عرض مشاركة واحدة

قديم 31-10-09, 01:40 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

العلاقات الأمريكية الإيرانية.. محاولة للفهم.
تملأ أمريكا الدنيا ضجيجًا حول خطر المشروع النووي الإيراني، وضرورة إيقاف ذلك البرنامج قبل تمكن طهران من صنع القنبلة النووية، ومن قريب كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق (بوش) قد وضعت إيران ضمن محور الشر. في الوقت نفسه نلحظ تعاونًا كبيرًا بين الإدارة الإيرانية والإدارة الأمريكية في كثير من الملفات، فكان التعاون بينهما في الحرب على العراق وأفغانستان باعتراف الجانبين.

ولا شك أن إحدى أهم معضلات في المنطقة هي سبر أغوار العلاقة الإيرانية الأمريكية ومنشأ الغموض في هذه العلاقة هو المقاربات التي تحاول الغوص في أعماق تلك العلاقة لتفسرها و تستنبط القوانين و السنن التي تتحكم في هذه العلاقة هناك مؤشرات عديدة على أن ثمة هناك توافقًا بين إيران وأمريكا.

ـ ومن ناحية الخلفية الفكرية التي تحرك كلاً الطرفين الإيراني والأمريكي في كلّ ما يتعلّق بالمنطقة العربيّة، لا نجد تضاداً أو تبايناً في وجهتي النظر، فكلتيهما تكنّان حقداً على الأمة العربية بشكل أو بآخر، وكلتيهما لهما أطماع في العراق والأقطار العربيّة الأخرى، حتى وإن اختلفت مشاربهما، فالصفة الغالبة على الأطماع الإيرانية هي الصفة الفكرية ورغبتها في فرض التشيع الصفوي، الذي هو مزيج من القومي الفارسي والديني المجوسي.

أما الولايات المتّحدة فهي الأخرى تمتلك مشروعاً فكرياً جاءت بـه إلى المنطقة يتمثل في فرض هيمنتها الثقافية والاقتصاديّة والعسكرية على ما اصطلح تسميته بالشرق الأوسط الكبير.

إذن هناك نقاط التقاء بين إيران والولايات المتّحدة في كلّ ما يتعلّق بالمنطقة، وهذا الالتقاء ليس هدفاً مرحلياً، بل لأهداف حيوية بعيدة المدى لكليهما مبنية على أسس وتفاهمات واضحة.

ولكن إذا كان هناك توافق إيراني كما تقول في هذه الفرضية فبماذا نفسر التحركات الأمريكية ضد النووي الإيراني؟

نجيب بأن هذه التحركات الأمريكية تفيد في خداع أطراف إقليمية ودولية للحصول على مكاسب للطرفين.

1ـ فإظهار حالة من العداء بين إيران وأمريكا يخدع بعض الدول العربية خاصة دول الخليج ومصر ويجعلها أكثر حرصًا على استمرار التحالف مع الولايات المتحدة وبقاء القواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.

2ـ كما أن استمرار العداء المعلن بين إيران وأمريكا يجعل المنطقة ملتهبة ويرفع درجة التوتر ويجعل الدول الصناعية الكبرى كألمانيا و فرنسا و اليابان والصين أكثر التصاقا بأمريكا لحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة و ضمان تدفق النفط إلى مصانعهم و اقتصادهم .

3ـ ولا نحتاج إلى كبير جدل لنتوصل إلى أن إيران دولة ذات طموح إقليمي تحاول في سبيله بذل ما تستطيع, فهي تعاونت، وتجدد استعدادها لمزيد منه، مع الدول الفاعلة, ولاسيما أمريكا، حتى تحرز الاعتراف الدولي بدورها الإقليمي الذي تريد.

4ـ كما تسعى إيران من إظهار عدواتها لأمريكا وتلويحها بنصرة قضايا المستضعفين ومنهم بالطبع الفلسطينين إلى إخراج الدول العربية كقوة أقليمية مؤثرة من دائرة القضية الفلسطينية؛ لتوفير مناخ آمن للصهيونية في فلسطين، وهو هدف إستراتيجي أيضًا لكل من الولايات التمحدة الأمريكية وإسرائيل.

5 ـ كما أن الولايات المتّحدة الأمريكيّة ترى في عقدها لتحالف مع إيران ضمانًا لولاء معظم شيعة العالم، وهؤلاء على استعداد تام لخدمة المصالح القومية العليا للولايات المتحدة، مقابل رعاية أمريكية ودور عملي في سيطرة شيعية على المنطقة الحيوية، وترى الولايات المحتحدة أنّ الشيعة ينتشرون في أنحاء العالم، وإنّ التحالف مع هذه الملايين يعني التخفيف من دور الفكر الوهابي السلفي المناهض والمعادي للمصالح الأمريكية، وأن على الإدارة الأمريكية أن تستثمر صبغة العداء التاريخي بين الفكر الوهابي والفكر الشيعي، وإنّ الغالبية الساحقة من هذه الملايين الشيعية يتبعون رجلاً واحداً، وإنّ ضمان موقف هذا الرجل (أي المرجع الأعلى لشيعة العالم) يعني في النهاية ضمان موقف شيعة العالم، وبكلام آخر فإنّ ضمان موقف الحوزة العلمية ومرجعيتها في النجف يعني في النهاية ضمان موقف أغلبية شيعة العالم إلى جانب الموقف الأمريكي.

ورغم حالة التوافق بين الأمريكيين والإيرانيين والتي أوجزناها في النقاط السابقة إلا أنه ومن الطبيعي أن يشتد بعد ذلك الصراع بين الطرفين على اقتسام الهيمنة، والتنافس على حصة أكبر من الغنيمة والعمل على إضعاف نفوذ كل منهما للآخر في مناطق النفوذ.

وخلاصة القول: إن إيران ماضية في تطوير برنامجها النووي من خلال إستراتيجية حياكة السجادة ـ على حد تعبير محمد صادق الحسيني ـ أي إطالة أمد المفاوضات وإبقاء الباب مفتوحا للاستفادة من الوقت عبر تلويحات وهمية من قبل الولايات المتحدة بإعاقة هذا البرنامج.

ويتوقع الكثير من المراقبين أن تستمر هذه القضية فترة ربما تمتد لسنتين أو ثلاثة لحين تمكن طهران من تحقيق مبتغاها.

وبتلك المعادلة يتضح أن على دول المنطقة العربية الاعتماد على قدراتها وتنقية أجواء الخلافات بينها والتصالح مع شعوبها؛ لأن لا الركون على الطرف الأمريكي كحيلف في مواجهة إيران سيجدي نفعًا، ولا الدول التي تدعم إيران أيضًا سيشفع لها ذلك، إذا ما وصل المشروع الايرانى إلى ذروته وتمكنت إيران ذات صباح من إجراء أول تجربة نووية في المنطقة.


أسطورة ضربة إسرائيلية لإيران.
تثير إسرائيل عبر وسائل إعلامها بين الحين والآخر إمكانية توجيه ضربة جوية إلى المفاعلات النووية الإيرانية، وتتناول الصحف تفاصيل خطط وضعها سلاح الجو الإسرائيلي لتمكن من قصف نووي إيران بضربة خاطفة والعودة سريعًا.

وإن فحصا حذرا للوسائل والإمكانات العملية واللوجستيكية المختلفة بالإضافة إلى الأبعاد والنتائج الإقليمية والجغرافية السياسية لهذا السيناريو، يقودنا إلى خاتمة معاكسة، بمعنى الطبيعة الفاشلة وغير العملية لما يسمى بخيار "Osirak”، وقد أُطلق هذا الوصف في أعقاب قصف إسرائيل الناجح الجوي لمفاعل العراق النووي في 1981.

وحتى لا ننسى، فإنه ورغم أن التفاصيل الكاملة لعمليات Osirakلم تكشف لحدّ الآن، فإن المؤكد أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية عبرت على الأقل مجالا جويا واحدا لدول الجوار للوصول إلى العراق لتنفيذ ضربتهم.

ولمهاجمة مواقع إيران النووية المتعددة، والمبثوثة في كافة أنحاء البلاد، خصوصا في وسط إيران، يتطلب هذا رحلة طويلة عبر الحدود، وخيار إسرائيل الأفضل سيكون ضربة متشعبة آنية تستعمل طرقا مختلفة، فمثلا قد تتخذ مسلكا عبر الأردن والعراق بالإضافة إلى طريق البحر الأبيض المتوسط من خلال تركيا أو آذربيجان، وبدون الحاجة لذكر "الكابوس" اللوجستيكي للمسافة الطويلة، فإن هذا يستلزم إما تزويدا بالوقود الجوي أو إنزالا في المنتصف.

وفي الوقت الحاضر، فإنه لا خيار متوفر لدى إسرائيل، وليس هناك أي فرصة فورية لتوفرها في المستقبل القريب، حيث إن علاقات إيران الودية مع جيرانها ومخاوفهم من رد فعل إيراني حاد في حال سماحهم باستعمال مجالهم الجوي لشن هجوم إسرائيلي على إيران، تمنع من حصول هذا السيناريو.

تركيا، هي "الشريك الإستراتيجي" لإسرائيل في المنطقة، ولديه علاقات اقتصادية ودبلوماسية ممتازة مع إيران، بينما يستفيد الاثنان كثيرا من تجارة الطاقة الضخمة، وكذا تعاون إقليمي من خلال منظمة التعاون الاقتصادية، وسياسة عامة متقاربة نحو العراق و"القضية الكردية". لذلك، وبصرف النظر عن توجهاتهم السياسية المتباعدة، فإن إيران وتركيا "تنعمان" في الوقت الحاضر بعلاقات ودية مستقرة من غير المحتمل أن تُنسف بهجوم إسرائيلي داخل إيران عبر الأرضي التركية.

بالتأكيد، تبقى تركيا قلقة بشأن طبيعة برامج إيران النووية، ورغم ذلك فإن زعماءه لا يشتركون في جرس إنذار إسرائيل المذعور حول "إيران النووية" في غياب أي معلومات استخبارية موثوقة تثبت هذا الخوف، وقد صرح مؤخرا، الجنرال الإسرائيلي أهارون زايفي، أن: "إيران في الحقيقة ليست قادرة على إغناء اليورانيومِ لبناء قنبلة نووية. . .".

ولكن الاحتمال الراجح بعدم حصول ضربة إسرائيلية ضد إيران عبر تركيا "هرب" من انتباه أجهزة الإعلام الغربية وجيش مثقّفي الأمن والشئون العسكرية الذين يكتبون عن خيار"Osirak”. مثال ذلك، في كتابه الأخير، اللغز الفارسي، أحجم كينيث بولوك عن تقدير موقف تركيا في حال طلب إسرائيل عندما ناقش "خيارOsirik "، وبنفس الطريقة، تعامل المحقق الصحفي سيمور هيرش، في مقالته في مجلة "النيويوركر" حول موضوع مماثل، واعتبر أنه من الطبيعي، بسبب صلات تركيا الوثيقة بكل من إسرائيل والولايات المتّحدة، أن تتحول تركيا إلى منصة إطلاق للهجمات العسكرية ضد تجهيزات إيران النووية!.

وما يؤكد ضعف احتمال هذا السيناريو "تواطؤ تركيا في هجوم إسرائيل ضد المواقع النووية الإيرانية"، النكسة الأخيرة في العلاقات التركية الإسرائيلية بسبب التسريبات الإعلامية التي أشارت إلى أن إسرائيل تدرب مجموعات كردية بشكل نشيط في المنطقة، وقد رفضت تل أبيب التهمة بشكل قاطع عندما واجهتها أنقرة بقسوة منذ عهد قريب. ثم إن علاقات تركيا بالإتحاد الأوربي يمكن أن تتضرر أيضاً، وفرصته للإدراج في عضوية الاتحاد الأوروبي قد تتبخر في حال وضعت تركيا نفسها في خدمة الولايات المتّحدة وإسرائيل في أي عمل عسكري غير مدعوم من قبل أوروبا.

وعليه، فإن "سيناريو" الاستعمال الإسرائيلي لمجال تركيا الجوي ضد إيران، من غير المحتمل أن يتحقق في بيئة ما بعد احتلال العراق

نفس الحجة تنطبق، مع بعض الفوارق، على جيران إيران الآخرين، آذربيجان، التي زار زعيمها الجديد إيران مؤخرا وطمأن طهران بأنه مهما كانت الظروف لن يسمح بهجوم أجنبي ضد إيران عبر آذربيجان. في الحقيقة، ومقارنة مع تركيا، فإن لدى آذربيجان مخاوف أكبر من رد فعل إيراني قاسي حالة هجوم إسرائيلي عبر دول بحر قزوين، كما أنها تتطلع إلى دعم إيران في دعواها لاستعادة الأرض التي فقدتها في حربها مع أرمينيا أثناء التسعينيات.

كما هو الحال مع آذربيجان، تبدو حاليا كل الأبواب الآسيوية القوقازية الأخرى موصدة أمام هجوم إسرائيلي على إيران، مدعومة من الجيش الروسي في المنطقة ومعارضة موسكو المتأصلة لأي خطة إسرائيلية أمريكية لإضعاف حليف "موثوق"، إيران. أما بالنسبة إلى باكستان، مثل تركيا وآذربيجان، له مصلحة شخصية أكثر من اللازم مع إيران، حيث تغطي —إيران- أفغانستان وكذا ميزان القوى الهندي الباكستاني، من بين أمور أخرى، تحول دون السماح لنفسها بأداء دور مساند لضربة إسرائيلية موجهة لإيران. وإن تسربت معلومات بسماح باكستان لقوات أمريكية خاصة بالتدرب في بيشاور استعدادا لأي تدخل ضد إيران، إلا أن هذا التدريبات ليست موجهة ضد إيران بالضرورة، فالاعتبارات الإستراتيجية تتغلب على حالة الشك المتبادل بين طهران وإسلام آباد.

يبقى أمام "خيار Osirik" مسارا واحدا، بأن تعبر الضربة الإسرائيلية المجال الجوي الأردني وبعد ذلك العراق قبل وصولها إلى إيران، ولكنه من غير المحتمل حدوثه في ظل حكومة عراقية ذات الغالبية الشيعية المهينة.


موقف الاتحاد الأوروبي من الملف النووي الإيراني.
عملت أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة على استعادة نفوذها السابق في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار طرحت في عام 1994 فكرة إنشاء بنك أوروبي بالشرق الأوسط ليساهم في تنمية العلاقات الاقتصادية الأوروبية مع هذه المنطقة ؛ إلا أن هذه الفكرة لم تنفذ مطلقًا ، كما لم تصل سائر مساعي الاتحاد الأوروبي للحصول على نصيب في إدارة الشرق الأوسط إلى نتيجة.

وكان الطريق الوحيد أمام الدول الأوروبية هو: أن تعمل على تنمية علاقاتها الثنائية مع أية دولة من دول الشرق الأوسط، لكن الولايات المتحدة لما لها من نفوذ على نظم المنطقة تستطيع بسهولة سد هذا الطريق .

ويبدو أن الدولة المستقلة الوحيدة التي يمكن أن يعتمد عليها الأوروبيون هي: إيران، خاصة أن ظهور "محمد خاتمي" على الساحة السياسية في عام 1997، وإجراء إصلاحات عديدة في السياسة الخارجية من بينها مشروع حوار الحضارات قد قوبل بترحاب شديد من جانب الدول الأوروبية، وتحول الحوار النقدي الذي كانت أوروبا قد بدأته مع إيران منذ عام 1992 م إلى حوار بنّاء، وكانت زيارة "خاتمي" لعدد من الدول الأوروبية ، وتوقيع عدد من الاتفاقيات المهمة مع الشركات الفرنسية المخالفة للمقاطعات الأمريكية – دليلاً على حرارة العلاقات الثنائية ، وبالنظر إلى ما قد قيل فإن أوروبا في إطار أن يكون لها مزيد من النفوذ في الشرق الأوسط والتحول إلى قوة ذات نفوذ دولي قد تبنت أحيانًا سياسات منفصلة عن السياسات الأمريكية في المنطقة وخاصة حيال إيران .

وبالنظر إلى المواقف الأمريكية والإيرانية؛ فإن أوروبا تسعى لاستغلال هذه الفرصة كي يكون لها نفوذ في المنطقة، وما هي هذه الفرصة أكثر من أي شيء آخر سوى الملف النووي الإيراني . فقد عملت أوروبا التي كان طرفًا أساسيًّا مع إيران في الحوارات النووية في ألا يصل هذا الملف إلى نهاية؛ إلا أنها في هذا الصدد وقعت أكثر من ذي قبل تحت الضغوط الأمريكية لاتخاذ قرار بخصوص الملف النووي الإيراني في مجلس الأمن .

كما أن دول الاتحاد الأوروبي لا ترغب في تصعيد الموقف مع طهران للعلاقات الاقتصادية بين أوروبا وطهران، ورغم أنه ليس هناك موقف أوروبي موحد في السياسة الخارجية بين أوروبا القديمة والجديدة، حسب تصنيف "رامسفيلد" وزير الدفاع الأمريكي، فإن الموقف الألماني والفرنسي متميزان بشأن إيران، ولقد أعلنت باريس أنّ توقف التخصيب شرط مسبق للمفاوضات، فإن التجربة الإيرانية مع فرنسا وألمانيا توحي بقرب فتح باب المفاوضات بسبب الدور الإيراني في المنطقة وخاصة في لبنان، وعلاقات فرنسا الاقتصادية مع طهران وابتعاد فرنسا عن الموقف الأمريكي.

و يقول "يحي أبو زكريا" لم تعد العواصم الغربيّة تخفي إمتعاضها الشديد وانزعاجها المتواصل من المشروع النووي الإيراني الذي بات يؤرقها، وخصوصًا مع إصرار العهد الجديد في إيران بالمضيّ قدمًا في تفعيل المشروع النووي الإيراني؛ رغم الاعتراضات الدولية وعلى رأسها الاعتراض الأمريكي ثمّ الأوروبي .

و قد حاولت العواصم الأوروبية في تعاملها مع الملف النووي الإيراني أن تنأى بنفسها عن وجهة النظر الأمريكية في كيفيّة التعاطي مع الملف النووي الإيراني؛ إلاّ أنّه سرعان ما تطابقت وجهة النظر الأمريكية مع وجهة النظر الأوروبية، وتحديدًا مع بداية الرئيس الإيراني الجديد "محمود أحمدي نجاد" الحديث عن إسرائيل، و ضرورة إزالتها من الخارطة, وقد انعكس الإصرار الإيراني على تفعيل المشروع النووي وعدم إقفال مصنع بوشهر النووي على الرسميين الأوروبيين الذين باتت تصريحاتهم نووية أيضًا من قبيل التصريح النووي الذي أطلقه الرئيس الفرنسي "جاك شيراك"، والذي هددّ بقصف أية دولة ينطلق منها عمل إرهابي ضدّ فرنسا بالقنابل النووية .

وكانت العواصم الغربية المكلفة بمتابعة الملف النووي الإيراني (وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا ) تعمل على تطويق هذه المعضلة ذات الأبعاد النووية عن طريق الدبلوماسية في محاولة لتجنب تكرار ما جرى في العراق,

وسعت هذه الدول الثلاث التي كانت مفوّضة من قبل المجموعة الأوروبية لإقناع طهران بالتخلي عن استئناف أبحاثها النووية , وقد حققّت بعض التقدّم في عهد محمد خاتمي الذي كان متجاوبًا مع مطالب المجموعة الأوروبيّة .

ومع وصول "محمود أحمدي نجاد" إلى سدّة الرئاسة في إيران؛ تغيرّت الحسابات الأوروبية إلى أبعد مدى، إلى درجة أنّ المسئولين الأوروبيين يتحدثون باستمرار عن قلقهم الشديد من استئناف إيران لأبحاثها النووية, وقد تزامن هذا الاستئناف مع كمّ هائل من التصريحات التي أطلقها الرئيس الجديد "نجاد" ضدّ إسرائيل التي تحظى بكثير من القدسية لدى العواصم الغربية، والتي تشعر بعقدة الذنب اتجاهها بسبب المحرقة الكبرى أو ما يعرف بالهولوكست..

و بسبب هذه التصريحات؛ فإنّ معظم العواصم الغربية استدعت السفراء الإيرانيين المعتمدين لديها وقد سمع معظم هؤلاء السفراء من وزراء الخارجية الأوروبيين احتجاجات شديدة اللهجة, و حتى الدول الأوروبية المحسوبة على خطّ الحياد كالسويد والنرويج انزعجت من تصريحات "نجّاد"، وأبلغت احتجاجها للدبلوماسيين الإيرانيين المعتمدين لديها ..

وقد نجح الإعلام الغربي ـ والذي يسيطر اليهود على تفاصيله ـ في الربط بين المشروع النووي الإيراني والرغبة في تدمير إسرائيل, كما أنّ هذا الإعلام نجح إلى أبعد مدى في إيجاد كافة المبررات للدولة العبرية فيما لو أقدمت على تدمير المفاعل النووي الإيراني في بوشهر تمامًا كما دمرّت المفاعل النووي العراقي "مفاعل تموز العراقي" .

و إذا كان الأوروبيون مقتنعين بأنّهم يتحركو نفي سياق واحد مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإنّهم يعلمون أنّ الإيرانيين يحاولون الاستقواء بالصين وروسيا، ولذلك يجرى التحرك الأوروبي باتجاه المحوريْن الصيني و الروسي لحمل إيران على الانصياع للإرادة الدولية التي تجسّدها أمريكا, وبات الأوروبيون يتخوفون من أن تلجأ إيران إلى الصين ودفعها لاستعمال حق النقض داخل مجلس الأمن فيما لو ناقش هذا المجلس تداعيات الملف النووي الإيراني .

وفي ذات الوقت فإنّ الأوروبيين متخوفون إلى أبعد مدى أن يجرى عسكرة حلّ التعاطي مع ملف إيران النووي لأنها ستكون المتضرر المباشر من هذه العسكرة؛ ولذلك حتى وإن كانت أوروبا متوافقة مع أمريكا؛ إلاّ أنها ما زالت تفضّل الخيار السياسي؛ لأنّها اتعظت كثيرًا من الحدَث العراقي الذي ما زالت فصوله تتوالى.

الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني.
ليس من شك في أن البرنامج النووي الإيراني المتنامي، لا يزال يثير الكثير من الإشكالات ليس على الصعيد الدولي وحسب وإنما على الصعيد الإقليمي كذلك. وكما هو معروف فإن الاهتمام بهذا البرنامج قد بدأ بعد إعلان الحكومة الإيرانية منذ أوائل أيلول 2000 نجاح كوادرها الفنية في إطلاق نوع جديد من الصواريخ، وهي صواريخ شهاب 3 التي يصل مداها إلى 1500كم. ومع أن وزير الدفاع آنذاك السيد علي شمخاني قال: إن الصاروخ مصمم لإطلاق الأقمار الاصطناعية، لكن خبراء عسكريين معرفين قالوا بأن الصاروخ يمكن استخدامه لأغراض عسكرية وأن بمقدوره حمل رؤوس نووية ... وسنحاول في هذا المقال الوقوف أولا عند أبعاد البرنامج النووي الإيراني ثم نبين موقف تركيا منه.

أولاً : أبعاد البرنامج النووي الإيراني:
تتفق معظم المصادر المتداولة على أن الحكومة الإيرانية فكرت في أن تبدأ برنامجاً نووياً منذ أواسط السبعينات في القرن الماضي، فلقد وقعت إيران على اتفاقية للتعاون النووي مع فرنسا وبموجب هذا الاتفاق تعهدت فرنسا بالبدء بعمليات تركيز اليورانيوم. ولم تتوقف المجهودات الإيرانية عند هذا الحد بل اتسعت لتشمل التوقيع على اتفاقية تعاون نووية أخرى مع شركة سيمنز الألمانية تعهدت بموجبها هذه الشركة بإنشاء مفاعلين نوويين بمدينة بوشهر جنوب إيران .. ويبدو أن ظروف قيام الثورة الإسلامية وإسقاط نظام الشاه سنة 1979 حالت دون استكمال هذا المشروع، إذ توقف البرنامج أو كاد ولكن الحكومة الإيرانية استطاعت منذ بين سنتي 1992 و 1995 مفاتحة الصين وروسيا في البدء بتطوير القدرات النووية الإيرانية، وهكذا فإن إيران أصبحت منذ ذلك الوقت تمتلك عدة محطات نووية أبرزها محطة بوشهر النووية ومركز التكنولوجيا النووية في أصفهان ومركز طهران للدراسات النووية وادارة البحوث النووية بمدينة يزد . وتبرر الحكومة الإيرانية أسباب إقدامها على تطوير برنامجها النووي برغبتها في تعزيز مكانتها الإقليمية والحفاظ على أمنها القومي خاصة بعد تفاقم أخبار إقدام العراق على بناء قدرات نووية فضلا عن أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية ضخمة.

واجه المشروع النووي الإيراني الكثير من العقبات لعل من أبرزها الموقف الأمريكي مع أن إيران، وقعت على معاهدة انتشار الأسلحة النووية ( NPT ) منذ سنة 1968 كما أن معظم تقارير الوكالة الدولية النووية للطاقة الذرية تؤكد التزام إيران بالمعاهدة وكما هو معروف فإن الولايات المتحدة حتى كتابة هذه السطور لا تزال تسعى من اجل الحيلولة دون وصول البرنامج النووي الإيراني إلى أهدافه الحثيثة وتقوم الإدارة الأمريكية بين وقت وأخر بمساع دبلوماسية لإقناع أعضاء مجلس الأمن بالوقوف ضد استكمال إيران لمشروعها النووي وخاصة في مجال تخصيب اليورانيوم والوصول الى تكنولوجيا تصنيع القنابل النووية. وتتحدث الأوساط الأمريكية، وخاصة وكالة المخابرات الامريكية منذ اواسط سنة 2002 عن إن إيران تمتلك منشأتين نوويتين الاولى لتخصيب اليوارنيوم في مدينة نطنز والثانية مصنع لإنتاج المياه الثقيلة بالقرب من مدينة آراك وكلا المنشاتين يقعان وسط إيران .. ويؤكد الامريكان أن إيران تستطيع إكمال دورة الوقود النووية وبالتالي فهي قادرة على صنع اسلحة نووية.

ثانياً : موقف تركيا من البرنامج النووي الإيراني:
يثير البرنامج النووي الإيراني ردود فعل ومواقف عربية وإقليمية ودولية متباينة، والذي يهمنا هنا هو معرفة الموقف التركي من هذا البرنامج، ومما يؤسف له اننا لا نمتلك الكثير من المعلومات عن هذا الموقف، خاصة وأن تركيا، ومنذ حدوث التغييرات في الاتحاد السوفيتي السابق ومنظومة الدول الاشتراكية، بدأت تسعى من أجل إقامة مفاعل نووي في خليج اكويو جنوب تركيا، وهو من ضمن عشرة مفاعلات نووية تنوي بناءها بحلول سنة 2020 .. وقد أشارت جريدة الحياة التي تصدر في لندن بعددها الصادر في 11 من مايو سنة 1998 إلى أن منظمة السلام الاخضر تتحرك منذ ثماني سنوات لمنع تركيا من اقامة ذلك المفاعل وقد نشرت المنظمة تقريراً تضمن احتمالات الخطر من بناء هذا المفاعل على الدول المحيطة بتركيا .. وقد نشرت جريدة تركش ديلي نيوز ( Turkish Daily News ) مقالا قالت فيه كاتبته فيولا اوزيركان Fulya Ozerkan إن وزير البنية التحتية الاسرائيلية بن اليعاز حذر من أن اتفاقاً بشأن الطاقة بين تركيا وإيران سيعمل على تشجيع إيران في الإقدام على تطوير برنامجها النووي .. وقد انتقد الوزير الاسرائيلي وبشدة اتفاقاً للتعاون التركي _ الإيراني حول الغاز الطبيعي قائلاً : ((إن إحراز التقدم في مثل هذه المشاريع يعمل على تشجيع طهران المتهمة من قبل الغرب بالسعي لامتلاك السلاح النووي!!))

وأضاف الوزير الإسرائيلي يقول: ((إن إيران باتت تشكل خطراً على الاستقرار في الشرق الاوسط بل هي خطر على العالم كله، هذا فضلا عن كونها تشكل تهديداً للاستقرار في العالم الاسلامي ))..

كما أن الولايات المتحدة انتقدت الخطوة التركية اتجاه التوقيع على اتفاق التعاون التركي _ الإيراني الذي جرى في العام الماضي ( 2007 ) وقالت ان الخطوة التركية جاءت في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن الى فرض عقوبات اشد ضد إيران بسبب برنامجها النووي .. وقد ردت الحكومة التركية على ذلك قائلة انها تهدف من خلال علاقاتها الودية مع دول المنظمة والمجتمع الدولي الى إشاعة اسلوب دبلوماسي مكثف سوف يساعد، بدون شك، على نزع فتيل التوتر النووي .. وقال أحد المسئولين الأتراك المعنيين بالبرنامج النووي الإيراني: ((إننا على استعداد لدفع الثمن مقابل السلام)) وقد علق الوزير الإسرائيلي بن اليعازر على ذلك بقوله: إن تركيا، كما يبدو، تريد أن تنهمك في الدفع بجهود ترمي إلى تخفيف الضجة المتنامية بخصوص نشاطات طهران النووية.

الخلاصة.
ليس من شك في أن إيران مصرة على إكمال برنامجها النووي بالرغم من اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية، وترى في ذلك وسيلة من وسائل تأكيد مكانتها الإقليمية، وفي أطر سيادتها القومية .. وفيما يتعلق بتركيا، فمع أنها تدعو إلى إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط إلا أنها تسعى من أجل إبعاد البرنامج النووي الإيراني عن طبيعته العسكرية وتحاول تشجيع إيران على الاستفادة من هذا البرنامج لأغراض سلمية لأن البرنامج النووي الإيراني إذا ما كان ذا طبيعة سلمية فعلى الأرجح، كما يقول الدكتور رياض الراوي. أن لا يكون له تأثير على هذه المنطقة، بل على العكس من ذلك، فربما يشكل في هذه الحالة، لاسيما إذا كان الهدف من هذا البرنامج هو حقاً لتوليد الطاقة الكهربائية، على وفق وجهة النظر الإيرانية، عاملاً يفضي إلى بناء نوع من علاقات التعاون بين دول المنطقة عندما يصدر الفائض في هذه الطاقة إلى الدول المجاورة، التي تعاني نقصًا منها، أو عن طريق الاشتراك بمنظومة ربط للطاقة الكهربائية مع دول من منطقة الشرق الأوسط. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن عدم وضوح الصورة الحقيقية للبرنامج النووي الإيراني، وعدم اكتماله في جوانبه الفنية، فضلاً عن استمرار الشكوك حول أهدافه يجعل من أي آثار يمكن أن يخلفها أمرًا مستقبلياً غير محدد الملامح، مما يبقي الاحتمالات مفتوحة على نهايتها، بالرغم من أن هذه الاحتمالات ستكون مرتبطة بالمتغيرات الإيرانية الداخلية والمتغيرات التي يمكن أن تحصل في بيئة إيران الخارجية، إقليميًا ودوليًا.

إن إسرائيل، التي ترتبط مع تركيا في تحالف استراتيجي، لا تزال ترى أن تركيا يمكن أن تعلب دورًا كابحاً للتهديدات الإيرانية، وقد أكدت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية في 28 مايو 2006 ذلك، عندما ناقشت في مستهل زيارتها لأنقرة البرنامج النووي الإيراني .. ولم يخف الأتراك حقيقة أنهم لا يمكن أن يكونوا في موقف منعزل عن موقف دول الاتحاد الأوروبي، خاصة وإنهم يسعون من أجل الانضمام إلى هذا الاتحاد منذ زمن بعيد وكما يقول احد المراقبين فإن الموقف التركي سيكون، على الأرجح، منسجماً ومتناغماً مع موقف الاتحاد الأوربي من امتلاك إيران للسلاح النووي، ويحرص الأتراك على الابتعاد عن أي تعارض أو تقاطع عن أي قرارات قد يتخذها الأوربيون حيال هذا البرنامج، مثل فرض عقوبات اقتصادية وسياسية من خلال مجلس الامن على تركيا، وكما أن تركيا، مقارنة بموقفها من الحرب على العراق في ربيع عام 2003، قد لا تبني أو تعدم رد الفعل الأمريكي، لاسيما إذا ما قررت الولايات المتحدة استخدام القوة ضد إيران، إلا ربما في حالة حصول تحالف عسكري دولي تشترك في صنعه دول الاتحاد الأوروبي أو تعدم قيماه ويحظى بالشرعية الدولية .. ولعل الأرجح فإن تركيا كذلك سوف لن تبدي أية تسهيلات أو دعم لعمل عسكري ربما تقوم به إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية أو مرتكزات البنى التحتية الإيرانية، تجنباً لردود الفعل الشعبية التركية والرأي العام العربي والإسلامي .. وربما من المهم أن تنظر تركيا إلى السلاح النووي الإيراني بوصفه نوعاً من التهديد لأمنها القومي، ولذلك فإنها سوف تؤازر الدعوات التي تهدف إلى جعل منطقة الشرق برمتها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

المراجع:

1- المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية – لندن (التوازن العسكري 2003 – 2004)
2- الواشنطن بوست.
3- مفكرة الاسلام.
4- الجزيرة نت.
5- جرو سلام بوست.
6- مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية.
7- منتديات البسالة ( البحوث والدراسات) . dad1961
8- منتديات البسالة للدراسات الاستراتيجية.الباسل.
9- سى ان ان عربى.
10- تقرير واشنطن انجليزى.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس