خطة 2035 التي ستجعل من ألمانيا قوة عسكرية عظمى

الفرقاطة الألمانية "هيسن" أثناء مغادرتها باتجاه البحر الأحمر في 8 فبراير/شباط 2024 بهدف الانضمام إلى قوة الاتحاد الأوروبي البحرية الدولية المتواجدة هناك. (غيتي إيميجز)
شادي عبد الحافظ
6/4/2025
بعد استسلام الفيرماخت يومي 8 و9 مايو/أيار 1945، انتهى الأسطول الألماني، وعمل مئات الجنود السابقين في البحرية الألمانية تحت إمرة بريطانيا والولايات المتحدة لإزالة مئات الآلاف من الألغام المزروعة في المياه الأوروبية، وبشكل خاص في بحري البلطيق والشمال، وما إن انتهت تلك المهمة حتى تم تسريحهم، وبقيت المياه المالحة بلا أي سفينة أو حتى زورق يتبع تلك القوة.
يرى فريدريش روغه، الذي عمل برتبة فريق في البحرية الألمانية، ثم عمل ككاتب ومؤرخ عسكري في عالم ما بعد الحرب، أن جانبا من أسباب هزيمة الألمان في الحربين العالميتين يتعلق بأنهم لم يمتلكوا فهما واضحا لقوة وإمكانيات سلاح البحرية أثناء صراعهم مع القوى الكبرى في العالم، والتي امتلكت نسخًا متقدمة من نفس السلاح، ناصحًا بالتركيز تحديدًا على إعادة بناء القوة البحرية الألمانية.
مع قدوم الخمسينيات ونشاط السوفيات مرة أخرى، باتت تلك الفرصة ممكنة، فأصبحت ألمانيا عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبدأت إعادة تسليح جيشها كاملا، لكن على الرغم من ذلك، كان يقال دائمًا إن البحرية الأميركية والبريطانية تُغنيان عن البحرية الألمانية، أو قل إن الأخيرة لن تفعل أكثر مما يمكن فعله بوجودهما، ولكن يبدو أن ذلك سيتغير قريبا، ففي يونيو/حزيران 2021، خصص مجلس النواب الاتحادي الألماني حوالي 19 مليار يورو لإجمالي 27 مقترحًا لتطوير القوات البحرية الألمانية.
سلاح المهام الخاصة
على وجه التحديد، تم التخطيط لبناء 6 غواصات جديدة من فئة "212 سي دي" في إطار التعاون مع النرويج، وفي سبتمبر/أيلول 2023 أعلن بالفعل أن عملية الإنتاج قد بدأت، ومن المقرر تسليم الغواصة الأولى إلى البحرية النرويجية في عام 2029، بينما يُتوقع تسليم غواصتين للبحرية الألمانية في عامي 2031 و2034، وستبقى الغواصات الجديدة في الخدمة حتى ستينيات القرن الحالي.
غواصة "212 سي دي" هي غواصة غير نووية تتميز بهيكل فريد يشبه الماسة، ويرفع من قدرات التخفي، وخاصة في مواجهة كاشفات الشذوذ المغناطيسي (التي ترصد الغواصات بسبب تغير المجال المغناطيسي للأرض عند مرورها)، كما تحتوي على خلايا وقود تسمح لها بالبقاء مغمورة بالمياه لعدة أسابيع دون أي أثر ظاهر، كما يعمل نظام خلايا الوقود نفسه كمحوّل صامت للطاقة، بما يرفع من قدرات التخفي.
وبالإضافة إلى أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء السلبية، سيكون من الصعب اكتشاف هذه الغواصة.
تم تصميم هذه الغواصات تحديدا لقوات العمليات الخاصة، بحيث تكون مناسبة للعمليات في جميع أنحاء العالم، خاصة أنها ستمتلك نظاما قتاليا جديدا يسمى "أوركا" يُعد الأكثر تقدمًا في الغواصات غير النووية، حيث يسمح لقادة الغواصة بإجراء تحليل متكامل للبيانات من مجموعة من المستشعرات على متن الغواصة ثم يعرضها بطريقة سلسة على واجهة واحدة متعددة الأغراض، مما يساعد في اتخاذ قرارات أفضل وأسرع، خاصة في أوقاتٍ تكون فروق الثواني والدقائق حاسمة فيها.

على حدود البلطيق
ولعل واحدًا من أهم الدوافع وراء تصميم وتطوير الغواصات الألمانية هو التصدي لتطوير الروس قواتهم البحرية بشكل متزايد. تقع سواحل وموانئ ألمانيا على بحري الشمال والبلطيق، وتعتبر روسيا الأخير تحديدًا منطقة تخصها، وقد فرض السوفيات سيطرتهم على الكثير من جوانب بحر البلطيق منذ اختفاء البحرية الألمانية في عام 1945.
وفي سياق انشغال الروس في الحرب مع أوكرانيا، يبدو أن البحرية الألمانية تريد مع تحديث ترسانتها التركيز على عدة مناطق أساسية، منها بحر البلطيق وبحر الشمال وشمال المحيط الأطلسي.
جانب من مهام انتشار ألمانيا في تلك المناطق هو لحماية البنية التحتية الحيوية الموجودة في قاع البحر، بما فيها خطوط الأنابيب وكبلات الطاقة وكبلات الألياف الضوئية التي تنقل الإنترنت، والهجمات على خطوط أنابيب "نورد ستريم" في سبتمبر/أيلول 2022 كانت خير دافع لذلك، فالروس يميلون إلى استخدام تكتيكات غير متماثلة مع أعدائهم، ونقصد هنا عمليات غير معهودة في الحرب التقليدية، وفي هذا السياق تأتي الحرب السيبرانية واستهداف البنية التحتية الهشة نسبيا.
روسيا نفسها تُطور من قدراتها البحرية في تلك المناطق بعد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، حيث باتت البحرية الروسية تواجه تحديات استثنائية، فهي الآن تخشى أن لا تتمكن من استخدام بحر البلطيق كما اعتادت، أضف إلى ذلك أنه بانضمام الدولتين إلى الحلف فقد أصبح الناتو على مقربة من القواعد العسكرية الروسية في القطب الشمالي، وهو أمر خطير بالنسبة للروس.
إلى الآن، تواصل موسكو نهجها لتطوير قدراتها البحرية مع التركيز على هدفين رئيسيين؛ الأول هو الحفاظ على قوة الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتطويرها، والثاني هو تطوير القوات البحرية التقليدية.
والواقع أنه في 31 يوليو/تموز 2022، وقّع فلاديمير بوتين على نسخة محدثة من العقيدة البحرية للاتحاد الروسي شملت تغييرات كبيرة، منها اعتزام الكرملين تعزيز قدراته القتالية البحرية في جميع أنحاء العالم، والإعلان عن استعداده لاستخدام الوسائل العسكرية لتعزيز مصالحه في المياه الدولية، بما يشمل زيادة وجوده البحري في أعالي البحار، مع تحول أكبر ناحية المياه القطبية الشمالية.