المولد والنشأة
ولد راشد الغنوشي عام 1941 في قرية الحامة التابعة لولاية قابس بالجنوب التونسي، لأسرة محافظة وبسيطة تعمل في الزراعة، وشارك الأسرة العمل في الحقل وبيع المحصول بجانب دراسته.
وبسبب طبيعة المعيشة الصعبة التي كانت تعيشه أسرته انقطع الغنوشي عن الدراسة لمدة عام، جراء تعثر الأب في توفير المصروفات الدراسية.
راشد الغنوشي متزوج من تونسية واسمها فاطمة الجويني، ولهما ولدان وأربع بنات.
الدراسة والتكوين
تلقى الغنوشي تعليمه الابتدائي في قرية الحامة، ودرس المرحلة الإعدادية والثانوية في مدينة قابس، وبعد أن حصل على شهادة من مدرسة قرآنية انتقل إلى تونس العاصمة لمواصلة دراساته في جامعة الزيتونة، حيث حصل على شهادة في أصول الدين.
سافر عام 1964 إلى مصر لإتمام دراسته في الزراعة بجامعة القاهرة، لكن الصراع بين الحبيب بورقيبة و
صالح بن يوسف جعل السفارة التونسية في القاهرة تمنع الطلبة التونسيين من البقاء في مصر، فانتقل بعدها إلى دمشق وحصل فيها على الإجازة (البكالوريوس) في الفلسفة عام 1968.
ذهب بعدها في رحلة مدتها ستة أشهر إلى أوروبا، فزار تركيا وبلغاريا ويوغسلافيا والنمسا وألمانيا وفرنسا، حيث التقى مع فرانسوا بورغا، أستاذ العلوم السياسية ومدير الأبحاث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي، ولم يتيسر له استكمال دراسته في جامعة السوربون فعاد إلى تونس.
التوجه الفكري
أعجب الغنوشي في الستينيات بتجربة
جمال عبد الناصر القومية، وبدأ نشاطه الإسلامي في فرنسا وسط الطلبة العرب والمسلمين.
قرأ كتب
سيد قطب و
محمد قطب وأبو الأعلى المودودي و
محمد إقبال و
مالك بن نبي وأبو حامد الغزالي و
ابن تيمية، وتعرف على جماعة الدعوة والتبليغ، ونشط معها في أوساط العمال من شمال أفريقيا.
لما عاد إلى تونس في نهاية الستينيات بدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية الذين تشكلت منهم حركة الاتجاه الإسلامي، التي سميت فيما بعد بـ"حركة النهضة".
أسهم بخطبه ودروسه ومقالاته وكتبه ومحاضراته في دعم الخط المعتدل والوسطي في الحركة الإسلامية داخل تونس وخارجها، وساهم في زعزعة عدد من القناعات التقليدية حول قضايا دينية وفكرية وسياسية وتصحيحها، كحقوق المواطنة والحريات العامة والديمقراطية والعلمانية وغيرها.
التجربة السياسية
عاد الغنوشي إلى تونس نهاية عام 1960 ووجد الرئيس الحبيب بورقيبة يتخذ تدابير متعددة لعلمنة المجتمع التونسي، مع دعم الدراسة الدينية في النظام التعليمي لمواجهة التوجهات الماركسية.
شارك في جمعية المحافظة على القرآن رفقة
عبد الفتاح مورو واحميدة النيفر وحبيب المكني وصالح كركر، الذين أسسوا فيما بعد الجماعة الإسلامية في أبريل/نيسان 1972 في مدينة المرناق جنوب غرب تونس.
كانت المجموعة المذكورة نواة حركة الاتجاه الإسلامي، حيث بدأت التواصل مع المجتمع والنخبة من خلال صحيفة المعرفة (التي صدرت عام 1974)، والتي اتهم الغنوشي من خلالها بورقيبة بمحاولة تركيز العلمانية في تونس ومحاربة الإسلام.
اعتقل الغنوشي وحوكم مرات عديدة، فحكم عليه أول مرة بالسجن 11 سنة، قضى منها ثلاثة سنوات (1981-1984) وخرج بعفو عام، فعاد للاحتجاجات والنشاط السياسي، فحكم عليه للمرة الثانية بالأعمال الشاقة والسجن المؤبد عام 1987، وهو ما اعتبره بورقيبة غير كاف وطالب بمعاقبته بالإعدام.
حال انقلاب زين العابدين بن علي يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 دون تنفيذ الحكم، وأطلق سراحه في 14 مايو/أيار 1988.
ندد الغنوشي بالعنف وأكد أن الإسلاميين لن يخترقوا الجيش والشرطة، واعترف بقانونية مجلة الأحوال الشخصية (قانون الأسرة)، واعتبرها في المجمل "إطارا نقيا ينظم العلاقات العائلية"، وقدم في بداية 1989 طلب الترخيص القانوني لحركة الاتجاه الإسلامي لكنه قوبل بالرفض.
ساءت العلاقة مع النظام الجديد حينها، فغادر تونس في 11 أبريل/نيسان 1989 إلى الجزائر بعدما حكمت عليه المحكمة العسكرية مع قيادات أخرى بالسجن المؤبد بتهمة "التآمر" ضد رئيس الدولة، وانتقل بعدها إلى السودان، حيث حصل على جواز سفر سوداني دبلوماسي.
أصبح رئيسا لحركة النهضة عام 1991 بعد استقراره في مدينة أكتون بضواحي العاصمة البريطانية لندن، حيث حصل في أغسطس/آب 1993 على حق اللجوء السياسي.
أعيد انتخابه عام 2007 رئيسا لحركة النهضة، وبعد 21 عاما في المنفى عاد إلى تونس يوم 30 يناير/كانون الثاني 2011 بعد ثورة التونسيين وإسقاط بن علي، ووجد في استقباله عشرات الآلاف من أنصار الحركة في مطار تونس قرطاج الدولي.
بعد فوز "النهضة" في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بتسعين مقعدا في المجلس التأسيسي (البرلمان الانتقالي) من أصل 217 مقعدا، رفض أن يتولى أو يترشح لأي منصب، ورشّح حمادي الجبالي لرئاسة الحكومة التونسية الجديدة.
ساهم بعلاقاته وحواراته مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة بعض الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية، من قبيل مسألة تطبيق الشريعة وكونها مصدرا للتشريع أثناء كتابة الدستور الجديد وغيرها.
في 2012 حمّله معارضوه مسؤولية صعود تيار السلفية الجهادية في تونس، خصوصا بعدما أدلى بتصريح صحافي قال فيه إن "معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن"، قبل أن يعلن لاحقا أن "هؤلاء الناس يمثلون خطرا ليس على (حركة) النهضة فقط بل على الحريات العامة".
لم تقدم حرجة النهضة أي مرشّح في رئاسيات تونس 2014 إلا أنها حلت في المركز الثاني في الانتخابات التشريعية التي نظمت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 بعد حزب حركة نداء تونس الذي تصدر المشهد السياسي.

في مايو/أيار 2016 أعلن الغنوشي أن حركته "بصدد التحول إلى حزب يتفرغ للعمل السياسي، ويتخصص في الإصلاح انطلاقاً من الدولة، ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني ليعالجها، ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الأحزاب، بما في ذلك النهضة".
ويوم 22 مايو/أيار 2016 أعاد المؤتمر العاشر لحركة النهضة انتخاب الغنوشي مجددا رئيسا للحركة، وأعلن رئيس المؤتمر علي العريض فوز الغنوشي متقدما على منافسين اثنين بفارق كبير.
وقال العريض إن الغنوشي حصل على 800 صوت، في حين حصل فتحي العيادي على 229 صوتا، وحصل محمد العكروت على 29 صوتا.
في يناير/كانون الثاني 2019، وقبيل الاستحقاقات الرئاسية في تونس أعلن الغنوشي أنه غير معني شخصيًا بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه ليست لديه نية الترشح لرئاسة تونس.
في 27 سبتمبر/أيلول 2019 وبعد انسحاب مرشح النهضة عبد الفتاح مورو من الدور الأول أعلن الغنوشي دعم الحركة للمرشح المستقل قيس سعيّد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، باعتباره "يمثّل قيم ومبادئ الثورة"، وقد دعمته القوى المنحازة للثورة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 انتخب البرلمان التونسي -الذي أفرزته الانتخابات السابقة لأوانها إثر وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي- رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي رئيسا له، وذلك في أول جلسة عامة أدى خلالها النواب اليمين الدستورية.
واجه منذ أن تولى رئاسة البرلمان معارضة شديدة من أحزاب ضده، وكذلك من قيادات داخل حزبه دعته للتنحي عن السياسة وفسح المجال للقيادات الشابة في الحزب، لكنه رفض هذه المقترحات.
وبعد فترة وجيزة من توليه رئاسة المجلس اتهمته بعض الكتل النيابية بالفشل في تسيير البرلمان والتسبب في احتقان الأجواء بداخله، إلى جانب دخوله في صراع على الصلاحيات مع رئيس الدولة قيس سعيد، مما تسبب في خلق أزمة سياسية بالبلاد.
هذه الاتهامات ذهبت حدّ المطالبة بسحب الثقة منه وعزله من رئاسة المجلس، وذلك في مناسبتين، الأولى في يوليو/تموز 2020 والثانية في فبراير/شباط 2021، ولكن البرلمان أسقط العريضتين بتصويت أغلبية الكتل النيابية.
عرفت العلاقة بينه وبين الرئيس التونسي قيس سعيد فترة من الركود والفتور، تحوّلت في كثير من المناسبات إلى مناكفات وتبادل للاتهامات.
ويذكر أن الرجلين التقيا يوم 24 يونيو/حزيران 2021 بمناسبة إحياء الذكرى 65 لتأسيس الجيش التونسي بعد تباعد دام ستة أشهر متواصلة دون ذكر لتفاصيل وفحوى هذا اللقاء المطوّل.