ومن ناحية المشاركة السياسية يُمكن تقسيم اليمين المتطرف إلى أحزاب احتجاجية هدفها الأساس تسجيل مواقف وتعبئة مستمرة في صفوف أنصارها، من أجل تسويق خطاب تحريضي هدفه التشويش الإعلامي أكثر من التأثير في واقع الأمور، ويُطلق على هذا الصنف اسم "اليمين الشعبوي المتطرف".
وهناك صنف آخر يتميز بقدر من الواقعية السياسية جعله يعدّل خطابه ليكون مقبولا لدى جزء من ناخبي اليمين في عمومهم، وملائما كذلك لمتطلبات الانخراط في الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية ومن ثم الاختلاف. ومن أمثلة هذا النوع الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب الوسط الديمقراطي السويسري وحزب الحرية الهولندي وحزب الفجر الذهبي في اليونان.
وقد حققت هذه الأحزاب مكاسب سياسية هامة في العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين، وشاركت في حكومات وصارت ممثلة في برلمانات بلدانها وكذلك في البرلمان الأوروبي.
أسباب تهميش اليمين المتطرف
- اعتبار الأيديولوجيتين الفاشية والنازية مسؤولتين بالدرجة الأولى عن الحرب العالمية الثانية.
- اتهام القوى السياسية اليمينية المتطرفة في البلدان التي احتلتها ألمانيا النازية بتعاونها مع المحتل.
تبدل الأولويات
منذ ثمانينيات القرن العشرين، شهد اليمين المتطرف تحولا جذريا في أولوياته، ومن ثم في أعدائهِ وحلفائه، ومعروف أن الحركات المتطرفة تستند إلى هذه الثنائية أكثر من استنادها إلى برنامج سياسي يمكنه أن يجمع حوله أطيافا واسعة من المجتمع.
وهكذا بدأ اليمين المتطرف يهتم أكثر فأكثر بموضوع الهجرة والاندماج مع تصدره النقاش السياسي في عدد من بلدان أوروبا الغربية ذات التقاليد العريقة في الهجرة بحكم الماضي الاستعماري، ثم بسبب الحاجة إلى اليد العاملة القادمة من وراء البحار في مرحلة الإعمار اللاحقة للحرب العالمية الثانية.وبحلول تسعينيات القرن العشرين، باتت الهجرة الشغل الشاغل لليمين المتطرف الذي يُسوق إشكالاتها العديدة (وأولها الاندماج والهوية) لإضفاء قابلية على خطابه العنصري والمعادي للأجانب في حقيقته. وهكذا طوّر اليمين المتطرف خطابه ضد الهجرة لإكسابه حجية أقوى لدى قطاعات أوسع من المواطنين الأوروبيين.
فقد بدأ اليمين المتطرف -وعلى رأسه الجبهة الوطنية في فرنسا- في تسويق خطاب تخويفي يُحذر من أن أوروبا في طريقها إلى خسارة هويتها بسبب الهجرة الواسعة القادمة من البلدان المسلمة وخاصة بلدان شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء.
ووجد هذا الخطاب قبولا متزايدا بعد
هجمات 11 سبتمبر 2001 في
الولايات المتحدة الأميركية، إذ اتخذت أحزاب اليمين المتطرف تلك الأحداث ذريعة للبرهنة على وجاهة قلقها على الهوية الأوروبية والسلم الأهلي في أوروبا.
ثم إن أحزاب اليمين المتطرف جعلت من
الأزمة المالية العالمية عام 2008 فرصة نادرة لتسويق معاداتها للعولمة والليبرالية ومجتمع الاستهلاك وفتح الحدود والتخلي عن الحمائية الاقتصادية.
وعلى مستوى آخر، سوّقت هذه الأحزاب فكرتها المؤسسة لمعاداة الأجانب وذوي الأصول غير الأوروبية باعتبار أنهم -حسب دعايتها- يستحوذون على مناصب شغل متزايدة في حين يُكابد ملايين الأوروبيين الأصليين البطالة ومخاطر التشرد. ويُفسر هذا الخطاب النتائج الهامة التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية.
صعود اليمين المتطرف في أوروبا
بدأت ظاهرة صعود اليمين المتطرف واضحة لأول مرة خلال الأزمة المالية العالمية (2008-2009)، فقد فرضت العديد من الحكومات الأوروبية تدابير تقشفية قوضت الثقة بالأحزاب والمؤسسات السياسية الرئيسية، الأمر الذي سهل طريق هذه الأحزاب التي تحمل أيديولوجيا متشددة، كما سرعت أزمة الهجرة في الفترة بين (2014-2016) هذا الاتجاه، مما أدى إلى بدء دخول الأحزاب اليمينية المتطرفة للحكومات في جميع أنحاء أوروبا.
وارتفع الدعم للأحزاب القومية المتطرفة في أوروبا عقب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وفوز
دونالد ترامبفي
الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2017.
وفي عام 2022 حصل اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسة الفرنسية على 41.45% من أصوات الناخبين مقابل 34% في انتخابات عام 2017، كما تضاعف عدد مقاعد الحزب في البرلمان الفرنسي في انتخابات يونيو 2022 إلى 89 مقعدا.
ساعدت بعض العوامل في صعود اليمين المتطرف في أوروبا، بينها عوامل فكرية وثقافية واقتصادية وسياسية، وعلى الرغم من تعدد الأسباب يصعب تحديد أكثرها تأثيرا في هذا الصعود، وفي يما يلي أهم العوامل:
- تآكل الثقة في النخب الحاكمة والتيارات الليبرالية والاجتماعية.
- تنامي النزعة القومية التي ترى أن الدولة يجب أن يقطنها فقط أفراد من مجموعة عرقية واحدة.
- الإسلاموفوبيا (الكراهية للإسلام والمسلمين).
- العولمة وما تبعها من أزمات اقتصادية وثقافية واجتماعية.
- زيادة تدفقات الهجرة واللاجئين.
- زيادة البطالة.
- انتشار الفكر المتطرف وتفشي الأعمال الإرهابية.
المصدر : الجزيرة نت