وأضاف شي حينها: "إنه درسٌ عميق لنا! إن تجاهل تاريخ الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي السوفياتي، ورفض لينين وستالين، ورفض كل شيء آخر، هو انخراط في العدمية التاريخية، ومن شأنه أن يُربك أفكارنا ويُقوّض منظمات الحزب على جميع المستويات".
شكل هذا التصور ركيزة أساسية في أفكار شي جين بينغ. فكان مما توصل إليه أن الحزب يجب أن يكون "قائدًا لكل شيء" من قاعات الدرس إلى المحاكم، وأن التراخي الأيديولوجي مزلق منحدر سيؤدي ببكين إلى مصير الاتحاد السوفياتي. أما الدرس الداخلي الأهم الذي تعلمه شي من سقوط الاتحاد فكان أن جيش التحرير الشعبي الصيني يجب أن يظل قوة حزبية أممية، تتعالى على القوميات المحلية، لا قوة قومية تفتح الباب أمام الخلافات.
لذلك نرى بوضوح كيف أن خطوات شي للحفاظ على نقاء الأيديولوجيا، وإعادة تأسيس لجان الحزب في جميع القطاعات، وهيكلة جيش التحرير الشعبي الصيني تحت قيادته الشخصية، كلها تنبع من اقتناعه وقراءته لأسباب الانهيار الذي لحق بالاتحاد السوفياتي على أنه فشل في الإرادة والتنظيم، لا بسبب الاقتصاد كما جرت العادة عند تفسير ذلك الانهيار. كذلك يعتقد شي أن فشل الاتحاد السوفياتي كان بسبب الوهن واللين الذي طغى على الساسة الروس، لا بسبب الركود الذي ضغط على موارد البلاد.
كذلك تعلم شي جين بينغ درسًا آخر، وهو أنه لا قيمة لأي قوة عظمى من دون سيطرة على الرواية والسردية. وإذا كان
غورباتشوف قد تبنى نهج الانفتاح والشفافية، الذي يعرف بالغلاسنوست، فقد أقام شي ما يُعرف بجدار حماية الصين العظيم (Great Firewall of China).
حرص شي على أن ينأى بالصينيين عن تصديق السردية الغربية، وهو الأمر الذي أدى إلى تصاعد شرعية السردية الصينية في كل أنحاء العالم مقابل السردية الغربية التي تشيطن الصين وحكومتها وشعبها. الخلاصة أن شي عزم على ألا تكرر بكين خطأ موسكو أبدًا!
تبدى ذلك في جانب آخر من حكم شي. فمنذ وفاة ماو، ومع تبني سياسة الإصلاح والانفتاح، حرص الحزب على اختيار قادة يتجنبون الكاريزما الطاغية والسلطة المطلقة. كما يشير المؤرخ الأميركي غراهام أليسون، لم يكن الهدف الكفاءة وحدها، بل "ضمان ألّا يمتلك الزعيم جاذبية شعبية آسرة". ظنّت اللجنة المركزية أن شي سيكون متحدثًا مقبولًا باسم القيادة الجماعية، لا أكثر.
لكن جين بينغ خرج عن هذا التصور سريعًا. ففي خلال عامه الأول، جمع السلطات كافة بين يديه، حتى لُقّب "الرئيس ذا كل شيء" فقد عمد شي إلى اقصاء المنافسين داخل الحزب، إذ لم يعيّن نائبًا له، ولم يظهر خليفة واضحًا له، وقاد حملة تطهير داخلية أزاحت أسماء بارزة، على رأسهم جو يونغ كانغ، رئيس جهاز الأمن الداخلي، الذي أصبح أول عضو في اللجنة المركزية الدائمة يُحاكم بتهم فساد.
وبحلول عام 2017، أي بعد خمس سنوات من وصوله للحكم، ولشدة مركزيته، أضاف أفكاره إلى الدستور الصيني. التعديل على الدستور الصيني وضع فكر شي جنبًا إلى جنب مع الماركسية اللينينية، وفكر ماو تسي تونغ، ليكون أيديولوجية توجيهية للحزب الشيوعي الصيني.
وقد برّر الحزب هذا الإدراج بإنجازات شي خلال ولايته الأولى، قائلًا: "على مدى السنوات الخمس الماضية، وتحت إرشاد فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب الصيني من جميع القوميات في جهد متضافر لخوض نضال عظيم، وتطوير مشروع عظيم، ودفع قضية عظيمة، وتحقيق حلم عظيم، مُبشرًا بعصر جديد من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية".
منح شي نفسه أكثر من عشرة ألقاب، من ضمنها رئيس مجلس الأمن القومي، والقائد الأعلى للجيش، وهو لقب لم يحصل عليه حتى ماو، مؤسس الصين الحديثة. لكن الخطوة الأكثر جرأة جاءت بعد عام، في 2018 عندما ألغى البرلمان الصيني، بأغلبية ساحقة، السقف الزمني لفترات الرئاسة. من أصل 2963 نائبًا، امتنع ثلاثة عن التصويت، وصوّت اثنان فقط بـ“لا"، مما عبّد الطريق لشي لحكم البلاد إلى أجل غير مسمى، وطويت صفحة "القيادة الجماعية" التي أسسها دنغ شياو بينغ بعد تجربة الحكم الفردي المضطرب في عهد ماو.
وفي عام 2023، انتُخب شي لدورة ثالثة بالإجماع رئيسا للصين ورئيسا للجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين، وهو أول رئيس صيني يحصل على هذا الاستثناء منذ عهد ماو. آنذاك، نشرت وكالة "شينخوا" الرسمية خبر الانتخاب بصيغة أدبية:
"تصاعد تصفيقٌ مُدوٍّ في قاعة الشعب الكبرى عند إعلان نتائج الانتخابات. نهض شي، مرتديًا بذلةً داكنةً وربطة عنقٍ عنابية، من مقعده وانحنى للمشرّعين".
وفقا لتقارير رسمية صينية، فإن إعادة انتخاب شي جين بينغ ارتبطت بما اعتُبر إنجازات اقتصادية واجتماعية كبيرة، مثل رفع الناتج المحلي، وتوسيع نظم التعليم والرعاية الصحية، لكن مراقبين يرون أن هذه النجاحات توازيها أيضًا تحديات تتعلق بالحريات السياسية وهيكل الحكم.
فقد ساهمت سياسات شي، خلال العقد الماضي، وبحسب هذه التقارير، في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للصين من 53.9 تريليون يوان عام 2012 إلى 121 تريليون يوان (حوالي 17.37 تريليون دولار أميركي). وقضت سياساته بشكل فعال على الفقر المدقع، وأنشأت أكبر أنظمة التعليم والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في العالم. وارتفع متوسط العمر المتوقع للصينيين من 74.8 إلى 78.2 عامًا خلال العقد الماضي.
وانضمت الصين إلى صفوف المبتكرين في العالم، وشهد الجيش الصيني إعادة هيكلة ثورية شاملة، ليصبح قوة قتالية أكثر حداثة وكفاءة، وأصبح الاقتصاد الصيني يُمثل أكثر من 18% من الاقتصاد العالمي خلال السنوات العشر الماضية، وتجاوز متوسط مساهمته في النمو الاقتصادي العالمي 30%.