أنشأ وزير الدفاع
أفيغدور ليبرمان في فبراير/شباط 2018 لجنة وزاريه لسن قانون تجنيد الحريديم، وتضمّن القانون زيادة عدد المجندين المتدينين تدريجيا بمنحهم امتيازات، وفرض غرامات مالية على المتخلفين، وإلغاء العقوبات الجنائية السابقة.
وفي يوليو/تموز 2022 وافقت المحكمة على تأجيل إضافي لإلغاء القانون حتى يوليو/تموز 2023، وقد سبق للمحكمة أن أجلت إلغاء القانون مرتين.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022 تعهد نتنياهو بإقرار قانون لتجنيد الحريديم، وقررت حكومته يوم 25 يونيو/حزيران 2023 تقديم القانون بحلول 2024، والامتناع عن تجنيد خريجي المعاهد الدينية حتى إقراره.
قبل اندلاع حرب طوفان الأقصى وتحديدا في يونيو/حزيران 2023 ألزمت المحكمة العليا الحكومة بتجنيد الجميع، بمن فيهم الحريديم، لكن الأخيرة حاولت تمرير قانون يسمح باستثناءات في تجنيد متدينين، وهو ما أثار سخطا في أوساط الأحزاب المعارضة التي أطلقت على القانون اسم "قانون التهرب".
ومع اندلاع العدوان الإسرائيلي إثر عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فجر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 طالبت المحكمة العليا مرة أخرى الحكومة بتشريع قانون التجنيد، ولا سيما في ظل استدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط.
زاد غضب الشارع الإسرائيلي بسبب عدم مشاركة الحريديم في الخدمة العسكرية لغياب قانون يفرض تجنيدهم، وأشارت استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد.
وكشفت معطيات الجيش عن صعوبات كبيرة في تجنيد الحريديم، إذ جند 177 فردا فقط من أصل 10 آلاف أمر تجنيد صادرة بين يوليو/تموز 2024 ومارس/آذار 2025، أي بنسبة 1.77% فقط.
يوم 26 فبراير/شباط 2024 أصدرت المحكمة العليا أمرا مؤقتا يلزم الحكومة بتوضيح سبب عدم تجنيد طلاب المدارس الدينية بحلول 31 مارس/آذار في غياب تشريع ينظم الإعفاء.
منحت المحكمة العليا مسؤولي الحكومة مهلة حتى 30 أبريل/نيسان 2024 لتقديم حجج إضافية، لكنها وفي حكم مؤقت قضت أيضا بإلزام الحكومة بوقف تمويل المدارس الدينية التي لا يلتحق طلبتها بالجيش اعتبارا من الأول من أبريل/نيسان، وقد أثار القرار معارضة الحكومة والأحزاب الدينية، وسط اتهامات للمحكمة العليا باتخاذ القرار لدوافع سياسية رغبة في الإطاحة بحكومة نتنياهو.
يوم 11 يونيو/حزيران 2024 صوّت الكنيست الإسرائيلي لصالح مشروع قانون التجنيد الذي يسعى نتنياهو إلى تمريره لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وقد صوّت لصالحه 63 نائبا وعارضه 57، وقد أحيل مشروع القانون إلى لجنة الخارجية والأمن لمزيد من المداولات والبحث والتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة حتى يصبح قانونا نافذا.
بعدها بـ14 يوما قضت المحكمة العليا بفرض تجنيد اليهود الحريديم في الجيش على الحكومة، ومنع تقديم المساعدات المالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية، وهو قرار أحدث صدمة في ائتلاف نتنياهو المعارض لتجنيد الحريديم.
وذكرت المحكمة في قرارها أنه "في ذروة الحرب الصعبة التي تعيشها إسرائيل أصبح عبء عدم المساواة حادا أكثر من أي وقت مضى".
وفي 28 مارس/آذار 2025 بعثت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف ميارا رسالة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية داعية إياها إلى ضرورة البدء في تجنيد المتدينين الحريديم من بداية أبريل/نيسان.
كما طالبت بحرمان الحريديم الذين يتهربون من التجنيد من المزايا الاقتصادية، ودعت وزير الدفاع إلى إرسال أوامر التجنيد إلى جميع الحريديم الذين هم في سن الخدمة العسكرية.
يوم 6 مايو/أيار 2025 أصدر رئيس الأركان
إيال زامير تعليمات جديدة لتوسيع إصدار أوامر التجنيد لليهود المتدينين، وبموازاة ذلك بدأت قوات الشرطة باتخاذ إجراءات ضد الهاربين الذين تلقوا أوامر التجنيد.
وشنت الأحزاب الدينية هجوما شرسا على الجيش، وهدد مسؤول من الحريديم بالانسحاب من
الائتلاف الحكومي وبالتالي الإطاحة به.
رفض جزء كبير من الحريديم التجنيد في الجيش له تاريخ طويل، وهو لا ينبع فقط من رفضهم الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، فهناك مجموعة من الأسباب التي جعلتهم يعارضون بشدة الالتحاق بالخدمة العسكرية.
ويبرر الحاخام الأكبر يتسحاق يوسف عدم التحاق الحريديم بالخدمة العسكرية بالقول "دون التوراة ودون المدارس الدينية للرجال المتزوجين لن يكون هناك شيء، لن يكون هناك نجاح للجيش، الجيش ينجح فقط بفضل أولئك الذين يدرسون التوراة، التوراة هي ما يحمينا".
ويعتقد الحريديم أن الخدمة في الجيش تتعارض مع قيمهم الدينية، وأن الملتزمين لن يستطيعوا الحفاظ على تدينهم أثناء الخدمة، وأنها تبعدهم عن تعاليم التوراة.
كما يخشى الحريديم الاختلاط بين الرجال والنساء أثناء الخدمة في الجيش، ويرون أن هذه الخدمة أيضا ستمنعهم من الحفاظ على القيم العائلية والالتزام الصارم في الملبس والكلام والأفعال، ويرون أنهم في الجيش سيكونون مكرهين على حلق اللحية وإهمال الصلاة.
ويعتقد الحريديم كذلك أن دولة إسرائيل "دولة كافرة"، وأنها "تدخلت في العملية الخلاصية بالمفهوم الديني"، ويتعاملون معها ببراغماتية لتحقيق مصالحهم فقط، ويرون أنها ليست "بداية الخلاص"، بل إنها "استمرار مباشر للنفي التوراتي".
ويعتبر الحريديم التجنيد خطرا اجتماعيا، فالجيش بمنظورهم هو المؤسسة المهمة التي يلتقي فيها الأفراد من جميع فئات المجتمع، مما قد يؤدي إلى تغلغل ثقافة دخيلة على مجتمع الحريديم وتغييره من الداخل.
وعلى الرغم من الأسباب السابقة فإن دراسة للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية صدرت عام 2021 وجدت أن ربع شباب الحريديم يرغبون بالتجنيد في الجيش مدفوعين بـ3 دوافع هي: رغبتهم في المساهمة بحماية دولتهم، ورغبتهم في اكتساب مهنة، وإدراكهم أن الخدمة العسكرية تمثل واجبا مدنيا.
لكن الدراسة تشير إلى أن هؤلاء المتدينين لم يتمكنوا من تحقيق رغبتهم لأسباب عدة تتمثل في خوفهم من النبذ الاجتماعي في طائفة الحريديم، وخشيتهم من عدم القدرة على التكيف مع بيئة الجيش، ومن ردة فعل حاخامات الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية مطلقا.
ولتبديد هذه المخاوف شكّل الجيش الإسرائيلي وحدات خاصة تضمن للحريديم شروطا للحفاظ على خصوصيتهم الدينية، لكن ذلك لم يثنهم عن مواقفهم الرافضة للالتحاق بالجيش، ومنها وحدة " نيتسح يهودا"، وهي أول كتيبة قتالية خاصة بالحريديم تأسست عام 1999 على يد يهودا دوفدفاني بدعم من مجموعة من الحاخامات، بهدف دمج شباب هذه الطائفة في الجيش وفي المجتمع الإسرائيلي، دون المساس بتقاليدهم الدينية.
وتضم "نيتسح يهودا" نحو ألف جندي وتتبع "لواء كفير" الذي هو جزء من الفرقة 99 أو ما تعرف باسم "فرقة مشاة النار"، إضافة إلى وحدة "حيتس" المخصصة للحريديم في كتيبة المظليين من سن 18 إلى 21 سنة.
وتضمن لهم تلك الوحدة بشكل كامل نمط الحياة الحريدية، ويرافقهم حاخامات أيام السبت، وتمتد الخدمة فيها عامين و8 أشهر.
وهناك أيضا وحدة "تومر" التي تأسست عام 2014 في
لواء غفعاتي، وتضمن الحفاظ على نمط حياة الحريديم، وهي مخصصة للرجال فقط، وتمتد الخدمة فيها عامين، إضافة إلى عام ثالث لإكمال الدراسة.
كما تأسست وحدة "شاحر بلو" عام 2017 لاستيعاب الحريديم في سلاح الجو والبحر والدفاع المدني والاستخبارات العسكرية وقسم التكنولوجيا والقوى البشرية والمؤسسة الدينية العسكرية.
وتشكل هذه الوحدة نحو ربع المجندين الحريديم في الجيش، وتتراوح مدة الخدمة الإلزامية فيها بين 16 و24 شهرا، وذلك حسب سن التجنيد والمنصب.