![]() |
كيف هزمت فلسطين نابليون عند أسوار عكَّا؟
كيف هزمت فلسطين نابليون عند أسوار عكَّا؟
https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513 3/10/2021 كان "الفرنساوية يزجرونهم زجر الغنم، ولم يزل هول الحرب في إمداد، والكرب في اشتداد، وتتناثر الرؤوس، وتهلك النفوس، ويُقتل الرجال والنساء والأطفال، وكنتَ تنظرُ واحدا يُقتل، وواحدا جديلا، وآخر دمه يسيل، والآخر بالأسر ذليل.. وفي ذلك الحين مات من العساكر ما ينيف عن الخمسة آلاف، ومن أهالي البلد ألفين، وأصبحت مدينة يافا لم يجد بها أحدا معافى، ولا بها مستترا".في عام 1523، تكامل سقوط مصر والشام في يد العثمانيين، وقضوا على السلطة السياسية والسيادية للدولة المملوكية التي عمَّرت أكثر من قرنين ونصف القرن، شهدت فيها بلاد الشام ومصر والحجاز معهم نجاحات وخيبات، وعانى الأهالي في أواخر أيامهم من الجور والعسف والأزمات الاقتصادية المتتالية التي جعلت دخول العثمانيين نجدة لهم على صعيد الأمن السياسي والاقتصادي. وإذا كان العثمانيون استطاعوا السيطرة المطلقة على الأقطار العربية ومنها مصر والشام في عصر السلطان سليم شاه الأول (ت 1526) وابنه السلطان سليمان القانوني (ت 1566)، فإنهم سمحوا في الوقت عينه لبقايا المماليك بالانخراط العسكري في بنية الدولة العثمانية في مصر، والاستفادة من قواتهم العسكرية وتنظيماتهم المسلحة في حفظ الأمن ما داموا يقبلون بالشرعية الدستورية والقانونية والسياسية للعثمانيين، لكن مع مرور الوقت، واستغلال المماليك ضعف قبضة العثمانيين على مصر، صاروا أعمدة الحكم الحقيقي في البلاد؛ إذ سيطروا على مفاصل مصر الرئيسية، وضاعفوا أعدادهم بشراء مماليك جدد، وكوَّنوا جماعات مسلحة صارت أقوى من الفِرَق العثمانية. https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513 لكن وفاة محمد بك أبو الذهب بعد قليل جعلت مصر تخضع لمملوكَيْه الأمير مراد بك والأمير إبراهيم بك طوال أكثر من عشرين سنة، وكما يقول صاحب كتاب "مصر في القرن الثامن عشر": "حكم مراد وإبراهيم مصر فترة طويلة لعلها لم ترَ في تاريخها كله حكما أسوأ منه ولا حاكمين في قسوتهما وظلمهما وأنانيتهما وجهلهما، وقد فُرضت في عهدهما الضرائب الفاحشة التي لم يرَ الناس لها مثيلا من قبل حتى شملت بائعي الفسيخ والمخلل كما يقول الجبرتي". https://www.aljazeera.net/wp-content...ize=770%2C1089 وفي ظل هذه الحالة من التنازع الداخلي والتخلُّف الحضاري العسكري على أقل تقدير، وفي ظل صعود المنافسة العالمية بين الإنجليز الذين تمكَّنوا من احتلال الهند وبين الفرنسيين الراغبين في احتلال مصر لضمان السيطرة الملاحية وإضعاف الإنجليز؛ شهدت أوروبا قيام الثورة الفرنسية التي غيَّرت مجرى التاريخ الأوروبي والعالمي الحديث عام 1789، وكان لهذه التغيرات الإستراتيجية أثرها المباشر على مصر وبلاد الشام. نابليون والبحث عن المجد https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C770 نابليون بونابرتبزغ أثناء الثورة الفرنسية نجم الضابط الشاب نابليون بونابرت الذي قاد جيوش فرنسا واستطاع الظفر في العديد من المعارك، لا سيما في إيطاليا التي أقام فيها مجموعة من الجمهوريات الصديقة لبلاده، كما قضى على أرباب الثورة المضادة من القوى الرجعية والملكية القديمة سنة 1795، ونتيجة لذلك، راحت سُمعة نابليون ترتفع في أوساط الشعب والطبقة الثورية الحاكمة الجديدة، ولما كان عُمره أقل من أربعين سنة، والقانون حينذاك يقف حائلا دون انضمامه إلى الطبقة الحاكمة في "حكومة الإرادة"، فقد أُثر عنه أنه قال يوما: "إني لا أريد البقاء حيث أنا إذ لا عمل لي هنا، وإذا بقيت فإني سأنهار في وقت قريب. فكل شيء هنا يذوب ويضمحل، وقد بدأ مجدي يذوب، إن أوروبا القارة الصغيرة لا مجد فيها إلا بمقدار". ولما كان رواد الإستراتيجية الفرنسية منذ القرن السابع عشر وما قبله يتطلَّعون إلى الشرق وفي القلب منه مصر وبلاد الشام للسيطرة عليهما إما رغبة في ثرواتهما، وإما للحد من نفوذ المنافسين التقليديين لهم مثل الهولنديين والبريطانيين، أوفدت حكومة الملك لويس السادس عشر سنة 1777 "البارون ده توت" إلى مصر بدعوى إجراء بحوث فلكية وعلمية، ولكنه كُلِّف في الحقيقة بعمل خرائط لشواطئ مصر وسوريا وجزر اليونان وكريت، كما كُلِّف بدراسة النقاط الواقعة على ساحل البحر المتوسط لا سيما بين الإسكندرية وأبو قير، ومعرفة أي نقطة تصلح لإنزال الجنود إلى البر، كما كلَّفت الحكومات الفرنسية آخرين بدراسة السويس والقاهرة، وذلك في الوقت الذي كان العثمانيون فيه في أضعف قوتهم، ومماليك مصر يخوضون حربا خاصة بين مراد بك وإبراهيم بك على جهة، وبين إسماعيل بك أحد مماليك علي بك الكبير شيخ البلد الذي قتله محمد بك أبو الذهب قبل ذلك بعدة أعوام على الجهة الأخرى. من مصر إلى فلسطين https://www.aljazeera.net/wp-content...size=770%2C513 بعد ذلك، سيطر الفرنسيون على القاهرة في 14 يوليو/تموز 1798، وظنوا أنهم تمكَّنوا من مصر، لكن فرحتهم بالنصر لم تدم إلا قليلا، إذ استطاع القائد البريطاني "نيلسون" أن يعثر على الأسطول الفرنسي في الإسكندرية، وبدأ الأسطول البريطاني على الفور في ضرب الأسطول الفرنسي الراسي ودكِّه، ليتمكَّن في 1 أغسطس/آب من العام نفسه من إبادته تماما، وكانت خسائر الفرنسيين في معركة أبو قير البحرية مقتل أميرال ورُبانيين و1700 بحار، فضلا عن تدمير معظم قطع الأسطول. قرَّر نابليون إذن أن يشن حملة عسكرية قوية على الشام، مُدرِكا أهميتها الاقتصادية وعلى رأسها وجود الأخشاب التي يمكن أن يُعيد من خلالها إحياء الأسطول الفرنسي من جديد في مواجهته مع البريطانيين، فضلا عن خيراتها الكثيرة مثل الحرير والأقمشة والحنطة وغيرها مما كانت تُصدِّره إلى مصر، وفوق ذلك أهميتها الجيوسياسية بالنسبة إلى فرنسا في شرق البحر المتوسط، ولتحقيق هذا الغرض أعدَّ جيشا قوامه 13 ألف مقاتل، وأبقى في مصر ما يقارب الأربعين ألفا، وأخذ معه بعض المشايخ من القاهرة ليستعين بمركزهم الديني، كما اصطحب الحرفيين والمترجمين وغيرهم، وانطلق من القاهرة في أواخر شهر يناير/كانون الثاني من عام 1799، وبلغت قواته العريش في 9 فبراير/شباط، وتمكَّنت قواته من قتل 500 جندي عثماني، وأسر 900 آخرين. بدأت القوات الفرنسية في التوغل في فلسطين التي كانت خاضعة للوالي أحمد باشا الجزار البوسني الأصل، وهو أحد المقربين آنذاك من شيخ البلد وزعيم المماليك في مصر علي بك الكبير (ت 1773)، وقد أثبت الجزار قوة وصلابة شديدة في مواجهة خصومه ودمويته تجاههم، ولُقِّب بـ "الجزار" لهذا السبب، وقد أدرك العثمانيون قوة الجزار وأنه يمكن الاعتماد عليه في بلاد الشام الجنوبية، فعيَّنوه واليا على جنوب الشام وفلسطين وعاصمتها عكا آنذاك. وكان الفرنسيون قد استطاعوا السيطرة على خان يونس ثم غزة، وفي 3 مارس/آذار 1799 تمكَّن نابليون وجيشه من دُخول يافا والاستيلاء عليها، وارتكب واحدة من أفظع الجرائم في تاريخ فرنسا في المشرق، إذ أنزل عقوبة الإعدام بحق آلاف الأسرى الذين استسلموا طائعين. يقول نقولا الترك (ت 1828)، كاتب نابليون بونابرت والشاهد على هذه الحملة، في كتابه "ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية" إن الحامية العسكرية لمدينة يافا بلغ قوامها ثمانية آلاف جندي، وبعد استسلامهم كان "الفرنساوية يزجرونهم زجر الغنم، ولم يزل هول الحرب في ازدياد، والكرب في اشتداد، وتتناثر الرؤوس، وتهلك النفوس، ويُقتل الرجال والنساء والأطفال، وكنتَ تنظرُ واحدا يُقتل، وواحدا جديلا، وآخر دمه يسيل، والآخر بالأسر ذليل.. وفي ذلك الحين مات من العساكر ما ينيف عن الخمسة آلاف، ومن أهالي البلد ألفين، وأصبحت مدينة يافا لم يجد بها أحدا معافى، ولا بها مستترا". الجزيرة نت - محمود خالد |
الساعة الآن 07:03 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir