القوى الإقليمية والإستراتيجية الدفاعية
عند الحديث عن الفرقاء الإقليميين يجب التمييز وكما ورد أعلاه بين المحاور الإقليمية.
لكل من الدول العربية مقاربتها ومصالحها الخاصة تجاه هذه الإستراتيجية. ففي ظل غياب الحلول الإقليمية وبسبب أهمية لبنان لهذه القوى (لبنان الساحة)، فإنه يتم النظر إلى شكل ومضمون هذه الإستراتيجية بمقدار ما تخدم مصالح هذه القوى.
وإذا كانت هذه الإستراتيجية تقوم على لبننة الساحة اللبنانية، وبالتالي لبننة قراري السلم والحرب، فهذا أمر قد لا تقبل به كل من إيران وسوريا، في حين قد تقبل به كل من السعودية ومصر ومجلس الأمن كما الولايات المتحدة الأميركية.
فإيران لديها مشروعها الإقليمي وهذا حق لها ضمن منظارها الخاص وضمن مشروعها الكبير في المنطقة، وهي التي كانت تقف خلف تشكل حزب الله وكانت سبب وجوده أصلا، وهي التي تموله بالسلاح كما بالمال، وهو المرتبط بها أيديولوجيا، وهو الذي شكل أهم قوة لديها على تماس مباشر مع إسرائيل.
وأخيرا هي على خلاف أساسي مع أميركا التي تجاورها في العراق حيث لا يوجد أفق للحل حتى الآن.
أما سوريا فهي تعد نقطة الوصل بين إيران وحزب الله في لبنان، وكان قرار إنشاء الحزب بموافقة الرئيس الراحل حافظ الأسد نفسه، ومن دون هذه الموافقة، لما كان لدينا الحزب على النحو الذي نعرفه اليوم، وهي التي كانت ترعاه أثناء وجودها في لبنان.
وهي فضلا عن ذلك كانت ضابط الإيقاع الأساسي في كل ديناميات الصراع، إن كان ذلك مع إسرائيل أو حتى فيما يتصل بالعلاقة بين الحزب وإيران. وكذلك هي ممر الأسلحة له والعمق الآمن له، كما يشكل هو العمق الإستراتيجي لها في المنطقة. فالحزب بمنزلة اليد الطولى لها عند الحاجة، حتى ولو كان للحزب أجندته الداخلية، خاصة بعد أن تطور ووصل إلى قمة نضوجه.
ويشار إلى أنه بعد أن صدر القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري خرجت سوريا فجأة من لبنان، فأصبح الحزب أكثر حرية، كما أصبح مسار وطبيعة علاقته بإيران يتجاوز الممر السوري، وإن كانت لا تزال سوريا حيوية له ولإيران، بيد أن الواقع اختلف، كما الساحة اللبنانية اختلفت، وكذا هو الأمر بالنسبة لموازين القوى فيها.
فقد وقعت حرب يوليو/ تموز 2006، وأثبت الحزب قدرته على التصدي لإسرائيل، كما اختبرت كل من سوريا وإيران عمليا، صحة ما رسم في السر من مخططات عسكرية كان مسرحها جنوب لبنان.
بعد حرب يوليو/ تموز، وبعد النصر الإلهي -حسب وصف السيد نصر الله- كان من المفترض الانتقال لترجمة النصر العسكري إلى نصر سياسي، إن كان داخليا في لبنان أم خارجيا في الإقليم.
وكانت الترجمة السياسية للنصر كارثية على صعيد لبنان، وكانت مميزة على الصعيد الإيراني بعد أن عرف الطرف الأميركي حدود قوته – كما إسرائيل، في حين استغلت سوريا هذا النصر لأنها هي من أسهم فيه حسب السياق التاريخي لنشأة حزب الله وبناء قدراته العسكرية. لكن المفاجأة أتت، بعد أن سرب خبر التفاوض السوري-الإسرائيلي عبر البوابة التركية.
هذا عن إيران وسوريا، أما بقية الدول العربية -مصر والسعودية على رأسها- فقد تركز الحديث خاصة بعد حرب تموز على الاعتراف بالمقاومة شريطة لبننتها، وعلى أن تتولى الدولة ومؤسساتها الأمنية مسؤولية الدفاع عن لبنان. ويدخل هذا الطلب، ضمن دائرة الصراع الإقليمي-الإقليمي بين القوى الإقليمية المذكورة أعلاه، ومن هنا صعوبة التوصل إلى حل قريب للإستراتيجية الموعودة.
إذ إن الإستراتيجية الدفاعية وكما سبق بيانه ترتبط أكثر ما ترتبط بالإقليم، حتى ولو كان لها بعد محلي.
الإستراتيجية الدفاعية، من منظار دولي- خاصة بعد الانتخابات الأميركية
إذا اعتبرنا الإستراتيجية الدفاعية اللبنانية مرتبطة بالإقليم فإن هذا الإقليم مرتبط بدوره بما قد يأتي به الرئيس المنتخب باراك أوباما من إستراتيجيات جديدة للمنطقة، فالنظرة الأميركية للبنان وإستراتيجيته -كما تسليحه- تنطلق أصلا من النظرة الأميركية الكبرى لكل منطقة الشرق الأوسط، وهي نظرة واقعية، وليست حتما عاطفية.
من هنا يتأتى الحديث-الجدال الداخلي حول تسليح الجيش اللبناني من أميركا. ولأن أميركا هي القوّة المديرة الوحيدة في المنطقة، كما قلنا أعلاه وحتى إشعار آخر، فسوف تكون المقاربة هنا حول الإستراتيجية الدفاعية، من منظار ما قد يأتي به أوباما – سيناريوهات متعددة وممكنة الحصول حول سياسته الخارجية.
يقول المحللون إن أولويات الرئيس المنتخب أوباما هي الآتية:ويعتقد البعض الآخر أن البند الثاني من الأولويات (أي الحرب على الإرهاب) يرتبط حله -الأفضل- مباشرة بالبند الثالث، أي روسيا. وإن أي حل ممكن سوف يكون له تأثير مباشر على شكل الإستراتيجية الدفاعية في لبنان. فما السيناريوهات الممكنة لأوباما؟
يعمل الرئيس أوباما في ظروف صعبة وفريدة من نوعها، فقط لأن هذه الظروف ذات طابع محلي أميركي، وعالمي في الوقت نفسه، أي المال والحروب، وهو لا يملك نعمة الوقت. فهو مضطر للعمل على كل الجبهات دفعة واحدة وفي وقت واحد، ومضطر للإعطاء في مكان، والأخذ في مكان آخر، وهذا ما يسمى في العلم العسكري بالمناورة في الخطوط الداخلية.
فحسب ما يفرضه المنطق، سيبحث أوباما عما يمكن أن يعطيه ولا يحظى بأولوية مطلقة لأميركا، ولكنه بنفس الوقت مهم لمن يريد أن يأخذه.
وذلك مقابل أن يأخذ أي أوباما ما يمكن أن يقاس نجاحه فيه بسرعة، ويظهره على أنه يفي بوعوده الانتخابية.
وبما أن لبنان، مرتبط بالإقليم وبما سيأتي إليه من حلول أوباما، سنعمد هنا إلى طرح إمكانيتين، أو مقاربتين ممكنتين لسياسة الرئيس أوباما الخارجية، التي هي بدورها ستؤثر على الإستراتيجية الدفاعية اللبنانية، وهما: حل من فوق، وحل من تحت. فماذا يمكن أن نقول عنهما؟
عزل إيران، دوليا وعبر مجلس الأمن، وهذا يعني أن دورها سيضعف في الإقليم، ما يجعلها تسجل تنازلات في العراق، وفي لبنان بالتحديد. وهذا الأمر سينعكس بدوره على سوريا ولبنان، وعلى عموم الإستراتيجية الدفاعية.
ستضعف هذه المقاربة سوريا، لأنها ستكون بانتظار ما سيأتي من ترتيبات العلاقة بين إيران وأميركا، ومن ثم ستذهب بوتيرة أسرع إلى السلم مع إسرائيل، وهذا أمر سيؤثر على الإستراتيجية الدفاعية
في هذه المقاربة سوف تكون إيران مترددة في قلب الأوضاع عبر حرب على إسرائيل مثلا، إن كان مباشرة، أو عبر حزب الله.
على الرئيس أوباما أن يؤمن المصالح العربية الخليجية خاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ومصر.
يجب الانتظار لمعرفة ماذا سيعطي الرئيس أوباما لإيران ليرضيها بالتخلي عن مشروعها الكبير؟
في هذه المقاربة، ستصبح سوريا معزولة، فتذهب أسرع إلى الصلح مع إسرائيل. وهذه أمور كلّها تؤثّر على شكل ونوع الإستراتيجية الدفاعية.
في الختام، وفي ظل عدم وضوح الصورة الإقليمية والدولية، قد يُمكن القول إن أي إستراتيجية مرتقبة للبنان، وفي كل المقاربات الممكنة، يجب أن تتوفّر فيها صفات معينة، كما يجب أن ترتكز على منظومة تقوم على الأسس التالية:
في الصفات الإسترتيجيّة:يجب أن تكون مقبولة من كل الفرقاء في لبنان.
يجب أن تكون مناسبة للبنان، وليس لأيّ قوى أخرى خارجية.
يجب أن تكون ممكنة التطبيق
في أسس الإستراتيجية:
ضرورة اعتماد الدفاع الإستراتيجي والهجوم التكتيكي. والمقصود بذلك أن يعمل لبنان على الدفاع عن أرضه والاستماتة في ذلك. وإذا خرقت السيادة، يعمد لبنان إلى الهجوم تكتيكيّا على العدو لتحرير الأرض حتى الحدود الدولية
- اعتماد الردع الذي يرتكز على:
يضاف إلى البعد الردعي، بعد ردعي دبلوماسيا كالتحالفات الدولية والإقليمية، خاصة العربية.
- وأخير وليس آخرا، ضرورة أو حتمية الوحدة الداخليّة، خاصة أننا حددنا أعلاه الصفات التي يجب -أن تتمتع بها الإستراتيجية الدفاعية، أو أي إستراتيجية أخرى، أي يجب أن تكون مقبولة مناسبة وممكنة.
_______________
أستاذ مادة الجيوبوليتيك في جامعة سيدة اللويزة، لبنان، باحث وكاتب إستراتيجي- عميد ركن متقاعد.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات