خطوط الإمداد معضلة تهدد الاحتلال الأمريكي بأفغانستان
المقدمة.
لا تزال العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان تترصدها العقبات من أكثر من جهة مختلفة، فبعيدًا عن الأوضاع المتردية في البلاد، وتصاعد أعداد القتلى في الجيش الأمريكي، وتزايد قوة طالبان، وفساد حكومة "حامد كرزاي"، فإن واشنطن تواجه خطرًا جديًا في اعتمادها على دول وسط آسيا في توفير الإمدادات لقواتها في أفغانستان.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تحليلاً لـ "بول قوين- جادج"، مدير مشروع وسط آسيا بمجموعة الأزمات الدولية، قدم من خلاله رؤيته للمأزق الذي تواجهه واشنطن حاليًا فيما يتعلق بخطوط الإمدادات العسكرية إلى جنودها في أفغانستان، وكيف أن اعتمادها على الجمهوريات السوفيتية السابقة في منطقة وسط آسيا يعكس مدى قلة الخيارات المتاحة لديها في هذه الحرب.
وجاء فيه:
مع تصدر أفغانستان حاليًا مقدمة الأولويات العسكرية لإدارة أوباما، فإن منطقة وسط آسيا قد احتلت أهمية دولية جديدة. ومن المنتظر أن توفر الجمهوريات السوفيتية الخمس السابقة والتي عادة ما تجمع معًا تحت اسم دول "ستان"- كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكيستان، تركمنستان، وأوزبكستان- خطوط الإمدادات الجديدة للجيش الأمريكي في أفغانستان. وستكون هذه الخطوط تكميلية في البداية، وربما تكون بديلة في نهاية المطاف، للطريق متزايد الخطورة غير الموثوق الذي يمر عبر باكستان.
محدودية الخيارات المتاحة.
واعتماد واشنطن على وسط آسيا يبرز إلى أي مدى محدودية الخيارات المتاحة أمامها في حملة أفغانستان. إن المنطقة تمثل رهانًا خطيرًا. وزعماؤها جميعًا كانوا مسئولين سابقين بالأحزاب السوفيتية يترأسون أنظمة تجد الصفوة الحاكمة فيها صعوبة في التمييز بين الخزانة العامة والحسابات الشخصية. ويعيش معظم مواطنيهم في فقر مدقع، كما أن اقتصاديات دولهم بوجه عام ضعيفة وهشة. ولدى كل رئيس منهم الكثير من الأعداء، وليس لديه إستراتيجية لخلافة الحكم. كما أن حركات المعارضة فيها عادة ما تكون إما ضعيفة أو لا وجود لها، وبعضها ليس أفضل كثيرًا من الأنظمة الحالية.
أما السيناريوهات الأسوأ فتتضمن: انهيار الدولة، تفكك البنية التحتية القومية، صراعات فوضوية لخلافة الحكم، واندلاع "تمرد إسلامي".
من الانزلاق إلى الحرمان.
أيضًا الكوارث الطبيعية تحدث للأسف هناك بصفة متكررة، كما أن المزيد من الانزلاق إلى الحرمان الاجتماعي أمر غير مستبعد؛ وذلك نظرًا لسنوات طويلة من سوء الإدارة والفساد، والذي تفاقم في الوقت الراهن في ظل الأزمة المالية العالمية. وربما يكون البلدان اللذين ستعتمد عليهما الولايات المتحدة بشكل اكبر - طاجيكستان وأوزبكستان- هما الأكثر قابلية للإصابة.
وتعلم الولايات المتحدة بوضوح انه لا توجد بدائل معقولة. وفي حالة وسط آسيا، فإن واشنطن تواجه أهدافًا متضاربة. وإذا كانت الأنظمة هناك ستكون قادرة على أن تكون حليفة على المدى الطويل، فإنه يتعين عليها أن تقوم بإصلاح نفسها. وهو في صالح الولايات المتحدة أن تعمل على حثهم بقوة وإصرار على فعل ذلك -- في الوقت الحالي.
طاجيكستان وأوزبكستان.
وتحقيق هذا يمكن اعتباره تقريبًا بمثابة تحديًا شاقًا مثله مثل إيقاع الهزيمة بحركة طالبان. فزعماء دول مثل طاجيكستان وأوزبكستان هما النقيض لكل ما تقف للدفاع عنه إدارة أوباما. حيث أن الإصلاحات الجذرية في الإدارة، والشفافية المالية، والديمقراطية تشكل تهديدًا لمصالحهم الشخصية.
وتواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها حسابات دقيقة إلى درجة بعيدة. فهي إما لا تمارس ضغطًا كثيرًا من أجل الإصلاحات، وقد تمر قافلتها للسلع العسكرية عبر دولة تمور تحت وطأة اضطراب شعبي واسع ضد الحرمان الاقتصادي، والقمع السياسي. أو أن تضغط بقوة، وقد يقطع عنها الحكام الغاضبون الديكتاتوريون خطوط الإمدادات.
البحث عن ممرات.
إلا أن البحث عن ممرات على الأقل يسير على ما يرام. فقد حدد المسئولون الأمريكيون حتى الآن اثنين من الممرات البرية الرئيسية. حيث تبدأ الذراع الشمالية في مدينة ريجا، في لاتفيا، مواصلة مسارها عن طريق السكك الحديدية عبر روسيا وكازاخستان إلى أوزبكستان. أما الأخرى فستبدأ على الأرجح في ميناء "بوتي" الجورجي، عابرة بحر قزوين ثم إلى كازاخستان وأوزبكستان. عند هذه المرحلة ستتجه البضائع على الأرجح إلى أفغانستان في اتجاهين: إما عن طريق القطار ثم بشاحنة إلى الحدود الطاجيكية- الأفغانية ومن خلال جسر جديد أنشأته الولايات المتحدة؛ أو إلى بلدة تيرميز الحدودية الأوزبكية، التي تعد حاليًا مركزًا لقاعدة ألمانية.
أما بالنسبة للروس فهم شأن آخر. فمن حيث المبدأ هم يدعمون جهود إعادة التموين، ولكنهم كذلك يبدو عليهم الرفض العميق لإطلاق العنان للولايات المتحدة في وسط آسيا. ولاحظ الاضطرابات الحالية بشأن الوجود الأمريكي الأبرز وضوحًا بالمنطقة، قاعدة ماناس الجوية خارج العاصمة القيرغيزية بشكيك.فمنذ عام 2001، نقلت القاعدة قوات وإمدادات إلى أفغانستان وقدمت إمكانية التزود بالوقود أثناء الطيران للعمليات الجوية لقوات "التحالف" ضد حركة طالبان.
وحتى الآن، لا يزال مستقبل القاعدة الجوية غير مؤكد. وكانت حكومة قيرغيزستان، وقد شجعتها حزمة كبرى من المساعدات الروسية، أعلنت في فبراير الماضي أنها ستقوم بإغلاق القاعدة. وهو الأمر الذي أثبت بأكثر من مجرد إشارة أن بشكيك ترغب في عرض أمريكي أفضل.إلا أن الولايات المتحدة لم ترد علنًا بعد، وإن كانت المحادثات لا تزال مستمرة على ما يبدو. وربما تتقبل روسيا القاعدة في نهاية المطاف، ولكن من المرجح أنها سترغب في أن تعمل تلك القاعدة بموجب شروط من شأنها التأكيد على سيادة الكرملين في وسط آسيا. وحتى بعد ذلك، فإن المزيد من العقبات الروسية في الطريق لن تكون أمرًا غير وارد.
إن الحقائق الداخلية على نفس القدر من الفوضى. حيث أن طاجيكستان تقترب كما لم يحدث من قبل إلى حافة دولة فاشلة. فهي لا تستطيع إمداد غالبية مواطنيها بأكثر من ثلاث ساعات من الكهرباء يوميًا. إلا أن العجز في الكهرباء يبشر بأنه لن يكون إلا أول أزمات هذا العام. وكذلك فإن نصف قوة طاجيكستان العاملة تضطر حتى الآن إلى البحث عن عمل بالخارج، حيث تقدم تحويلاتهم المالية للبلاد 50% تقريبًا من إجمالي الناتج المحلي القومي. غير أن معدلات البطالة سوف ترتفع أكثر من ذلك هذا العام، كما ستتقلص أيضًا التحويلات المالية بصورة حادة بينما تجفف الأزمة الاقتصادية العالمية سوق العمالة المهاجرة. وليس هناك ما يشير إلى أن الحكومة الطاجيكية لديها أدنى فكرة عن كيفية مواجهة هذه المشكلات.
الطرق الشمالية والجنوبية.
إن الأوضاع تسوء على نحو مذهل. فالطرق الشمالية والجنوبية تتلاقى في أوزبكستان، ذات النظام بالغ القمعية الذي - وفقًا لما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية- تقوم فيه قوات الأمن بصورة روتينية بأعمال ضرب وتعذيب لانتزاع اعترافات من المشتبه فيهم، وحيث لقي كذلك مئات الأشخاص مصرعهم خلال اضطرابات شهدتها بلدة أنديجان عام 2005. ولم تتحسن الأوضاع منذ ذلك الحين.
ويُنظر إليها- اوزبكستان- في المنطقة على أنها الدولة التي من المرجح غالبًا أن تصل إلى نهاية سيئة: سواء في صورة انفجار خارجي أو داخلي، أو اقتتال تحزبي بمجرد أن يبتعد الرئيس "إسلام كريموف"، كبير السن الذي لا يحظى بشعبية عن الساحة السياسية. ويناور الرئيس كريموف، في الوقت الحالي، بدهاء بين روسيا والغرب للحصول على أفضل صفقة ممكنة على أي شيء بداية من الدعم السياسي وحتى أعمال التجارة، مغيرًا ذلك التوازن كل ستة أشهر أو نحو ذلك. ويمكن للولايات المتحدة أن تتوقع أن تكون عاجلاً أم آجلاً على طرفي مناوراته من اجل البقاء.
الخلاصة.
إن منطقة وسط آسيا إذن ليست حلاً بقدر ما هي مجموعة من المصاعب. وتدخل الولايات المتحدة في وسط آسيا ربما يصنع اتجاهًا جيوسياسيًا ولوجيستيًا، لكن الحقائق على الأرض يمكن أن تهدم هذا المنطق وتترك واشنطن محملة بمشكلات أكثر منها حلول.