غزوة بدر الكبرى في قائمة المغازي
غزوة بدر الكبرى هي يوم الفرقان، الذي نصر الله فيه التوحيد على الشرك، والإيمان على الكفر، والحق على الباطل، وهي أول صدام مسلح مباشر يخوضه المسلمون، تحت قيادة النبي- صلى الله عليه وسلم- ضد مشركي قريش.
قريش التي آذت المسلمين، ونكلت بهم، وجوّعتهم، حتى أجبرتهم على الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، تاركين ديارهم وأموالهم وأهليهم، ثم ظلت ترفع راية الحرب على الإسلام، حتى بعد الهجرة.
إن غزوة بدر الكبرى تختلف عن الغزوات والسرايا التي قبلها، من حيث كونها الغزوة الأولى التي يصطدم فيها المسلمون، بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمشركين من قريش
مصطلح المغازي وتوقيت بدر الكبرى
وقولنا إن غزوة بدر الكبرى كانت أول صدام دموي ضد قوى الشرك، لا يعني أنها المرة الأولى بعد الهجرة، التي يخرج فيها الرسول- صلى الله وسلم- وأصحابه للغزو خارج المدينة؛ إذ إنه كان قد سبق لهم قبلها أن خرجوا للغزو خارج المدينة ثماني مرات، منها أربع غزوات خرج الرسول- صلى الله عليه وسلم- فيها بنفسه لقيادة المسلمين، وهي: غزوة الأبواء أو ودان، غزوة بواط، غزوة بدر الأولى، غزوة العشيرة.
وسبقت هذه الغزوات أو تخللتها أربع سرايا خرج فيها نفر من المسلمين وحدهم، تحت قيادة أحد الأكْفاء من المهاجرين، وهي: سرية سيف البحر بقيادة حمزة بن عبدالمطلب، سرية رابغ بقيادة عبيدة بن الحارث، سرية الخرار بقيادة سعد بن أبي وقاص، سرية نخلة بقيادة عبدالله بن جحش.
وأغلبها كانت لاعتراض قوافل قريش التجارية. وقد اصطلح على تسمية الغزوات والسرايا معًا، والتي انطلقت من المدينة بعد الهجرة، وخلال حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- باسم "المغازي".
وتحتل غزوة بدر الكبرى الحلقة التاسعة في قائمة تلك المغازي، والحلقة الخامسة في قائمة الغزوات النبوية، وكانت في رمضان سنة 2هـ، وجرى القتال في يوم الجمعة، السابع عشر منه، وكان رمضان هذا هو أول رمضان يصومه المسلمون، بعد نزول الأمر الإلهي بتشريع الصيام، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].
ومعنى ذلك أن غزوة بدر الكبرى، قد جاءت بعد عام ونصف من الهجرة إلى المدينة، وبعد عام من أول عمل عسكري إسلامي يخرج من المدينة، وهو سرية سيف البحر، وذلك في رمضان سنة 1هـ، وبعد سبعة أشهر من أول غزوة يغزوها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بنفسه، وهي غزوة الأبواء، وذلك في صفر سنة 2هـ، وبعد شهر ونصف من سرية نخلة، والتي كانت في أواخر رجب سنة 2هـ.
الطابع المميز للمغازي قبل بدر
وإن تلك المغازي الثماني، كان الطابع المميز لها أنها كانت تنتهي بدون قتال ولا دماء ولا أسرى ولا غنيمة، باستثناء سرية نخلة، ففيها حدث تراشق بالسهام بين أفراد السرية، وبين الأفراد المرافقين للقافلة، وقُتِل فيها من المشركين عمرو بن الحضرمي، حليف عتبة بن ربيعة، وترتب عليها أيضًا أسرى وغنيمة، ولكنها لم تكن معركة حقيقية، لأن أعداد المسلمين والمشركين فيها لم تكن تتجاوز أصابع اليدين.
كما أن القتال فيها جرى خلافًا لتعاليم النبي- صلى الله عليه وسلم-، الذي لم يأمر بقتال، لأن السرية كانت أساسًا في رجب، وهو أحد الأشهر الحرم، وإن كان القرآن قد نزل مزكيًا لما قام به عبدالله بن جحش وأصحابه، أولئك الفدائيون البواسل، الذين نفذوا أوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأمانة وشجاعة، وتوغلوا في أرض العدو مسافات شاسعة، متعرضين للقتل في سبيل الله، متطوعين لذلك، من غير مكرهٍ أو محرج.
قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُل قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217].
غزوة بدر الكبرى، تتميز أيضًا في أنها المرة الأولى، التي يخرج فيها الأنصار للغزو خارج المدينة إلى جانب المهاجرين، بل كان الأنصار في هذا اليوم هم الأكثرية
ومن هنا فإن غزوة بدر الكبرى تختلف عن الغزوات والسرايا التي قبلها، من حيث كونها الغزوة الأولى التي يصطدم فيها المسلمون، بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمشركين من قريش، ويشتبكون معهم في معركة عسكرية حاسمة، لم يسبق لهم أن خاضوا مثلها من قبل، ما جعل شهرة غزوة بدر الكبرى، تطغى على ما سبقها من غزوات، وأيضًا تحتل موقع الصدارة في قائمة الغزوات النبوية، بل قائمة الغزوات في التاريخ الإسلامي كله.
مشاركة الأنصار في بدر الكبرى
كما أن غزوة بدر الكبرى، تتميز عما سبقها من المغازي في أنها المرة الأولى، التي يخرج فيها الأنصار للغزو خارج المدينة إلى جانب المهاجرين، بل كان الأنصار في هذا اليوم هم الأكثرية، فقد كان عددهم مئتين وثلاثين رجلًا، بينما كان عدد المهاجرين بضعة وثمانين رجلًا، وذلك من أصل ثلاثمئة وبضعة عشر رجلًا، هم مجموع المسلمين المشاركين في هذه الغزوة.
فالمغازي الثماني التي سبقت غزوة بدر الكبرى، كان جميع الخارجين فيها من المهاجرين، لأن الأنصار بحسب بيعة العقبة الثانية، التي مهدت لهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، قد التزموا بحماية النبي -صلى الله عليه وسلم- داخل المدينة، ولم يكن واجبًا عليهم الاشتراك في الغزوات والسرايا التي كانت تخرج لتنفيذ مهام عسكرية خارج المدينة، وذلك بالنظر إلى المضمون الحرفي لتلك البيعة، وإن كانوا في الواقع مستعدين للدفاع عن الإسلام والرسول -صلى الله عليه وسلم- وافتدائهما بأرواحهم وأموالهم وأولادهم، في أي موقع من المواقع.
وهذا الموقف جسده الأنصار في غزوة بدر الكبرى ذاتها، عندما وقف النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل بدء المعركة طالبًا المشورة، فإنه لم يكتفِ بما أشار به عليه المهاجرون، كأبي بكر وعمر والمقداد، بل عاد ليقول: "أشيروا عليّ أيها الناس".
ففطن إلى ذلك سعد بن معاذ، زعيم الأنصار وحامل لوائهم، فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أجل"، قال سعد: "فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا، إنا لصُبُر في الحرب، صُدُق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.