دراسة تشرح موقف أمريكا من مستقبل الأسلحة النووية
المصدر : تقرير واشنطن
على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي ـ فعليًّا ـ في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، إلا أنها من أكثر الدول التي تُولي اهتمامًا بقضية انتشار الأسلحة النووية، حيث أصبحت هذه القضية أكبر تحدٍ للأمن القومي الأمريكي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد زاد هذا الاهتمام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتزايد الخوف من أحداث مماثلة ولكن تلك المرة بأسلحة نووية تسفر عن خسائر تفوق ما تحملته الولايات المتحدة يوم الحادي عشر من سبتمبر.
وحاليًا تشهد الساحة الأكاديمية والإعلامية جدلاً ومناقشة حامية الوطيس حول سياسة الولايات المتحدة النووية، وفي محاولة لتبديد الالتباس حول كثيرٍ من أبعاد السياسة الأمريكية النووية نشر كلٌّ من كريستوفور شيبا Chirstopher F.chyba وجي دي كروش J.D.Crouch دراسة بدورية "واشنطن كوراتلي Washington Quarterly" في عددها الفصلي يوليو 2009، حملت عنوان: فهم جدل سياسة الأسلحة النووية للولايات المتحدة Understanding the U.S. Nuclear Weapons Policy Debate" .
اختلاف حول الردع النووي
بداية حاول كاتبا الدراسة أن يظهرا أن هناك اختلافًا في وجهات النظر فيما يتعلق بدور الأسلحة النووية في إثناء الخصوم المحتملين كسياسة "ردع"، والاختلاف في تقييم كفاءة، ومدى ملائمة الأسلحة النووية في تحقيق هدف سياسية الردع. فيريان أنه ليس هناك وسيلة أكثر فعالية من طمأنة الحلفاء وثني المنافسين والمعارضين.
ويُعتبر الهدف الهام للولايات المتحدة المحافظة على التفوق النووي الاستراتيجي مع ما يصاحب ذلك من مخاطر وعدم استقرار، والمحافظة على سياسية الحد الأدنى من الردع المتبادل الذي يسود في مثل هذا العالم، خاصة مع محاولة روسيا والصين تملك ترسانة نووية مماثلة للولايات المتحدة، قد تستخدمها الصين مثلاً في مهاجمة تايوان، وكذلك المضي قدمًا في الحد من تسلح روسيا من خلال معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (START).
هناك خلاف حول دور الردع النووي في التعامل مع الأنظمة المارقة Rogue Regimes. فاستراتيجية الأمن القومي لعام 2002 تنص على أن قادة الدول المارقة يتقاسمون بعض الخصائص المماثلة على الرغم من اختلاف الدوافع والأهداف، مثل: الوحشية في التعامل مع شعوبها، انتهاك المعاهدات الدولية، محاولة الحصول على أسلحة الدمار الشامل ، رعاية الإرهاب، رفض الانضمام تحت لواء وقيم الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها أكثر استعدادًا لتحمل المخاطر فيما يتعلق باستخدام أسلحة الدمار الشامل .
ولقد واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تلك الأنظمة المارقة عبر استخدام سياسية الردع كما فعلت مع الصين الشعبية في الستينيات، وردع إيران وكوريا الشمالية. فسياسة الردع أكثر فاعلية لردع الخصوم. في حين أن السعي الأمريكي لتطوير ترسانتها النووية يترك انطباعات سلبية يسودها القلق تجاه الولايات المتحدة من قبل دول العالم. وهناك أيضًا خلافات حول ما إذا كانت الأسلحة النووية هي الأدوات المناسبة لردع تهديدات خصوم الولايات المتحدة، كذلك فإن اعتماد الولايات المتحدة على تلك السياسات سيؤدي إلى سباق تسلح نووي من قبل الصين وروسيا، وهذا يتعارض مع أهداف منع الانتشار النووي .
السياسة النووية للولايات المتحدة
يناقش الكاتبان تساؤلاً يشغل كثيرين مفاده: هل يمكن أن تساعد اتفاقيات الحد من التسلح ؟. ويعرضان للرأي المؤيد للحد من التسلح، والذي يرى أن القيود المفروضة على التسلح مفيدة وضرورية. حيث يرى المدافعون عن الحد من التسلح النووي أن ذلك يُظهر التزام الولايات المتحدة بعملية نزع السلاح، وهذا هام لمنع انتشار التسلح عالميًّا. كما أن منع الانتشار يساعد في الحد من إمكانيات الإرهابيين للسيطرة على الرءوس الحربية ومخازن المواد الانشطارية. وتعد سياسة الحد من التسلح وسيلة للحد من التوتر في العلاقات الاستراتيجية مع الصين وروسيا.
وينتقل الكاتبان إلى عرض العقيدة الأمريكية لاستخدام السلاح النووي، ويقولان: إن هناك أكثر من عقيدة. منها أن يكون استخدام الولايات المتحدة للأسلحة هو الملاذ الأخير، والمحافظة على قدر أكبر من الغموض في استجابة الولايات المتحدة لمجموعة متنوعة من الأحوال والأسباب. فضلاً عن الالتزام الأمريكي بالحد من التهديد باستخدام سياسية الردع النووي والإعلان عن استخدامها في حالٍ معينة.
حول مديى تأثير السياسة الأمريكية على الانتشار النووي هناك اختلاف حول ما إذا كان للسياسة الأمريكية دور كبير في التأثير على انتشار الأسلحة النووية والدعم الشامل لنظام منع الانتشار النووي. فالولايات المتحدة تحاول أن تضغط على الدول للحد من طموحاتها والضغط على أربع مجموعات مستهدفة لمنع انتشار التسلح النووي. وهي الدول التي تمتلك أسلحة نووية معترف بها، والدول التي لديها طموحات نووية مثل إيران وكوريا الشمالية، الدول المحيطة أو المهددة من قبل الدول النووية والتي قد يكون من بينها حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاؤها، وأخيرًا الدول التي قد تساعد المجتمع الدولي في الضغط على الدول التي تقع في المجموعة الثانية.
وعليه يمكن لإدارة الرئيس الأمريكي أوباما أن تقرر طرق معالجة منع انتشار التسلح النووي، والحفاظ على حظر انتشار الأسلحة النووية من خلال تنفيذ نظام فعال لمراقبة الصادرات وغيرها من التدابير، ومن جانبها فإن الولايات تسعى بأن يكون لديها تأثير مباشر على الدول التي لديها طموحات لامتلاك أسلحة نووية.
وجلُّ المحللين يرون بأن لدى تلك الدول دوافع إقليمية ومخاوف أمنية لذلك فهي تسعى لامتلاك أسلحة نووية، لهذا فإن الولايات المتحدة لديها مخاوف من تلك الدول حتى وإن كانت لديها فقط أسلحة تقليدية، ولذلك فإن الولايات المتحدة تحاول لعب دور أكبر في ضبط النفس، والتأثير على تلك الدول عبر سياسياتها والتركيز على ضمان عدم انتشار سباق التسلح النووي، وإعطاء الضمانات الأمنية لحلفاء أمريكا للتصدي لمنع انتشار التسلح النووي على نطاق أوسع.