دراسة تبحث معضلة العلاقة بين الرئيس و"السي أي أيه"
تقرير واشنطن- رضوى عمار
تلعب التقارير الاستخباراتية دورًا هامًّا في المجتمع الأمريكي في اللحظة الراهنة، وهو ما تبين في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، وما كٌشف عنه لاحقًا من تلاعب في هذه المعلومات واستخدامها في الدفع بسياسات لا تُحقق المصالح الأمريكية، وهو ما خلف كثيرًا من السخط على إدارة بوش السابقة، وخاصة بعد الكشف عن تقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن الوضع النووي الإيراني. وتنبع أهمية أجهزة الاستخبارات من مسئوليتها عن رصد وجمع البيانات ذات الصلة بالأمن القومي وتصنيفها وتحليلها، ثم تقديمها لمؤسسات صنع القرار الأمريكي. والتي لا شك في أنها تعتمد عليها بصورة كبيرة في اتخاذ قرارها.
وفي هذا الصدد، نعرض مقالة بحثية بعنوان "العلاقة بين محللي الاستخبارات وصانعي السياسة: دروس من العراق Relations between Intelligence Analysts and Policymakers: Lessons of Iraq"، لـ"كريستوفر فورد Christopher A. Ford"، نشرت على موقع معهد هودسون Hudson Institute ضمن سلسلة أوراق تحليلية تقدم رؤى للإدارة الأمريكية الجديدة.
أهميةتحسين العلاقة بين الاستخبارات وصانعي القرار
بدايةً، تؤكد الدراسة على أهمية العودة إلى العلاقات المتوازنة بين محللي الاستخبارات وصانعي القرار في الولايات المتحدة، فكلا الطرفين في حاجة لفهم معالم هذه العلاقة المعقدة، وأن يجدوا نقطة التقاء تحترم مواطن القوة الخاصة بكل طرف والدور المؤسسي الذي يقوم به. وأشارت الدراسة إلى أن العراق ستظل درسًا مهمًّا للرئيس أوباما وفريقه للأمن القومي إذا كانوا يرغبون في الحكم بكفاءة وبصورة فعالة. وأكدت الدراسة إلى أنه لا يوجد من يلم بمفرده بجميع المعلومات الضرورية الأساسية لصنع القرار سواء على صعيد السياسة الخارجية أو الأمن القومي، ولذا يعتمد كبار صانعي القرار بصورة حتمية على من يمدونهم بالمعلومات، والبيانات المتاحة التي توضح لهم الأمور. وهو ما يعني أن المسئولين في السياسة الخارجية والأمن القومي لا يمكنهم الاستغناء عن الاعتماد بصورة كبيرة على التحليلات المهنية التي تقدمها دائرة الاستخبارات الأمريكية.
على الرغم من عدم اتفاق الجميع مع أداء الاستخبارات، وأن ينصب اعتماد الرئيس أوباما وفريقه للأمن القومي على تقاريرها. فإن عليه إعادة النظر في أدائها إذا أراد أن يحكم بفاعلية وأن يكون قائدًا للتغيير كما يريد منتخبوه. فالعلاقة الرئيسة بين محللي الاستخبارات وصناع القرار تبدو اليوم مخفقة النتائج وربما محفوفة بالمخاطر. وهي المشكلة التي نبعت من حرب العراق التي تم توجيه اللوم فيها إلى كبار الموظفين في دائرة الاستخبارات، والسياسيين الانتهازيين والتحليلات الإعلامية، خاصة بعد الإعلان عن أن الحرب جاءت نتيجة تشويه صناع القرار لتقارير الاستخبارات بشأن أسلحة الدمار الشامل بالعراق من أجل غايات سياسية تكمن في خلق مرحلة جديدة بعد الحرب على العراق. وتخلص الدراسة إلى أن مشكلة العلاقة بين محللي الاستخبارات وصناع القرار مخفقة النتائج لأن الطرف الأخير لا يحترم تحليلات ورؤية الطرف الأول بصورة مطلقة.
دور الاستخبارات الأمريكية في الخبرة العراقية
أشارت الدراسة إلى سوء خبرة التحليلات الاستخباراتية لأسلحة الدمار الشامل العراقية قبل الغزو الأمريكي. ومع ذلك تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستفادة من أخطائها التي أدت إلى هذه الكارثة. ورأت الدراسة أن المشكلة الأولى في تحليل أسلحة الدمار الشامل العراقية، تكمن في كون المعلومات الاستخباراتية التي قدمت كانت غير كاملة أو غامضة، حيث سعى الآخرون بجد لإخفائها. وفي هذا الصدد أكدت الدراسة أهمية الحاجة لمحللين قادرين على مواجهة هذا الخطأ، حتى يستطيعوا القيام بوظائفهم لأن الخوف من الخطأ يشل أداءهم.
الأمر الثاني الذي يتعلق بالفشل في العراق، هو استعانة المخابرات بتحليلات مضللة لتبرير أهداف السياسة العامة للمجتمع مسبقًا. فقد عرض المحللون أنفسهم استنتاجات خاطئة قبلها المجتمع دون تفكير. وهنا عقدت الدراسة مقارنة بين الروايات التي سبقت الحرب بشأن أسلحة الدمار الشامل، ورعاية الدولة العراقية للنشاط الإرهابي والتي بدت جيدة إلى حد ما. وهو ما قدم دروسًا هامة. فقد تم التشكيك بالنتائج التحليلية لصلة صدام بالإرهاب وأدركوا أن التحليل غاب عنه شيئاً ما. ومن هنا طوروا علاقات بين محللي الاستخبارات والعملاء، لمناقشة الواقع ومدلولات المعلومات المتاحة. ويلاحظ أن صانعي السياسة في بعض الحالات يأخذون وقتهم ليتعرفوا على تقارير الاستخبارات، ولا يخجلون من إثارة الافتراضات مما يفرض على محللي الاستخبارات الدفاع عن بياناتهم وأسبابهم. وهو ما أدى إلى تحسن التحليل، فقد قام المحللون بإعادة فحص عملهم، وتحديد مهامهم. وهو ما أوضح عدم وجود دليل حقيقي على عمق الصلات بين الإرهاب والنظام العراقي المشتبه فيه.
وفي هذا الصدد أكدت الدراسة على أن الدروس المستفادة من خبرة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق هو أهمية وجود مساحة من الشك بين كلا الجانبين والبحث عن نوع من الارتباط الموضوعي في المعلومات. فهناك احتمالية لأن يكون جامعو المعلومات والمحللون ضحايا الحرمان من المعلومات وأساليب الخداع أو مجرد التلهف إلى مزيد من المعلومات.
وفي نهاية المطاف، يٌقر الواقع أن لصانع القرار الحق الكامل في رفض تحليل المعلومات الاستخباراتية، حين تبدو الاستنتاجات خاطئة.