مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2415 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 63 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 65 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح الدراســات والبـحوث والقانون > قســــــم الدراســـــات والتـقـاريــر
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


احتلال المغرب.. مأدبة تقاسم القوى الاستعمارية العظمى للمملكة

قســــــم الدراســـــات والتـقـاريــر


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 14-07-21, 07:23 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي احتلال المغرب.. مأدبة تقاسم القوى الاستعمارية العظمى للمملكة



 

احتلال المغرب.. مأدبة تقاسم القوى الاستعمارية العظمى للمملكة


14 يوليو 2021
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قبل عشر سنوات من جلوس بريطانيا وفرنسا للاتفاق حول تقاسمهما أراضي منطقة المشرق العربي، كانت القوى الاستعمارية الدولية تجتمع سنة 1906 في مدينة "الجزيرة الخضراء" الأندلسية في أقصى جنوب إسبانيا، للاتفاق حول طريقة تقاسم المصالح والامتيازات ومناطق النفوذ داخل المغرب.
التوتّر الذي عاد ليطبع علاقات المغرب مع بعض الدول الأوروبية (ألمانيا وإسبانيا بالخصوص) في الشهور القليلة الماضية (في النصف الأول من 2021)؛ أعاد إلى أذهان بعض المغاربة قصة هذا المؤتمر الذي أسفر عن توافق دولي انتهى بإخضاع المملكة المغربية للحمايتين الفرنسية والإسبانية، بعدما أرضيت جل القوى الاستعمارية الدولية بالامتيازات التجارية والدبلوماسية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت وقتها بأول خروج لها للمشاركة في النزاعات الدولية، متخلية عن عقيدة "مونرو" الانعزالية.
وبعد محاصرته من جميع الجهات، شرقا بالجيش الفرنسي، وشمالا وجنوبا بالقوات الإسبانية، وغربا بمختلف تشكيلات القوى الاستعمارية الباحثة عن موطئ قدم في الساحل الأطلسي؛ راهن المغرب أخيرا على تدويل قضيته لمنع فرنسا وإسبانيا من الاستفراد به، لكن الأمر انتهى بإخضاعه لحماية دولية سرعان ما تحوّلت إلى حماية فرنسية-إسبانية بعد حصول باقي القوى على مطالبها، وباتت نتائج مؤتمر الجزيرة الخضراء أشبه بالسيف المسلّط على رقبة المغرب، لما تضمنته من شروط تعجيزية بات المغاربة يطلقون عليها "شروط الخزيرات" للتعبير عن المواقف التي يصبح فيها المرء أمام مطالب تعجيزية.

مؤتمر الجزيرة الخضراء.. تحالف المستعمرين يحسم مصير المغرب
شكّل المغرب استثناء في المنطقة العربية بالنسبة لموجة الاستعمار الأوروبي التي وجّهت أنظارها نحو المنطقة منذ أوائل القرن الـ19، فقد كانت المغرب تحمل إرثا تاريخيا كبيرا لإمبراطورية امتد مجالها في فترة أوج قوتها من الأندلس شمالا إلى عمق الصحراء الأفريقية جنوبا، وكان الأوروبيون تحديدا يقيمون اعتبارا خاصا لقوة المغرب، سواء عسكريا أو سياسيا بالنظر إلى عراقة نظامه السياسي المستقل عن الخلافة العثمانية.
كل ذلك يفسّر بقاء المغرب خارج متناول الاستعمار الفرنسي الذي همّ بمنطقة المغرب العربي، ولم يتم إخضاعه إلا سنة 1912، بعدما جرى احتلال الجزائر عام 1830 وتونس عام 1881. وكان مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي جرى سنة 1906 بمشاركة 12 دولة، يمثل اللحظة التي حسم فيها مصير المغرب، وانتهى رهانه على التوازنات الدولية لحماية سيادته.
تطلّب احتلال المغرب كثيرا من التحضير وجس النبض من جانب الأوروبيين، وكانت فرنسا وإسبانيا كلتاهما قد حصلتا على إشارتين واضحتين أبانتا لهما عن اختلال ميزان القوى لصالحهما في مواجهة المغرب، ويتعلّق الأمر بمعركتين، أولاهما معركة "إيسلي" التي انهزم فيها المغرب في مواجهة الجيش الفرنسي عام 1844، حين حاولت المملكة مساعدة الأمير عبد القادر الجزائري في وقف الاجتياح الفرنسي للجزائر، والثانية كانت أمام إسبانيا في معركة تطوان شمالا عام 1860.

إصلاحات الحسن الأول.. مملكة بين مخالب القوى العظمى
كان التنافس في البداية ثلاثيا، أي بين فرنسا التي احتلت الجزائر وتونس، وإسبانيا الموجودة أصلا في مستعمرتي سبتة ومليلية شمال المغرب، وتتعلل بقربها الجغرافي من المملكة، وبريطانيا التي كانت تعتبر الشريك التجاري الأول للمغرب، وتعتبر ذلك مبررا للحصول على مزيد من النفوذ.
قام السلطان الحسن الأول في الربع الأخير من القرن الـ19 بمحاولة شاقة لتجنيب البلاد مصير الوقوع بين مخالب الاستعمار، وتضمنت إصلاحات عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية كبرى، لكن الهزائم العسكرية التي مني بها المغرب في مواجهة الأوروبيين أدت إلى إجباره على تقديم الكثير من التنازلات، أهمها منح امتيازات للتجار الأوروبيين ومن يواليهم من بين المغاربة، وهو ما ينعته المؤرخون بنظام "الحماية القنصلية والدبلوماسية"، حيث كان يكفي أن يعلن أحد الأجانب أو من يواليهم من المغاربة حصوله على حماية إحدى الدول الأوروبية ليصبح خارج متناول السلطات المغربية.
كان المغرب في الأصل وراء الدفع نحو انعقاد مؤتمر دولي بين القوى الاستعمارية الكبرى (بتنسيق مع ألمانيا)، في محاولة منه لتدويل قضيته وإحداث توازن بين القوى الدولية يحول دون فقدانه لسيادته.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ألمانيا منذ أوخر القرن 19 الى الآن وهي تريد موطئ قدم لها في شمال أفريقيا خصوصا منطقة المغرب الكبير

تقاسم المصالح.. دخول ألمانيا على خط المعركة
في مواجهة القوتين الفرنسية والإسبانية الآخذتين في قضم أجزاء من ترابها، حاولت المملكة المغربية لعب أوراق دولية أخرى مثل المصالح الألمانية والبريطانية وحتى الأمريكية، لتنجو من الاستعمار، وهو ما برز في بداية مؤتمر الجزيرة الخضراء، حيث قادت ألمانيا موقفا يدعو إلى تقاسم المصالح في المغرب دون احتلال أراضيه، بينما سعت فرنسا إلى الحصول على اعتراف بأحقيتها في السيطرة على المغرب، متعهدة بضمان مصالح القوى الأخرى.[1]
لم يكن الأمر يتعلق بتجربة جديدة على المغرب، فقبل مؤتمر الجزيرة الخضراء لسنة 1906، كانت العاصمة الإسبانية مدريد قد احتضنت مؤتمرا عام 1880 شاركت فيه 15 دولة، وهي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، إلى جانب دول أوروبية. وكان محور هذا المؤتمر هو تصعيد المغرب ضد حصانة المحميين الأجانب ورفضه الاعتراف بقرارات التجنيس التي قامت بها دول أوروبية لسماسرة وتجار مغاربة قصد توظيفهم لفائدتها.[2]
انتهى ذلك المؤتمر الأول بتكبيل المغرب بقانون خاص بنظام الحماية والتجنيس، وأصبحت الامتيازات التي حصل عليها الأوروبيون بشكل عملي معترفا بها بشكل رسمي.
إثر ذلك سوف يبرز الدور الألماني بعد المكانة التي حازتها الدولة الألمانية الناشئة بقيادة "أوتو فون بسمارك"، مما أجج التنافس الاستعماري حول المغرب. وتطلّب الدور الألماني الجديد في الواجهة الدولية عقد مؤتمر برلين الذي امتد بين عامي 1884-1885، وقد منح ألمانيا مجموعة من الحقوق في تقاسم القارة الأفريقية بين الأوروبيين.


اتفاقيات فرنسا مع جيرانها.. نهم احتلال المغرب
قبل انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء، أبرم الأوروبيون مجموعة من الصفقات الثنائية فيما بينهم، تمهيدا لاحتلال المغرب، وكانت كلها تجري بين فرنسا ودولة أوروبية أخرى، وهكذا كان الاتفاق الأول بين فرنسا وإيطاليا سنة 1902، ويقضي بتنازل فرنسا التام عن مطالبها في ليبيا لفائدة إيطاليا، في مقابل اعترافها بأحقية فرنسا في احتلال المغرب.
وكان الاتفاق الثنائي الثاني بين فرنسا وبريطانيا سنة 1904، وحققت من خلاله فرنسا تنازل بريطانيا لها عن المغرب كمجال للنفوذ، في مقابل اعتراف فرنسا بأحقية بريطانيا بالاستفراد بمصر.
أما الاتفاق الثنائي الثالث، فكان بين فرنسا وإسبانيا سنة 1904 أيضا، وقد جاء ليعدل اتفاقا سابقا أبرم عام 1902، ومنح لإسبانيا الجزء الشمالي من المغرب بعد إسقاط سيادته، فجاء الاتفاق الجديد ليقلص من المساحة الممنوحة لإسبانيا عبر إخراج منطقة فاس وتازة منها، ونقلها إلى مجال النفوذ الفرنسي، وظل هذا الاتفاق سريا أكثر من 15 سنة.[3]
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بنود مؤتمر الجزيرة الخضراء بالفرنسية

أحقية فرنسا في إخضاع الدولة المغربية.. هدية المؤتمر
بعد مبادرة ألمانيا إلى إفشال التوافقات التي جرت بين فرنسا وباقي القوى الأوروبية، جرت الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي، وذلك بعدما نجحت ألمانيا في إقناع الرئيس الأمريكي "ثيودور روزفلت" بالتدخل والمساهمة في عقد هذا المؤتمر، حتى لا يختل التوازن بين القوى الأوروبية.[4]
استمرت أشغال المؤتمر أكثر من شهرين ونصف، مما يدل على أهمية الموضوع وصعوبة التوصل إلى توافق بشأنه، ورغم حضور ممثلين للسلطان المغربي وسعيهم إلى تنظيم هذا المؤتمر لإدخال ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية في المعادلة، فإن النتيجة التي انتهى إليها المؤتمر لم تكن في صالح المغرب.
أقر المشاركون في المؤتمر لفرنسا بأحقيتها في الإشراف على إخضاع الدولة المغربية لمجموعة من الإصلاحات، وهو ما دفع المغرب في البداية إلى عدم التوقيع على الوثيقة العامة التي خلص إليها المؤتمر، لكن السلطان مولاي عبد العزيز سوف يخضع للضغوط الأوروبية في وقت لاحق، ويوقع على الاتفاق بعد نحو شهرين من نهاية المؤتمر.
كان الأمر عبارة عن معركة دبلوماسية بين ألمانيا وخصومها الأوروبيين، وقد لعب الداهية الإنجليزي "هارولد نيكولسون" دورا حاسما في إفشال مخططات ألمانيا لانتزاع موطئ قدم في المغرب، ومن ذلك أنه طلب جعل الأمن بيد السلطان المغربي كما تقدمت به ألمانيا، فقد كان على يقين أن ذلك يظل مستحيلا من الناحية الواقعية، ما لم يقم به الضباط الفرنسيون، بدعوى معرفتهم بشمال أفريقيا وشعوبها من خلال استعمارهم للجزائر.[5]
"ثيودور روزفلت".. الخروج الأمريكي الأول من عزلة "مونرو"
أبدت الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا من التردد قبل أن توافق على دعوات ألمانيا لها بالمشاركة في مؤتمر الجزيرة الخضراء، فقد اعتمدت السياسة الأمريكية مبدأ عدم التدخل في الخلافات الأوروبية، لكن الرئيس "ثيودور روزفلت" كان موقنا بوجود مصالح أمريكية مباشرة في هذه الأزمة، فسواء انتصرت فرنسا أو ألمانيا فإن هذا الطرف المنتصر سيصبح مهيمنا على حساب الحليف الأوروبي الأول، أي إنجلترا، كما أن السواحل الأطلسية للمغرب تعتبر مقابلة للسواحل الأمريكية اللاتينية، وبالتالي فهي على تماس مع المجال الحيوي المباشر لأمريكا.
إلى جانب المصالح الأمريكية، كان التحول السياسي الداخلي الذي شهدته فرنسا محفزا على مشاركة واشنطن في المؤتمر، فقد صعد المدافعون عن التقارب مع ألمانيا واضطر وزير الخارجية الفرنسي وقتها إلى مغادرة الحكومة، وهو الذي كان يقود معارضة عقد المؤتمر، وقبل الرئيس الأمريكي "روزفلت" لعب دور الوساطة في الأزمة مشترطا على الطرفين إبقاء ذلك في إطار السرية خوفا من ردود فعل معارضة لأي دور خارجي لبلاده داخل الكونغرس.[6]
وكما كان متوقعا بعد أسابيع من جمود المفاوضات وانسداد أفق المؤتمر، كان الدور الأمريكي -والشخصي للرئيس "ثيودور روزفلت"- حاسما، فقد تدخل بشكل مباشر ليضغط على الطرف الألماني، مذكرا إياه بالتزام سابق تعهدت فيه ألمانيا بالقبول بالرأي الأمريكي كلما تعذر الوصول إلى اتفاق، وحمل الألمان على التنازل عن مطلب مشاركتهم في شرطة الموانئ التي كان المؤتمر يتجه لإحداثها.
وفي محاولة منه لشرعنة تدخله في المؤتمر أمام خصومه الداخليين، كان الرئيس الأمريكي يضيف إلى جدول الأعمال حماية حقوق اليهود المغاربة، مما كان يسهل عليه تبرير إقدامه على خطوة المشاركة أمام بعض اللوبيات الأمريكية القوية.[7]
لقد كان "ثيودور روزفلت" شديد الحرص على عدم إثارة أي معارضة داخلية لما انتهت إليه مشاركته في مؤتمر "الجزيرة الخضراء"، حيث توجّه بخطاب أمام الكونغرس خلال مصادقته على الاتفاق قائلا إن الاتفاق منح لواشنطن نفس الحقوق والامتيازات التي حصلت عليها الدول الأوروبية، دون أن تلتزم بلاده بأي شيء في المقابل، "أما عدم توقيعنا على الاتفاق، فيعني تخلينا عن حقوقنا التجارية في المغرب"، مشددا على أنها فرصة سنحت لبلاده بعد 120 سنة لم توقع خلالها أي اتفاق تجاري مع المغرب.[8]
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

السلطان مولاي عبد العزيز وأخوه الأكبر مولاي عبد الحفيظ

احتلال وجدة والدار البيضاء.. فرنسا تكشر عن أنيابها
الخلفيات الحقيقية لمؤتمر الجزيرة الخضراء سوف تنكشف بعد أقل من سنة، حيث قامت فرنسا باحتلال مدينتي وجدة في شرق المغرب والدار البيضاء في غربه، وهو ما لم يكن ليتم لولا حصولها على ضوء أخضر من باقي القوى الأوروبية.
وقد تذرعت فرنسا في احتلال وجدة بمقتل طبيب فرنسي بمراكش، بينما أقدمت على قصف واحتلال الدار البيضاء بعد عرقلة مواطنين مغاربة لمشروع بناء خط السكك الحديدية، وهي الأحداث التي عجّلت بعزل السلطان مولاي عبد العزيز من طرف علماء مدينة فاس، ومبايعة أخيه الأكبر مولاي عبد الحفيظ.
لقد جنّب مؤتمر الجزيرة الخضراء المغرب شبح الخضوع المباشر للاستعمار الفرنسي، لكنه فرض عليه مجموعة من الإصلاحات التي تمسّ جوهر سيادة السلطان، وكان من بين هذه الإصلاحات إحداث شرطة خاصة بالمرافئ الثمانية التي تهتم بها القوى الاستعمارية في سواحل المغرب، على أن يشرف ضباط فرنسيون وإسبان على تأسيس هذه الشرطة المغربية.
كما قيّد المؤتمر حرية المغرب في شراء الأسلحة بهدف إضعاف قدرته على المقاومة، بينما حصلت فرنسا على أغلبية أسهم بنك الدولة المغربية (بدل بيت المال) الذي قرر المؤتمر إحداثه، وفرضت قيودا كبيرة على حق السلطان المغربي في فرض ضرائب على التجار الأوروبيين مقابل حصول فرنسا على امتياز بناء ميناء الدار البيضاء ومد خطوط السكك الحديدية، وهو ما سمح لباريس لاحقا بتوجيه نتائج المؤتمر بما يحقق لها السيطرة المباشرة على المغرب.
تأجيل الخضوع للاحتلال.. هزيمة دولية وغضب شعبي
بينما نجح المغرب من خلال مؤتمر الجزيرة الخضراء في أن يؤخر لحظة خضوعه للحماية الفرنسية من 1905 إلى 1912، فإن ما خلص إليه المؤتمر تحوّل إلى وثيقة دولية مرجعية بالنسبة للقوى الكبرى في تقاسم النفوذ في المغرب، وهو التوافق الذي بقي قائما بشكل ضمني، رغم إنهاء معاهدة الحماية سنة 1956.
فمن حيث كان سلطان المغرب يحاول استغلال التنافس الأوروبي، لمنع القوى الاستعمارية من احتلاله؛ جاء مؤتمر الجزيرة الخضراء ليزرع بذور الاختراق الاستعماري، حيث حصل الأجانب بناء على هذا المؤتمر على حق امتلاك الأراضي، وهو ما شكل سابقة تاريخية.
وقد تسبّبت نتائج المؤتمر في غضب شعبي عارم في المغرب، ورفض قاطع من جانب العلماء الذين كان لهم دور هام في منح الشرعية لحكم السلطان، وهو ما سيؤدي إلى مبايعة جزء من العلماء لمولاي عبد الحفيظ سلطانا جديدا، مشترطين عليه في نص البيعة إسقاط "شروط الخزيرات" التي قبل بها شقيقه السلطان مولاي عبد العزيز.
لقد جرى تنصيب السلطان مولاي عبد الحفيظ بعد مواجهة دامية مع معسكر السلطان عبد العزيز، باعتباره سلطان جهاد مكلفا بمهمة واحدة هي منع الفرنسيين من السيطرة على المغرب، إلا أن ميزان القوى كان قد اختل بشكل غير مسبوق، ولم تؤدّ الأحداث التي عاشها المغرب في تلك الفترة، والمتمثلة في عمليات للمقاومة المسلحة ورفض الوجود الأجنبي في الموانئ.. إلا إلى منح الفرنسيين ذريعة لاستعمال القوة والهجوم على أراضي المغرب من الشرق والغرب، مستغلة وجودها في الجزائر شرقا وقدراتها العسكرية البحرية غربا، لتطبق على عاصمة المغرب وقتها ومركز حُكمه مدينة فاس، ثم تفرض على السلطان توقيع معاهدة الحماية، مقابل استعادة الاستقرار وإخضاع القبائل التي ثارت على حكمه المهادن للفرنسيين.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

جاءت قرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء لصالح فرنسا بالدور الأول

استرجاع الحدود وإلغاء الامتيازات.. شروط البيعة
شهد المغرب إثر "البيعة الحفيظية" انقساما، على مستوى النخبة السياسية الحاكمة، وبالتالي انقساما في أوساط الشعب، وأصبحت المواجهة عسكرية ودموية بين "المخزنين" (السلطتين) الحفيظي والعزيزي، ودارت معارك عسكرية طاحنة بين المعسكرين، خاصة في منطقة الشاوية (قرب الدار البيضاء) التي وصل إليها جيش عبد الحفيظ في بداية عام 1908، قادما من معقله بمدينة مراكش.
ورغم تجهيز مولاي عبد الحفيظ لقوات شاركت في معارك كانت تدور وقتها ضد الفرنسيين الساعين لاحتلال الدار البيضاء، فإنه لم يعلن الحرب عليهم، بل ظلّ جانحا إلى المهادنة راغبا في التفاوض لحل مسألة الاحتلال، وإفساح المجال أمامه نحو الرباط ومنها إلى عاصمة المغرب وقتها مدينة فاس، حيث كانت بيعة علماء فاس تنتظره مذيلة بشروط واضحة، أبرزها:
· عدم تنفيذ شروط ميثاق الجزيرة الخضراء المضرة بمصالح المغرب.
· استرجاع المناطق الحدودية المحتلة، وتحرير مدينتي وجدة والدار البيضاء.
· إلغاء امتيازات الحماية القنصلية، وعدم اتباع إشارة الأجانب في مصالح الأمة.
· التحالف مع الدول الإسلامية إن دعت الضرورة.
· الرجوع للأمة قبل عقد أي اتفاق مع الأجانب.
وبعد وصوله إلى فاس عاصمة الحكم بالمغرب، راح مولاي عبد الحفيظ مباشرة يبحث عن اعتراف دولي بشرعية سلطته، واجتهد في إيفاد السفارات والمراسلات إلى القوى الدولية، لتنطلق في كانون الثاني/ يناير 1909 أولى المفاوضات بين الفرنسيين والسلطان الجديد، عبر سفير فرنسي موفد إليه. فتوصل إلى اتفاق بجلاء الفرنسيين من الشاوية، دون أن يشمل ذلك مدينة الدار البيضاء، وهي النقطة التي أخرت المصادقة على الاتفاق.
حماية السلطان من القبائل الثائرة.. احتلال فاس
تطلق المصادر التاريخية على لحظة انعقاد مؤتمر "الجزيرة الخضراء" اسم الأزمة المغربية الأولى، بينما تطلق الأزمة الثانية على ما حدث بعد خمس سنوات، حين بلغ التنافس الاستعماري حول المغرب لحظة ذروته سنة 1911، وتحوّلت مدينة أكادير إلى موضوع لأزمة عسكرية خطيرة بين ألمانيا وفرنسا، وكادت تتحوّل إلى شرارة اندلاع الحرب العالمية الأولى.
فبينما كانت فرنسا تعمل على استكمال احتلالها للمغرب، بناء على مقتضيات اتفاقية الجزيرة الخضراء 1906، بعثت ألمانيا بارجة حربية قبالة ساحل أكادير، بدعوى حماية رعاياها الموجودين فيها، وهو ما كاد يتحوّل إلى مواجهة عسكرية دولية.[9]
لقد حاول المغرب مقاومة ضغوط القوى الاستعمارية، بينما تصاعدت بوادر انفجار الصراع بين تلك القوى، وتجسّد ذلك في المشاكل البلقانية المتعددة، والصراع حول تقاسم النفوذ في المشرق العربي، وكان كل تحرّك تصعيدي يهدد بتفجير المواجهة الكونية.
لم تكن الجبهة المغربية بعيدة عن هذا التقاطب الحاد بين القوى الأوروبية، حيث قامت فرنسا بالتقدّم عسكريا في بداية 1911، واحتلت المنطقة المحيطة بمدينة الرباط، وتواصلت تحضيراتها للهجوم على عاصمة المغرب وقتها، مدينة فاس، وإخضاع المملكة للاحتلال بشكل رسمي.
ثم توالت الأحداث بعد ذلك من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة، وأخرى ميدانية كانت بعض القبائل المغربية تقوم بها في محيط فاس، تعبيرا عن تمردها على السلطان مولاي عبد الحفيظ، لفشله في دفع المحتلين، وإطلاقه يد ولاته لممارسة الظلم والاستبداد. وبطلب شكلي من السلطان لداعي حاجته إلى الحماية من هجوم القبائل الثائرة، حرّكت فرنسا قواتها واحتلت مدينة فاس عاصمة البلاد، وحصلت على تأييد بريطانيا وروسيا، بينما انتهزت إسبانيا الفرصة لتحتل مواقع في شمال المغرب.[10]

بارجة حربية قبالة أكادير.. ألمانيا تفسد الحفلة
اعتبرت ألمانيا الهجوم الفرنسي على فاس واحتلالها إسقاطا للتوافقات السابقة بخصوص المغرب، وبشكل مفاجئ لم يتوقعه أحد، جاء الرد الألماني على بعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب من فاس، وتحديدا في الساحل المقابل لمدينة أكادير، حيث ظهرت بارجة حربية ألمانية قبالة أكادير، وانتشرت الأخبار بشكل سريع على الصعيد الدولي عن تحرك عسكري ألماني لضرب الوجود الفرنسي في المغرب.
ومثلما كان حال أخيه عبد العزيز في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، فقد علّق السلطان مولاي عبد الحفيظ آمالا كبيرة على هذه الخطوة الألمانية، فرأى فيها فرصة لتحقيق بعض التوازن مع فرنسا التي استفردت به، وفرضت عليه شروطها ليقبل بحمايتها له، لكن التفاوض بين ألمانيا وفرنسا اقتصر على مصالحهما الخاصة، ولم يحقق أي مكاسب للمغرب.
اقترحت فرنسا على ألمانيا الحصول على مكاسب اقتصادية في المغرب، مقابل اعترافها بخضوعه للحماية الفرنسية، لكن طموح ألمانيا كان أكبر من ذلك، وأصبح الحصول على الكونغو كمستعمرة خاصة بألمانيا هو الثمن المطلوب، واستمرّ التفاوض عسيرا إلى غاية نوفمبر/تشرين الثاني، حي جرى التوقيع على مقايضة الاعتراف الألماني بالاحتلال الفرنسي للمغرب، مقابل حصول ألمانيا على الكونغو.[11]
تنحي سلطان الجهاد.. سقوط المغرب أمام جيوش المحتلين
وجد المغرب نفسه في النهاية وحيدا في مواجهة الجيشين الفرنسي والإسباني، وبعد تفاوض عسير خاضه المغرب من موقع ضعف، توصّل إلى توقيع عقد الحماية مع فرنسا يوم 30 مارس/آذار 1912.
وبات من الواضح وقتها بالنسبة لغالبية المغاربة، أن سلطان الجهاد الذي بويع في مراكش سنة 1907، من أجل القيام بتحرير الأراضي المحتلة من قبل القوات الفرنسية، ومطالبة القوى الكبرى بإلغاء مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء، لم يعد قادرا على حمل أثقال الآمال المعقودة عليه.
وعلى إثر تأكيد التوقيع على معاهدة الحماية، عمّ الذعر بين السكان، وانتشرت الفوضى، لينتهي الأمر بتعيين المارشال الفرنسي "هوبير ليوتي" مقيما عاما بالمغرب، وتنحى المولى عبد الحفيظ عن الحكم، لفائدة أخيه مولاي يوسف.

المصادر
[1] shorturl.at/uEHK5
[2] غازي محمد، التنافس الأوربي حول المغرب الأقصى على ضوء المؤتمرات الدولية (1884-1912)، بحث لنيل شهادة الماستر، جامعة أدرار، الجزائر
[3] غازي محمد، التنافس الأوربي حول المغرب الأقصى على ضوء المؤتمرات الدولية (1884-1912)، بحث لنيل شهادة الماستر، جامعة أدرار، الجزائر
[4] غازي محمد، التنافس الأوربي حول المغرب الأقصى على ضوء المؤتمرات الدولية (1884-1912)، بحث لنيل شهادة الماستر، جامعة أدرار، الجزائر
[5] shorturl.at/eAEMV
[6] https://www.cairn.info/revue-bulleti...-2-page-75.htm
[7] https://www.cairn.info/revue-bulleti...-2-page-75.htm
[8] https://www.cairn.info/revue-bulleti...-2-page-75.htm
[9] shorturl.at/clqzJ
[10] الخمار مكوار، الصراع الألماني الفرنسي حول المغرب 1870-1912، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2020
[11] الخديمي علال، التدخل الأجنبي والمقاومة بالمغرب 1894-1910 حادثة الدار البيضاء واحتلال الشاوية، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1991



المصدر : الجزيرة نت - يونس مسكين

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع