الدروس الاستراتيجية والعملياتية المستفادة من تطبيق مبادئ الحرب
أولاً: الدروس الاستراتيجية من الحرب
1. الدرس الأول.
الحرص على تطبيق استراتيجية العمل، التي تكفل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب، في كل مراحل العمليات الحربية، والعمل على منع العدو من تحقيق استراتيجيته المضادة.
ففي حرب أكتوبر 1973، كانت استراتيجية العمل من خطوط خارجية هي الأكثر ملاءمة. وقد تم التنسيق مع القيادة السياسية والعسكرية السورية، التي وضعت قواتها تحت قيادة موحدة مع القوات المصرية، حتى يمكن للقيادة الموحدة إتباع تلك الاستراتيجية على كلا الجبهتين، بفكر واحد، يمنع إسرائيل من تنفيذ استراتيجيتها بالعمل من خطوط داخلية، تمكنها من استدراج كل دولة على حده في القتال، بنفس استراتيجيتها التي عملت بها في حربي يونيه 1967، وقبلها في حرب فلسطين 1948.
أثناء القتال، وبعد انتهاء المرحلة الأولى بنجاح، لم تتابع القيادة العسكرية المصرية، أنباء القتال على الجبهة السورية، رغم أنها هي القيادة الموحدة للجبهتين، ونتج عن ذلك، عدم توافق الأعمال القتالية في الجبهتين، بما لا يتيح لإسرائيل تطبيق استراتيجيتها بالعمل من خطوط داخلية، لذلك، بمجرد أن توقف المصريون على خط المهمة المباشرة للجيوش يوم 9 أكتوبر، تحولت إسرائيل إلى سورية بمعظم جهدها لتحسم الحرب لمصلحتها على جبهة الجولان، ثم تتحول إلى جبهة سيناء اعتباراً من يوم 16 أكتوبر، لتحاول حسم القتال لمصلحتها كذلك على هذه الجبهة، محققة استراتيجيتها بالعمل من خطوط داخلية.
2. الدرس الثاني .
التخطيط للوقفات التعبوية (العملياتية) من حيث التوقيت المرتبط بتحقيق المهام، والأعمال التي تتم فيها، والهدف منها. ولا يكون ذلك محتماً تنفيذه، وأنا يمكن تجاوز الوقفة العملياتية دون إجراءها، إذا كانت الظروف مواتية للاستمرار في الضغط على العدو.
3. الدرس الثالث .
ضرورة احتفاظ القادة، على كافة المستويات، بأحتياطيات، ذات فاعلية، قادرة على تنفيذ المهام الموكلة إليها، والمحافظة على هيكلها التنظيمي.
كانت أحد الأخطاء الرئيسية للقيادة العامة المصرية، تجزئة القوات الاحتياطية، بسحب وحدات، ووحدات فرعية منها، لمصلحة الأنساق الأمامية. ثم عندما تقرر دفع هذا الاحتياطي، لتنفيذ مهمة ما مكلف بها، يكون هناك صعوبة في ضم ما سحب منه، والذي غالباً انخفضت قدراته القتالية، نتيجة خسائره في المعدات، بالإضافة إلى الإرهاق الذي يصيب أفراد وقياداته.
4. الدرس الرابع .
تتخذ القيادات العملياتية (الجيوش الميدانية)، والقيادة العامة، قرارتها لإدارة العملية الحربية، بتوقع مسبق لأعمال العدو، وبناء على معلومات متجمعة تدل على نواياه، مما يمكن المستويات الأقل، عند تنفيذها للقرار، أن تنفذ إجراءات التحضير والتنظيم للمعركة في وقت مناسب.
5. الدرس الخامس .
يجب على القيادات الكبرى (العملياتية، والعامة) الالمام التفصيلي بموقف وحداتها القتالي، وكفاءتها القتالية كذلك، في كل وقت، مما يهئ لها حسن استخدام عناصرها.
6. الدرس السادس .
لا يجب، أن يترك فاصل بين الأنساق، التعبوية والاستراتيجية، دون شغله باحتياطيات، لتأمينه. بسبب تكليف الأنساق الثانية للجيوش، بالتطوير شرقاً، دون نقل احتياطي المستوى الأكبر (الاستراتيجي) لتحل محلها، اختل التوازن التعبوي للجيوش، بعدم وجود احتياطي تعبوي. ويعني ذلك، خلو المنطقة الخلفية من احتياطي قوي بين النسق الأول الذي يقاتل، والنسق الأول الذي يليه للمستوى الأكبر، وينتج عن ذلك ـ عند اكتشافه ـ أن يقوم الخصم بدفع احتياطياته مبكراً للتأثير على أنساق القتال. ويؤدي إلى خلل في الاتزان العملياتي أو الاستراتيجي.
7. الدرس السابع .
الاهتمام، بجمع المعلومات عن العدو أثناء القتال، وحسن توظيفها لمصلحة المهمة، واتخاذ القرار على ضوء هذه المعلومة، والتي غالباً ما يعمل النسق الثاني (أو الاحتياطي) على ضوءها.
8. الدرس الثامن .
الاهتمام، بتدريب وتسليح العناصر الغير مقاتلة، وعناصر الدفاع الشعبي، على أعمال القتال التعطيلي، والدفاع عن المدن، والدفاع المحلي.
خلال الحرب، وخاصة في المراحل الأخيرة، وضح أن العناصر الإدارية والفنية، والاحتياطيات المتخصصة، ذات قدرات قتالية منخفضة، وغير مدربة على القتال بفاعلية، لذلك لم تستطع الصمود أمام هجمات الدبابات الإسرائيلية، التي عبرت إلى الغرب، وكان من الممكن قتالها تعطيلياً، مما يتيح للقيادات الأعلى الفرصة لتقدير الموقف ودفع احتياطيات في الوقت المناسب للسيطرة على الموقف.
9. الدرس التاسع.
سرعة اتخاذ القرارات، في المواقف الحرجة، للقيام بعمل قوي وحاسم، والمناورة بالقوات والوسائل من الاتجاهات الهادئة، إلى المناطق الأكثر حاجة للقوات، لإحداث توازن مع قوات العدو، على هذا الاتجاه، أو التفوق عليه.
كان تردد القيادة العامة في اتخاذ إجراء حاسم وقوي ضد القوات الإسرائيلية في الغرب، سبباً في زيادة حجمها، وانتشارها على مواجهة واسعة، مما يصعب معه احتواءها. كذلك فإن قيادات الجيوش، لم تتعامل جيداً مع القوات الإسرائيلية التي ظهرت في مؤخرتها (في الغرب)، وانتظرت قرار القيادة العامة.
10. الدرس العاشر .
ضرورة احتفاظ الدول، بعناصر احتياطية، ذات حجم كبير، ومستوى تدريبي عالٍ، يمكنها من تعبئة وتشكيل وحدات جديدة، في وقت الضرورة، وأثناء القتال، حتى يمكنها مواجهة تطورات القتال.
من الغريب أن تستطيع إسرائيل، تعبأة وحشد قوات مسلحة عاملة واحتياطيات، بحجم أكبر مما استطاعته دولتين (مصر وسورية) بملاينهما العديدة، والتي تناهز 12 ضعف لإسرائيل.
ثانياً: الدروس العملياتية من الحرب:
1. الدرس الأول .
دراسة المشاكل، التي قد تعترض تنفيذ الوحدات والتشكيلات، التابعة، لمهامها، ووضع حلول عملية لها، أكثر واقعية.
تمكنت القيادة العامة المصرية، من بحث ودراسة المشاكل الاستراتيجية التي ينتظر أن تعوق القوات عبر تأدية مهامها، وأصدرت توجيهاتها بالحلول لذلك. واكتفت القيادات العملياتية (قيادات الجيوش) بتلك التوجيهات في بعض الأمور، وعند التنفيذ، خلال الحرب، اتضح عدم ملاءمتها، لكل الحالات، فقد أدى فتح الثغرات في الساتر الترابي، على الشاطئ البعيد (الشرقي)، في قطاع الفرقة التاسعة عشر المشاة، على الجانب الأيمن للجيش الثالث الميداني، إلى تماسك التربة ذات الخصائص الطفلية، بدلاً من تجريفها.
2. الدرس الثاني .
يجب أن تكون الخطط مرنه، بحيث تقبل التعديل، طبقاً للموقف، في الجزء الذي يحتاج التعديل فقط، حتى لا ترتبك القيادات من جراء كثرة التغيير في الخطط.
عندما لم ينجح التجريف بمضخات المياه، لرمال الساتر الترابي الشرقي في القطاع الجنوبي للجيش الثالث، أمكن تعديل جداول التحرك والعبور على كباري الفرقة السابعة المشاة، لتعبر معها الفرقة التاسعة عشر المشاة، دون أن يؤثر ذلك على تدفق القوات إلى رأس كوبري الفرقتين.
3. الدرس الثالث .
الاهتمام بتخطيط التحركات، والسيطرة عليها، قبل، وأثناء القتال.
وضح، أثناء حرب أكتوبر 1973، دقة التخطيط للعبور، وحسن انتشار العناصر المدربة، للسيطرة على التحركات وتدفقها إلى منطقة بدء العبور، وكذلك سرعة انتشارها، واتجاهها إلى مهامها، عقب العبور. وكان ذلك التنفيذ ذو المستوى الراقي، نتاج تخطيط دقيق، وتدريب متواصل، للتغلب على كل مشاكل التحرك والعبور، من خلال نظام مستقل لذلك، وهو نظام خدمة القائد.
4. الدرس الرابع .
الاهتمام بتجهيز القوات، بما يمكنها من التغلب، على عناصر العدو المقاتلة الأكثر تفوقاً، وتحييدها، حتى تتمكن القوات من تنفيذ مهامها، بكفاءة.
في حرب أكتوبر، كان هناك مشكلتان رئيسيتان، يسببها أسلوب العدو القتالي، الأول الهجمات الجوية الكثيفة على القوات أثناء العبور وفي المراحل الأولى على الضفة الشرقية، وهو ما يمكن أن يستمر طوال الحرب. والثاني الهجمات المدرعة المضادة، التي سيشنها العدو في المراحل المبكرة، بكثافة عالية حتى يرد القوات المصرية إلى القناة مرة أخرى، قبل أن تثبت أقدامها على الضفة الشرقية، خاصة وأنها تقاتل بدون دباباتها، والتي سيتأخر عبورها أكثر من 36 ساعة. لذلك وضعت البدائل لتحييد هذين السلاحين (الطائرة والدبابة) باستخدام مكثف للعناصر المضادة لهما. إما من الضفة الغربية، إذا سمح المدى، أو دعم الأنساق الأولى بعناصر مقذوفات مضادة للدروع، وعناصر مقذوفات مضادة للطائرات محمولة على الكتف، بكثافة عالية، مكنت قوات النسق الأول من الصمود، وتكبيد العدو خسائر جسيمة.
5. الدرس الخامس .
التعمق في دراسة العدو، في كل المجالات، ومعرفة كل خبراته وأعماله الخداعية، وأساليبه القتالية، ونمط تفكيره، في المواقف المختلفة، والاستفادة من ذلك عند التخطيط، وعند اتخاذ القرارات أثناء القتال.
الدراسة التفصيلية للعدو، تساعد على توقع أعماله القتالية، في المواقف المختلفة، والاستعداد لها، أو إحباطها إن أمكن وهو الأفضل.
6. الدرس السادس .
الإصرار على تحقيق مبادئ وأسس معركة الأسلحة المشتركة، باشراك كل التخصصات في التخطيط للحرب، وعند دراسة الموقف. وأن يكون لكل عنصر تخصصي دور ومهمة، عند اتخاذ القرار.
المعتاد، أن تنفرد القيادة في صنع القرار، وإهمال التخصصات، وتكون النتيجة الحتمية، قرار بعيد عن الواقع، أما بإهدار قدرات تخصصية لم يحتسب لها دور في الأعمال القتالية، أو استخدام خاطئ لعنصر تخصصي تعرضه للتدمير دون مقابل، أو عدم جدوى العمل القائم به لتأخره أو استنفاذ طاقاته في أعمال غير مناسبة لطبيعته. وقد استخدم قادة الفرق المشاة الخمس، العناصر المدرعة (الدبابات)، والأسلحة المضادة للدروع، الدعم بأسلوب خاطئ، أدى إلى إنهاكها وإصابتها بخسائر متعددة، ففقدت فاعليتها.
7. الدرس السابع .
تنظيم التعاون، وتنسيق الجهود، في العمل المشترك، لإنجاحه. ليس المهم من الذي تسبب في النصر، ولكن المهم أن تحصل الوحدة على النصر، من أداء وعمل جماعي منظم، لذلك يجب أن يتم تنظيم التعاون، وتنسيق الجهود بين عناصر تشكيل المعركة في الوحدة أو التشكيل الواحد ودعمه، وبين التخصصات المختلفة فيه، وبين الأنساق المتعددة له.
8. الدرس الثامن .
الاستخدام المكثف، لكافة عناصر الاستطلاع المتيسرة، بهدف الحصول على معلومات كافية ودقيقة (مؤكدة) مبكرة ما أمكن، لمواجهة المواقف المستقبلية.
اتضح أن القوات تغفل إمكاناتها التخصصية، وتسعى للحصول على المعلومات من مصادر المستوى الأعلى، وهو ما يشكل عبء على المستويات الأعلى، وأشغال دائم لعناصرها، لأعمال للمستوى الأدنى، مما يفقد عناصر الاستطلاع العملياتي أهميته، وقدراته المتميزة. إذ يوفر تنظيم وتخطيط الاستطلاع العملياتي، معلومات مبكرة حتى 72 ساعة، تمكن قادة الجيوش من اتخاذ قرارات لإحباطها، أو مواجهتها بالحشد المناسب.
9. الدرس التاسع .
الاهتمام بتدريب القوات على أعمال المناورة الواسعة والعميقة، وتشجيع القادة على التخطيط لها والقيام بها بقواتهم الرئيسية.
لم يستغل القادة، قدرات وحداتهم (طبقاً لنوعها وتسليحها) لتنفيذ مناورة عميقة، لمفاجئة العدو، والتعرض له في أضعف نقاطة ـ وهو ما برعت فيه القوات الإسرائيلية ـ وكان من الواضح سوء تقدير القادة المحليين لعمق المناورة، مما أدى إلى خسارتهم لاعداد كبيرة من المعدات.
10. الدرس العاشر .
الاهتمام بالتأمين القتالي للقوات في كل عناصره.
أدى عدم اهتمام القادة على المستويات المختلفة، بتأمين أعمال قتال قواتهم، إلى خسائر فادحة، سواء من الهجمات الجوية المعادية، أو الهجمات المضادة المفاجئة لدبابات العدو، أو الكمائن والستائر المضادة للدبابات، أو فقد الاتجاه عند التحرك لتنفيذ مهمه، أو الوقوع في أرض غير صالحة للتحرك، وغيرها من الأخطار التي تسببت في استنزاف القدرات القتالية، أو فقد الوقت الثمين.
الدروس المستفادة من تطبيق مبادئ الحرب واستخدام القوات
أولاً: تطبيق مبادئ الحرب الرئيسية.
1. الدرس الأول .
التحديد الواضح والدقيق للهدف، بكل أبعاده وقيوده، ثم الالتزام به حتى تحقيقه، بالشكل المطلوب، بأقل خسائر وتكلفة، وأسرع وقت.
كان الهدف الرئيسي، من حرب أكتوبر 1973، هو إعادة إحياء، اهتمام العالم بقضية احتلال إسرائيل للأراضي العربية، منذ 5 يونيه 1967. وكان لا بد من الحرب، للوصول لذلك الهدف، والذي لم يكن من الممكن إقناع الدول الكبرى بالاهتمام بإيجاد حل عادل وشامل، بمجرد الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، وإنما كان يلزم إثارة حرب شاملة ضدها، وإلحاق الهزيمة بقواتها، مما ينذر بالخطر، حتى تتحرك القوى العظمى. وقد حققت القوات المسلحة العربية الهدف منذ الساعات الأولى للحرب، وحافظت عليه، قدر المستطاع، في الأيام التالية. ولاشك أن فقد الهدف على جبهة الجولان، وتمكن إسرائيل من تهديد الأراضي المصرية في الغرب، قد أضعف من الموقف العربي.
كان الهدف الاستراتيجي، العسكري، هدم نظرية الأمن الإسرائيلية، بالارتكاز على عوائق طبيعية، واستخدام استراتيجية الردع بالتلويح بقدراتها العسكرية المبنية على ثنائي الطائرة والدبابة. وقد تمكنت القوات المصرية، والسورية كذلك، من دحض كل بنود هذه النظرية، واثبات عدم فاعليتها، بإجراءات عديدة تمت خلال الحرب، بشكل ناجح.
2. الدرس الثاني .
تعبئة كافة القدرات المادية، والمعنوية، المفيدة، وتوجيهها لمصلحة الحرب، بما يحقق التفوق على الخصم، ويرجح كفة القوات المتحالفة، عند المقارنة مع العدو، مما يتيح فرصة أفضل لإحراز النصر.
اعتمدت القوات المسلحة العربية، في مصر وسورية، على الحشد العددي المتفوق، للتغلب على التفوق النوعي لدى إسرائيل. إلا أن هذا الحشد، أصبح عاجزاً عن مجاراه سرعة الإيقاع في الحرب، والتي تتطلب السرعة في الاختراق، والسرعة في تغيير الجهود والأهداف المرحلية، والسرعة في الوصول لخطوط المهام. لذلك لم تكن الحشود المصرية كلها مفيدة طول الوقت. فبعد أن استطاعت القوات المصرية توفير 5 فرق كاملة، مدعومة، لبدء العمليات، عجزت عن حشد قوات كافية للتطوير، أو للاستمرار في القتال بنفس الكفاءة. لقد تحولت الفرق الخمس المشاة من قوة معجزة، حققت إعجازاً مذهلاً في العبور، إلى قوة عاجزة، أدت إلى تعجيز القيادة التي أصبح شغلها الشاغل تأمين تلك القوة الضخمة، العاجزة عن الحركة السريعة.
يتلاحظ أن إسرائيل، استطاعت، رغم المباغتة، أن تعبئ قواتها الاحتياطية، متأخرة قليلاً، وأن تدفع بها في القتال في الأيام التالية تدريجياً، لتنتزع مبدأ الحشد من القوات المصرية، حيث تفوقت، في المراحل الأخيرة من الحرب، في الحشد، كماً ونوعاً.
3. الدرس الثالث .
أمر هام، أن تتمكن القيادة من اتخاذ قرار لبدء الحرب، في إطار مشروعية مطالبها، وعدالة قضيتها.
إلا أنه من الهام كذلك، المحافظة على تلك المبادأة حتى نهاية الحرب. وهو ما يستلزم قيادة واعية.
كان قرار الحرب، على الجبهتين المصرية، والسورية، أمراً مستبعداً لسد القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. لذلك أحدث صدمة عنيفة، مكنت المصريين، والسوريين من إحراز المبادأة، على كافة المستويات. وظل الأمر كذلك، طوال الأيام الأولى للحرب، والتي كانت القوات الإسرائيلية، تباشر ردود أفعال، لما يقوم به المصريون من أعمال قتالية على جبهتهم. وبانتهاء المرحلة الأولى، توقف المصريون (الوقفة العملياتية 10 ـ 13 أكتوبر). كان التوقف دون داعي، وأطول من اللازم، وقد اسلم ذلك، طواعية، المبادأة على كافة مستوياتها، إلى الطرف الآخر، الذي لم يتوانى في الاستفادة لأقصى حد من هذا الخطأ القاتل. بادرت القوات الإسرائيلية إلى انتزاع المبادأة من القوات السورية في الجولان، بحشد القوى الرئيسية أمامها، وصدها ثم دفعها للخلف، ثم استدارت لتقوم بالعمل نفسه ضد القوات المصرية في سيناء، في الوقت التي بدأت القوات المصرية، بقرار سياسي، التحرك جهة الشرق مرة أخرى.
4. الدرس الرابع .
على الرغم من التقدم الكبير، في أجهزة ومعدات المراقبة، فإن المباغتة، مازالت ممكنة.
يقول الإسرائيليون "كانت المعلومات كلها أمامنا، قبل الحرب بوقت كافي، لكننا لم نراها، فقد أسئ فهم اشاراتها، كما أخطأ المفسرون في تعليلاتهم". وكان ذلك حقيقة، فقد استطاعت خطة الخداع المصرية، والسورية، من إخفاء النوايا الهجومية، وهو ما لا تستطيع أجهزة التنصت والتصوير من التقاطه، ولا ينفع معها أقمار صناعية، وإنما تحتاج لفهم دقيق لقوى الخصم الغير ملموسة، وعقليته، واتجاهات تفكيره، على أن يكون ذلك، في إطار الأحداث الجديدة، وليس في إطار قديم. فالإرادة أمر يمكن استحداثه، عندما تتغير الظروف البيئية، أو يصل الأمر لمنتهاه، فتتغير الأفكار، وتتغير اتجاهات الحركة تبعاً لذلك، وتحدث المفاجآت.
5. الدرس الخامس .
من الضروري، مداومة التنسيق، بين عناصر القتال، وكذلك التنسيق بين القائمين بالقتال ـ حسب المستوى ـ لتحقيق التعاون، في مثلث الوقت والمكان والهدف.
يسعى القادة، إلى تنظيم التعاون مع مجاوريهم، لتحديد مسؤولية العمل المشترك، وكيفية التغلب على المصاعب والعدو في الحد الفاصل بينهم. كما ينظم القادة، الجهود لعناصرهم المقاتلة، لتحقيق أكبر فائدة، بأقل جهد ممكن. وفي حرب 1973، فقد الكثير من القادة، بعد أن دارت رحىّ الحرب، التنسيق الواجب لبعض عناصر القتال الرئيسية (السيطرة، المعلومات، الاتصالات، النيران، التلاحم، الصدمة، الخدمة الإدارية) وأدى ذلك لفقد التعاون، وصعوبة تحقيق ما تم تنظيمه وتنسيقه. وكان واضحاً أن القوات الإسرائيلية القائمة بالهجوم المضاد، يوم 16 أكتوبر، على جانب اللواء 16 المشاة، والفرقة الثانية المشاة، قد نفذت الحد الأدنى من التعاون فيما بينها، بسبب عدم التزام أحد عناصرها ـ الجنرال شارون ومجموعة العمليات التي يقودها ـ بمداومة التنسيق بالنسبة للهدف، والذي كان يعني في ذلك الحدث، تحقيق الجنرال آدن بمجوعته المقاتلة، اختراق رئيسي للقوات المدافعة، وأدى ذلك إلى كارثة، فعندما فشل آدن في الاختراق، وطلب معاونة من شارون، لم يكن الأخير في أوضاعه الملائمة بالنسبة للمكان ـ كذلك ـ ولتصحيح الوضع، كان سيهدر الوقت، ولم يعد التعاون ذو فائدة، فتوقف آدن عن الهجوم.
6. الدرس السادس .
يتحقق النصر، في القتال، عندما يتحقق الهدف بأقل خسائر ممكنة، وأسرع وقت. وتقليل الخسائر، يتطلب اتباع تعليمات ولوائح أمنية مناسبة. لذلك فإن اتخاذ تدابير لتحقيق الأمن، لا يقل في الأهمية عن الإجراءات الأخرى للقتال.
العبرة في ذلك، ليس باستخدام طرق متعددة للشفرة والكود، في الاتصالات، أو تقييد التحركات، والإظلام، واتباع قواعد الإخفاء والتمويه. وإنما في التفضيل بين عامل السرعة والوقت، وعامل التكتم حتى لا يحصل العدو على المعلومة التي تنقصه. كان القائد الألماني الشهير، الفيليد مارشال أروين روميل يتحدث إلى قادة وحداته، في الأجهزة اللاسلكية، دون سرية، فقط، عندما يكون الاستفادة من المعلومة، غير متاح للخصم، فالعمل قد بدأ وأصبح قريباً الالتحام، قبل أن يستفيد الخصم مما حصل عليه من معلومات. كذلك فإن القادة الإسرائيليون، سمحوا أكثر من مرة، بإضاءة كاملة لمركباتهم القتالية ودباباتهم أثناء التقدم والهجوم كذلك، بما يتيح لهم رؤية أفضل، للحصول على نتائج أكيدة من الرماية على الخصم، والذي يفاجأ بذلك الأسلوب الذي لا يراعي أصول السرية والأمان، وتشله المباغتة، ثم يستمر في ذهوله من نتائجها المدمرة عليه.
من وجهة أخرى، فقد الجنرال أريل شارون كل مكاسبه في الحرب، والتي كان يسعى لإحراز شهره بسببها، عندما عجزت قواته عن مواصلة القتال، وتوقف أمام هدفه الرئيسي، والذي كادت قواته أن تلمسه. وكان ذلك بسبب إهماله المتعمد، لكافة تدابير الأمن، في سبيل تحقيق الهدف قبل غيره من الجنرالات المتنافسين معه، وأدى ذلك إلى خسائر كبيرة تكبدتها لواءاته المدرعة، وعجز عن الاستمرار، ولو كان استطاع دخول مدينة الإسماعيلية ـ هدفه الرئيسي ـ ما استطاع الاحتفاظ به.
7. الدرس السابع .
يجب الحفاظ على الروح الهجومية لدي القوات، مهما كانت صورة القتال الدائرة (دفاع ـ انسحاب ـ حصار)، ولا يتحقق ذلك، إلا بممارسة أنشطة قتالية إيجابية.
على الرغم من تخطيط القيادة المصرية، لدفع مفارز مختلفة الأنواع والتكوين، في مراحل المعركة كلها، منذ البداية، إلا أن القوات، تخلت عن ذلك مرتين، أفقدتها الروح الهجومية القتالية، التي بدأت بها الحرب. كانت المرة الأولى، عندما توقفت القوات على خط المهمة المباشرة للجيوش، لتنفذ الوقفة العملياتية، واعتبرت أنها وقفة استرخاء سلبية، إذ كان قرار قائد الفرقة الثانية المشاة في أول أيام الوقفة العملياتية "التمسك بالخطوط التي وصلت إليها الفرقة، وتعزيزها، ورص ألغام أمامها".
ولتنفيذ ذلك أمر بقفل الثغرات بين الكتائب واللواءات، واتخاذ كتائب الدبابات خطوط صد، وخطوط نيران في الاتجاهات الرئيسية، وفتح الاحتياطيات المضادة للدبابات، لكل المستويات (بلغت 6 احتياطيات مكونة من 10 سرايا قواذف مضادة للدبابات، بعضها عديمة الارتداد، وصواريخ موجهه في معظمها). وهو ما أستدعى أن يوجه قائد الجيش الثاني الميداني، قادة الفرق المرؤوسة، للقيام بأعمال قتال إيجابية، لحرمان العدو من المناورة بحرية بالقوات والوسائل من اتجاه لآخر، والاستمرار في استنزاف القوات بالهجمات المضادة، المتتالية، وقد عدد قائد الجيش الأعمال الإيجابية التي يجب القيام بها، خلال التعزيز في رأس الكوبري، في الوقفة العملياتية لتشمل:
أ. دفع داوريات استطلاع، ومجموعات استطلاع خلف خطوط العدو، للحصول على معلومات عن أعمال العدو واحتياطياته، لاتخاذ التدابير اللازمة لإحباطها.
ب. دفع الكمائن على محاور الاقتراب لرأس الكوبري.
ج. تنشيط أوضاع التعزيز، بدفع مجموعات مقاتلة للقيام بالإغارة على العدو.
د. دفع مفارز قتال قوية للاصطدام مع العدو الذي يحاول شن هجمات مضادة على رأس الكوبري.
8. الدرس الثامن .
كما أن الإفراط في التفوق، في الاتجاهات الرئيسية، قد يصبح ضرراً أكثر منه نفعاً، فإن التقليل من حجم القوات، إلى الحد الغير ملاءم، لا يعني تحقيق مبدأ الاقتصاد في القوى.
دفعت القيادة الإسرائيلية، ثمناً غالياً، كلفها كل ما فقدته في حرب أكتوبر 1973، نتيجة لتحقيق هذا المبدأ، في غير محله. فقد بني الإسرائيليون خطتهم للدفاع على الجبهة الجنوبية (سيناء) على أساس قوة المانع المائي كعائق أمام أي هجوم مصري. ولتوفير القوات والتكلفة كذلك، اكتفى بالقوات التي ستحتل المواقع الحصينة في خط بارليف. ثم خفضت تلك القوات، وأغلقت بعض النقط الحصينة، وقد مكن ذلك، المصريون من التغلب على ذلك الخط المحصن بسرعة، كما لم يكن للمواقع التي ظلت صامدة لفترة أطول، تأثير كبير على أعمال القتال لضعف قوتها.
9. الدرس التاسع .
ينجح العمل القتالي، عندما يُجبَرْ القائد المعادي، على اتخاذ قرارات، كردود فعل، وهو ما يتحقق بالمناورة بشقيها، الحركة والنيران، والتي يلزم لها خفة حركة، ومرونة فكرية وحركية.
نجح القادة الميدانيون، الإسرائيليون، في إبطاء معدل تقدم القوات المصرية، حتى توقفت تماماً، مستخدمين في ذلك قدرة قواتهم المدرعة والآلية، على إجراء المناورة الحركية، بما لديهم من مركبات ذات خفة حركة عالية، والنيرانية بالقدرة على نقل النيران الدقيقة على الأهداف بفاعلية. ولم تنجح القوات المصرية في ذلك، عندما عبرت القوات الإسرائيلية إلى الغرب، حيث افتقدت خفة الحركة، والمرونة.
10. الدرس العاشر .
من الضروري المحافظة على الروح المعنوية للقوات، مرتفعة. وهو ما يمكن الإعداد له، أثناء التحضير للمعركة، بأساليب عديدة. أما أثناء القتال، فهناك ثلاث عوامل، هي الأكثر تأثيراً في الروح المعنوية، المستوى العالي لتدرب القوات، والاستمرار في الأعمال الإيجابية النشطة، وقوة العقيدة الدينية لدى المقاتلين.
اهتمت القيادة العسكرية والسياسية المصرية، بالروح المعنوية للقوات، خاصة بعد هزيمة يونيه 1967. وقد بدأت بزيادة جرعات التدريب المفيد، على المهام القتالية، وأوصلت الجنود إلى درجة الاحتراف في استخدام الأسلحة والمعدات، وقد زادت أحداث حرب الاستنزاف من ثقة الجنود والضباط بأنفسهم وأسلحتهم وقادتهم، وارتفعت معنوياتهم عدة درجات أكبر. كما كان لانتشار الوازع الديني بين أفراد القوات المسلحة، والإقبال الشديد منهم على فهم عقيدتهم الدينية بشكل صحيح، آثاراً جيدة على تحمل القوات للشدائد، والصمود في اللحظات الحرجة.
ثانياً: استخدام القوات.
1. الدرس الأول .
ضرورة، إلمام القادة بالاستخدام الأمثل للمجهود الجوي المخصص، حتى يستخدم بإمكانيات كاملة، تعطي التأثير المطلوب.
في حرب أكتوبر 1973، كانت القيادة العسكرية، تحتفظ بالمجهود الجوي للمعاونة الجوية للقوات البرية، في يد القائد العام، أو قادة الجيوش الذين يوزع عليهم مجهود جوي. وقد أدى ذلك الوضع، مع عدم إلمام القادة البريون، بخصائص وقدرات الطائرات، المختلفة، إلى عدم استغلال تلك القدرات في مراحل التطوير المختلفة، والتي تحتاج في الغالب، معاونة جوية مجدية.
2. الدرس الثاني .
أهمية تكامل العناصر الأساسية، لمنظومة الدفاع الجوي، والتي تكون من:
أ. شبكات الإنذار.
ب. مراكز القيادة والسيطرة.
ج. الأسلحة الإيجابية.
د. المواقع والمعدات الهيكلية، والخداعية.
هـ. وسائل الاتصال المستقرة، والمؤمنة.
3. الدرس الثالث.
الاستخدام المتكامل، لكافة القوى البحرية، أفضل من التفوق العددي، في القطع البحرية.
رغم تفوق الاسطولين، المصري والسوري، كل على حده، على الأسطول الإسرائيلي، فإن الأخير تمكن من إلزامهما بالدفاع، معظم فترات الحرب، ولم ينجح سوى الأعمال السلبية، والتي تمثلت في قفل مضيق باب المندب، بمجموعة غواصات ومدمرات وفرقاطات مصرية، كانت خارج مدى العمل للبحرية الإسرائيلية، التي لم يتوفر لها مواني صديقة على هذا البعد للارتكاز عليها، كما توفر للقطع البحرية المصرية. وكذلك تمثل العمل السلبي الناجح الآخر، في استخدام الألغام في قفل خليج السويس. وقد افتقرت منظومة العمل البحري إلى الاستطلاع البحري الاستراتيجي والحرب الإلكترونية البحرية والصواريخ سطح / سطح المتطورة والدقيقة (خاصة لإصابة الأهداف الصغيرة وهو ما توفر لدى البحرية الإسرائيلية)، وأهم ما افتقرت إليه القوات البحرية المصرية، المساندة الجوية. لذلك كانت الأعمال القتالية للبحرية المصرية محدودة.
4. الدرس الرابع .
أهمية مناسبة الأعيرة وقدرات الحركة، لمصادر النيران الرئيسة، للمستوى والتنظيم الرئيسي العاملة معه.
لم تستطع المدفعية المصرية، رغم تفوقها الواضح، أن تقدم معاونة نيرانية فعالة، للوحدات المدرعة والآلية، حيث عجزت المدفعية المقطورة، خاصة الجرارات ذات العجل، عن مواكبة القوات المتحركة، وأخفقت معظم وحدات المدفعية العضوية والدعم، في الوصول إلى مناطق انتقالاتها، في مرحلة التطوير.
كذلك، لم تكن الأعيرة، أحياناً، مناسبة، فمدفعية الجيوش لا بد أن تطول مدفعية الجبهة لدى الإسرائيليين، ومدفعية الفرق لا بد أن تطول مدفعية مجموعات العمليات الإسرائيلية، وغالباً ما يكون احتياطي هذه القوة (الجبهة ـ مجموعة العمليات) بالقرب من مجموعة مدفعيتها، وهما الهدفين الرئيسيين للمدفعية المناظرة.
5. الدرس الخامس .
أهمية توفر عناصر مضادة للدروع، مع كل أنواع الوحدات، حتى مستوى السرية، بما في ذلك عناصر الدفاع الجوي، على أي مستوى.
أثبتت حرب أكتوبر 1973، فاعلية الوحدات المدرعة، المدعومة بالمشاة الآلية المتطورة، بالاستخدام الجيد. فقد فشلت الدبابات الإسرائيلية، عندما هاجمت المشاة المصرية، دون أن يساندها مشاة، بينما تمكنت المشاة المصرية من صد الدبابات الإسرائيلية بفاعلية، لتوفر عناصر مضادة للدروع متنوعة، معها.
6. الدرس السادس.
أسلحة البعد الثالث، هي أسلحة المستقبل .
أثبتت حرب أكتوبر 1973، على الجبهة المصرية ـ وكذلك السورية ـ أهمية وفاعلية، عناصر وأسلحة البعد الثالث، فقد تم الاستيلاء على عدة أهداف حيوية ومؤثرة بواسطة الاقتحام الجوي الرأسي، كما أحبطت كثير من التحركات للاحتياطيات في العمق، بواسطة عناصر من الصاعقة تم إبرارها جواً. كذلك كانت الضربات الصاروخية التكتيكية مؤثرة وذات فاعلية، ضد الأهداف الهامة والكبيرة الحجم. ويلاحظ أن هذه القوات تحتاج إلى إجراءات تأمين معقدة.
بعد حرب أكتوبر 1973، ونتيجة لذلك الدرس الهام، عنيت كثير من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإسرائيل، بالتوسع في حجم تلك القوات والأسلحة، وطورتها لتصبح أكثر فاعلية، وأدخل معها عناصر جديدة كذلك، مثل الصواريخ الباليستية الموجهه، ورص الألغام الأرضية بالصواريخ التكتيكية أرض / أرض.
7. الدرس السابع .
الحروب المقبلة، ستعتمد على الحرب الإلكترونية، لزيادة فاعلية أسلحتها، وإضعاف فاعلية أسلحة وقوات العدو.
سميت حرب أكتوبر 1973، من قِبَلْ العديد من المعلقون والخبراء المتابعون للحرب، بالحرب الإلكترونية الأولى، وذلك لاستخدام طرفيّ الحرب (مصر ـ إسرائيل) عناصر مدربة، وأجهزة متقدمة نسبياً (في ذلك الوقت)، لكل أنشطة الحرب الإلكترونية، شملت الاستطلاع اللاسلكي والراداري، والتنصت، والاعاقة الإلكترونية، وعناصر التوجيه، والخداع. كما لم تعد قاصرة على الأجهزة الثابتة، وإنما أصبحت كذلك متحركة، ومحمولة جواً، أو مجهز بها الطائرات بدون طيار (والتي أصبحت أكثر تقدماً، وأكثر فائدة)، ويستخدم بعضها الفضاء كأقمار التجسس، مما يعطيها أبعاداً جديدة في الاستخدام.
8. الدرس الثامن .
أهمية العمليات الليلية، للتطوير، والاستيلاء على الأهداف والخطوط المناسبة ليلاً.
نجحت معظم أعمال المفارز، والإغارات، والكمائن التي نفذت ليلاً، إذ فوجئ الطرف الآخر بها، أو لم يدركها إلا بعد أن حققت مهامها. ويحتاج ذلك إلى تدريب القوات على القتال ليلاً، في صور المعركة المختلفة، وتعميم أجهزة الرؤيا والتنشين الليلية، وأجهزة المسار للمحافظة على الاتجاه.
9. الدرس التاسع .
الاستخدام الأمثل، للعناصر المدرعة، والآلية، هو استغلال قدراتها كاملة، باستخدامها مجمعة، وفي أعمال هجومية، تحقق الصدمة وخفة الحركة والنيران، والتي هي أهم مميزات تلك العناصر.
استخدم الطرفين، المصريون، والإسرائيليين، قواتهم المدرعة استخداماً سيئاً في بداية الحرب فكلاهما فتت وحداته المدرعة، وكان ذلك أكثر وضوحاً في القوات الإسرائيلية، التي خصصت وحدات فرعية صغرى (فصائل وسرايا) لدعم النقاط القوية لخط بارليف، عند مهاجمتها من قبل المصريين، وهو ما أفقد تلك الوحدات الصغيرة الحجم الفاعلية المطلوبة، وظل الأمر كذلك، في الهجمات المضادة التي تنامت أحجامها حتى وصلت إلى لواءات مدرعة، تهاجم منفردة. وقد فطن القادة الإسرائيليون لذلك الخطأ، وبادروا إلى حشد قواتهم المدرعة، واستخدامها في مجموعات عمليات مدرعة كلٍ من 2 إلى 3 لواء مدرع، وتعمل المجموعات بتعاون وتنسيق فيما بينها، وأدى ذلك إلى نتائج أفضل في المراحل الأخيرة من الحرب (القتال غرب القناة).
أما القوات المصرية، فقد دعمت فرقها المشاة، بألوية مدرعة، معظمها تم سحبه من الفرقة الآلية والمدرعة (الاحتياطي العملياتي والاحتياطي الاستراتيجي) وهو ما أضعفها، عندما بدأت في تنفيذ مهامها القتالية. بالمثل، فإن قادة الفرق المشاة، استخدموا الألوية المدرعة الداعمة لهم، بالكتائب، والسرايا أحياناً، وهو ما زاد من تفتيتها، واستخدمت في كثير من الأحيان من خطوط صد، وخطوط نيرانية، مما أفقدها أهم خواصها، وأصبحت قطعة مضادة للدروع ليس إلا.
الخاتمة
أعتبر الخبراء، أن حرب أكتوبر 1973، بما حوته من أحداث، أحد أكبر الحروب الحديثة، التي طبق فيها كل نظريات العلم العسكري الحديث، وكانت نتائجها دروساً للجميع، وبعد مرور أكثر من ربع قرن، مازالت الندوات تعقد لدراسة هذه الحرب، ومعرفة خباياها، واستنباط الدروس منها، للأجيال القادمة.
مهما قيل عن حرب أكتوبر 1973، فلا شك أن قيمتها العسكرية، ستظل ثمينة للعسكريين، وستظل دروسها مثالاً يدرس في المعاهد العسكرية.
كان الأداء القتالي عالي المستوى، بدءاً من التخطيط على الأسس العلمية، وانتهاء من أداء الجندي وهو يتسلق الساتر الترابي، ويهاجم الحصن تلو الحصن، أو يدافع عما أكتسبه من أرض، شبراً، شبراً.
أظهرت حرب أكتوبر 1973 قيماً جديدة للأسلحة والفرد، وكانت الصواريخ هي الأكثر استخداماً في ميادين عديدة، وقد أفرزت نبوءات، بدأت تتحقق في العقود التالية، كما هدمت نظريات وغيرت نظريات أخرى في البحر والجو وفي الأثير، فقد كانت الحرب الإلكترونية الأولى، وحرب المدرعات الحديثة، وحرب الحصون العتيقة، شملت المواقع المائية والأراضي الصحراوية والجبلية والزراعية، فكانت حرباً شاملة.
امتدت آثار حرب أكتوبر عقوداً تالية، واتسع مجالها لتؤثر في السياسة العالمية، والإقليمية، والاقتصاد العالمي، والإقليمي وغيرت مفاهيم المجتمعات المعاصرة، في منطقة أحداثها، لتثبت مرة أخرى شموليتها.
مقتبسِ
د. يحي الشاعر