نهايات درامية ودامية لحكام مصر في العصر الحديث
من اليمين لليسار محمد علي باشا، محمد أنور السادات، محمد حسني مبارك، محمد مرسي (وكالات)
11/2/2022
القاهرة – جاءت نهاية حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي استمر 30 عاما بشكل درامي غير متوقع بعدما أجبرته الثورة الشعبية التي انطلقت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 على التنحي.
وفي الذكرى الـ11 لمشهد تنحي مبارك في 11 فبراير/شباط 2011 نستعيد من ذاكرة التاريخ بعض النهايات الدرامية والمأساوية لحكام مصر في العصر الحديث، والتي تراوحت بين الجنون والاغتيال والعزل والنفي.
الجنون للباشا والسل لابنه
مخرف معزول في غرفته، هكذا انتهى الحال بمحمد علي باشا الكبير والي مصر وحاكمها لأكثر من 43 عاما (1805-1848) بعد حياة صاخبة مليئة بالمعارك الخارجية والداخلية ومشروعات كبرى جعلت البعض يصفه بمؤسس مصر الحديثة.
غلب الطابع المأساوي على السنوات الأخيرة لحكم محمد علي بعد الهزائم المريعة التي تعرض له جيشه وانهياره أمام التحالف الأجنبي وتوقيع معاهدة لندن عام 1840 والتي قلمت أظفار الباشا وأوقفت مشروعاته التوسعية، إلى جانب تعرض البلاد لأزمات مالية.
وأدت النكسات التي تعرض لها الوالي إلى معاناته من نوبات من الأرق وفورات الغضب، وبدأ ذهنه في الاضطراب والتبلد، وفقا لمكاتبات القناصل الأجانب في مصر لبلادهم عام 1841، ثم تطور الأمر لتظهر عليه أعراض الخرف وألزهايمر، والتي أرجعتها المؤرخة عفاف لطفي في كتابها "مصر في عهد محمد علي" إلى تأثير نترات الفضة التي كانت دواء للباشا من مرض الزحار (التهاب معوي يصيب القولون بشكل أساسي).
ومع تدهور حالة الباشا عُزل عن حكم مصر في عام 1848 وأودع في غرفته ممنوعا من المقابلات والزيارات، وتولى حكم البلاد رسميا ابنه المقرب وسيف فتوحاته إبراهيم باشا الذي كان يعاني من حالة متقدمة من السل الرئوي.
وأجهز المرض على إبراهيم باشا بعد أشهر قليلة من توليه حكم البلاد، ليموت الابن قبل أبيه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1848.
وما هي إلا أشهر معدودة حتى لحق محمد علي بابنه في 2 أغسطس/آب 1849، وكانت جنازته كما وصفها القنصل البريطاني وقتها جون موراي "هزيلة تعيسة للغاية"، وتخلف عن حضورها حاكم البلاد آنذاك عباس الأول حفيد الباشا الكبير والذي كان يكره جده.
الأحفاد يتساقطون
وعلى غرار النهاية الدرامية لحكم محمد علي باشا جاءت نهاية حكم 4 من أحفاده تولوا سدة الحكم في مصر لفترات مختلفة وتنوعت نهاياتهم بين الاغتيال والعزل والنفي.
أول الأحفاد سقوطا كان عباس باشا الأول بن أحمد طوسون بن محمد علي، والذي تولى الحكم في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1848 بعد وفاة عمه إبراهيم باشا، ليكون ثالث حكام الأسرة العلوية.
استمر عباس باشا في حكم مصر لمدة 5 سنوات ونصف، قبل أن يتعرض للاغتيال في قصره المنيف بمدينة بنها في 13 يوليو/تموز 1854.
واختلفت المصادر بشأن مدبر مؤامرة قتل عباس باشا الأول، فيذكر إسماعيل سرهنك في كتابه "حقائق الأخبار عن دول البحار" أن بعض مماليك الوالي هم من قتلوه -بمعاونة بعض غلمانه- بعدما أساء معاملتهم.
لكن مدام أولمب إدوار تنقل رواية أخرى في كتابها "كشف الستار عن أسرار مصر"، حيث اتهمت الأميرة نازلي هانم (عمة عباس) بالوقوف وراء اغتياله.
الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا (مواقع التواصل الاجتماعي)
عزل ونفي
نهاية مختلفة ولكنها لا تقل إثارة واجهها الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا خامس حكام مصر من الأسرة العلوية، إذ انتهى به الأمر معزولا ومنفيا خارج البلاد.
تولى إسماعيل حكم مصر في 18 يناير/كانون الثاني 1863، واتسمت فترة حكمه التي استمرت 16 عاما بالبذخ في الإنفاق ومحاولة تقليد النمط الأوروبي، فاضطر إلى التوسع في الاقتراض لتغرق مصر في الديون وتعجز عن السداد، مما أدى إلى فرض الوصاية الأوروبية عليها.
وفي عام 1879 رأت الدول الأوروبية أن اللحظة قد حانت للتخلص من الخديوي، وأصدر الباب العالي -بإيعاز من فرنسا وبريطانيا- فرمانا بعزل إسماعيل في برقية مهينة وتعيين نجله توفيق باشا حاكما لمصر.
المصير نفسه واجهه الخديوي الأخير عباس حلمي الثاني سابع حكام مصر من الأسرة العلوية، والذي تبوأ عرش البلاد قرابة 22 عاما بدأت في 26 مارس/آذار 1892 وانتهت بعزله في 19 ديسمبر/كانون الأول 1914.
واتسم عهد عباس حلمي الثاني بمحاولاته للوقوف في وجه هيمنة الاحتلال الإنجليزي والتقرب من الشعب لتزداد شعبيته، وارتبط اسمه لاحقا بالهتاف الشهير في المظاهرات الوطنية ضد الاستعمار "الله حي، عباس جاي".
واستغلت بريطانيا اندلاع الحرب العالمية الثانية ووجود الخديوي عباس خارج البلاد لتعلن فرض الوصاية على مصر في 18 ديسمبر/كانون الأول 1914، وفي اليوم التالي صدر قرار بريطاني بخلع الخديوي من منصبه، وظل في منفاه 30 عاما حتى توفي في 19 ديسمبر/كانون الأول 1944، وهو نفس تاريخ اليوم الذي عزل فيه.
انقلاب ونهاية غامضة
نهاية مأساوية أخرى كانت من نصيب الملك فاروق آخر حكام مصر من الأسرة العلوية بعدما أطاح به تنظيم الضباط الأحرار في 23 يوليو/تموز 1952 عقب 16 عاما قضاها على عرش البلاد، لينتهي حكم أسرته الذي استمر قرابة 150 عاما.
ونفي الملك الأخير خارج البلاد، وعاش نحو 13 عاما في إيطاليا، لتنتهي حياته بشكل غامض في 18 مارس/آذار 1965، وقالت الشرطة الإيطالية إن فاروق مات بذبحة صدرية، لكن قيل إن المخابرات المصرية قد خططت لاغتياله بأوامر من الرئيس آنذاك جمال عبد الناصر، بعد إشاعات عن تخطيط فاروق للعودة إلى مصر.
ضحية الديمقراطية
لم يختلف مصير حكام مصر بعد انتهاء العصر الملكي عن سابقه، وكانت البداية مع اللواء محمد نجيب الذي حكم البلاد كأول رئيس للجمهورية لأقل من عامين (18 يونيو/حزيران 1953-14 نوفمبر/تشرين الثاني 1954)، قبل أن يطيح به رفاقه في مجلس قيادة الثورة بعد تفاقم الخلافات بينهم.
كان نجيب يرى ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته وإبعاده عن السلطة وعودة الحياة النيابية المدنية، لكن جمال عبد الناصر -الذي كان يسيطر على المجلس- كان له رأي آخر انتهى بعزل نجيب ووضعه تحت الإقامة الجبرية وإزالة اسمه من كتب التاريخ والوثائق الرسمية والسجلات ومنع ظهوره في وسائل الإعلام.
نهاية دموية
جاءت نهاية حكم الرئيس محمد أنور السادات صاخبة ودموية بعد حكم استمر 11 عاما (1970-1981)، إذ تعرض للاغتيال على الهواء مباشرة ووسط قواته وقادته في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981 خلال عرض عسكري للاحتفال بالذكرى السنوية الثامنة لحرب أكتوبر 1973.
الثورة تخلع مبارك
بعد 30 عاما قضاها مبارك في سدة الحكم أجبرته الثورة الشعبية التي اندلعت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 واستمرت 18 يوما على التنحي، ووقف نائبه ومدير مخابراته وقتها اللواء عمر سليمان في 11 فبراير/شباط 2011 ليعلن بوجه عابس تخلي مبارك عن الحكم وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.
وأجبر زخم ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والضغط الشعبي الذي تلا تنحي مبارك السلطات الحاكمة آنذاك على تقديمه إلى المحاكمة بتهم الفساد المالي وقتل الثوار، ليقبع مبارك خلف القضبان، قبل أن يحصل لاحقا على "البراءة".
الموت أسيرا
جاءت نهاية حكم أول رئيس مدني منتخب لمصر محمد مرسي أكثر مأساوية رغم أن حكمه لم يستمر لأكثر من عام واحد انتهى بـ"انقلاب عسكري" في 3 يوليو/تموز 2013 قيل إنه استجابة للمظاهرات المعارضة التي خرجت في 30 يونيو/حزيران تطالب بتنحي الرئيس.
عقب عزل الجيش مرسي ألقي القبض عليه وتم إخفاؤه قسريا، ليظهر كمتهم في قاعات المحاكم وتصدر بحقه 3 أحكام نهائية في قضايا "أحداث الاتحادية"، و"التخابر مع قطر"، و"إهانة القضاء".
وظل مرسي محبوسا في زنزانة انفرادية ومحروما من الزيارة لمدة 6 سنوات حتى وافته المنية في 17 يونيو/حزيران 2019 إثر نوبة قلبية في قاعة المحكمة أثناء إحدى جلسات محاكمته.
المصدر : الجزيرة نت - عبد الرحمن أحمد - القاهرة
نهايات درامية ودامية لحكام مصر في العصر الحديث
