الخرطوم في عين العاصفة!
15/4/2023

حميدتي (يسار) والبرهان (وكالات)
انفجرت النار في الخرطوم، وفار التنور، فما القادم؟ ربما كان التنبؤ بالمقبل هو المهمة الأصعب في هذا الخضم المشتعل، والحديث عن خلفياته متشابك، فما الذي سيجري بالضبط؟
الاحتمالات المقبلة تتوزع على سيناريوهات محددة:
الخيار الأول: التسوية
وهي الخيار الأضعف، فقد أجهز الطيران عليها بعد جولاته في سماء الخرطوم، ورئيس حزب الأمة السوداني "فضل الله برمة ناصر" نفسه يشعر بذلك في كلامه على قناة الجزيرة، وكلام البرهان وحميدتي يشير لضعف الاحتمال بالتسوية.
الخيار الثاني: فوز أحد الطرفين على الآخر
وهو أمر محكوم بمستوى الاحترافية لدى الطرفين، ومدى القدرة على التخطيط الميداني، والتحكم في مجريات الأحداث، وما إن كان لدى الطرفين مخططات محددة، ومعلومات مسبقة تسمح له بالتنفيذ، ومن المؤكد أن الطرف الفائز سيفوز معه فريق سياسي محدد، فإن فاز الجيش، فقدتْ قوى "إعلان الحرية والتغيير" سندا قويا بخسارة خصم قديم هو الدعم السريع، وقائده، وكسب تيار اعتصام القصر الذي دعم خيار البرهان بتحرك 25 أكتوبر/تشرين الأول.
الخيار الثالث: انفجار صراع هامش-مركز
هذا الخيار هو السيناريو الأسوأ بتقديري، لأن أي تصرف سيقود للتعامل بمنطق الهامش والمركز، وقد يؤدي للخيار الرابع، وهو القتال المفتوح أو حرب الجميع على الجميع، ولكن ما المقصود بفكرة الهامش والمركز في السودان؟
يعتقد كثيرون بصورة أو بأخرى أن التنمية الاقتصادية، والمشاركة السياسية في السودان مقصورة على أبناء المنطقة الشمالية، والوسطى، أي ولايات نهر النيل، والشمالية، والجزيرة، والنيل الأبيض، وأن مناطق الشرق (البحر الأحمر- كسلا- القضارف) وقبائلها البجاوية، ومناطق كردفان، ودارفور، وجبال النوبا، والنيل الأزرق، وجنوب السودان المنفصل حاليا؛ عانت من الإقصاء والتهميش المقصود، وبناء عليه فإن الحركات اليسارية إجمالا، ومنها الحركة الشعبية، وحركات دارفور، والنيل الأزرق، وجبال النوبا تتبنى هذا الخطاب، وفي حالة تحريك هذا الخطاب، أو استخدامه فإن الحرب المفتوحة ستكون فعلا قاب قوسين، لأن هذا سيؤدي لانقسام الجيش، والمكون في الأصل من كل قبائل السودان، وسيؤدي لانقسام الدعم السريع المكون أيضا من أبناء قبائل متعددة، حيث انضم له عدد كبير من أبناء قبائل مختلفة.
الخيار الرابع: الحرب المفتوحة
حرب الجميع ضد الجميع، وهو معتمد على ما قبله، فإن تحرك الخيار الثالث، وصلنا للرابع بأريحية، فالسودان بلد ضخم، كثير القبائل، وفرص التهريب للسلاح فيه واردة، وعليه فسيكون الوضع أكثر مما يتوقع الجميع، وسينتهي في الأغلب بتقرير المصير للمناطق المختلفة، وحينها يبدأ تشظ لا ينتهي.
أين يكمن الخلل؟
هذا الخلل ليس وليد إشكالية بين البرهان وحميدتي نفسيهما، بل هو خلل في بنية الدولة السودانية ذاتها، والتي لم تمتلك المشروع القومي الجامع لأبناء الشعب في بوتقة واحدة، إذ بقي السودانيون كما هم بقبائلهم، وطرقهم الصوفية، وسلفيتهم، ولغاتهم، ولهجاتهم، ودون خريطة تنموية واضحة، وما تركه الاستعمار من مشاريع وأدها خلل الاستقرار السياسي، وتنازع الأحزاب، ووثوب العسكر، وبطشهم بالسياسيين، وغدت التنمية ذاتها عملا مرتجلا أدى لمشاكل في مناطق عديدة بدل أن يضيف إليها، فأدى ذلك لاضطراب النظم التقليدية في الشمالية، وجبال النوبا على حد سواء، وهذا من المفارقات المحيرة في بلد جلبت نظارات النخبة قصيرة النظر فيه دبابات العسكر مرارا للحكم، وجلبت أيديولوجياتها فيه اضطرابات المجتمع.

مختار خواجة
مهتم إجمالا بالفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية وخاصة الجوانب الأخلاقية والقيمية.