عرض مشاركة واحدة

قديم 09-03-23, 07:31 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

رصدت واشنطن الخطر وفكَّرت بجدية في عمل عسكري، وانطوت واحدة من الخُطَط التي وصلت إلى مكتب الرئيس "بيل كلينتون" على شنِّ طائرات الشبح المقاتلة من طراز "إف-117" هجمة مُوجَّهة على بيونغ يانغ، تُدفَن على إثرها قضبان الوقود تحت الأنقاض، ومن ثمَّ تُمنَع كوريا الشمالية من تحويل موادها الانشطارية إلى أسلحة. لكن بينما أخذ كلينتون يوازن بين خياراته، سافر الرئيس الأميركي الأسبق "جيمي كارتر" إلى بيونغ يانغ، وتفاوض بمبادرة شخصية منه على اتفاق يتضمَّن تجميد كوريا الشمالية برنامجها للأسلحة النووية مقابل الحصول على النفط والدعم في قطاعها النووي المدني. وصادق كلينتون على الاتفاق ووقَّعه مع الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ إل"، وبموجب هذا "الإطار المُتفَق عليه" -كما عُرِف- تعهَّدت كوريا الشمالية بإيقاف مفاعلاتها المنتجة للبلوتونيوم في مدينة "يونغبيون"، وفي المقابل، تعهَّد تحالف تقوده أميركا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط الثقيل بكميات تكفي عشر سنوات، وببناء مفاعلين نووين للماء الخفيف في كوريا الشمالية (نوع من المفاعلات النووية الحرارية يستخدم الماء العادي لتهدئة وتبريد النيوترونات). بدا إذن أن حربا مُحتمَلة قد وُئدَت في مهدها.

بمعرفة ما حوته صفحات التاريخ فيما بعد، يتساءل المرء ما إن كان كلينتون قد أصاب في امتناعه عن شنِّ هجوم عسكري حينما واتته الفرصة. بيد أن تساؤلا كهذا مشوَّش ومليء بتخيُّل وقائع بديلة غير موثوقة بالضرورة. فقد كان من شأن ضربة واحدة، أو حتى سلسلة من الضربات، أن تتسبَّب في إبطاء وتيرة التقدُّم النووي لبيونغ يانغ فحسب، وليس عكس مسار برنامجها النووي. أما اندلاع حرب شاملة فكان يعني هزيمة شبه مؤكدة لكوريا الشمالية، مع تغيير نظامها السياسي بعدئذ في الأغلب، ثمَّ نهاية أكيدة لبرنامجها النووي. بيد أن التكلفة في هذه الحالة كانت لتكون تعجيزية، فمدفعيات بيونغ يانغ عُدَّت حينئذ قوة هائلة، رغم أنها لم تُقارن بنظيرتَيْها الأميركية والكورية الجنوبية، وكانت عمليات القصف الكورية الشمالية لتؤدي إلى وقوع ضحايا قُدِّرت أعدادهم بنحو 25 ألف شخص في مدينة "سيول" وحدها، في حين كان مجموع أعداد الوفيات بحسب بعض التقديرات ليصل إلى مليون شخص.

على الرغم من تجميد بيونغ يانغ قدراتها في إنتاج البلوتونيوم في أعقاب اتفاق عام 1994، فإنها استمرت سِرًّا في العمل مع "عبد القدير خان"، مؤسس البرنامج النووي الباكستاني، من أجل غاية بديلة هي تخصيب اليورانيوم. وحينما واجه مبعوث الولايات المتحدة المسؤولين الكوريين الشماليين بتلاعبهم في أكتوبر/تشرين الأول 2002، لم يُبدوا ندمهم على ذلك، وفي غضون أشهر، طردت كوريا الشمالية المفتشين الدوليين، وانسحبت من معاهدة الحدِّ من انتشار الأسلحة النووية، مما أجَّج التوترات من جديد.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"عبد القدير خان"، مؤسس البرنامج النووي الباكستاني مبادرات السلام تفشل أيضا

في نظر المدافعين عن "الإطار المُتفَق عليه"، يقع اللوم جزئيا في فشل الاتفاق على الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. ففي مطلع عام 2002، ضمَّ بوش كوريا الشمالية مع إيران والعراق إلى ما أطلق عليه "محور الشر"، ويُقال إن هذا الخطاب العدائي، الذي جاء في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان، أفزع بيونغ يانغ وأسهم في قرارها بالانسحاب من الاتفاق. وقد كان بناء مفاعلات الماء الخفيف متأخِّرا عن موعده المُقرَّر آنذاك، كما أن الولايات المتحدة لم تُقدِم إطلاقا على التطبيع الكامل لعلاقاتها مع كوريا الشمالية، على عكس ما نصَّ عليه الاتفاق المذكور. لكن ما الذي كان من المفترض أن تفعله الإدارة حالما وصل إليها دليل تلاعب كوريا الشمالية؟ إن تقديم المزيد من التنازلات لإقناع النظام بالعودة إلى التزاماته كان من شأنه ببساطة مكافأة بيونغ يانغ على تجاوزاتها وتحفيزها للمزيد من التلاعب مستقبلا. في الحقيقة، كان فشل الاتفاق من تدبير كوريا الشمالية نفسها.

لنتصوَّر كم كانت النتائج ستكون هزيلة في حال تمَّ المزيد من التجاوب عام 2002، فلننظر إلى الجهود المُنفصِلة التي بذلتها كوريا الجنوبية لاستمالة جارتها. تحت مظلة سياسة سُمِّيَت "سياسة شروق الشمس"، منحت حكومة كوريا الجنوبية جارتها الشمالية مساعدات اقتصادية قيمتها 8 مليارات دولار بين عامَيْ 1998-2008، على أمل تحسين العلاقات الثنائية، حتى إن رئيس كوريا الجنوبية "كيم داي-جونغ" فاز بجائزة نوبل للسلام على اجتماعه التاريخي مع "كيم جونغ إل". وما كُشِف عنه لاحقا هو أن هذه القمة عُقِدَت بالأساس بعد دفع مبلغ 500 مليون دولار نقدا للديكتاتور المعزول دوليا. ولم تُسهِم كل هذه الحوافز إلا قليلا في تحويل مسار كوريا الشمالية، بل على العكس، فبعد انسحاب كوريا الشمالية من "الإطار المُتفَق عليه" عام 2002، سرعان ما سرَّعت من وتيرة برنامجها النووي.


من جانبها، بدت الولايات المتحدة عالقة في حلقة من العقوبات المستفزة. ومن ضمن خطوات أخرى، عملت إدارة بوش على منع وصول كوريا الشمالية إلى العملة الصعبة ومن ثمَّ استهداف المال المُتدفِّق الذي موَّل نمط الحياة المُسرِف للنُّخَب الكورية الشمالية. وباعتبار واشنطن المحور الأساسي لهذه المبادرة الجديدة، فإنها فرضت عقوبات عام 2005 على بنك "دلتا آسيا" (مقرُّه جُزُر "مَكاو")، حيث تحتفظ فيه كوريا الشمالية بـ25 مليون دولار في حسابات متعدِّدة، مما أثار موجة من الرقابة المُشدَّدة في بنوك أخرى حول العالم. وآتى هذا التضييق ثماره كما كان من المُخطَّط له، فبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قال مسؤول كوري لنظيره الأميركي إنهم (الأميركيين) "أخيرا وجدوا طريقة لإلحاق الأذى بنا".

على الرغم من الاستجابة المُشجِّعة، فإن العقوبات ظلَّت قصيرة العمر. وحينما اختبرت بيونغ يانغ سلاحها النووي الأول في العام التالي، قرَّر بوش تجميد حساباتها في بنك "دلتا آسيا" في خطوة هدفت إلى إطلاق المحادثات بسرعة. ونتج عن المفاوضات المطوَّلة مؤتمر صحفي ثنائي تعهَّدت فيه كوريا الشمالية بإغلاق منشآتها النووية وإيقاف تصدير المواد والتكنولوجيا النووية، وفي المقابل وعدت واشنطن برفع كوريا الشمالية من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، واستئناف شحنات النفط والمساعدات الغذائية. بيد أن بيونغ يانغ رفضت الاتفاق على التدابير الصارمة للتحقُّق من التزامها بالاتفاق، مما أدى إلى موت الاتفاق بمجرد مغادرة بوش المنصب. ورغم هذا الفشل، فإن واشنطن لم تفرض العقوبات من جديد على بنك "دلتا آسيا"، ولم تُدرج كوريا الشمالية مرة أخرى على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وذلك طيلة عقد كامل بعدها، ولذا بدا الأمر وكأنه مكافأة لبيونغ يانغ على تهديداتها الفارغة.

ترامب و"رجل الصاروخ"

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
بالمثل، ميَّزت هذه التحرُّكات اليائسة سنوات حكم أوباما، التي بدأتها كوريا الشمالية باختبارها النووي الثاني في مايو/أيار 2009. وبعد عدة سنوات من الجمود، توصَّل أوباما إلى اتفاق مع زعيم كوريا الشمالية الجديد "كيم جونغ أون" عام 2012. (تولَّى جونغ أون الرئاسة بعد وفاة والده عام 2011). في هذه المرة، قدَّمت الولايات المتحدة المساعدات الغذائية في مقابل تعليق اختبارات الصواريخ الباليستية وأي أنشطة نووية أخرى. وبعد مدة وجيزة من بدء العمل بالاتفاق الجديد، أطلقت كوريا الشمالية قمرا صناعيا نحو مدار الأرض بواسطة التكنولوجيا نفسها المُستَخدَمة في إطلاق صاروخ بعيد المدى. ومن ثمَّ آل اتفاق آخر إلى الانهيار، ومما زاد الطين بلة أن بيونغ يانغ أعلنت أن أسلحتها النووية ليست ورقة مساومة، وأنها لن تتخلى عنها ولو في مقابل "مليارات الدولارات".

كتبت هذه الواقعة نهاية آمال إدارة أوباما في عقد اتفاق، وعادت واشنطن إلى سياسة "الصبر الإستراتيجي"، ما يعني الاستمرار في فرض العقوبات دون إطلاق أي مبادرات دبلوماسية كبيرة. وفجأة، توقَّفت لعبة الانتظار حينما تولَّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنصب عام 2017، إذ نحَّى ترامب جانبا سياسة "الصبر الإستراتيجي" لصالح سياسة "الضغط الأقصى"، وبذلك ضاعف العقوبات وخوَّل وزارة الخزانة الأميركية إدراج أي شركات أو أفراد أجانب ممن سهَّلوا التجارة مع كوريا الشمالية على القائمة السوداء. وفي غضون ذلك، رجَّحت سلسلة من التسريبات أن الإدارة كانت تنظر في شنِّ ضربة "الأنف الدامي" العسكرية الاستباقية على مواقع كوريا الشمالية النووية، وصاحبت كلَّ ذلك تهديدات ترامب بإنزال "النيران والغضب" على "رجل الصاروخ"، وهو اللقب التحقيري الذي أطلقه ترامب على زعيم كوريا الشمالية.

من جانبه، ردَّ كيم بتهديده الخاص، لكنه أيضا مدَّ بغصن زيتون غير متوقَّع. ففي خطابه لاستقبال العام الجديد عام 2018، أعلن "اكتمال" برنامج بلاده النووي، وعَرَض عقد محادثات مشروطة مع كوريا الجنوبية. ومن خلال مبعوثين من كوريا الجنوبية، عَرَض كيم أيضا عقد قمة مع نظيره الأميركي. وقد قَبِل ترامب العرض فور سماعه، ومن ثمَّ تحوَّلت سياسة "الضغط الأقصى" على الفور إلى "التجاوب الأقصى"، وحَضَر ترامب ثلاثة اجتماعات مع كيم عامَيْ 2018 و2019، حتى إنه أعلن مرة أنه وكيم "قد وقعا في الحب". بيد أن محفل الحب هذا فشل في تحقيق أي نتائج ملموسة، ففي قمتهما الأولى، جلب ترامب إلى كيم إعلانا ترويجيا لفيلم غريب يستعرض الازدهار الذي قد تتمتَّع به كوريا الشمالية لو تخلَّت عن أسلحتها النووية، وقد فات ترامب أن كيم بالفعل لديه كل السِّلَع الفاخرة التي حلم بها، وأنه لن يتخلَّى عن الأمن الذي توفِّره الأسلحة النووية لنظامه.

تجدر الإشارة إلى أن إستراتيجية ترامب الأولية بالضغط على النظام الكوري وعزله بدت فعَّالة على نحو جيد. فبحلول عام 2017، عُدَّت 90% من صادرات كوريا الشمالية غير مشروعة بموجب القانون الدولي. وبالإضافة إلى العقوبات الأميركية واسعة النطاق، أصدر مجلس الأمن تسعة قرارات رئيسية حظرت صادرات البلاد الأكثر إدرارا للربح، مثل الفحم والحديد الخام والمأكولات البحرية والمنسوجات وغيرها، التي أمدَّت النظام بثلاثة مليارات دولار سنويا. ولا تُعَدُّ قرارات الأمم المتحدة فعالة إلا في حال تطبيقها، وقد بدأت الصين أخيرا آنذاك، وفي مفاجأة للجميع، تضطلع بدورها بعد سنوات من التلكُّؤ. وفي غضون ذلك، فرضت 20 دولة قيودا على وجود كوريا الشمالية الدبلوماسي، الذي اشتهرت بيونغ يانغ باستخدامه للتهرُّب من العقوبات.

لم يكن مُرجَّحا أن ينتج عن الاستمرار في سياسة "الضغط الأقصى" لفترة أطول إجبار كوريا الشمالية على التخلي عن أسلحتها النووية. ومع ذلك، فقد كانت لهذه السياسة فرصة أفضل مقارنة بالقِمَم التي عقدها ترامب. ولنتذكَّر أن إيران لم توافق على تخفيض -وليس إيقاف- برنامجها النووي عام 2015 سوى بعد ثلاث سنوات من "الضغط الأقصى" من جانب واشنطن. وبالمثل، فإن كوريا الشمالية كانت ستملك دافعا أقوى للتفاوض بنية صادقة والابتعاد عن مطالبها المُتطرِّفة إذا ما عانت من ضغوط اقتصادية طويلة الأجل. للأسف، بعد قفزة ترامب المُتسرِّعة نحو محاولة عقد اتفاق، بدأت حملة العقوبات ترتخي، وخفَّفت الصين وروسيا من تطبيق عقوباتهما.

ما من مفاتيح لتفكيك الترسانة الكورية

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس