ماذا تعرف عن معاناة عمالقة الصبر بسجون إسرائيل؟
21/1/2022
جنين- كاد أن ينهي عقده التاسع من العمر ولمّا يفقد الحاج محمد شريف السعدي (أبو عماد) الأمل يوما في أن يرى ابنه الأسير رائد محررا ويضمه إلى صدره، حاله حال الآلاف من أهالي الأسرى الذين يتوقون لرؤية أبنائهم وينشدون حريتهم بكل مكان وزمان.
يقضي رائد (57 عاما) عامه الـ34 في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو واحد من 25 من الأسرى القدامى أو من باتوا يسمون "أسرى الدفعة الرابعة" الذين تعتقلهم إسرائيل وترفض الإفراج عنهم بصفقة تبادل أو بسواها من عمليات التسوية السياسية بينها وبين السلطة الفلسطينية.
ليس وحده الأسير رائد من يعد ساعاته وأيامه داخل زنزانته في سجن ريمون، فوالده أبو عماد يحسبها بدقة، كيف لا وهو أستاذ الرياضيات المتقاعد، بل يسرد تفاصيلها لكل من يزوره، كحالنا معه حين التقيناه بمنزله في بلدة سيلة الحارثية قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
والد الأسير رائد السعدي متمسك بآخر أمانيه بضم نجله الأسير ومعانقته قبل أن يفارق الحياة (الجزيرة)
وبصوته الحاد وبلغة عربية فصيحة، راح أبو عماد يخبر الجزيرة نت عن آخر أمانيه بضم نجله الأسير ومعانقته قبل أن يفارق الحياة، فقد خارت قواه وأعياه المرض بعد أن توفيت زوجته وأحد أولاده، وابيضت عيناه حزنا على رائد، ففقد بصره منذ 5 سنوات وصار يفقد سمعه تدريجيا، ولم يزره منذ ذلك الحين.
وشجاعة رائد وقوة شخصيته دائمتا الحضور على لسان والده، ويقول "كان الحكم مؤبدا واحدا بحق رائد، لكن تحوّل لمؤبدين بعدما قال رائد للقاضي: أنا من عليه أن يقاضيك لأنك محتل لأرضي وبلدي".
وبهذه القصص وبغيرها تصبر عائلة رائد نفسها على مر الفراق والقهر الذي يعيشونه، ويطالبون بأن يكون وأمثاله على سلم أولويات المقاومة والقيادة السياسية الفلسطينية بكل أشكالها بأي عملية قادمة.
طال الغياب.. فلا عذر
الوجع ذاته تعيشه عوائل الأسيرين جمعة آدم ومحمود أبو خربيش بمدينة أريحا، "فأكثر من نصف من أعمارهم مرت بالسجون، هذا يكفي، أليس كذلك؟"، تقول الحاجة فضة السالم والدة الأسير محمود للجزيرة نت.
وهي كأي أم باتت تعيش علامات ساعتها كما تقول، وأملها أن تنعم باحتضان ولدها محررا "وهذا المطلوب من القيادة الرسمية والمقاومة الفلسطينية فعله وبأسرع وقت".
صور لمجموعة من الأسرى في سجون الاحتلال (الجزيرة)
وأسرى الدفعة الرابعة هم القدامى المعتقلون ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، والذي تضمن الإفراج عنهم، إلا أن إسرائيل ظلت تماطل حتى العام 2013، حيث أفرجت عن معظمهم على 3 دفعات ضمن ما عرف بتفاهمات العودة للمفاوضات، وأبقت على 32 أسيرا (بقي منهم الآن 25) جلهم من فلسطين المحتلة عام 1948، وأبرزهم كريم يونس المعتقل منذ 39 عاما.
ولعلَّ من يتحدث عن معاناتهم من عاش بينهم كحال الأسير المحرر مؤيد حجي، أحد المفرج عنهم من أسرى الدفعة الثالثة، ويقول للجزيرة نت "إن أصعب شيء على الأسير أن يعيش فرحة الإفراج عنه ثم لا يقع، فتنتكس حاله".
وعاد بنا حجي للحظات ما قبل الإفراج عنه ليقول إنه من المفارقة ألا يحمل الأسير رسالة أو وصية من رفاقه كما حاله معهم، لأنهم كانوا على يقين بالإفراج وأنها مسألة أيام فقط، "وبعد كل هذه السنوات لا عذر لأحد تجاهكم"، يضيف حجي.
