حركة العدل والمساواة..حركة مسلحة في إقليم دارفور السوداني (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          القصة الكاملة لسقوط الفاشر (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 12 )           »          سامية صولوحو.. سياسية تنزانية (رئيسة جمهورية تنزانيا) (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 18 )           »          مجلس الأمن يعتمد قرارا بشأن الصحراء الغربية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الأمم المتحدة تدعو لتحقيق مستقل وسريع في مجازر الفاشر (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          جمهورية غينيا بيساو (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          اعتقال ضباط كبار في غينيا بيساو بتهمة السعي لانقلاب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          ترامب ينفي التحضير لقصف فنزويلا رغم الحشد العسكري (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          خيرت فيلدرز.. سياسي هولندي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          فيرست واب.. شركة إندونيسية متهمة بالتجسس على الهواتف حول العالم (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          حركة أبناء البلد.. حركة يسارية تدافع عن حقوق فلسطينيي 48 (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          وحدة نحشون.. جهاز عسكري إسرائيلي لمراقبة السجون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          رشوة الطيار لتحويل مسار الرحلة.. تسريب تفاصيل خطة أميركية لخطف رئيس فنزويلا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          اللواء جعفر العسكري.. مؤسس الجيش العراقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          "العون الإنساني" بالسودان: "الدعم السريع" قتلت 2000 مدني بالفاشر (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح التــاريخ العسكــري و القيادة > قســـــم التــاريخ العـســــكــري
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم مشاركات اليوم
 


القصة الكاملة لسقوط الفاشر

قســـــم التــاريخ العـســــكــري


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 01-11-25, 02:50 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي القصة الكاملة لسقوط الفاشر



 

القصة الكاملة لسقوط الفاشر

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
عَلَم السودان مُعلّق على رشاش آلي تابع لقوات الدعم السريع بالقرب من الخرطوم في 2019 (رويترز)


أحمد مولانا
1/11/2025


الحرب حبلى عادة بالمفاجآت، فحين اندلعت الحرب العالمية الأولى، توقع رئيس أركان سلاح المشاة في الجيش البريطاني، الجنرال أرشيبالد موراي، أنها قد تستمر 3 أشهر إذا سارت الأمور على ما يرام، وربما 8 أشهر إذا لم تسر الأمور على ما يرام، لكنها استمرت 4 سنوات، وحصدت أرواح ملايين البشر.
حين اندلعت الحرب في السودان عام 2023 بين الجيش والدعم السريع، ظنّ كثيرون أنها ستكون جولة عابرة من القتال يمكن احتواؤها سريعًا عبر حسم عسكري لصالح أحد الطرفين، أو من خلال تسوية سياسية تُجنب البلاد الدمار. ولكنها اليوم تدخل عامها الثالث، ويبدو أنه كلما خبا لهيبها اشتعل مجددا.

لقد شهدت مسيرة الحرب منعطفات عديدة، من أبرزها سيطرة الدعم السريع على مدينة مدني وأجزاء من ولاية الجزيرة، ثم تمدده إلى ولاية سنار جنوب شرق البلاد، والذي أعقبه هجوم مضاد من الجيش وحلفائه توج باستعادة ولاية الخرطوم، ما فتح الباب أمام حقبة جديدة تحتمل أحد ثلاثة خيارات:
إما استمرار الحرب عبر جولات إضافية من القتال في ولايات دارفور وكردفان لتنتهي بفك الحصار عن مدينة الفاشر مركز إقليم دارفور، أو الانتقال إلى تسوية سياسية تُبنى على توازن القوى الذي أفرزته معركة الخرطوم، أو المضي في حرب استنزاف طويلة الأمد، وهو الخيار الذي سارت باتجاهه مجريات القتال مع سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر.

رمزية الفاشر

الفاشر هي العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، لكنها دُمجت في السودان عام 1916 عقب انحياز سلطان دارفور، علي دينار، إلى العثمانيين زمن الحرب العالمية الأولى، وتمكن الإنجليز من هزيمته ثم قتله. وبمرور الوقت أصبحت مركز الثقل الإداري والسياسي في غرب السودان، بجوار تمتعها بموقع حيوي يربط السودان بليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى.
سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد أكثر من 260 محاولة اقتحام فاشلة، أعقبها انسحاب الفرقة السادسة مشاة، لتُسجل بذلك الخرطوم خسارتها الأخيرة لأكبر موقع عسكري في إقليم دارفور. وجاء هذا التطور بعد حصار خانق استمر أكثر من عام ونصف، شهدت فيه المدينة عزلاً تامًا عن الإمدادات، وظروفًا إنسانية قاسية تحت وطأة الحصار المشدد.

الجذور التاريخية للأزمة

شكّلت التركيبة السكانية المعقدة والتداخلات الحدودية في إقليم دارفور، الذي يمتد على مساحة تُقارب 549 ألف كلم مربع، تحديًا كبيرًا للحكومة المركزية في الخرطوم. ويُعد هذا التحدي انعكاسًا لطبيعة السودان كدولة واسعة المساحة ومتعددة الأعراق والثقافات، تعاني من تداخل الأزمات وتعددها.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

خريطة موضح عليها إقليم دارفور كما يلي: شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، جنوب دارفور وعاصمتها نيالا، غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، شرق دارفور وعاصمتها الضعين، وسط دارفور وعاصمتها زالنجي (الجزيرة)

ورغم ما يزخر به الإقليم من ثروات زراعية وحيوانية، إلى جانب احتوائه على معادن نفيسة مثل الذهب، ظل دارفور يعاني من التهميش وغياب التنمية والخدمات الأساسية، ما أدى إلى تفاقم مشاعر الغبن والإقصاء بين مكوناته، وترسّخ حالة من الاحتقان الاجتماعي والسياسي.
يعيش نحو 7 ملايين نسمة في إقليم دارفور ضمن تركيبة قبلية متشابكة، تتصدرها مجموعتان رئيسيتان: العرب الرحّل من الرعاة مثل قبيلتي الرزيقات والمحاميد، والمجموعات الأفريقية الزراعية كالفور والزغاوة والمساليت. ومع توالي موجات الجفاف منذ سبعينيات القرن الماضي، اشتد التنافس بين الرعاة والمزارعين على الموارد الطبيعية، خاصة المراعي والمياه، ما أدى إلى تصاعد التوترات وتحولها تدريجيًا إلى مواجهات مسلحة متكررة، أضفت على الصراع طابعًا عرقيًا متأزمًا.
في ثمانينيات القرن الماضي، اكتسب الصراع في دارفور بعدًا إقليميًا جديدًا بفعل تطورات سياسية متسارعة. فقد أطلق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي مشروع "الحزام العربي"، الذي قدّم من خلاله دعمًا مباشرًا للقبائل العربية المنتشرة على جانبي الحدود السودانية التشادية، ما أدى إلى عسكرة البنية القبلية في الإقليم، وأضعف دور الإدارة الأهلية التقليدية التي كانت تشكل ركيزة الاستقرار المحلي.

في المقابل، تولى إدريس ديبي السلطة في تشاد، وهو ينتمي إلى قبيلة الزغاوة التي تمتد جغرافيًا بين غرب السودان وشرق تشاد، مما أدخل التوازنات القبلية العابرة للحدود ضمن معادلة التنافس السياسي بين الخرطوم وإنجمينا وطرابلس، وجعل من دارفور ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية.
وعندما اندلع التمرد في عام 2003، إثر الهجوم الذي شنته حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة على مطار الفاشر، احتجاجًا على ما وصفوه بالتهميش السياسي والاقتصادي الممنهج، تحوّل الإقليم إلى مسرح تتقاطع فيه المظالم المحلية مع الحسابات الإقليمية، ما عمّق من تعقيدات الأزمة وأطال أمدها.
واجه نظام الرئيس عمر البشير تمرد دارفور في لحظة ضعف استراتيجي، إذ كان الجيش السوداني منهمكًا في خوض حرب ضارية ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق في الجنوب. وفي ظل هذا الضغط الميداني، لجأت الحكومة إلى خيار بديل تمثل في تسليح مليشيات محلية من القبائل العربية، عُرفت لاحقًا باسم الجنجويد، لتكون قوة غير نظامية في مواجهة الحركات المسلحة في الإقليم.

ورغم فاعلية هذه المليشيات في القتال، فإنها افتقرت إلى الانضباط، وسرعان ما تحولت إلى أداة عنف منفلتة، انخرطت في اقتصاد الحرب القائم على النهب والسلب، وشاركت في أنشطة التهريب عبر الحدود، مما زاد من تعقيد المشهد الأمني والإنساني في دارفور.
واجهت حكومة الخرطوم اتهامات دولية خطيرة بارتكاب جرائم حرب وعمليات تطهير عرقي في إقليم دارفور، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات توقيف بحق 5 من كبار مسؤوليها، كان أبرزهم الرئيس عمر البشير.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) (حسابه على تليغرام)

وفي ظل تصاعد الضغوط، لجأت الحكومة إلى إعادة تنظيم المليشيات القبلية ضمن تشكيل رسمي أُطلق عليه اسم قوات حرس الحدود عام 2003، ووُضع تحت إشراف جهاز المخابرات والأمن الوطني، وتكوّن بشكل أساسي من رعاة الإبل من قبيلة الرزيقات.
وفي عام 2013، أعيد هيكلة هذا التشكيل تحت اسم قوات الدعم السريع، لتتولى مهام مكافحة التمرد في مختلف أنحاء السودان، متجاوزة نطاق دارفور. ثم أصدر الرئيس البشير في عام 2016 قرارًا بنقل تبعية هذه القوات إلى رئاسة الجمهورية مباشرة، ما منحها استقلالية واسعة ونفوذًا متزايدًا داخل المنظومة الأمنية والعسكرية.


ومع تقلب الأوضاع السياسية في السودان، واندلاع حرب اليمن، وإرسال قوات من الدعم السريع للقتال ضد الحوثيين، أصبحت دارفور قاعدة إنتاج لقوة عسكرية جديدة تتجاوز الجيش من حيث العلاقات القبلية والإقليمية والتمويل الذاتي.
واستثمر حميدتي وعشيرته في تجارة الذهب، وأنشأ شبكة اقتصادية ضخمة وعلاقات خارجية مكّنته من تمويل قواته ودفع رواتبها وتسليحها بمعزل عن ميزانية الدولة، وصار "الدعم السريع" مؤسسة موازية تحمل شرعية رسمية، لكنها تعمل بعقيدة مختلفة عن الجيش.

الطريق إلى الحرب الثانية

بعد عزل الرئيس عمر البشير في عام 2019 ودخول السودان مرحلة انتقالية مضطربة، ظهرت التناقضات بين الجيش والدعم السريع إلى العلن رغم تولي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان منصب رئيس مجلس السيادة، وتولي قائد الدعم السريع حميدتي منصب نائب رئيس المجلس.
مع توقيع اتفاق جوبا للسلام في عام 2020 بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المتمردة، شهدت العملية السياسية في البلاد تحولًا لافتًا تمثل في دمج بعض الفصائل المسلحة من دارفور ضمن مؤسسات الدولة. فقد تولى قائد حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، منصب وزير المالية، بينما عُيّن قائد جيش تحرير السودان، ميني أركو مناوي، حاكمًا لإقليم دارفور بجميع ولاياته الخمس.

كما تسلّم خميس عبد الله أبكر، المنتمي لحركة تحرير السودان، منصب والي ولاية غرب دارفور، وانضم إلى مجلس السيادة كلٌ من الطاهر حجر ممثلًا لتجمع قوى تحرير السودان، والهادي إدريس عن حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي.
في المقابل، رفض عبد الواحد محمد نور، قائد أحد أجنحة جيش تحرير السودان، التوقيع على الاتفاق، متمسكًا بموقفه الرافض للمشاركة في العملية السياسية ضمن شروط اتفاق جوبا.
تصاعدت الخلافات حول تقاسم السلطة بين المكونين العسكريين في السودان، وبدت مؤشرات التوتر بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) تتجه نحو مواجهة محتومة. وفي 15 أبريل/نيسان 2023، اندلعت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم، حيث ركّزت قوات الدعم السريع هجماتها على المدينة بهدف إخراج الجيش منها.
وسرعان ما وسّعت قوات الدعم السريع نطاق عملياتها باتجاه إقليم دارفور، الذي يُعد حاضنتها الاجتماعية ومجالها الحيوي للنفوذ والتمدد، لتتحول المواجهة من محاولة من الدعم السريع للسيطرة على السلطة إلى حرب مفتوحة متعددة الجبهات.

خطة سيطرة متدرجة

نفذت قوات الدعم السريع خطة عسكرية متدرجة تهدف إلى إحكام السيطرة على إقليم دارفور بالكامل. انطلقت المرحلة الأولى من هذه الخطة بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2023، حيث تمكنت من الاستيلاء على قواعد الجيش السوداني في محليات كتم وكبكابية بولاية شمال دارفور، وأم دافوق بولاية الجنوب، ما عزز من تمركزها في المناطق الريفية وقطع خطوط الإمداد المؤدية إلى المدن الكبرى.
وفي تطور لافت، سيطرت القوات على مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وشهد شهر يونيو/حزيران 2023 أحداثًا دامية، حيث قُتل والي الولاية خميس عبد الله أبكر، إلى جانب آلاف المدنيين من قبيلة المساليت، في واحدة من أكثر المجازر دموية منذ اندلاع الحرب.
مع حلول أغسطس/آب 2023، شرعت قوات الدعم السريع في تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها العسكرية، مركّزة على السيطرة على عواصم ولايات دارفور الثلاث المتبقية، باستثناء مدينة الفاشر. ففي 26 أكتوبر/تشرين الأول، سقطت مدينة نيالا، عاصمة جنوب دارفور، بعد حصار طويل استمر لأشهر، انقطعت خلاله الاتصالات والإمدادات عن الفرقة 16 التابعة للجيش السوداني.
وبعد 5 أيام فقط، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، عقب انهيار دفاعات حامية الفرقة 21 مشاة. وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، استولت على منطقة أردمتا في غرب دارفور بعد معارك عنيفة أفضت إلى سقوط الفرقة 15 من الجيش.

وفي غضون أسبوعين، توغلت القوات في مدينة الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور، وبسطت سيطرتها على الفرقة 20، لتُحكم قبضتها بذلك على 4 من أصل 5 ولايات في الإقليم، تاركة الفاشر وحدها خارج نطاق سيطرتها الكاملة.
أعادت الحرب في السودان إنتاج الانقسامات العرقية بين المجتمعات العربية والأفريقية، لتُعمّق من هشاشة النسيج الاجتماعي في إقليم دارفور. ففي مدينة الجنينة غرب الإقليم، تعرض مجتمع المساليت لعمليات قتل جماعي وصفتها الأمم المتحدة بأنها من بين الأسوأ، وقدّرت عدد القتلى بنحو 15 ألفا.
وفي ظل هذا التصعيد، برزت التعبئة على أساس الهوية العربية المشتركة، حيث توحدت قبائل عربية كانت متناحرة في السابق تحت راية قوات الدعم السريع، مستفيدة من تدفق التمويل الكبير والأسلحة المتطورة التي حصلت عليها من جهات خارجية، ما عزز قدرتها العسكرية وساهم في ترسيخ الانقسام المجتمعي.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قوات الدعم السريع تستقبل تعزيزات عسكرية جديدة بشمال دارفور في 29 أبريل/نيسان 2024 (رويترز)

الحركات المسلحة في دارفور.. من التمرد إلى الانقسام

دخلت الحركات المسلحة في دارفور أتون الحرب الأخيرة وهي مثقلة بإرث من الانقسامات الداخلية والتحالفات المتقلبة. فبعد توقيع اتفاق جوبا للسلام في عام 2020، نالت قيادات من حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة مناصب في السلطة الانتقالية، كما ذُكر سابقًا، إلا أن قواعدها الميدانية ظلت تشعر بالإحباط نتيجة ضعف المكاسب السياسية والمادية المحققة.
ومع اندلاع المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أعلنت تلك الحركات موقف الحياد، غير أن تطورات الميدان فرضت عليها خيارات معقدة. فقد اتجه القادة السياسيون المشاركون في الحكومة، مثل جبريل إبراهيم وميني أركو مناوي، تدريجيًا نحو دعم الجيش، بينما فضّلت القيادات العسكرية الميدانية في ولاية شمال دارفور التفاوض مع قوات الدعم السريع لتفادي المواجهة المباشرة.
ومع اتساع نفوذ الدعم السريع وسيطرته على 4 من أصل 5 ولايات في دارفور، تعمّق الانقسام داخل الحركات المسلحة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت فصائل يقودها مناوي وجبريل دعمها للجيش، لكن قواتها على الأرض امتنعت عن الانخراط في القتال، مفضّلة الحفاظ على تفاهمات ميدانية مع الدعم السريع.
وفي المقابل، أقدم الفريق أول عبد الفتاح البرهان على إقالة الطاهر حجر والهادي إدريس من عضوية مجلس السيادة، بسبب تمسك فصائلهما بموقف الحياد في تلك المرحلة الحرجة.
برزت خلال الحرب فصائل منشقة صغيرة عن الحركات المسلحة في دارفور، من بينها جناح مصطفى تمبور في "جيش تحرير السودان"، الذي انخرط مبكرًا في القتال إلى جانب الجيش السوداني. هذا الانقسام الداخلي أضعف وحدة الحركات المسلحة كقوة عسكرية موحدة، وفتح المجال أمام قوات الدعم السريع لتوسيع نفوذها عبر إبرام تفاهمات ميدانية مع قادة محليين.
ومع مطلع عام 2024، تحولت مدينة الفاشر إلى مركز رئيسي للصراع في دارفور، باعتبارها العاصمة الإدارية للإقليم وآخر معقل للجيش في المنطقة. وشهدت المدينة تصعيدًا عسكريًا عنيفًا، تمثل في قصف مدفعي مكثف، وغارات جوية نفذها الجيش، إلى جانب اشتباكات برية في الأحياء السكنية المكتظة، بما فيها مخيمات النازحين، ما فاقم من الأزمة الإنسانية.
بحلول منتصف أبريل/نيسان 2024، أعلن عدد من قادة القوات المشتركة الميدانيين -الذين تبنوا الحياد في بداية الحرب- انضمامهم إلى صفوف الجيش، وشكّلوا قوة موحدة تعمل تحت قيادته.
في المقابل، تمسكت القوات التابعة لكل من الهادي إدريس والطاهر حجر بموقف الحياد، وانسحبت من مدينة الفاشر. وقد اتهمت قوات الدعم السريع القوة المشتركة بتهريب إمدادات عسكرية للجيش ضمن قوافل المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مباشرة بين الطرفين.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر (حساب قوات الدعم السريع على تليغرام)

شبكات الدعم والإمداد

أنشأت قوات الدعم السريع شبكة إمداد عابرة للحدود، اتسمت بالتعقيد والتنوع، ما منحها تفوقًا لوجستيًا واضحًا في ساحة المعركة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود 3 مسارات رئيسية لهذه الشبكة:
المسار الشرقي عبر تشاد، حيث استُخدمت طائرات شحن قادمة من إحدى الدول إلى مطار أم جرس لنقل معدات لوجستية، تحت غطاء المساعدات الإنسانية. المسار الشمالي من جنوب ليبيا، وتم عبره التعاون مع ألوية تابعة للجيش الوطني الليبي، مثل كتيبة سبل السلام واللواء 128، لتوريد الوقود والمركبات والذخائر.
المسار الجنوبي عبر جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، ونُقلت من خلاله أسلحة خفيفة وأنظمة دفاع جوي، بدعم خارجي، عبر نقاط عبور مثل أم دافوق وكافيا كينجي.
وفّرت هذه المسارات خطوط دعم مستمرة ونوعية لقوات الدعم السريع، في وقت عجز فيه الجيش السوداني عن إيصال الإمدادات إلى حامياته بعد فقدانه طريق كوستي-الفاشر، الذي يُعد الشريان الرئيسي القادم من بورتسودان.
ومع هذا التفوق اللوجستي، أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على دارفور، وقطعت الطرق المؤدية إلى مدينة الفاشر، مانعة دخول الإمدادات، كما أقامت حواجز ترابية بطول 60 كلم حول المدينة. وبدأت باستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة لقصف الأحياء السكنية والمرافق الحيوية، ما فاقم من الأزمة الإنسانية في المنطقة.

