سكان الجولان الأصليون ينحدرون من قبائل عربية استقر بعضهم بأرياف الجنوب نظرا لطبيعته المميزة ببحيراتها وأنهارها (رويترز)
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن جذور الشعب اليهودي في الجولان السوري المحتل تعود لآلاف السنين، مضيفاً أنه كان على إسرائيل أن تنتظر نصف قرن حتى تترجم انتصارها العسكري.
لكن ترجمة الأمر الواقع العسكري لا تصمد أمام حقائق التاريخ القديم والحضارات التي تعاقبت على "الهضبة السورية" كما كانت تسمى، إذ يعود تاريخ إعمار منطقة الجولان واستقرار السكان فيها للعهد الكنعاني القديم، واستمر دون انقطاع مع حركة مد وجزر سكاني، وعرفت البلاد لغات مختلفة هي الكنعانية والآرامية -لغة المسيح عليه السلام- والعربية، وسكنت فيها قديماً شعوب مختلفة أغلبها من العرب.
تاريخ قديم فوق الهضبة السورية
ينحدر سكان الجولان الأصليون من قبائل عربية امتهنت تربية الحيوانات في مراعي الجولان وخارجه، واستقر بعضها في أرياف الجنوب الجولاني، خاصة مع الطبيعة المميزة التي تشكلت فيها بحيرات وأنهار بمياهها العذبة.
وفي نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد كان العموريون الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية في وقت مبكر جداً، قد استقروا بأعداد كبيرة في بادية الشام وانتشروا في مدن سوريا والعراق وفلسطين القديمة، ليشكلوا وجه المنطقة القديم.
وفي الألفية الثانية والأولى قبل الميلاد كان الآراميون الذين أتوا أيضا من جنوب الجزيرة العربية قد حلوا محل العموريين، وأسسوا مملكة آرام دمشق في النصف الثاني من القرن التاسع ق.م التي ضمت الجولان إلى جانب جنوب سوريا وشمال فلسطين.
وبعد هجرة بني إسرائيل من مصر وموت سليمان بن داود عليهما السلام حوالي العام 935 ق.م، انقسمت المملكة اليهودية على نفسها، فقامت يهوذا في القدس ومملكة إسرائيل في السامرة شمالي فلسطين، ونشبت الخلافات والحروب بين المملكتين، واستعانت كل منهما بملوك مصر أو آشور ضد الأخرى، مما أضعفهما معاً وأضعف سلطتهما على السكان وعادت الاضطرابات مرة أخرى.
وهاجم شيشنق ملك مصر مملكة يهوذا عام 920 ق.م واحتلها لتصبح منذ ذلك الحين تابعة للدولة المصرية. وفي عام 721 ق.م هاجم الآشوريون مملكتي إسرائيل ويهوذا واحتلوهما وفرضوا الجزية عليهما، وقد حاولت مملكة إسرائيل التمرد، لكن الآشوريين قمعوا تمردها بقوة وأخذوا معظم سكانها أسرى إلى العراق.
وشن نبوخذ نصر الكلداني هجوماً على فلسطين عام 597 ق.م واستولى على القدس عاصمة يهوذا وأخذ ملكها وعائلته ومعظم قادتها أسرى إلى العراق، وأقام في القدس ملكاً جديداً. وفي عام 586 ق.م حاول بقايا اليهود التمرد على سلطان بابل في فلسطين، فعاد نبوخذ نصر وغزاها من جديد، وفي هذه المرة دمر القدس وعادت فلسطين كنعانية عربية تابعة للعراق تستقبل هجرات العرب من سوريا والجزيرة العربية.
وغزا الفرس فلسطين عام 539 ق.م واحتلوها لقرنين من الزمان، ثم انتصر الإسكندر الأكبر على الفرس في القرن الرابع قبل الميلاد، واستولى على سوريا وفلسطين والقدس وضمها إلى الإمبراطورية اليونانية، ثم انقسمت إمبراطوريته بين قادته، وظلت فلسطين منذ تلك الفترة تعيش حالة من الحروب القلاقل في ظل العديد من الدول مثل المكابيين والعرب الأنباط عام 90 ق.م، وظلت تابعة لعاصمتهم "البتراء" حتى احتلها الرومان.
وفي أوائل القرن الثالث الميلادي هاجر أحفاد قبيلة أزد العربية من اليمن إلى بلاد الشام، ليؤسسوا إمارة الغساسنة التي أصبحت حليفة للإمبراطورية البيزنطية، وشكلت منطقة عازلة تحمي الرومان الشرقيين من هجمات القبائل البدوية. واعتنق الغساسنة المسيحية في الشام، واعتنق بعضهم الإسلام بعد الفتح الإسلامي، بينما بقى كثيرون على دينهم وشكلوا مجتمعا مسيحيا لا يزال مستمراً في بلاد الشام.
وكانت عاصمة الغساسنة هي بصرى الواقعة في درعا حالياً، لكنها تحولت لاحقاً إلى الجابية الواقعة في محيط منطقة الجولان الحالية، وأصبحت "الجابية" بالجولان عاصمة جند دمشق في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
الجولان الحديث
بعد عام 1878 عرفت الهضبة إعمارا أكثر تطورا وثباتا في العهد العثماني، حيث سكنها آلاف المهجرين الشركس في عدد من المواقع، وكذلك التركمان واليوروك، بالإضافة إلى استقرار أعداد متزايدة من البدو فيها، خاصة في النصف الأول من القرن العشرين.
وارتفع عدد السكان وتوسع العمران في الجولان بعد عام 1948 مع وصول أفواج اللاجئين الفلسطينيين، وباتت منطقة مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي.
احتلها الإسرائيليون يوم 9 يونيو/حزيران 1967، واسترجع الجيش السوري جزءا منها (684 كلم2) في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لكن الاحتلال استولى عليها فيما بعد وأعاد عام 1974 إلى سوريا مساحة 60 كلم2 تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد، في إطار اتفاقية فك الاشتباك.
وبلغت قرى الجولان قبل الاحتلال أكثر من 150 قرية وعشرات المزارع التي وقع أغلبها تحت الاحتلال إضافة إلى القنيطرة، وبقيت قرى قليلة بينها مجدل شمس ومسعدة بسكانها، بينما دمر الاحتلال عشرات القرى ومدينتين.
وتم تهجير أكثر من 130 ألفا من سكان الجولان المحتل البالغ عددهم قرابة 150 ألفا قبل الاحتلال، وعاش أغلبهم في دمشق وضواحيها.
وبينما بقي عدد محدود من السكان في القرى الباقية وفي القنيطرة التي أعادتها إسرائيل في إطار اتفاقية الهدنة، لا يزال عشرات الآلاف من العرب يعيشون في الجزء الواقع غرب خط الهدنة، ويحمل بعضهم الجنسية الإسرائيلية بينما يرفض كثيرون حمل الهوية الإسرائيلية حتى الآن.
وفي كل عام بذكرى النكبة، يقيم سكان الجولان على الجانبين احتفالا تستخدم فيه مكبرات الصوت للتخاطب بينهم عبر خط الهدنة. وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صوتت الولايات المتحدة للمرة الأولى ضد قرار أممي يعتبر ضم إسرائيل للجولان "لاغيا وليس في محله"، وكانت الدولة الوحيدة التي اتخذت هذا الموقف.
ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 25 مارس/آذار 2019 الإعلان الرئاسي الخاص باعتراف واشنطن "بسيادة" إسرائيل على الجولان السوري المحتل، وذلك عقب مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو الذي شكر ترامب واصفا إياه بأفضل صديق عرفته إسرائيل.
المصدر : الجزيرة نت