فشل للكل.. وتلاعب إسرائيل وتعنتها
ويمثل بقاء أسرى قضوا 4 عقود بسجون الاحتلال "حالة فشل" لكل الحركة الوطنية الفلسطينية التي لم تتمكن عبر المفاوضات السياسية أو صفقات التبادل من تحريرهم، كما يقول القيادي الفلسطيني ورئيس نادي الأسير قدورة فارس.
ويرى فارس في حديثه للجزيرة نت أن تحرير الأسرى بإحدى طريقتين عملية سياسية تستند للقانون الدولي وتعترف بحرية الشعب الفلسطيني، والأسرى جزء منهم، وهذا "باب موصد" لأنه لا يوجد شريك إسرائيلي لعملية سياسية -قوضتها إسرائيل أصلا- تعيد الحقوق لأصحابها.
قدورة فارس: المطلوب تعاضد جماعي فلسطيني من السلطة والأحزاب والشعب بكل مكوناته للإفراج عن الأسرى (الجزيرة)
ولهذا تبقى الطريقة الأخرى بمقاومة الفلسطينيين وقدرتهم على المقايضة وإحداث صفقات تبادل للأسرى، "ورغم ذلك لا يُلقَى باللوم على الفلسطيني بتحرير الأسرى لعدم قدرته على ذلك أمام تعنت إسرائيل وهيمنتها"، يقول فارس.
وتلاعبت إسرائيل أصلا -حسب فارس- بتقسيمها الأسرى القدامى لأربع دفعات كرد على اشتراط السلطة الفلسطينية الإفراج عنهم للعودة للمفاوضات التي تعثرت عندما رفض الاحتلال إطلاق الدفعة الرابعة.
والسلطة بمفردها، كما يرى فارس، لا يمكنها أن تضغط على إسرائيل لتفرج عن الأسرى، ولذا فالمطلوب تعاضد جماعي فلسطيني من السلطة والأحزاب والشعب بكل مكوناته لتحقيق ذلك.
وتقول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن ديدن الاحتلال كسر إرادة المقاومة ونضال الشعب الفلسطيني عبر إطالة أمد الاعتقال لفترات طويلة كما يحدث مع الأسرى القدامى، لكنها كما يقول الناطق باسم حماس بغزة حازم قاسم سياسة أثبتت فشلها وكانت المقاومة وستظل سببا في تحررهم.
ويؤكد قاسم للجزيرة نت أن صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط) وإن لم تشمل جميع الأسرى القدامى فقد حررت جزءا منهم، وأن لدى حماس إستراتيجية ثابتة وواضحة تهدف لتبييض السجون الإسرائيلية عبر "وفاء الأحرار ثانية وثالثة، فالأسرى القدامى يقعون بقلب أي صفقة قادمة".
تحكم إسرائيل
ولم تبن صفقة وفاء الأحرار على المعيار الزمني والأقدمية للأسرى بقدر معيار الشمولية لكل مكونات الشعب الفلسطيني، كما يرى الباحث بشؤون الأسرى فؤاد الخفش، وذلك لأن الإفراج لم يكن ليطال هذا العدد الكبير من الأسرى (1027 أسيرة وأسيرا) ولرفض الاحتلال أصلا إطلاقهم وتحفظه على أسماء كثيرة.
الأسير مؤيد حجي (وسط)
كان ضمن الدفعة الثالثة التي افرج الاحتلال عنها عام 2013 (الجزيرة)ويقول الخفش إن السلطة أيضا لم يكن لها خيار بالإفراجات التي تمت منذ أوسلو وطالت نحو 10 آلاف أسير، سواء إفراجات "حسن النية" كما تسميها إسرائيل، أو ضمن تفاهمات فلسطينية إسرائيلية، "بل إن السلطة لم تكن جادة في إطلاق الأسرى، ومن يتحكم بالمعايير هو إسرائيل، ولهذا أفرج عمن قاربت محكوميتهم أن تنتهي أو ذوي الأحكام الخفيفة"، يضيف الخفش.
وبمعيار الأقدمية، فإن معظم الأسرى هم قدامى، تقول الناشطة بمجال الأسرى أماني سراحنة للجزيرة نت، وتضيف أن الأسرى القدامى باتوا اليوم مستويات، وهذا ينسحب أكثر على من أعادت إسرائيل اعتقالهم من صفقة "وفاء الأحرار" الذين تجاوز بعضهم 42 عاما كنائل البرغوثي.
المصدر : الجزيرة نت - عاطف دغلس
ماذا تعرف عن معاناة عمالقة الصبر بسجون إسرائيل؟
