وجهة عشاق السيارات.. سياحة السرعة على الأوتوبان الألماني

أصحاب السيارات فائقة السرعة مثل سيارة بوغاني فيرون يجدون أقصى شغفهم في الأوتوبان حيث لا حدود للسرعة المسموح بها (شترستوك)
معاذ حبيب
15/3/2025
سمع الكثيرون عن السياحة الترفيهية والثقافية والاستكشافية والعلاجية، ولكن هل سمعتم من قبل عن سياحة السرعة؟
لا تعني سياحة السرعة هنا أن تقضي عطلتك في أسرع وقت ممكن، بل تعني قيادة السيارات بسرعة، مهلاً.. ليس بسرعة عادية بل بالسرعة القصوى.
يحلم الكثيرون وخصوصا الشباب وعشاق السيارات بأن يختبروا أداء سياراتهم الأقصى ويروا عداد السرعة وهو يبلغ حده الأخير أمام أعينهم في لحظات تخطف الأنفاس.
يحلم الكثير بأن يسرع، ليس بغرض السرعة بحد ذاتها، بل ليشعر بالتحرر من القيود دون مخالفات كاميرات المراقبة، إنه انتشاء وصورة من صور الحرية التي توجد الفرحة داخل النفس البشرية.
يحلم أصحاب السيارات العادية بذلك، فما بالكم بأصحاب السيارات الرياضية فائقة الأداء!
جانب من شبكة طرق الأوتوبان في ألمانيا وهي تمتد لآلاف الكيلومترات (شترستوك)
بالطبع كل القوانين تجرم ذلك، فالحد الأقصى للسرعة القانونية على الطرق السريعة لا يتعدى الـ 140 كلم/ساعة، وذلك في أحسن الأحوال في بعض البلدان.
لكن هناك دولة واحدة ووحيدة في العالم جعلت من حلم الشباب حقيقة، ورحبت بعشاق السيارات الرياضية الفارهة والسريعة من حول العالم، وقالت لهم مرحبا بكم في موطن "اللا حدود".لا قيود، ولا مخالفات للسرعة، انطلق بقدر ما تستطيع مركبتك الوصول إليه، وأطلق العنان لشغفك، فالحد الوحيد هو قدرة محرك سيارتك.
إنها ألمانيا، وتحديدا "الأوتوبان" (Autobahn).
رمز التفوق الألماني
تعتبر ألمانيا موطنا للإبداع الهندسي والتكنولوجيا المتقدمة وتشتهر بصناعة كل ذي جودة، وهي مرجع عالمي في صناعة السيارات والبنى التحتية، فألمانيا تعني أولَ من اخترع السيارات، وتعني السيارات الأشهر والأفخم والأسرع مثل "مرسيدس" و"بي إم دبليو" و"بورش" و"أودي" وفولكس فاغن".

تعد ألمانيا موطنا للإبداع الهندسي والتكنولوجيا و أول من اخترع السيارات وتعني السيارات الأشهر والأفخم والأسرع (غيتي)
لا يمكننا أن نتحدث "سياحة السرعة" دون ذكر ألمانيا وطريق "الأوتوبان"، ويقصد بالأخير شبكة الطرق السريعة التي تربط جميع أنحاء البلاد، والتي لا تخضع لحدود السرعة في العديد من أجزاء هذه الطرق.
فبالنسبة لعشاق القيادة والسيارات، يمثل "الأوتوبان" تجربة سياحية فريدة لا مثيل لها، ومصدرا للبهجة والحرية.
وجهة مثالية لعشاق السيارات
السياحة في ألمانيا ليست فقط لزيارة القلاع التاريخية أو تذوق النقانق البافارية، بل تمتد لتشمل تجربة قيادة فريدة تجذب محبي السيارات من جميع أنحاء العالم. يجتمع عشاق السرعة من مختلف الجنسيات في ألمانيا لتحقيق حلم القيادة بسرعة "غير محدودة" على طرق "الأوتوبان".

المشاركة في سياحة السرعة تتم إما عن طريق استئجار سيارة رياضية أو شحن السيارات لألمانيا (شترستوك)
ويمكن خوض تجربة سياحة السرعة بطريقتين:
- استئجار سيارة رياضية: يمكن لمحبي السرعة وعشاق السيارات بمختلف جنسياتهم السفر لألمانيا كي يستأجروا سيارة رياضية لقيادتها على طريق "الأوتوبان" بسرعة غير محدودة، ليحققوا حلما في الأغلب لن يتحقق سوى مرة واحدة في العمر. إنها تجربة تحبس الأنفاس وترفع الأدرينالين وتوجد النشوة.
- شحن السيارات لألمانيا: يحرص الأثرياء من مختلف بلدان العالم على شحن سياراتهم الخارقة مثل فيراري، لامبورغيني، وبوغاتي إلى ألمانيا خصيصاً لتجربة "الأوتوبان". هنا يكمن المعنى الحقيقي لـ "سياحة السرعة"، فالسفر هنا أتى لغرض واحد فقط وهو رفع الأدرينالين لأقصى حد، وذلك بخوض التجربة بأقوى أداء للسيارات الرياضية الفائقة على سطح الأرض.
صنعت تلك السيارات لهذا الهدف، لكن هناك إحصائية تقول إن أغلبية الأثرياء لم يجربوا أقصى أداء لسياراتهم الرياضية باهظة الثمن ولو لمرة واحدة في العمر، فالبعض يحب التملك فقط، والبعض الآخر لم تتح له الفرصة لخوض تلك التجربة الحماسية.

يمثل "الأوتوبان" لعشاق سيارات السرعة تجربة سياحية فريدة لا مثيل لها ومصدرا للبهجة والحرية (شترستوك)
بالنسبة لعشاق السيارات، القيادة ليست مجرد وسيلة تنقل، بل هي شغف ومتعة وإثارة. ولهذا السبب، يقوم العديد من الأثرياء والمشاهير بشحن سياراتهم الرياضية الفائقة إلى ألمانيا لخوض تجربة قيادة لا تُنسى على الأوتوبان. وهناك أمراء ورجال أعمال من الخليج العربي ينتهزون أشهر الصيف من كل عام للاستمتاع بسياراتهم السريعة على "الأوتوبان"، متنقلين بين المدن الألمانية بسرعة تفوق الخيال.إيطاليا مصنعة أسرع سيارات في العالم مثل باغاني وفيراري ولامبورغيني لا تجد فسحة لإطلاق العنان لسياراتهم إلا على "الأوتوبان"، ليس لتُعرض في صالات العرض، بل لتنطلق بحرية مطلقة في أبهى صور الأداء الميكانيكي.

عدد من أثرياء الخليج يشحنون سياراتهم الفارهة جوا إلى ألمانيا لخوض تجربة السياقة في الأوتوبان (الخطوط القطرية)
لماذا لا يوجد طريق مثيل للأوتوبان؟
رغم أن العالم شهد طفرة في مشاريع الطرق السريعة، فإن الأوتوبان ظل فريدا من نوعه. فتكاليف الصيانة العالية والثقافة المرورية المنضبطة جعلته تجربة لا يمكن تكرارها في أي دولة أخرى.
وبالمقارنة، فإن الطرق السريعة في دول مثل الولايات المتحدة أو فرنسا تفرض حدودا للسرعة (عادة حول 120 كلم/ساعة أو 75 ميلا/ساعة)، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى المخاوف المتعلقة بـ السلامة عند القيادة بسرعات عالية.
ففي البلدان التي تفرض حدودا للسرعة، يُنظر إلى القيادة بسرعة عالية على أنها خطر من ناحية السلامة. ومع ذلك، فإن ثقافة ألمانيا جعلت الأوتوبان بيئة آمنة للسرعات التي تعتبر غير آمنة في أماكن أخرى للأسباب التالية:

تنفق ألمانيا على صيانة شبكة الأوتوبان 5 أضعاف ما تنفقه على الطرق العادية (غيتي)
أولا- القوانين والأنظمة المرورية الصارمة
على الرغم من عدم وجود حد للسرعة بشكل عام، فإن الأوتوبان يعمل بموجب مجموعة من القواعد الصارمة المصممة للحفاظ على النظام والسلامة، بما في ذلك:
- انضباط المسارات: يجب على المركبات البقاء في المسار الأيمن ما لم تكن تتجاوز مركبة أخرى، وتُخصص المسارات اليسرى للتجاوز فقط.
- حدود لتناول الكحول: لدى ألمانيا سياسة عدم التسامح مع القيادة تحت تأثير الكحول في بعض الحالات، ويعد الحد القانوني لتركيز الكحول في الدم منخفضا (0.05% للسائقين العاديين و0.00% للسائقين المبتدئين).
- رخصة القيادة: الحصول على رخصة قيادة هو من أصعب الأشياء في ألمانيا، لصعوبة اختبارات القيادة وصرامتها ولرسومها الباهظة.

الأوتوبان يتيح لأصحاب السيارات الرياضية الفارهة اختيار أقصى درجات الأداء الميكانيكي لسياراتهم (شترستوك)
- فحص السيارات الميكانيكي الدوري: تخضع السيارات في ألمانيا لفحص ميكانيكي سنوي لاختبار سلامة المركبة بشكل دقيق جدا ولا ترخص المركبة إلا بعد إصلاح كل أعطالها بشكل كامل، ولذلك فإنها تظل آمنة على الطرق السريعة.
- تكاليف الصيانة المرتفعة: تنفق ألمانيا على صيانة شبكة الأوتوبان خمسة أضعاف تكلفة الطرق العادية، وتشمل التكاليف إصلاحات دورية وتحديثات، وضمان أعلى معايير السلامة.
- ثقافة المرور والانضباط لدى السائقين: يشتهر السائقون الألمان بالتزامهم الصارم بالقوانين المرورية، مما يجعل الأوتوبان مكانا آمنا للسرعات العالية.الجدل بين الحرية والسلامة
في داخل ألمانيا، لا يخلو الأمر من الجدل في السنوات الأخيرة حول موضوع السلامة والقيود على السرعة المفتوحة، فقد زادت الأصوات المطالبة بفرض قيود على السرعة في طرق "الأوتوبان"، وذلك لأسباب تتعلق بالسلامة وحفظ أرواح البشر وحماية البيئة من كثرة الانبعاثات الغازية.

اللوحة المرورية على يمين ويسار الأوتوبان تعني نهاية أي قيود مفروضة على السرعة (شترستوك)
ويقترح بعض الساسة الألمان تحديد السرعة إلى 130 كلم/ساعة فقط، للحد من انبعاثات الكربون، لكن عشاق السيارات وشركات صناعة السيارات الألمانية مثل "بي إم دبليو" وبورش ومرسيدس، يعارضون بشدة هذه الفكرة، معتبرين أن القيادة السريعة جزء من الثقافة الألمانية، وأن الأوتوبان هو الملاذ الأخير لعشاق قيادة السيارات بسرعات غير محدودة في العالم.
ويعتقد الكثيرون أن شبكة طرق الأوتوبان بأكملها لا توجد لها حدود للسرعة، لكن الحقيقة أن 60% فقط من الشبكة لا تخضع لحدود السرعة.
وحسب موسوعة بريتانيكا (Britannica)، فإن طول شبكة الطرق المسماة أوتوبان في ألمانيا يفوق 12 ألف كيلومتر، مما يجعلها ثالث أكبر شبكة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
تجارب حقيقية
ستجدون مئات الفيديوهات على "اليوتيوب" لتجارب أناس يسيرون على "الأوتوبان" بمختلف أنواع سياراتهم بسرعات عالية. لكن لا تفوتوا مشاهدة أشهر وأحدث وأسرع تجارب السرعة على "الأوتوبان" الطريق الذي لا حدود له:

- بوغاتي فيرون: رقم قياسي على الأوتوبان بسرعة 400 كلم/ساعة
في عام 2015، حقق رجل الأعمال التشيكي "راديم باسر" رقم قياسي عندما قاد سيارته "بوغاتي فيرون" السيارة الحاصلة على لقب أسرع سيارة في العالم في ذلك الوقت بسرعة 400 كلم/ساعة على طريق الأوتوبان، مسجلا بذلك أعلى سرعة مسجلة على طريق عام في ذلك الوقت.

- بوغاتي شيرون سوبر سبورت: تحطيم الرقم القياسي بسرعة 417 كلم/ساعة
بعد ست سنوات من تحقيقه للرقم القياسي الأول وفي تجربة تحبس الأنفاس، عاد "راديم باسر" في يوليو/تموز 2021 ليحطم رقمه القياسي، ولكن هذه المرة خلف مقود "بوغاتي شيرون سوبر سبورت"، السيارة الحاصلة على لقب أسرع سيارة في العالم، محققا سرعة مذهلة بلغت 417 كلم/ساعة، ليصبح هذا الرقم الأعلى على الإطلاق في طريق عام.

- بوغاتي شيرون سوبر سبورت: تجربة مات واتسون
قام الصحفي البريطاني الشهير "مات واتسون" بتجربة قيادة سيارة "بوغاتي شيرون سوبر سبورت" على الأوتوبان، حيث استعرض أداءها وسرعتها الفائقة في ظروف قيادة حقيقية. يُذكر أن "مات واتسون" مؤسس "كار واو" وهي قناة اليوتيوب البريطانية الشهيرة المختصة بعالم السيارات قد سافر خصيصا لألمانيا لخوض هذه التجربة الاستثنائية.

- لامبورغيني هوريكان: السرعة القصوى على الأوتوبان
قدمت قناة "أوتو توب إن إل" (AutoTopNL) في يوتيوب، وهي متخصصة في تجارب السيارات فائقة الأداء على "الأوتوبان" بأقصى سرعة، تجربة قيادة لسيارة "لامبورغيني هوريكان" على طريق الأوتوبان، حيث تم اختبار سرعتها القصوى.

- فيراري 812: سرعة 350 كلم/ساعة
في تجربة أخرى مثيرة قام بها المشرفون على قناة اليوتيوب نفسها "أوتو توب إن إل"، تم اختبار سيارة "فيراري 812" بسرعة تصل إلى 350 كلم/ساعة على الأوتوبان، مما يبرز إمكانياتها المذهلة في الأداء العالي.

- باغاني زوندا: تجربة "شميي" مع إحدى أندر السيارات الفارهة
التقى اليوتيوبر البريطاني الشهير "شميي"، أحد أبرز ملاك و صناع محتوى السيارات الفائقة، بصديقه الأميركي -مالك سيارة "باغاني زوندا" النادرة- في ألمانيا لخوض تجربة قيادة مميزة على الأوتوبان، حيث تم استعراض التصميم الفريد وأداء السيارة الخارق.
الأوتوبان ليس مجرد طريق، إنه حالة ذهنية وحالة من الإثارة تجتاح جسدك حين تسمع هدير المحرك عند الوصول لحدود السرعة القصوى. إنه الحرية المطلقة التي لا يمكن إيجادها في أي مكان آخر، وسواء كنت تمتلك سيارة رياضية خارقة أو قررت استئجار واحدة، فإن القيادة على الأوتوبان تجربة تستحق أن تعيشها ولو لمرة واحدة في العمر. هناك لا يوجد سقف للسرعة ولا حدود للشغف.
المصدر : الجزيرة نت