سقوط الفاشر

في أكتوبر/تشرين الأول 2025، شنّت قوات الدعم السريع هجومًا واسع النطاق على مدينة الفاشر من عدة محاور، لتختتم بذلك سلسلة من العمليات العسكرية تجاوزت 260 محاولة منذ بداية الحصار. ركّزت الهجمات على مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة، بالتزامن مع قصف مكثف استهدف السوق الكبير ومناطق تجمع النازحين، ما أدى إلى تصاعد كبير في الخسائر المدنية.

ورغم محاولات الجيش والقوة المشتركة صدّ الهجوم، فإن الدعم السريع امتلك تفوقًا ناريًا واضحًا، مستخدمًا مدافع هاوتزر ومنظومات دفاع جوي لتعطيل تأثير الطيران الحربي. وخلال أيام قليلة، انهارت خطوط الدفاع، واضطرت قيادة الفرقة السادسة إلى الانسحاب نحو الجهة الغربية من المدينة.
أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على الفاشر، وسط تقارير تفيد بمقتل أكثر من 2000 مدني خلال الأيام الأولى من الهجوم، إلى جانب موجات نزوح واسعة من السكان. وأعقبت ذلك بيانات من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا، طالبت بفتح ممرات إنسانية آمنة، محذّرة من احتمال وقوع انتهاكات جسيمة على أساس عرقي وقبلي، وهو ما وقع بالفعل حسب شهادات الناجين والفارين.

الفاشر كمفتاح استراتيجي

تُعد مدينة الفاشر أكثر من مجرد رمز سياسي، فهي تحتل موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، إذ تقع عند تقاطع طرق تربط إقليم دارفور بولايات وسط السودان، وتجاور الحدود التشادية والليبية، ما يجعل السيطرة عليها مفتاحًا لربط خطوط الإمداد القادمة من الشمال والغرب نحو قلب البلاد.
وتعزز إدارة قوات الدعم السريع للإقليم كوحدة متكاملة من شرعية الأمر الواقع لحكومة "تأسيس"، التي اتخذت من مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، مقرًا لها. هذا التمركز يمنحها نفوذًا إداريًا وعسكريًا واسعًا، ويكرّس واقعًا جديدًا على الأرض.
يفتح سقوط الفاشر الباب أمام 3 سيناريوهات محتملة:

- ترسيخ الانقسام الجغرافي والسياسي بين شرق ووسط السودان الخاضع للحكومة المركزية، وغرب البلاد الذي تديره قوات الدعم السريع، ما قد يؤدي إلى نشوء كيان شبه مستقل في دارفور.
- التوصل إلى تسوية سياسية بفعل ضغوط إقليمية ودولية، تُفضي إلى صفقة تمنح قيادة الدعم السريع مكاسب سياسية مقابل وقف العمليات العسكرية.
استمرار الحرب وتوسعها نحو مناطق جديدة، وهو سيناريو ينذر بتمزيق ما تبقى من الدولة السودانية ومقدراتها.
ويمثل سقوط الفاشر لحظة مفصلية في تاريخ السودان الحديث، فالإقليم الذي انطلقت منه شرارة الحرب عام 2003، يعود بعد عقدين ليشهد صعود نسخة جديدة من الصراع، تقودها قوة ترى نفسها بديلًا للجيش، وتسعى إلى تأسيس دولة جديدة على أنقاض الدولة الوطنية.
ورغم ما تحظى به قوات الدعم السريع من دعم خارجي، فإن صعودها يواجه رفضًا شعبيًا متزايدًا، إذ يُنظر إليها من قبل قطاعات واسعة باعتبارها أداة لتفكيك السودان وفق أجندات خارجية، في مقابل طرف آخر يقدّم نفسه كمدافع عن وحدة الدولة ومشروعها الوطني. ويبدو أن مستقبل هذا الصراع بات مرهونًا بقدرة المجتمع الدولي على وقف الدعم الخارجي، الذي يُعد شريان الحياة الأساسي لقوات الدعم السريع.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية + الجزيرة نت

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

قديم 01-11-25, 02:57 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 





 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع