عرض مشاركة واحدة

قديم 12-09-09, 09:30 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

مباغتة غير مبررة


"اذا تصورنا ان بعض هذه البحوث التي كانت تجري بسرية والتي من شأنها ان تطور عمل سلاح معين خاص بالبيئة مثلما جرى قبل تفجير الذرة بصورة سرية ، فان نتائجها يمكـن ان تفاجئ البشر مثلما حدث في [هيروشيما] وناكازاكي، وهنا علينا ان نعود مرة ثانية لنؤكد ان الزمن يحمل بين طياته الكثيرمـن المفاجئات".



القاءالقنبلتين النوويتين الامريكيتي.

لم تكن المعلومات عن استخدامٍ حربي لمعدن (اليورانيوم المنضب) مشاعة للجميع حتى عقب انقضاء الحرب الأمريكية على (العراق) في الثامن والعشرين من شباط/فبراير 1991. لقد دارت معارك طاحنة بين دبابات (الحرس الجمهوري) ودبابات (الفيلق السابع) الأمريكي في اراضٍ مسالكها صعبة ووعورتها مُتعبة. وتضافرت جهود رجال الدبابات العراقية مع صعوبات تلك الأرض التي صارت (أرض قتل) لعدد كبير من الدبابات الأمريكية في حرمان الدبابات الامريكية من الاندفاع خارج ذلك الحيّز الذي تجاهل الإعلام المسخر أمريكيا ما يدور فيه من معارك، وسلّط الأضواء والكاميرات بدلا عن ذلك على دبابات عراقية في ساحات أخرى من المسرح وهي مصابة إصابات غير مألوفة. وعموما فهي الحرب، لذا لم يكثر احد من طرح الأسئلة عن أسباب وكيفية حدوث تلك الإصابات غير المألوفة والتفحم غير المفهوم الذي أصاب الرجال داخلها عقب حرائق اشد تأثيرا من تلك التي اعتادت أسلحة مقاومة الدبابات إشعالها من قبل.وبعيدا عن ساحات القتال، فان المنشآت المدنية، وحتى السكنية تعرّضَت لموجة من الصواريخ البالستيقية، خاصة في اليوم الأول للحرب، أي يوم 17كانون الثاني/يناير1991، كان تأثيرها اشد من تأثير صواريخ أخرى مماثلة لها في أماكن أخرى. لقد كان الراهب (بنيامين) متواجدا في (بغداد) لحضور ندوة عن اليورانيوم المنضب في كانون الاول/ ديسمبر1998عندما قصفت (القوات الامريكية) العاصمة (بغداد) وعموم مدن (العراق) بالصواريخ (كروز- توما هوك) في السابع عشر من الشهر المذكور، فذهب الراهب في نفس اليوم إلى اماكن مقصوفة كما يقول: (وكان معي شخصان المانيان استطاعا ان يأخذا قطعة من الصاروخ تمكنا من تحليلها في عمان يوم 20 كانون الثاني/يناير وبعثا لي بفاكس ليعلماني انها مشعة. وقاما بتحليلات اخرى في ألمانيا أكدت التحليل الأول). وعلى الرغم من ان ملجأ(العامرية) صمم في الأساس ضد تأثيرات الأسلحة النووية، إلا ان اختراقه بسهولة بواسطة (قنبلتين صممتا خصيصا خلال ثلاثة أسابيع في كاليفورنيا) ليتحول جوفه إلى أغرب فرن عرفته الحروب، حرقت نيرانه أجساد ما ينيف على أربعمائة من الأطفال والنساء اللائذين بهذا المكان المحصن هربا من مشاهد الذعر والهلع التي سبّبها قصف مدينتهم الذي كان مستمرا منذ قرابة شهر من ذلك الوقت، لم يميز خلاله الأمريكيون بين حي سكني أو منشأة عسكرية، امر لم يستوقف المحللين والمراقبين وقتئذ ، فالغاية المتوقعة من قبل حشد المحللين وجمهور المراقبين تتمثل في الرغبة الامريكية في إحداث رعب غير مسبوق بمثيل.

لقد كان ذلك الفعل غير عادي في شدته وتأثيراته، وظن بعض قصيري النظر من المحللين والمراقبين، انه ناجم عن التطور التقني الكبير الذي بلغته (الولايات المتحدة)، ويصف(أليس بسريني) في كتابه (العراق-مؤامرة الصمت) تينك القنبلتين الآثمتين اللتين استهدفتا ملجأ(العامرية) لتقتلا الحشد الكبير من النساء والاطفال بقوله(المهم هو وزن الشحنة المتفجرة وطبيعتها، إنها تدخل مثل أبرة رفيعة. تحتاج القنبلة إلى اقل من واحد بالألف من الثانية للنفاذ عبر الاسمنت). فما طبيعة تلك الشحنة؟ ذلك هو السؤال الذي لم يكن قد تكوّن بعد في ذهن احد من المتابعين للحرب ووقائها ونتائجها، وببساطة فان أحدا لم يفكر بطرحه وقتذاك، مكتفين بما اسلفنا من تعليل يذهب إلى ان الرقي التقني الامريكي وراء ماحصل وليس غير ذاك ثمة تفسير متيسر.

تقول (لينورا فورستيل) إن (صواريخ اليورانيوم المنضب التي أطلقتها الطائرات الأمريكية تمكنت من اختراق طبقات الخرسانة في الملجأ وقتلت جميع من فيه من النساء والأطفال).

ولكن، وقتها لم يكن احد يستطيع الادعاء بمعرفة ما حصل، ولمدة عدة سنوات كانت نتف المعلومات تتطاير، فليس ثمة مهتم بجمعها ورصفها نتفة جنب أختها ليُخرِجَ من هذا التجميع والرصف استنتاجا ذا قيمة عالية.

إن من أهم تلك النتف، ماعثر عليه الدكتور (سينوارث هورست غونتر) خلال جولاته في عموم القطر عقب وقف إطلاق النار بأيام قلائل (بداية شهر آذار/مارس 1991)والمتمثل بقذائف غريبة الشكل والوزن، فهي كما يصفها الرجل(لها شكل وحجم السيجار، وكانت ثقيلة بصورة غير اعتيادية).

وعندما عاد (غونتر) إلى (ألمانيا)، حرص على استصحاب واحدة من تلك الاطلاقات المتميزة لأغراض الذكرى. وفي مطار (برلين) بدأت المشاكل، فان أجهزة التحسس والاستشعار المزروعة في المطار أنذرت رجال الأمن بانطلاق إشعاعات خطيرة من حقائب الرجل القادم من (العراق)، لذا فوجئ بفصيل كبير من رجال الشرطة يهاجمونه، ثم قاموا بالاستيلاء على تلك القذيفة التي احتفظوا بها في صندوق خاص.

لاحظ (غونتر) الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف بتهمة (خرق قانون الطاقة الذرية) وشرعت الشرطة بالتحقيق معه، ان كل فصول تلك العملية محاطة بإجراءات أمنية مشددة. وعندما قُدِّم إلى المحكمة، كان إصدار قرارٍ بإدانته أمرا سهلا لتوفر الدليل المادي ضده، وكان الحكم يضمن الزامه بدفع (غرامة مالية) ومصادرة القذيفة (المحرّمة).

رفض الدكتور (غونتر) الحكم لعدم قناعته به ما استوجب حبسه، ولكن حبسه كبقية فصول القضية لم يكن اعتياديا، فالرجل العجوز تعرّض إلى إزعاج كبير نجم عن تعمد نقله إلى أكثر من معتقل كان آخرها في (هامبورغ) حيث أعلن الإضراب عن الطعام احتجاجا، واستمر صائما محتجا خمسة وعشرين يوما.

وبصرف النظر عن نوع الجريمة والعقاب، تقرر وبشكل غير مألوف قطع راتبه التقاعدي وحرمانه من ضمانات التأمين الصحي، بينما عاقبته جهات مجهولة عقوبات اشد قسوة وتأثيرا تمثلت بمختلف انواع التهديدات تولد عنها (توتر مستمر) فرض على الرجل المسالم ما سبب له خوفا من الخروج ومغادرة المنزل الذي تعرض لكسر زجاج النوافذ أكثر من مرة.

ولاحتمال تعرضه إلى اعتداءات، مع تقاطر الرسائل بذيئة الكلام ضمن بريده الشخصي، واستمرار إسماعه أناشيد نازية كجزء من عمليات التهديد والازعاج، فقد افتقدت اسرته الجرأة على زيارته في سجنه البيتي

ولما كانت القذيفة القادمة من (العراق) والتي تعد (أم المشاكل)، قد صادرتها شرطة مطار (برلين) ونقلتها بطرق واساليب مريبة، فقد استقر بها المقام على مناضد مختبرات مختصة، وعمل على فحصها البروفيسور (كانتو) الاختصاص في علوم البيئة. وكانت نتائج الفحص المختبري قد أظهرت إنها ذات نشاط إشعاعي وسمّية عالية. ولأهمية الأمر، فان من الضروري الإصغاء إلى الدكتور (غونتر) وهو يتحدث مكملا بقية القصة المرعبة: (قمت بالبحث بالاشتراك مع جامعة همبرت في هامبورغ وجامعة شاريتي والجامعة الفنية في برلين، وذهل جميع أعضاء هذه المؤسسات وقلقوا جدا: ان هذه القذيفة سامة ومشعة، أين وجدتها؟ وعندما ذهبت إلى جامعة برلين وشرحت لهم هناك إنني اكتشفت هذه القذيفة في العراق والمقصود منها شظايا القذائف المستخدمة من قبل الحلفاء، وبّخَني احدهم: كيف تستطيع القول ان الحلفاء استخدموا هذه القذائف، بما إنها إشعاعية جدا، انه من الحمق قول ذلك!! ثم طردوني، ورجعت إلى بيتي والقذيفة معي. وعندما عدت لملاقاتهم الاثنين التالي بناء على طلبهم، وجدت نفسي أمام عدد كبير من رجال الشرطة الذين أرادوا اعتقالي بسبب عدم تحفظي على القذيفة ولما تسببه من اشعاع. عادوا ثانية يرتدون ملابس وأحذية عازلة مع حاوية خاصة لحمل القذيفة إلى خارج مدينة برلين.طلبت منهم إيصالا وسلموني إياه حيث يذكر هذا الايصال كمية الإشعاع ونوع المادة السامة التي تحويها القذيفة).

ولما كانت متابعة رحلة القذيفة وحاملها ذات دلالات خطيرة ومنافع استنتاجية، فلا بأس من التعرف على فحوى الإيصال، فهو يقول إن(القدرة الإشعاعية لتلك القذيفة هي 11 ميكروسفير/ساعة) ولمعرفة خطورة هذه النسبة فان الدكتور(غونتر) يقول(في ألمانيا يبلغ الحد الأعلى المسموح به 300 ميكرو سفير/ساعة في حالات العرض. فاذا قسمنا 300 على 11 نحصل على[2 ,27] ساعة بالنسبة إلى قذيفة واحدة. وهذا يعني بالنسبة لتلك القذيفة انك تحصل على الجرعة السنوية في يوم واحد، واني شاهدت الأطفال في العراق يلعبون بإثني عشرة قذيفة).

لقد قرر الدكتور(غونتر)العودة إلى(بغداد) رغبة في التحري والبحث في هذه القضية، بعد ان توضحت أمامه صورة الاستخدام غير المرخّص لمواد سامة ومشعة في تلك الحرب. كان ذلك البحث والتحرّي أحد وسائل الكشف المبكر عن إصابات بين المواطنين بأمراض لم تكن مشخصة في (العراق) حتى ذلك التاريخ خصوصا وان(غونتر) طبيب عمل طويلا في (العراق) طبيباً واستاذاً، إذ من شأن تلك الأمراض أحداث خلل في وظائف الكلى والكبد، الامر الذي دعاه إلى مراقبة مجاميع الأطفال الذين يلعبون بمخلفات الحرب، فقد لاحظ مجددا أطفالا بعمر الورود يلعبون بقذائف من النوع الذي أدخل الرعب والهلع على سلطات مطار(برلين)، وسارع إلى تثبيت بعض الأمور عن مثل تلك المشاهدات في دفتر ملاحظاته الشخصي، من بينها أسماء وعناوين الأطفال الذين ظل يراقبهم بانتظار ما سيحل بهم، وسرعان ما شطب على اسم أحدهم، فقد مات باللوكيميا. كان ذلك دافعا قويا له للتنبيه من خطورة الوضع فكتب بحثا بعنوان(سيجار اليورانيوم يقتل أطفال العراق) نشره في جريدة (نيوس دويتشلاند) الصادرة يوم 16تموز/يوليو1992.

وفي بحث لاحق، توصل الدكتور (غونتر) إلى إيجاد علاقة رابطة بين أمراض تفشت بين أطفال (العراق) اللاعبين بالقذائف ذات السمية والإشعاع ممن يحفل دفتر ملاحظاته بأسمائهم وأمراض ظهرت بين أشخاص يسكنون قرب موقع ضرب فيه الطيران الأمريكي قافلة للإغاثة على طريق (عمان- بغداد) خلال الحرب.

لقد أفضى هذا الاهتمام المبكر بالموضوع صفة (الريادة) على أبحاث وجهود الدكتور (غونتر) في مجال فضح الاستخدام المشين لهذا النوع من العتاد من قبل القوات الأمريكية في الحرب التي شنتها على (العراق) في مطلع عام 1991.

ثمة نتفة وثائقية مهمة أخرى وهي بضع فقرات تسربت من تقرير سري أعدته في نيسان /ابريل1991 (بعد شهر ونيف من توقف الحرب) منظمة الطاقة النووية البريطانية (UKAEA)، United Kingdom Atomic Energy Authority وحصلت عليه جريدة(اندبندت)التي نشرت حصيلتها من تلك الفقرات في عددها الصادر في (تشرين الثاني / نوفمبر)من العام ذاته، وقد ذكرت ان(40) طنا من المخلفات المشعة والغبار قد تسبب في نصف مليون حالة وفاة في (العراق). فكيف إذا علمنا إن الكمية الحقيقية (300-350) طن وليس (40) كما ذكرت الجريدة؟

وبرزت نتفة ميدانية مبكرة متمثلة باحتراق (650-700) قذيفة دبابات من هذا العتاد في قاعدة(الحصان الأسود)الأمريكية في منطقة(الدوحة) شمال مدينة (الكويت) يوم 11تموز/يوليو1991، واستمر الحريق إلى اليوم التالي، كان ثاويا في تلك القاعدة المنكوبة جنود اللواء المدرع الحادي عشر الأمريكي (3500جندي وضابط) وسرية من الجيش الاﻨﮕﻠﻴﺯي وعناصر من جنسيات غيرهما.

لقد وقف وزير العدل الأمريكي الأسبق (رامزي كلارك) أمام ممثلي وسائل الإعلام ليعلن للعالم اجمع في مؤتمر صحفي عام 1993 ان (الادارة الأمريكية) استخدمت في حربها على(العراق) عتادا مصنوعا من اليورانيوم المنضب، وان الأطباء العراقيين يواجهون حالات مرضية لم يفهموها، ما حفّزَ الباحثين على تحري حقيقة الامر.

وكان لتفشي حالات مرضية غريبة بين الجنود الأمريكان المشاركين في العمليات الحربية عقب عودتهم إلى ذويهم أثر يشبه ناقوس الخطر، وعندما تم إخضاع بعض أولئك الجنود للفحوصات الطبية في وقت مبكر منذ العام 1991كما حصل مع الممرضة(العريف كارول بيكو)التي ظهرت عليها الأعراض قبل مغادرتها مسرح العمليات في جنوب(العراق).

وعندما بدأت أعراض مرضية غريبة تظهر على عشرات الألوف من جنود دول حليفة شاركوا في الحرب (إﻨﮕﻠﻴﺯ وفرنسيون واستراليون وكنديون ومصريون وسوريون) وغيرهم، فقد بدأ ظرف جديد يتسم بالشك والريبة، يتشكل في الأفق يتعارض مع رغبات(الادارة الأمريكية) في هذا الشأن، ومن بين افرازات ذلك كله تأسيس عدد كبير من المنظمات غير الحكومية التي تستهدف شجب هذا لاستخدام أو المطالبة بحقوق ضحاياه، ومنها(شبكة المواطنين المناهضين لليورانيوم المنضب) التي بدأت بممارسة أعمالها منذ العام 1992.

وفي (امريكا) كان (داماسيو لوبيز) وهو باحث مكسيكي الاصل يسكن ولاية(نيو مكسيكو) منشغلا بالاكتشاف الذي اكتشفه والمتعلق باستخدام احد الجبال بالولاية (قرب مدينة البوكركي) ميدانا لرمي اعتدة سرية، توصل في النهاية بعد بحث مضن ومحاولات مكثفة، إلى انها مصنوعة من اليورانيوم المنضب ولم يمنعه حادث الاعتداء عليه بالضرب المبرح من قبل مجهولين والقاءه غائبا عن الوعي على قارعة احد الطرق، من استكمال بحثه وتقصّيه حقيقة الامر، فاستطاع عام 1993نتيجة جهده الفردي الحثيث الذي استغرق سنوات طوال انجاز كتاب بعنوان(ميادين رمي اليورانيوم المنضب). لقد كان هذا العام بالذات موعد ايقاف التجارب التي استمرت اكثر من عشرين سنة في ذلك الميدان ولا اظن ان صدور ذلك الكتاب هو السبب في ايقاف تلك التجارب.

في ذات الوقت، كان الخطاب الإعلامي العراقي سبّاقا في استثمار وتوظيف حالة الارتباك الاجتماعي التي أصابت المجتمع الأمريكي جراء ظهور أعراض أمراض غامضة تُرَدّ جميعا إلى اصل واحد هو استخدام القوات الأمريكية لعتاد اليورانيوم المنضب مما تسبب في إصابة حوالي خُمس القوات المشاركة بالعمليات بأعراض الأمراض الغامضة، والتي أطلق عليها اسم (مرض لعنة العراق) أو (لعنة الخليج).

وكان من بين الجهد التوثيقي العراقي في هذا المجال قيام وزارة الخارجية بتكليف السفارات العراقية في عموم دول العالم بجمع المعلومات المتيسرة عن اليورانيوم المنضب. وعقب إفتضاح امر هذا العتاد وتفاقم خطره لجأت الادارة الأمريكية إلى الاعتراف بوجود (إصابات محدودة) بأعراض مرض أطلق عليه اسم (مرض الخليج) بعد ان عزت سببه إلى استخدام اعتدة اليورانيوم المنضب وكان ذلك اعترافاً رسمياً يؤسَّس عليه الكثير، فما هو اليورانيوم المنضب؟. اليورانيوم في الطبيعة عنصر صلب اسود يوجد على شكل معدن ثقيل يجري استخلاصه من الأرض خلال التعدين.

عرف الأوروبيون هذا المعدن منذ ما ينيف على ثلاثة قرون من الزمان فاستخدموه في صناعة الأبواب المحكمة استثمارا لصلابته وثقل وزنه، فكثافته(19) الف كغم/م3(أي ضعف ماهو عليه الرصاص)!.

وبالاستفادة من خبرات العلماء الذين خدموا البرامج النووية الألمانية وهربوا إلى (أمريكا)، فقد استطاعت هذه الأخيرة صنع قنبلتين ذواتي خصوصية فائقة، ألقيت الأولى على (هيروشيما) في 6 آب/ أغسطس1945بواسطة قاذفة قنابل (B 29) تعتمد في تفجيرها على نظير اليورانيوم 235 بتركيز 7% لليورانيوم الطبيعي (25 كغم يورانيوم طبيعي) فقتلت (78) الف مواطن ياباني.

وفي التاسع من الشهر نفسه استهدفت قاذفة قنابل أمريكية أخرى مدينة(ناﮔﺎزاكي) بقنبلة ثانية حوت على كيلو غرام واحد من نظير بلاتونيوم 239 وأحدث القاؤها إنفجارا قويا يماثل قوة التفجير السابق، أي بقوة(5, 22)كيلو طن وهذا يعادل انفجار (1000طن) من مادة (TNT))، فقتلت (39) ألفا من سكان تلك المدينة المستهدفة. وعقب القاء تينك القنبلتين استسلمت (اليابان) وانتبه العالم إلى حجم الكارثة التي تنجم عن استخدام هذا النوع من الأسلحة التي أساسها اليورانيوم.

إن إنتاج قنابل نووية من النوعين الذين عاقبت بهما (الولايات المتحدة) المدينتين اليابانيتين والتي يدخل اليورانيوم في تصنيعها، يستلزم القيام بعمليات معقدة جدا يُخصّب خلالها اليورانيوم الخام لاستخلاص نظير اليورانيوم (235) ذي النشاط الإشعاعي العالي، الذي يؤلف المادة الأساس للقنبلة، وهو الذي يُستخدم إضافة لذلك وقودا للمفاعلات النووية، وان الكمية التي تحوَّل لهذا الغرض صغيرة جدا لا تكاد تتجاوز نسبة 2%من مجموع العنصر الخام الخاضع للتخصيب، وبهذا تكون فضلات (نفايات) هذه العملية كميات كبيرة جدا، استخلص منها النظير المطلوب وخف نشاطها الإشعاعي، إلا إن خطورة تلك النفايات على البيئة والإنسان بشكل خاص تبقى قائمة، فعمر النصف له يبلغ (4,5) بليون سنة.

ولإنتاج نظير البلوتونيوم الذي استخدم في تفجير قنبلة (ناﮔﺎزاكي) فان اليورانيوم المنضب يعالج داخل المفاعلات ثانية بقصفه بالنيوترونات فيتحول إلى نيتونيوم ومن ثم إلى بلوتونيوم الذي يدخل في صناعة هذا النوع من الرؤوس النووية.

وعلى الرغم من تلك التقانة التي يستخلص بموجبها البلوتونيوم من النفايات التي تعرف باليورانيوم المنضب فان تلك النفايات تبقى تشكل كميات هائلة ما جعل الدول ذات القدرات النووية تبحث عن اماكن تطمر فيها تلك النفايات، فمثلا، نجد ان مخزون (الولايات المتحدة) وحدها من اليورانيوم المنضب بلغ حتى مطلع عقد الثمانينات من القرن المنصرم (عقب قرابة نصف قرن من عمليات التخصيب) ما يربو على نصف مليون طن، تكدست في مواقع الخزن في عموم اراضي(الولايات المتحدة الأمريكية)، ولم يعمل على تقليل ذلك الفائض من النفايات استخدام بعضها في إنتاج القنابل الهيدروجينية التي يدخل اليورانيوم المنضب في الحلقة الأخيرة من سلسلة اشتغال آليتها.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس