قبل 8 أشهر من سقوط نظام الأسد في سوريا، كانت إيران على موعد مع ضربة موجعة للغاية في قلب دمشق، حينما
أقدمت إسرائيل على استهداف قنصلية طهران في
دمشق. أدى الاستهداف إلى مقتل قائديْن في الحرس الثوري هما محمد رضا زاهدي، أحد قادة فيلق القدس البارزين، ومساعده العميد محمد هادي حاج رحيمي، و5 مستشارين عسكريين آخرين.
شكَّل اغتيال زاهدي صفعة لطهران، فقد كان الرجل أحد أبرز قادة الحرس الثوري المكلفين
بسوريا ولبنان، وأحد المسؤولين عن ملف التسليح والتنسيق مع
حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة، لذلك كانت تصفيته ثاني أكبر ضربة تتلقاها إيران منذ اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق
القدس السابق، في
بغداد مطلع عام 2020 على يد
الولايات المتحدة الأميركية.
بعد هذا الحادث تغيرت قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل، إذ خرج آية الله علي خامنئي معزيا ومتوعدا بالثارات، فيما اعتبرت
هيئة البث الإسرائيلية هذه الضربة بمنزلة رسالة مباشرة إلى
حزب الله اللبناني. فالجيش الإسرائيلي كان دقيقا في هذه العملية، إذ انتظر خروج القنصل الإيراني قبل القصف بناء على عمليات استخباراتية دقيقة. ونتيجة لذلك، قصفت إيران إسرائيل لأول مرة بالصواريخ والمسيرات في عملية أطلقت عليها "
الوعد الصادق".
لم يستمر التصعيد، لكن الإستراتيجية الإسرائيلية في استهداف رجال طهران المهمين وقادتها البارزين تواصلت بدموية شديدة. ففي 27 سبتمبر/أيلول 2024، أسقطت إسرائيل 80 قنبلة ثقيلة خارقة للتحصينات فوق مبنى في حيّ حارة حريك يحتوي على مقر أرضي تابع لحزب الله. تسبب هذا الهجوم في تدمير المبنى كاملا، وأسفر عن قتل أكثر من 30 شخصا، كان أبرزهم حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، ولعله أهم قيادات ما يُعرف بمحور المقاومة، وألد أعداء إسرائيل.
ومع "نصر الله"، فقدت
إيران رجلا مهما آخر لم يُسلط الضوء كثيرا عليه، وهو اللواء عباس نيلفوروشان، الرجل الثاني للحرس الثوري في لبنان، والقائد عمليا لفيلق القدس هناك. فيما بدا أنه مواصلة لرغبة
إسرائيل في تصفية الجيل الرابع من قادة الحرس الثوري، لكن ما الجيل الرابع؟
لنعد قليلا إلى الوراء لنرسم صورة أكثر وضوحا حول الحرس الثوري وأجياله السابقة حتى نفهم موقع المؤسسة اليوم.
بدأ تشكيل الحرس الثوري أو "حرس الثورة الإسلامية" في الثاني من أبريل/نيسان عام 1979 بأمر مباشر من آية الله الخميني، كانت نواة الحرس الأولى من مجموعات ثورية شبابية تعمل على حماية وتأمين بعض المناطق والأحياء في مواجهة قوات الشاه، ثم بعد ذلك أضحت هذه المجموعات مسؤولة عن أمن الإمام الخميني وتلبية احتياجاته بعد استقراره في المدرسة العلوية.
تختلف الروايات حول الفترة الأولى التي جرى فيها تشكيل الحرس الثوري، بيد أن الباحثة فاطمة الصمادي، المتخصصة في الشأن الإيراني،
تقول إن المرجح أن لجنته التأسيسية الأولى تكونت من 12 شخصا، بعد أن كان الخميني قد أصدر قرارا بتكليف حجة الإسلام لاهوتي بتشكيل هذه المؤسسة، وكان الهدف واضحا، لم يكن الخميني يثق تماما في الجيش، لذلك كان يريد العمل على تشكيل جيش ثانٍ، منافس للجيش النظامي، جيش يتكون من شباب مؤمن بالثورة في الوقت الذي يجري فيه تطهير الجيش الإيراني من مؤيدي الشاه.
لذلك كان أعضاء الحرس الثوري الأوائل من الشباب المتدين، الذين جُندوا بسرعة لحماية المسار الثوري. وخلال عام واحد، توسعت مهامهم لتشمل الاستخبارات ومكافحة التمرد والتلقين الأيديولوجي. وفي أوائل الثمانينيات، أصبحوا جيشا موازيا ينفذ مهام أمنية وعسكرية كبرى.
تذكر فاطمة الصمادي أن أول اجتماع لأعضاء من المجموعات الثورية كان قد جرى في 28 مارس/آذار 1979، في قاعدة "عباس آباد"، خلال هذا الاجتماع اختير "علي دانش منفرد" أول قائد للحرس الثوري قبل تدوين نظامه الأساسي، حسب ما جاء في مذكرات محسن رفيق دوست وزير الحرس الثوري السابق، وبجانب علي دانش، اختير غلام علي أفروز مسؤولا للموارد البشرية، وعلي محمد بشارتي مسؤولا للاستخبارات، ومرتضى الويري مسؤولا للعلاقات العامة.
بعد صياغة النظام الأساسي للحرس الثوري، اتُّفِق على أن هذه المؤسسة تعمل تحت إشراف المجلس الثوري على أن يُنَصَّب قائد هذا الجهاز من قِبل المرشد الأعلى مباشرة، وشمل مجلس
الحرس الثوري 12 عضوا ذُكرت أسماؤهم في وثيقة النظام الأساسي، وبينهم يرد اسم أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس لاحقا، باعتباره ممثلا لمجلس الثورة.