عرض مشاركة واحدة

قديم 22-10-24, 10:20 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شرعية مختطفة
لقد تأسست الأرضية الثورية التي خرجت منها حركة النفس الزكية وما تلاها من تحولات كبرى -بحسب المؤرخ ابن الطقطقي- في "ذيل (= نهاية) دولة بني أمية"، خصوصا بعد انتكاسة ثورة الإمام زيد بالعراق وابنه يحيى بخراسان، وقبلها تعثُّر حركة الإمام الحسين؛ وهي كلها حركات تركت أثرا غائرا في نفوس بني هاشم من الطالبيّين والعباسيين، ودفعتهم إلى التفكير في سبل مواصلة هذا المسار الثوري "السلفي" الممتد.
وطبقا لما يورده ابن الطقطقي؛ فقد عُقد اجتماع للهاشميين بمكة في نهاية ولاية آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد (ت 132هـ/751م)، وحضره "أعيان بني هاشم علويّهم وعباسيّهم، فحضره من أعيان الطالبيين: الصادق جعفر بن محمد...، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت 144هـ/762م)، وابناه محمد «النفس الزكية» وإبراهيم قتيل باخَمْرَى (= بلدة كانت بين البصرة والكوفة)، وجماعة من الطالبيين. ومن أعيان العباسيين: السفاح والمنصور، وغيرهما من آل العباس".
فهذا الاجتماع التاريخي تولدت عنه ملامح التحولات الكبرى التي قُدِّر لها أن ترسم التاريخ السياسي لأمة الإسلام طوال القرون اللاحقة. وكان مبعث الاجتماع شدة وطأة الواقع الذي تعيشه الأمة والضيق الذي مرّ به الهاشميون فـ"تذكروا حالهم وما هم عليه من الاضطهاد، وما قد آل إليه أمر بني أمية من الاضطراب، وميل الناس إليهم (= الهاشميين) ومحبتهم لأن تكون لهم دعوة، ثم قالوا لا بد لنا من رئيس نبايعه"!
ويضيف ابن الطقطقي أن الهاشميين أجمعوا أمرهم "فاتفقوا على مبايعة «النفس الزكية» محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن...، وكان من سادات بني هاشم ورجالهم فضلا وشرفا وعلما..، إلا الإمام جعفر بن محمد الصادق فإنه قال لأبيه (= النفس الزكية) عبد الله المحض: إن ابنك لا ينالها -يعني الخلافة- ولن ينالها إلا صاحب القَباء (= القفطان) الأصفر، يعني المنصور وكان على المنصور حينئذ قَباء أصفر. قال المنصور فرتبتُ العمالَ (= مسؤولي حكومته) في نفسي من تلك الساعة! ثم اتفقوا على مبايعة النفس الزكية فبايعوه ثم ضربَ الدهرُ ضَرْبَه، وانتقل المُلك إلى بني العباس"!!
والواقع أن ما حصل لم يكن ضربة عشواء من الدهر، بل خطة محكمة من بني العباس الذين سايروا كل الجماعات الثورية التي كانت تقاربت صفوفها في نهاية الدولة الأموية. ثم تمكنوا من توجيه مسار الثورة أو "اختطافها"، وتسيير حراكها نحو قواهم المتحفزة في خراسان التي كانت رهانهم الأكثر ذكاء من ناحية الجغرافيا السياسية.

وقد صدق حدس الإمام جعفر الصادق الذي كان يرى مآلات التغيير وتبدل العصبيات نحو العباسيين، وأدرك أن موازين القوة ليست في صالح النفس الزكية وفريقه، كما لم تكن في صالح الإمام زيد من قبله، ولذا رفض الانخراط في ثورة أبصر نتائجها الخاسرة.

وقد يكون من أسباب رفض جعفر الصادق مبايعةَ النفس الزكية تحفُّظُه على أهليته وهو قائد الثورة المقدَّم للخلافة، خاصة أنه نظير له في السن بما يعنيه ذلك من تأثير المعاصرة وحجبها للمناصرة بين الأقران، ولعل ذلك ما قصده جعفر الصادق حين خاطب والدَ النفس الزكية قائلا: "إنك شيخ، وإن شئتَ بايعتُك، وأما ابنُك فوالله لا أبايعه وأدعك"؛ حسب رواية الأصفهاني.
بل إن الذهبيّ يقول -في ‘تاريخ الإسلام‘- عن موقف جعفر من ثورة النفس الزكية إنه لم يكتف بعدم تأييدها، بل كان يثبّط عنها كلَّ مَن أراد الالتحاق بها من أهل بيته و"يقول له: هو والله مقتول"!! وحين اندلعت أحداث الثورة "اختفى جعفر الصادق وذهب إلى مالٍ له بالفُـرُع (= بلدة كانت تابعة للمدينة) معتزلا للفتنة"، مع أنه حينها كان "سيدَ العلويين في زمانه"؛ وفق تعبير الذهبي في كتابه ‘العلوّ للعلي الغفار‘. وربما قصد الذهبي هنا أن جعفرا كان سيد الفرع الحسيني من العلويين، لما قدمناه من أن سيد الهاشميين بإطلاق أيامَها كان عبد الله المحض والد النفس الزكية.
ولعل هذا الاجتماع وما ترتب عليه من اتفاق هاشمي ثم وقائع انقلاب الفصيل العباسي عليه، يعطينا تفسيرا منطقيا لقسوة الصدام المروع الذي وقع بين أبناء الثورة الواحدة، ودارت وقائعه بين العلويين وأبناء عمومتهم من العباسيين، فقد شعر البيت الحسني بالخيانة والانقلاب على بيعة مبرمة واتفاق مشهود، ورأوا اختطاف ثمار المسار الثوري بعد أن كان العلويون طليعتَه وقادتَه، وهو ما عبر عنه النفس الزكية في مراسلاته مع المنصور: "الحقُّ حقُّنا، وإنما ادَّعيتم هذا الأمر بنا، وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا"!!
ومن جهة أخرى؛ فإن المنصور وشيعته كانوا يشعرون بأهليتهم لتولي الخلافة من حيث حقائق ميزان الشوكة وفاعلية الأداء الثوري، وأنهم هم الذين أخرجوا مشروع الثورة من حالة السيولة إلى وضعية التنظيم والتعبئة، ويتصورون أن ما تم من نجاحات أسقطت الأمويين كانت بسبب تجهيزاتهم الطويلة المدى، بل واستيعابهم للخسائر المريرة التي وقع فيها الهاشميون -بقيادة العلويين- في جولاتهم السابقة مع الأمويين، وأنهم لن يسمحوا بتكرار هزيمة الهاشميين مرة أخرى.
وفي تاريخهم الثوري السري دفع العباسيون أثمانا باهظة لم يكن أقلها كلفة ما عاشه كبار رجالاتهم من مطاردات أمنية أموية ضاغطة. ومن ذلك ما يفيدنا به الإمام ابن عساكر (ت 571هـ/1175م) -في ‘تاريخ دمشق‘- من أن شقيق المنصور إبراهيم بن محمد المعروف بـ"إبراهيم الإمام" (ت 131هـ/750م) ظل طوال إدارته للثورة العباسية "مختفيا عند رجل من أهل الكوفة قد حفر له نفقا في الأرض"!!
وقد بقي إبراهيم الإمام متواريا في نفقه السري حتى كشف أمرَه للأمويين أحدُ رجال دعوته كان من ضباط الارتباط بينه وبين القائد الميداني للثورة بخراسان أبي مسلم الخراساني (ت 137هـ/755م)، وعندها "وقف [الخليفة الأموي] مروان بن محمد (ت 132هـ/751م) على خبره، فوجّه إليه [جنوده] فأخذه وحبسه وقتله"!
كما كان للعباسيين تأويلهم الخاص في قضية شرعية الاستحقاق للخلافة بالنَّسَب النبوي والقرابة من صاحب الرسالة ﷺ، وهي مسألة ظلت حاضرة بين الثائرين من عموم الهاشميين من باب التوظيف السياسي وتعزيز الشرعية في قلوب جماهير العامة.
ولذا كان العباسيون يجادلون عن موقفهم بكون ميراث الخلافة حق شرعي أصيل لأبناء العباس عمّ النبي ﷺ وليس في أبناء فاطمة رضي الله عنها. وهو ما أبان عنه المنصور في رسائله الجوابية للنفس الزكية بقوله: "ولكنكم بنو بنته [ﷺ]، وإنها لقرابة قريبة ولكنها لا يجوز لها الميراث، ولا ترث الولاية ولا يجوز لها الإمامة، فكيف تورَث بها؟"؛ وفقا لرواية ابن الأثير.
وقد أجاد التعبيرَ عن تلك الحجة الفقهية "الفَرَضية" التي استمسك بها العباسيون شاعرُ بلاطهم مروان ابن أبي حفصة (ت 182هـ/798م) بقوله:
ما للنساء مع الرجال فريضة ** نزلت بذلك سـورة الأنعام
أنَّى يكون وليس ذاك بكائن ** لبني البنات وراثةُ الأعمام؟!

ولعل تصارع هذه السرديات والتأويلات، والتزاحم على تزعم الأرضية الثورية الذي وقع بين التياريْن الهاشمييْن، هو ما جعل الصراع المستجد بينهما مريرا وخطيرا؛ فقد قرر التيار العلوي -وخاصة فرعه الحسني- المواجهةَ، وردّ التيار العباسي بالفتك بهم والإيغال في قمعهم، فشقت الدولة العباسية طريق نشأتها وهي تحمل عبء هذا الصراع العائلي الذي ناءت به لاحقا، وأدى إلى ضعفها في نهاية المطاف جرّاء تصارع الأعراق والأجناس فيها وعليها، حتى فوجئوا -في عهد دولتهم الثاني- بالفاطميين وهم يهددون دولتهم، رافعين لافتة الانتساب إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
(المصدر: ميدجيرني)


احتواء مزدوج
ولما قامت دولة العباسيين وبويع أبو العباس السفاح أميرا للمؤمنين، وقد كان حاضرا في جلسة البيعة الشهيرة للنفس الزكية بمكة؛ لم يبرحه شعور القلق من التحركات التي يقوم بها البيت العلوي ممثلا في فرعه الحسني الذي ورث الحراك الزيدي.

وبالطبع كان السفاح مطلعا على مراحل الإعداد الثوري لهذا التيار، ومدرِكا لمطامح النفس الزكية وما له من أتباع في مختلف الأمصار، ولذا كان يستريب من غياب ولديْه الثورييْن محمد وإبراهيم عن الحضور إلى بلاطه، ومتشككا في نوايا والدهما عبد الله فـ"اشتد [السفّاحُ] عليه في طلب ابنيه، فقال: تغيبا فما أدري أين هما! فقال: أنت غيّبْتهما"؛ حسب الأصفهاني في ‘مَقاتل الطالبيين‘.
لكن السفاح لم يتعجل المواجهة مع الحَسنيين؛ فالظرف لم يكن يسمح بفتح جبهة حرب داخلية جديدة، إذْ الدولة في طور التأسيس ولا تزال التهديدات الأموية قائمة، بل إن الخلافات داخل البيت العباسي نفسه كانت مشتعلة على الأحقية في تولي الخلافة، فاتخذ السفاح سبيلا مرنا لاستيعاب الثورة الحسنية المتوارية، فكان يلوّح بعقوبة القتل في حال عدم استجابة الثائرين لبيعة العباسيين، ومن ذلك أنه خاطب عبدَ الله والدَ النفس الزكية وأخيه إبراهيم "فقال: أما إني لا أطلبه، والله ليُقتلنّ محمد وليُقتلنّ إبراهيم"؛ طبقا للبلاذري.

وفي المقابل؛ كان من أساليب الترغيب لدى السفاح أنه "خَصَّ عبد الله وواخاه (= آخاه) وآثرَه"، وقد قال له مرة: "يا أبا محمد! إني أرضى من ابنك محمد بأن يبايِع بالمدينة ولا يُشْخَص (= يحضر) إليّ، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أدري أين مستقرُّه"؛ كما يذكر البلاذري.

بل إن أبا العباس سعى لمصاهرة غريمه الثائر؛ فقد "زوّج محمدا ابنه زينبَ بنت محمد بن عبد الله" أي بنت النفس الزكية. كما حاول أن يقدم لأسرته بعض المكافآت والهدايا؛ فهذا عبد الله بن الحسن والدُ النفس الزكية "سمعه أبو العباس (= السفّاح) يقول: ما رأيت ألف ألف درهم (= اليوم مليونا دولار أميركي) قطُّ مجتمعةً! فدعا له بألف ألف درهم فوصله بها فقال: إنما أعطانا بعضَ حقنا"!!
ومع تولي المنصور الخلافة -إثر وفاة أخيه السفّاح- تغير الكثير من أساليب التدبير في الحكم فـ"أصّل الدولة وضبط المملكة، ورتّب القواعد وأقام الناموس (= النظام العام)"؛ وفقا لابن الطقطقي. ولكنه ظل على يقين من أن مواصلة أساليب أخيه لن تُجدي مع الثوار من أبناء عمه العلويين، فقرر المواجهة المفتوحة معهم بلا هوادة، وبذلك "كان المنصورُ أولَ من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين، وكانوا قبلُ شيئا واحدا"؛ وفقا للإمام جلال الدين السيوطي (ت 911هـ/1505م) في كتابه ‘تاريخ الخلفاء‘.
ومما شجع المنصورَ على فتح الصراع مع العلويين أن الدولة قد اتجهت نحو الاستقرار وقضت على معظم خصومها، حيث قام بتصفية تمرد القائد التاريخي للثورة العباسية أبي مسلم الخرساني، وحسم القلاقل التي كانت تهدد الدولة في جناحها الشرقي، وسيطر على تمرد عمّه عبد الله بن علي (ت 147هـ/765م) الذي كان له الدور الأكبر في تصفية آخر الخلفاء الأمويين.
وبالمجمل؛ فإن المنصور استوعب ما كان يسميه ابن الأثير بـ"الفتوق والأحداث" التي واجهت الدولة في زمن السفاح، ولم يبق أمامه سوى النقاط الثورية الملتهبة في مكة والمدينة والكوفة. ولذا "لما استُخلف المنصور لم يكن همّه إلا أمر محمد [النفس الزكية]، والمسألة (= السؤال) عنه وما يريد، فدعا بني هاشم رجلًا رجلًا يسأل كل واحد سرًّا عنه، فكلهم يقول قد علم أنك عرفتَه يطلب هذا الأمر، فهو يخافك على نفسه، وهو لا يريد لك خلافا"؛ وفقا لابن الأثير. ويعلل الطبري انشغال المنصور بموضوع النفس الزكية بأن "أبا جعفر كان عقد له [البيعة] بمكة في أناس من المعتزلة" قبل سقوط الأمويين!
وقد حاول المنصور أن يستدرج محمد النفس الزكية بالحضور والبيعة على نهج قريب من نهج أخيه، ولكن والدهما كان يعرف نية المنصور فقال له: "سبحان الله! آتيك بولديّ لتقتلهما"!!
يتبع....

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس