أسفرت الانتخابات العامة في باكستان -والتي أجريت في فبراير/شباط 2024- عن مشهد سياسي مركّب أفرز توازنات جديدة بين القوى التقليدية والمستجدة.
فرغم تقدم مرشحي تيار عمران خان في عدد من الدوائر فإن نتائج الانتخابات منحت الفرصة لتحالف حزبي تقليدي بين حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) وحزب الشعب الباكستاني لتشكيل الحكومة، وهو ما مهّد لعودة الوجوه المعروفة إلى سدة الحكم من جديد.
وفي هذا السياق، تولى
شهباز شريف شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف منصب رئاسة الوزراء، في حين عاد
آصف علي زرداريالرئيس السابق وزعيم حزب الشعب الباكستاني وزوج رئيسة الوزراء الأسبق الراحلة
بينظير بوتو لتولي منصب رئيس الجمهورية.
هذا التشكيل الحكومي الجديد مثّل عودة صريحة "للطبقة السياسية التقليدية"، في إطار شراكة سياسية تبدو منسقة بهدوء مع المؤسسة العسكرية التي لطالما كانت لاعبا محوريا في المشهد الباكستاني.
وعن علاقة الطبقة السياسية التقليدية في الجيش قال وزير اتحادي أسبق في تصريح سابق لقناة الجزيرة -شريطة عدم الكشف عن هويته- "كانوا متواطئين في الأمر برمته منذ البداية، لا يمكنهم النأي بأنفسهم عنه، كان النظام يعمل على أساس أن الوصول إلى السلطة لا يكون إلا من خلال امتلاك سمعة طيبة لدى الجيش".
ورغم أن العلاقة بين هذه الأحزاب والجيش لطالما تميزت بالتوتر وعدم الثقة في فترات سابقة فإن المعطيات الراهنة تشير إلى نوع من التفاهم المرحلي هدفه احتواء حالة عدم الاستقرار وتفادي الفراغ المؤسسي، خصوصا في ظل تفاقم التحديات الاقتصادية وتزايد التهديدات الأمنية على الحدود.
إن ترتيبات الوضع السياسي الراهن في إسلام آباد ليست مجرد انتقال ديمقراطي روتيني، بل نتاج حسابات دقيقة أعادت ترتيب الأوراق بين القوى المدنية والعسكرية وأنتجت صيغة حكم هجينة بين شرعية انتخابية وشراكة غير معلنة مع المؤسسة العسكرية، في محاولة لضبط التوازن الداخلي ومنع انفلات الأوضاع في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ باكستان.
ويبدو واضحا أن المشهد الحالي يتسم بتوازن دقيق، حيث ثمة حكومة مدنية تعمل ضمن أطر الدستور، ومؤسسة عسكرية تراقب وتشارك في إدارة ملفات الأمن والسياسة الخارجية بحكم الواقع والدور التاريخي.
في المقابل، يمر حزب "تحريك إنصاف" المعارض بواحدة من أصعب مراحله منذ تأسيسه بعد 3 أعوام من الضغوط السياسية والأمنية والقضائية، ولا يزال زعيمه عمران خان قابعا في السجن، في حين يواجه عدد كبير من قادة الحزب والمتحدثين باسمه ملاحقات قضائية أو يعيشون في المنفى أو الصمت القسري نتيجة تضييق غير معلن على نشاط الحزب.
كما أن أغلبية مرشحي الحزب الذين فازوا كمستقلين في الانتخابات يجدون أنفسهم في عزلة مؤسسية محرومين من أي تأثير فعلي في القرارات التشريعية أو التنفيذية.
هذه الحالة من التهميش السياسي ترافقت مع تدهور في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية، حيث تعاني باكستان من أزمة مالية خانقة وارتفاع مقلق في نسب التضخم والبطالة، في ظل تنامي الهجمات على القوات الأمنية في المناطق القبلية وإقليم بلوشستان.