حرب روسيا على أوكرانيا.. نصرة دونباس أم هلال رمادي محايد أم إحياء فكرة "روسيا الجديدة"؟

[الباسل]

حرب روسيا على أوكرانيا.. نصرة دونباس أم هلال رمادي محايد أم إحياء فكرة "روسيا الجديدة"؟

إعلان روسيا التركيز على "تحرير دونباس" نُصرة -على ما يبدو- لأراضي ما تسمى "جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين" يدفع إلى التساؤل حول ما قد يرضي موسكو وتقبل به نتيجة لهذه الحرب.

جندي أوكراني بالقرب من حطام دبابة روسية على خط المواجهة بمنطقة كييف (رويترز)

4/4/2022

أوكرانيا- منعطف كبير في مسار الحرب شكله إعلان وزارة الدفاع الروسية تخفيض عملياتها العسكرية في منطقتي كييف وتشيرنيهيف شمال أوكرانيا، وتركيزها في إقليم دونباس الانفصالي جنوب شرق البلاد.
وسريعا تبين أن "تخفيض العمليات" كان "انسحابا كليا وجزئيا" في حقيقته، وهذا دفع الأوكرانيين لاعتبار أنه "تحرير" لتلك الأراضي، تحت وقع ضرباتهم للقوات الروسية فيها.

أوسع من دونباس

لكن إعلان روسيا التركيز على "تحرير دونباس" نُصرة -على ما يبدو- لأراضي ما يسمى "جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين" اللتين أعلنت موسكو الاعتراف باستقلالهما قبيل الحرب، يحمل الكثير من الشكوك، لاسيما وأن القوات الروسية موجودة بكثافة في مناطق أوكرانية أخرى، شمالية وجنوبية.
هذا بالإضافة إلى أن عمليات القصف على تلك المناطق مستمرة، وكذلك عمليات حصارها، أو محاولات اقتحامها، وسط اتهامات أوكرانية لموسكو بالسعي لإنشاء "جمهوريات شعبية جديدة" في بعضها.
الحديث هنا يدور عن كامل المناطق الأوكرانية الحدودية مع روسيا وهي: سومي، خاركيف، دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتان، إضافة إلى كامل المناطق الجنوبية (زاباروجيا، خيرسون شمال القرم المحتل، ميكولايف، أوديسا).
هذا الواقع يدفع مجددا إلى التساؤل حول الأهداف الحقيقة لروسيا من وراء ما تعتبره "عملية خاصة" في أوكرانيا، ويراه معظم العالم "حربا شاملة" عليها.

هلال محايد

كما يدفع هذا الواقع إلى التساؤل حول ما قد يرضي روسيا وتقبل به نتيجة لهذه الحرب، وهنا يطرح كثيرون فكرة "الهلال الرمادي المحايد" كأول تفسير لما يحدث، وتوقع لما قد يكون.
يقول المحلل العسكري فلاديسلاف فيتكو للجزيرة نت "روسيا فشلت بالسيطرة السريعة على كامل أوكرانيا، أو حتى على نصفها الشرقي، لذلك تراجعت قواتها عن توغل أعمق، مركزة على المناطق الحدودية والجنوبية، الشبيهة بالهلال".
وأوضح "هدف روسيا أن تحول هذه المناطق إلى لا شيء، بأن تكون مناطق متنازعا عليها، كالجمهوريات الشعبية التي خلفتها في دونباس، لا يعترف فيها دوليا، لكنها تفصل روسيا عن أوكرانيا والغرب، وتكون مناطق انتشار دائم لقواتها والموالين لها".
ويعتبر فيتكو أن "مجرد وجود روسيا في تلك المناطق وحصارها دليل على كذب ادعاءات تجريد أوكرانيا من القوة العسكرية المهددة لروسيا، ومحاربة النازيين الجدد والمتطرفين الكارهين للروس".

"روسيا الجديدة"

ويسوق هذا السيناريو إلى مصطلح "روسيا الجديدة" الذي برز في أوكرانيا وروسيا مع بداية الحراك الانفصالي عام 2014، ويشير إلى قيام دولة تضم تلك المناطق جميعها، أو بعضها.
الكاتب والمؤرخ أوليكساندر بالي يقول للجزيرة نت بهذا الصدد "مصطلح روسيا الجديدة قديم يعود إلى القرون الوسطى في بعض المصادر، وقد ذكره الرئيس بوتين في أحد خطاباته قبل أحداث 2014، فكان مؤشرا لما قد يدور في ذهنه، وملهما للانفصاليين".
وأوضح أنه لا توجد خريطة محددة لهذه الدولة، فهي تضم 5-8 مناطق أوكرانية حالية شرقية وجنوبية، وفق مراجع مختلفة، وبعضها يضم حتى منطقة دنيبروبيتروفسك في الداخل الأوكراني.
ويرى المؤرخ أن "هدف بوتين كان إخضاع أوكرانيا وإحياء أمجاد الاتحاد السوفياتي، لكني لا أستبعد أن يمهد لصنع روسيا الجديدة كليا أو جزئيا، ليحفظ ماء وجهه أمام شعبه، وبغض النظر عن موقف المجتمع الدولي".

آثار قصف روسي في خاركيف بعد إعلان بوتين عملية عسكرية خاصة في دونباس (الأوروبية)


روسيا لن تستنزف نفسها

لكن آخرين يستبعدون تماما تطور المشهد إلى هذا الحد، بل ويتوقعون سلسلة انسحابات جديدة للقوات الروسية، مستندين في ذلك -وبشكل رئيس- إلى عدم قدرة روسيا على "انتشار واسع".
أوليكسي أريستوفيتش مستشار الرئيس الأوكراني ينظر بإيجابية إلى تطورات الأمور، ويؤكد -بين الحين والآخر- أن الحرب ستتوقف مع نهاية أبريل/نيسان الجاري أو بداية مايو/أيار المقبل.
ويستند المستشار -الذي يطلق عليه الأوكرانيون لقب "المُهدئ"- إلى أن "روسيا لا تريد أن تُستنزف في أوكرانيا أكثر، وانسحابها من بعض المناطق، ومن مناطق أخرى لاحقا، يأتي في هذا الإطار".
وفي سياق متصل، لا يستبعد فيتكو أن تركز روسيا فعلا على دونباس نهاية الأمر، ويقول "لن تستطيع روسيا الاستمرار لأسباب عسكرية واقتصادية وحتى سياسية. إنها في ورطة أمام مقاومة الأوكرانيين والرفض الشعبي والعقوبات، ولهذا تبحث عن نجاح يحسب لها ويخفف عنها".
وأضاف المحلل العسكري "حتى الاستحواذ على دونباس لن يكون سهلا، ولهذا لا أستبعد أن تحافظ على التوتر بجميع مناطق أوكرانيا، من خلال ضربات جوية دورية، تستهدف المباني السكانية والبنى التحتية، لإضعافها والضغط على السلطات".

المصدر : الجزيرة نت - صفوان جولاق