الطاقة المدمرة.. تعرف على القاتل الكهرومغناطيسي الذي تطوره أميركا والصين

توفر الأسلحة الكهرومغناطيسية درجة كبيرة من السرية أثناء عملها؛ لأن الإشعاعات فوق وتحت نطاق الطيف المرئي غير ملحوظة ولا تولد صوتا مما يجعل تتبع مصدر الهجوم أمرا في غاية الصعوبة. (لوكهيد مارتن)
20/8/2024
دوّى الصوت في رأس كاثرين فاستيقظت منزعجة تتساءل عما إذا كان ما سمعته حلمًا وعقارب الساعة تُظهر منتصف الليل، وثمة أرقام مضيئة أسفل العقربين، تشير إلى أحد أيام أكتوبر/تشرين الأول 2017. أرادت كاثرين معاودة النوم؛ فلديها غدا مهام تستلزم صفاء الذهن. تعمل كاثرين ورنر في وزارة التجارة الأميركية، وكانت آنذاك تشغل منصب مسؤولة التجارة في القنصلية الأميركية في مدينة قوانغتشو الصينية. أغمضت كاثرين عينيها محاولة العودة إلى النوم، لكن نباح كلبيها علا في أرجاء المنزل؛ كأنهما يواجهان تهديدا ما، وأحست هي ضغطا قويا على الصدغين وآلاما تتصاعد في رأسها، ورافق ذلك طنين منخفض تردد في أنحاء البيت.
في البناية ذاتها، تحديدا أسفل الطابق الذي تقطنه كاثرين، يسكن زميلها مارك ليندسي، وهو ضابط أمن في وزارة الخارجية الأميركية يعمل أيضا في القنصلية الأميركية في قوانغتشو. كان مارك وزوجته في طريقهما إلى النوم حين انبعث صوت منفر يشبه دوران قطعة رخام في قمع معدني، بحسب تعبير مارك لاحقا. حاولا تتبعه، فبدا أنه يصدر من غرفة طفلهما من مكان ما أعلى سرير الطفل، وقد أحس الاثنان ألما شديدا في رأسيهما وشعور غثيان.
بعد قرابة 6 أشهر وعلى بُعد آلاف الأميال عن مدينة قوانغتشو الصينية، كان مايلز تايلور نائما في بيته الذي يقع بالقرب من حي الكابيتول هيل في العاصمة واشنطن. كان تايلور آنذاك، قد حاز ترقية شغل بموجبها منصب رئيس الأركان في وزارة الأمن الداخلي، إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ومثلما جرى لكاثرين استيقظ تايلور على صوت أشبه بالنقيق يتردد في أنحاء منزله. شيء ما دفعه إلى الذهاب نحو النافذة والنظر إلى الشارع، وهناك رأى شاحنة بيضاء متوقفة، ما لبثت أن أضاءت أنوارها وانطلقت مسرعة فور أن لاحظ قائدها حركة في نافذة المنزل، وتركت وراءها تايلور في حالة إعياء، وصفها فيما بعد بأنها "تشبه التعرض لارتجاج الرأس"!
عانى هؤلاء الأمر ذاته لأكثر من ليلة؛ الطنين المسائي تكرر في منزلي مارك وكاثرين قرابة 4 ليالٍ، أما تايلور فقد شاهد الشاحنة البيضاء أمام منزله بعد مرور 5 أسابيع على الواقعة الأولى، وبمضي الوقت ظهرت عليهم أعراض أسوأ، تضمنت زيادة حدة الصداع والغثيان والدوار، إضافة إلى نزيف الأنف وفقدان جزئي للذاكرة وضعف البصر، وهي أعراض تتفق مع ما يُعرف باسم "متلازمة هافانا".
"متلازمة هافانا" وأسلحة الطاقة الموجهة
يعود مصطلح "متلازمة هافانا" إلى إصابة مجموعة من الدبلوماسيين الأميركيين بأعراض مماثلة في كوبا عام 2016، وقد ادعى هؤلاء أنهم استهدفوا بسلاح صوتي مجهول المصدر، كما أفادوا بأنهم سمعوا صريرا مثل الضوضاء والاهتزازات المفاجئة إبان ظهور تلك الأعراض، ومنذ ذلك الحين تُعرف هذه الإصابات غير المبررة، التي عاناها عشرات المسؤولين الأميركيين، والتي تسببت في إنهاء الحياة المهنية للكثير منهم، باسم "متلازمة هافانا"، وقد أظهرت الفحوص الطبية أن تلك الأعراض ارتبطت بأضرار دماغية.
يؤكد جيمس بنفورد، الفيزيائي والخبير في مجال الموجات الدقيقة، أن أجهزة إرسال الموجات الدقيقة (ميكروويف) المحمولة يمكن أن تلحق الضرر بأنسجة الدماغ، بشكل مماثل لما رصدته تلك الفحوص. ويشير بنفورد إلى أن تلك الأجهزة تمت دراستها أكثر من 50 عاما، وجرى تطويرها على نطاق واسع في قرابة 12 دولة، منها أميركا والصين وروسيا، وهناك أنواع كثيرة منها، يتراوح حجمها بين حقيبة سفر ووحدة مقطورة، وكلما زاد حجم الجهاز زاد مدى الإرسال.
جدير بالذكر، أن طبيعة عمل مارك ليندسي تتضمن استخدام معدات سرية للغاية، وفق تعبيره، بغرض تحليل التهديدات الإلكترونية التي تتعرض لها البعثات الدبلوماسية الأميركية؛ مما يعني أن لديه خبرة ما في هذا الصدد، وقد صرّح بأن ما أصابه كان هجوما مباشرا بأحد أسلحة طاقة الترددات الراديوية في نطاق الموجات الدقيقة العالية الطاقة.
وكان البيان الصادر عن وكالة الأمن القومي الأميركية عام 2014، قد أشار إلى أن التعرض لأنظمة أسلحة الموجات الدقيقة العالية الطاقة يسبب شعورا بالوهن، وقد يؤدي إلى الموت بعد فترة من التعرض، ووفقا لتقارير، أُصيب هؤلاء المسؤولون بهجوم بأحد أسلحة الطاقة الموجهة (Directed Energy Weapons DEWs)، التي تشمل أشعة الليزر العالي الطاقة، وأشعة الموجات المليمترية، وأشعة الموجات الدقيقة (ميكروويف) العالية الطاقة، إضافة إلى الأشعة الصوتية. وتعدّ هذه الأسلحة من أنواع "الأسلحة الكهرومغناطيسية" (Electromagnetic Weapons)، التي تتضمن: أسلحة النبض الكهرومغناطيسي (Electromagnetic Pulse) والقاذفات الكهرومغناطيسية (Electromagnetic launchers)، إلى جانب أسلحة الطاقة الموجهة، المذكورة سالفا. 
يُذكر أن مؤسسة أبحاث فيجن جين البريطانية (Visiongain)، نشرت تقريرا في فبراير/شباط الماضي بعنوان "سوق أسلحة الطاقة الموجهة" (Directed Energy Weapons: DEW)، أوضحت خلاله أن مبيعات هذا السوق بلغت 6.4 مليارات دولار أميركي عام 2023، كما أورد التقرير، أن معدل النمو السنوي المتوقع لهذا السوق سوف يبلغ 19.5% فيما بين عامي 2024 و2034. وأشار التقرير إلى أن الحاجة إلى حلول دفاعية فعالة "منخفضة التكلفة"، تدفع الأنظمة العسكرية في أنحاء العالم إلى اعتماد "أسلحة الطاقة الموجهة"، عوضا عن الأسلحة الحركية التقليدية وأنظمة الدفاع الصاروخي التي تمثل تكلفة مرتفعة على مستويات الشراء والتشغيل والصيانة؛ مما يجعلها غير مستدامة اقتصاديًّا بالنسبة للعديد من ميزانيات الدفاع.

تستهدف القاذفات الكهرومغناطيسيةمعدّات العدو بشكل رئيسي والأفراد بدرجة أقل، إذ إنها تستخدم الطاقة الكهرومغناطيسية في توليد طاقة حركية، ثم تستعملها في إرسال المقذوف نحو الهدف، بمعنى أنها تشبه الأسلحة التقليدية إلى حد بعيد، والاختلاف الوحيد بينهما هو أن الأخيرة تعتمد على الطاقة الكيميائية لتوليد الطاقة الحركية، مثل استخدام البارود في دفع الرصاص من البندقية، في حين تستخدم الأسلحة الكهرومغناطيسية مجالا كهرومغناطيسيا لتوليد الطاقة الحركية التي تدفع المقذوف نحو الهدف.
على جانب آخر فإن آلية عمل أسلحة النبض الكهرومغناطيسي وأسلحة الطاقة المباشرة تتضمن التداخل مع البنية التحتية الإلكترونية للهدف، حيث تقوم بالتشويش على خطوط الهاتف وكابلات الطاقة والاتصالات اللاسلكية، أي أنها تستهدف معدّات العدو فقط. ومع ذلك، فإن بعض هذه الأسلحة يمكن أن يؤثر سلبًا في الجلد والأعضاء الداخلية للإنسان، ولفهم ذلك يجدر بنا إلقاء نظرة على مفهوم الطيف الكهرومغناطيسي وعلى تكوينه.
يمثل الطيف الكهرومغناطيسي الأشعة الموجودة في الكون، ويتكوّن من 7 أنواع من الموجات، إحداها هي موجات الطيف المرئي أما البقية فلا تستطيع العين المجردة رؤيتها. وتختلف هذه الموجات من حيث التردد والطول الموجي. الأنواع التي تتميز بتردد عالٍ مثل أشعة جاما والأشعة فوق البنفسجية تعد ضارة بالإنسان، حيث تعمل على إحداث تغيير في الحمض النووي؛ مما يسبب أمراضا مثل السرطان وابيضاض الدم، ولولا وجود الغلاف الجوي الذي يعمل على امتصاص تلك الأشعة الضارة وتشتيتها لانعدمت الحياة على الأرض.

تنشأ الطاقة الكهرومغناطيسية من مصادر طبيعية مثل الشمس، أو صناعية من خلال إحداث تغير في المجال المغناطيسي أو الكهربائي (أي من خلال حدوث اهتزاز في أي من المجالين)، نظرا إلى أن تغير أحدهما يُحدث تغيرا في الآخر فهما مترابطان. الموجات الكهرومغناطيسية تنتقل بسرعة الضوء، ولا تحتاج إلى وسط للانتشار، أي أن في إمكانها الانتقال عبر الهواء والمواد الصلبة وكذلك فراغ الفضاء، على عكس الموجات الحركية والصوتية التي تحتاج إلى وسط للانتقال خلاله.
تضميد الكبرياء وبراغماتية الحرب
ارتبط تاريخ تطوير هذه الأسلحة ومفهوم "السلاح غير المميت"، وقد نشأ هذا المفهوم خلال حقبة الستينيات في القرن الماضي، وكان الغرض من تطوير هذه الأسلحة هو استخدامها في مهام حفظ الأمن للسيطرة على الحشود ومكافحة أعمال الشغب، حيث عُرفت تلك الحقبة في الولايات المتحدة بـ"حقبة الاحتجاجات"، نظرا إلى انتشار التظاهرات المناهضة لحرب فيتنام وغيرها من النزاعات العسكرية والسياسية التي شهدتها تلك الفترة؛ مما يعني أن العمل على تطوير هذه النوعية من الأسلحة كان لأغراض حفظ الأمن وللمهام الشرطية بالأساس.
ومع ذلك، جرت مناقشات في الأوساط العسكرية وأوساط أبحاث السلام خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حول مفهوم "الحرب بدون موت"، ففي عام 1970 كتب جوزيف كوتس، أحد العاملين في معهد التحليلات الدفاعية الأميركي في واشنطن، ورقة بحثية بعنوان "القتال غير القاتل وغير المدمر في حروب المدن"، اقترح خلالها دورا أوسع للأسلحة غير الفتاكة وغير المدمرة في الحروب المنخفضة الحدة، إذ توقع أن نزاعات أميركا المستقبلية سوف تجري بالأساس في مناطق حضرية تتميز بالاختلاط بين المعتدين والمدنيين، على غرار فيتنام؛ مما يستدعي الحاجة إلى هذه النوعية من الأسلحة.
وفي عام 1978، أشارت دراسة صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى ثلاثة مجالات رئيسية في علم الفيزياء "وهي: الكهرباء والصوتيات والإشعاع الكهرومغناطيسي"، بوصفها مجالات قادرة على تطوير تطبيقات عسكرية غير قاتلة، باعتبار أن تسبُّب هذه الأسلحة في حالات مرضية أو في وفيات لاحقًا، يُعدّ أمرا رحيما مقارنة بالأسلحة التقليدية التي تُسبِّب وفيات مباشرة.
سبق ذلك إجراء إحدى التجارب النووية الأميركية على ارتفاع 250 ميلا فوق جزيرة جونستون شمال المحيط الهادئ عام 1962، وقد أنتجت هذه التجربة -بصورة عرضية- نبضا كهرومغناطيسيا بلغ جزر هاواي على بعد 800 ميل شرق التفجير، الذي تم باستخدام سلاح نووي بقوة 1.4 ميغا طن.
أحدث التفجير رشقات من أشعة جاما اصطدمت بأكسجين ونتروجين الغلاف الجوي؛ مما أدى إلى تأيّن جزيئات الهواء إلى أيونات موجبة وإلى إلكترونات ارتدادية تسمى إلكترونات كومبتون، ومن ثم إطلاق تسونامي كهرومغناطيسي انتشر مئات الأميال، أعقبه انطفاء أضواء الشوارع وانقطاع الخدمات الهاتفية في الجُزر، وكذلك تعطل الملاحة اللاسلكية مدة 18 ساعة فيما بين الجُزر وأستراليا. وتعد الانفجارات النووية أحد مصادر النبضات الكهرومغناطيسية وتُعرف بـ"النبض الكهرومغناطيسي النووي"، ويمكن أن تتولد النبضة الكهرومغناطيسية من مصادر طبيعية.
ومع ذلك، انصب اهتمام الأنظمة العسكرية على تطوير الأسلحة النووية خلال حقبة الثمانينيات، بسبب مواجهات الحرب الباردة التي كانت قائمة بين دول حلف شمال الأطلسيودول حلف وارسو. ويشير ستيفن سكوفيلد، أستاذ كلية الرياضيات والعلوم الفيزيائية في مركز لندن لتقنية النانو، ونيك لوير، أستاذ كلية الشؤون الحكومية والدولية بجامعة دورهام البريطانية، إلى أن العديد من التقنيات التي شكّلت أساسا لترسانة الأسلحة غير الفتاكة تم تحديدها بالفعل في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكنها لم تعطَ أولوية حقيقية في سياق التخطيط العسكري للحرب الباردة، على أن هذه الأبحاث العسكرية وفرت في وقت لاحق، الأساس الذي انطلقت منه هذه الأسلحة.
يؤكد ذلك تقرير مؤتمر المعهد الوطني للعدالة التابع لوزارة العدل الأميركية الذي أقيم عام 1986، حيث يشير التقرير إلى أن "الجيش الأميركي أجرى أبحاثا واختبارات ذات صلة بتطوير أسلحة أقل فتكا، لكن الكثير من هذا العمل كان سريا". كما حظيت أسلحة الطاقة الموجهة باهتمام خاص في إطار مبادرة الدفاع الإستراتيجي الأميركية عام 1983، وهي المبادرة التي سعت إلى إيجاد طرق مختلفة للدفاع ضد الصواريخ البالستية خلال حقبة الثمانينيات عبر تطوير أسلحة الليزر العالية الطاقة.
وفي عام 1989، نشر جون ألكسندر، مدير برنامج مجموعة التقنيات الخاصة في مختبر لوس ألاموس الوطني في الولايات المتحدة، مقالا في مجلة "المراجعة العسكرية" (Military review)، اقترح خلاله تطوير تقنيات جديدة مثل الليزر والموجات الدقيقة العالية الطاقة والضوء العالي الكثافة لتعطيل المعدات العسكرية. وعلى عكس ما جرى في المناقشات السابقة التي ركّزت على تلك الأسلحة بوصفها أقل ضررا على البشر، استهدف اقتراح ألكسندر استخدام تلك الأسلحة لمضاعفة قوة فتك الأسلحة الموجودة في ترسانة الجيش الأميركي، ومن ثم لزيادة "نسبة القتل".
الاتحاد السوفياتي "السابق" شارك الولايات المتحدة الاهتمام ذاته، خصوصا خلال فترة الحرب الباردة التي اتسمت بالصراع بين القطبين، على أن روسيا عرفت تطبيقات عملية للأسلحة الإلكترونية في وقت مبكر من القرن الماضي، ففي 15 أبريل/نيسان عام 1904، قامت السفينة الحربية الروسية بوبيدا باستهداف الاتصالات اللاسلكية اليابانية أثناء القصف الياباني للأسطول الروسي في بورت آرثر؛ مما منع أكثر من 60 قذيفة يابانية من إصابة أهداف روسية. ويعد هذا التاريخ إلى الآن، يوما للاحتفال بمختصِّي الحرب الإلكترونية في الجيش الروسي.
وبحسب توم بيردن، الخبير العسكري الأميركي المختص في الهندسة النووية، فإن أهم خطوة في سياق التسليح الكهرومغناطيسي السوفياتي أتت في أعقاب استخدام أميركا القنبلة الذرية في اليابان، إذ أدى ذلك إلى شعور السوفيت بالإحباط نظرا إلى أن الغرب سبقهم إلى امتلاك سلاح نووي؛ مما دفع الروس إلى السعي وراء مجال تقني جديد بغرض تطوير "سلاح خارق"، ويعني ذلك أن أحد الدوافع وراء دخول روسيا هذا المضمار، كان الرغبة في تضميد الكبرياء الروسي والحصول على أداة تفوق، بعيدا عن الرؤية الغربية التي أرادت تطوير سلاح "غير فتّاك" من خلال التقنيات الكهرومغناطيسية.
يؤكد بيردن أن الروس وضعوا أقدامهم على أول الطريق بفضل فريق الرادار العلمي الألماني، الذي تم نقله إلى موسكو بعد الحرب، وأن الاتحاد السوفياتي طوّر خلال خمسينيات القرن الماضي، آلات كهرومغناطيسية يمكنها التأثير في الجهاز العصبي وإحداث حالة من الجمود في الأشخاص، كما يشير بيردن إلى أن المخابرات السوفياتية سيطرت على تطوير برنامج الطاقة، الذي كان مخصصا لأبحاث وتطوير "سلاح خارق" متقدم وأكثر فعالية من القنبلة الذرية، وأن التكتم أحاط تفاصيل ذلك البرنامج بحيث لم توضع قطّ في أيدي القوات المسلحة الروسية النظامية.
ويذهب بيردن إلى مدى أبعد في تضخيم قدرات الروس، حيث يربط بين حادثة غرق الغواصة النووية الأميركية ثريشر (U.S.S Thresher) ومقتل أفراد طاقهما في أبريل/نيسان 1963، وبين استخدام الروس لأشعة نبضة كهرومغناطيسية تداخلت ودوائر التحكم في الغواصة؛ مما أدى إلى التشويش عليها، ومن ثم فقدان السيطرة وهبوط الغواصة إلى عمق سحيق وهو ما نتج عنه انفجارها. ويشير بيردن إلى أن التداخل الكهرومغناطيسي كان قويا للغاية، بحيث تطلّب الأمر أكثر من 90 دقيقة لإرسال رسالة طوارئ إلى القيادة من السفينة سكايلارك (Skylark) التي رافقت الغواصة.
نظريات بيردن لم يتم قبولها على نطاق واسع من قبل المجتمع العلمي، وظلت مجرد تخمينات تفتقد إلى الدلائل، ورغم ذلك يُذكر أن الأطباء الأميركيين، الذين حصلوا على أحد تلك الأجهزة (التي ذكرها بيردن) في ثمانينيات القرن الماضي، أفادوا بأن الجهاز الذي حمل اسم ليدا (Lida)، يولِّد إشعاعات منخفضة التردد تقوم بتهدئة الأشخاص الخاضعين للتجارب. وقد علّق أحد الأطباء المشاركين على ذلك بقوله: "يبدو الجهاز بديلا جيدا لتناول الفاليوم عندما تريد الاسترخاء".
تجدر الإشارة إلى أن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، صنّفت إشعاعات التردد الراديوية عام 2011 مادّةً مسرطنة؛ لذلك فإن رأي هذا الطبيب الأميركي، وكذلك الدوافع الغربية وراء تطوير هذه الأسلحة باعتبارها أسلحة غير فتاكة، تكوّنت غالبا بسبب قصور الدراسات في مجال الأشعة الكهرومغناطيسية آنذاك، وانعدام الدراية بتأثيراتها الطويلة الأمد.
يتبع ....