإسرائيل عن تطور غير مسبوق في التكتيكات الهجومية والدفاعية بالشرق الأوسط، وتؤسس لجولة جديدة من التنافس على الهيمنة الجوية، ويبدو أن كلا الطرفين يدركان أن الحرب لن تُحسم سريعًا، وأن الجبهة الداخلية في كل بلد ستظل المعادلة الأكثر هشاشة في هذه المواجهات.
المصدر: الجزيرة نت