"لا داعي للذعر".. هل يتجاهل رئيس أوكرانيا حربا توفرت أسبابها؟
غرابة تصريحات زيلينسكي تكمن بأنه تفرد بهذا الموقف، في وقت تسابق فيه وزارات وهيئات أوكرانية الزمن، للحصول على مساعدات الغرب، والاستعداد للحرب، من خلال استدعاء الاحتياط وإطلاق مناورات وتدريب متطوعين
صورة نشرها الرئيس الأوكراني بعد قمة بايدن مع بوتين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، من صالة رياضية، رافعا شارة النصر (مواقع التواصل)
30/1/2022
كييف- تصريحات لافتة -وربما غريبة- أدلى بها مؤخرا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، داعيا من خلالها "بعض الدول" إلى "عدم الإفراط بنشر الذعر"، إزاء احتمال شن روسيا الحرب على بلاده.
وتحمل دعوات زيلينسكي رسائل علنية إلى الداخل، وضمنية إلى الخارج في عالم الغرب، وخاصة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، التي تتصدر قائمة المحذرين من "حرب وشيكة".
ومفاد هذه الرسائل -بحسب مراقبين- أن الأمور لم تصل بعد حد المخاطر الحقيقية بغزو أو حرب محتملة وشيكة؛ وأن الغرب، الذي يضج بالحديث بالتحذيرات منها، يدفع بأحاديثه عمليا إلى الحرب، لكنه لن يدافع عن أوكرانيا إذا وقعت فعلا.
أسلحة أميركية فتاكة قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا تحسبا لأي غزو روسي (رويترز)
بينما يتسلحون ويستعدون للحرب
ولكن غرابة تصريحات زيلينسكي تكمن بأنه تفرد بهذا الموقف، في وقت تسابق فيه وزارات وهيئات أوكرانية الزمن، للحصول على مساعدات الغرب، والاستعداد للحرب، من خلال استدعاء الاحتياط وإطلاق مناورات وتدريب متطوعين.
كما أنها تأتي في وقت باتت تحصل أوكرانيا فيه على كميات كبيرة من "الأسلحة الفتاكة" الأميركية والبريطانية، التي لطالما طالبت بها دون نتيجة في أوقات السلم النسبي؛ وفي وقت تنتشر فيه قوات الناتو في أوروبا الشرقية، تحسبا لأي تقدم روسي.
وكذلك تأتي في وقت كشفت فيه الاستخبارات الأميركية والبريطانية عن أن خطط "غزو أوكرانيا" باتت على طاولة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومتوقعة في أواسط فبراير/شباط المقبل.
صمام أمان أو معزول عن الواقع؟
يجيب زيلينسكي نفسه عن سؤال ما الذي يدفعه إلى هذا التصريح، مؤكدا، بعد اجتماع عقده مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أن "الأوضاع المتعلقة بالأزمة الراهنة، وقطاع الطاقة، وحتى انتشار فيروس كورونا، تحت السيطرة، ولا داعي للذعر بين السكان".
ويقسم جواب الرئيس الأوكرانيين، بين من يجدون في رئيسهم صمام أمان، يفلح -إلى حد ما- بطمأنة الداخل والمستثمرين، واستقرار الأوضاع الاقتصادية، وآخرين معارضين، يرون أنه "معزول" عن الواقع؛ أو يفكر بما يحد من تراجع شعبيته أمام خصومه، أكثر من التفكير بمخاطر الحرب. وباتت مواقع التواصل ساحة مفتوحة بين أولئك وهؤلاء للجدل.
يقول رئيس وزراء أوكرانيا السابق، أرسيني ياتسينيوك، في برنامج تلفزيوني حواري، إن "الذعر لن يفيدنا…، حتى إذا أُعلنت الحرب"، متسائلا: "عن أي هدوء يتحدث زيلينسكي، والعالم كله يرى تحركات روسيا العسكرية على الحدود، وعلى بعد نحو 200 كيلومتر فقط من كييف؟!".
ويضيف: "من المؤكد أن بوتين لم ينشر أسلحته الإستراتيجية على حدودنا لتعريضها للشمس والرياح خشية الرطوبة. بل لتهديدنا وتهديد الغرب المناصر لنا. هذه حقيقة خطيرة وغير مسبوقة".
ومن زاوية مغايرة ينظر الجنرال في الجيش الأوكراني، يوري هالوشكين، فيقول، في حوار مع صحيفة "الأحداث" (فاكتي): "لم نكن خائفين في عام 2014، فلماذا يجب أن نخاف الآن؟".
ويوضح قائد قوات "الدفاع الإقليمي" بالقول: "واجبنا طمأنة المدنيين قبل حمايتهم. لدينا ما يكفي من القوات والإرادة لصد المعتدي، ونستطيع تغيير خططه. الروس يراقبون تشكيل وحداتنا، ويدركون جيدا أن هذا سيؤثر بشكل كبير على قدراتهم القتالية"، على حد قوله.
ويلفت المحلل السياسي يوري فولوشين إلى أن "دعوة زيلينسكي إلى عدم الذعر مبنية على تطابق في موقف كييف مع موقف مشابه في عواصم رئيسية بالاتحاد الأوروبي الذي لا يريد اشتعال حرب على حدوده، ويسعى أكثر من غيره لاحتواء الأزمة بالسبل الدبلوماسية والخروج منها بأقل الخسائر، بدل تحمل تداعيات كبيرة في حال الحرب؛ وهذا الأمر يشكل نقطة خلاف كبير أوروبي أميركي أيضا".
مدنيون يواصلون التدريب القتالي مع وحدات الدفاع الإقليمية في كييف (غيتي)
"لا تخيفوا الشعب ولا تخدعوه"
وبين التحذيرات ودعوات الطمأنة، تبرز آراء لافتة، من خارج صندوق السلطة والمعارضة، تكاد تجمع على أهمية أن يكون الأوكرانيون في صورة الواقع، كما هو.
يقول الكاتب المتخصص بالشؤون المصرفية والاستثمارية، سيرهي فورسا: "نعم، الذعر يدمّرنا من الداخل، وعلى الرئيس زيلينسكي التوقف عن الحديث مع الناس كالأطفال، ووضعهم في صورة الواقع كبالغين. العالم كله في ذعر وقلق، وهذه هي الصورة الحقيقة".
ويضيف فورسا للجزيرة نت، متسائلا: "بمن يجب أن يثق الأوكرانيون؟ بالاستخبارات الأميركية والبريطانية أم بتصريحات السياسيين الأوكرانيين؟".
وتبعا له، فإن تصريحات وتحركات الساسة الأوكرانيين تحمل تناقضات خطيرة، "وزيلينسكي نفسه، الذي يدعو للطمأنينة، والاستعداد لرحلات الشواء في شهر مايو/أيار، حذر من احتمال سعي روسيا للسيطرة على منطقة خاركيف شرقي البلاد!".
وقال الخبير إن "هذا يُشعر الأوكراني بأنه مخدوع، أو أن سلطات بلاده غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه القضايا. نحتاج إلى تعزيز الثقة في هذه الظروف لتحصين الداخل؛ والثقة تبنى على المصداقية، لا على الشكوك".
وبحسبه أيضا فإن "المجتمع الأوكراني متوحد ولديه خبرة، وغير مستعد لقبول الاستسلام؛ وهذا يفسر هدوءه فعلا حتى اليوم. والشيء الوحيد الذي يقلق المجتمع هو ما إذا كانت السلطات تدرك فعلا المخاطر".
المصدر : الجزيرة نت - صفوان جولاق