مؤتمر بال
واكتسبت الحركة الصهيونية اهتماما سياسيا وإعلاميا هاما في أوروبا والعالم مع انعقاد مؤتمرها الأول بين 29 و31 أغسطس/آب 1897 في مدينة بال السويسرية.
وتوج المؤتمر أعماله بإعلان قيام الحركة الصهيونية العالمية وانتخب لها لجنة تنفيذية اتخذت من
فيينا مقرا لها. وتعززت هذه المؤسسات بذراع مالية هي الصندوق اليهودي الذي تأسس بناء على مقررات المؤتمر الخامس عام 1901.
وبالتزامن مع هذه الخطوة، تواترت موجات هجرات اليهود الشرقيين إلى فلسطين ولاسيما من
روسيا بعد الثورة البلشفية الفاشلة عام 1905.
وبحثا عن سند بين القوى الكبرى يومها، لجأ هيرتزل إلى الدولة العثمانية وفاوضها (بين عامي 1896-1906) على إصدار ميثاق يمنح اليهود الحق في العودة إلى فلسطين، وعرض بالمقابل التدخل لدى القوى الأوروبية لخفض المديونية العثمانية الهائلة.
لكن المفاوضات لم تصل إلى نتيجة، فقرر هيرتزل التوجه إلى
بريطانيا واستطاع الحصول على فرصة عرض إشكال الهجرة (ومنها الهجرة اليهودية) أمام
مجلس العموم، وأقام صلات وثيقة مع ساسة بريطانيين بينهم وزير المستعمرات جوزيف تشامبرلين الذي اقترح عليه إقامة تجمع لليهود في العريش أو
أوغندا. ورغم فشل هذه المساعي، فإنها شكلت نصرا سياسيا هاما، فقد جسدت اعتراف بريطانيا بأن اليهود أمة لها الحق في السيادة على حيز ترابي خاص بها.
وكانت خطوات هيرتزل محط انتقاد شديد من الصهيوني الروسي شاييم ويزمان (رئيس إسرائيل بين 1949-1952) الذي رأى أن ما سماه الصهيونية الدبلوماسية غير مجدية، وآثر بدلا عنها ما سماه الطريق الملكي.
وهكذا، باشر ويزمان اتصالات مكثفة بالمحيط المباشر لملك بريطانيا وأثمر جهده "
وعد بلفور" المشؤوم الصادر في الثاني نوفمبر/تشرين الثاني 1917، الذي مهد الطريق لقيام إسرائيل بعد ذلك بثلاثة عقود.
وبموازاة هذه المكاسب السياسية المتتالية، كانت المنظمات الصهيونية تُنظم الهجرة إلى فلسطين لتدارك التخلف الديمغرافي مقابل الفلسطينيين، لكن الحركة الصهيونية واجهت تحديا آخر هو الرفض داخل المجتمع اليهودي نفسه، إذ كانت فئات واسعة من هذا المجتمع غير مقتنعة بفكرة الدولة، ولم يحدث تحول ذو شأن في هذا المنحى إلا بعد إبادة اليهود على يد النازية في محرقة
الحرب العالمية الثانية.