بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 واستسلام ألمانيا النازية، استراح العالم قليلا من هذا النوع من الجرائم حتى عام 1971، وهو العام الذي شهد ما تعرف بـ"حرب استقلال بنغلاديش" التي راح ضحيتها في باكستان الشرقية (بنغلاديش لاحقا) 3 ملايين شخص. جريمة إبادة جماعية أخرى حدثت عام 1975 في كمبوديا، حيث قتلت منظمة الخمير الحمر 1.7 مليون شخص. وفي هذين الصراعين، وقفت ألمانيا موقف المتفرج ورفضت التدخل ولو دبلوماسيا من أجل وقف الجريمة.
وبينما تحفظت الدبلوماسية الألمانية بخصوص الجريمتين الرابعة والخامسة من ناحية الترتيب، تساهلت وتكتمت على شركات ألمانية زودت منفذ الجريمة السادسة "حملة الأنفال" التي توّجها النظام العراقي السابق بتنفيذ جريمة حلبجة ضد الأكراد. هذا الهجوم الكيميائي، الذي راح ضحيته 5 آلاف كردي عراقي، كان سببا في مناقشة البرلمان الألماني (بوندستاغ) دور الحكومة الألمانية والشركات الألمانية في هذه الجريمة، وتحديدا بعد رد إحاطة قدمته حكومة بون في مايو/أيار 1988 لحزب الخضر وظهرت فيه إشارات إلى ضلوع شركات ألمانية بشكل مباشر وغير مباشر في الحملة التي تقدر منظمة العفو الدولية أعداد ضحاياها بين 50-100 ألف شخص.
وفي المناقشات التي شهدتها السلطة التشريعية الأولى (بوندستاغ)، حمّلت المعارضة -التي تكونت حينها من الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر- الحكومة الألمانية جزءا من مسؤولية هذه الحملة وفي
جلسة برلمانية عقدت في سبتمبر/أيلول 1988، وصف برلماني من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ما حدث في العراق بأنه "إبادة جماعية".
هنا ثار الإعلام الألماني وعنونت الصحيفة الألمانية النخبوية "دي تسايت" يوم 13 يناير/كانون الثاني 1989
مقالا ربط بين مجزرة حلبجة والتاريخ الألماني بالقول: "تذكروا استخدام ألمانيا لغاز الأعصاب في الحرب العالمية الأولى! تذكروا بِلزيك! تذكروا تريبليتكا وأوسشفيتس!" في إشارة إلى معسكرات اعتقال ألمانية في الحرب العالمية الثانية.
وفي أثناء إعادة توحيد الألمانيتين في بداية التسعينيات، ظهرت تقارير إعلامية عن تورط ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا) في تدريب جنود عراقيين على استخدام الأسلحة الكيميائية وأخرى عن دور الشركات الألمانية في تعزيز ترسانة الأسلحة العراقية وتجاهل حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية) ذلك.
وفي مايو/أيار 1991 أصدرت الحكومة الألمانية
تقريرا عن دور الأسلحة الألمانية في "حملة الأنفال". وحسب التقرير، اعتبرت ألمانيا مشاركة شركات ألمانية في إنتاج الأسلحة في العراق "غير قانونية"، ولكنها تغافلت السؤال المتعلق بسهولة التحايل على قوانين تصدير الأسلحة الألمانية.
وبعد قول تقرير للصحيفة الألمانية "زود دويتشه تسايتونغ" عام 1997 إن 70% من منشآت الغازات السامة في العراق جاءت من ألمانيا، عادت القضية من جديد إلى الاستحواذ على اهتمام الرأي العام. ورغم ذلك، فإن الحكومة الألمانية رفضت 3 مرات تحمّل أي مسؤولية عما حدث، ولكنها قبل كل شيء رفضت اعتبار "حملة الأنفال" وواقعة حلبجة إبادة الجماعية، علما أن عدة دول أوروبية تعتبرها كذلك.
ناميبيا لا تكتفي بمواجهة ألمانيا بخصوص جرائم ارتكبتها ألمانيا القيصرية قبل 120 عاما. ففور إعلان حكومة برلين في أبريل/نيسان العام الماضي تدخلها إلى جانب إسرائيل كطرف ثالث ورفضها الاتهامات التي ساقتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في غزة، أصدرت الرئاسة الناميبية
بيانا قالت فيه إن ألمانيا ارتكبت على الأراضي الناميبية أول عملية إبادة جماعية في القرن الـ20، ورغم ذلك، فإنها لم تستخلص العبر من تاريخها المروع وتدعم إسرائيل في الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة.
ووبخ البيان الحكومة الألمانية بالقول إنها لا تستطيع أن تعبر عن التزامها الأخلاقي باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الإبادة الجماعية، وفي الوقت ذاته تدعم إسرائيل في تنفيذ جريمة إبادة جماعية جديدة في غزة.