تضارب المصالح
"تضارب المصالح" وضع يمكّن هيئة أو شخصا ما من تحقيق مصلحة مادية أو معنوية على حساب الواجبات الوظيفية. وتسعى الحكومات والهيئات إلى مكافحته بقوانين وسياسات عملية، حفاظا على الحكامة الرشيدة وسمعة الهيئة ونزاهة الموظفين ومصالح الآخرين.
أهداف وآليات
يُمكن تعريف "تضارب المصالح" بأنه كل تصرف أو موقف يحقق مصلحة مادية أو معنوية لهيئة ما -أو من يمثلها رسميا- بأي شكل من الأشكال، ويكون متعارضا مع أداء واجباتها أو واجبات ممثلها الرسمية.
والغاية من حظر "تضارب المصالح" -ويعبر عنه أيضا بتعارض المصالح أو ازدواج المصالح- سواء أكان فعليا أو محتملا، هو منع تشكل أو إحداث ضرر بمصالح الآخرين أو المس بسمعتهم ونزاهتهم، سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم هيئات ومؤسسات حكومية أو خاصة. وذلك عبر الالتزام بالمتطلبات التشريعية والآليات الإدارية المتبعة في هذا الشأن.
ومع أن حالات تضارب المصلحة لا تعني بالضرورة ارتكاب خطأ فإنها يمكن أن تضر بعمل ونزاهة من تصدر منه وما يمثله، خاصة أن من أهم أسبابها الميل لتحقيق مصلحة شخصية، أو المحاباة والمحسوبية الناتجة عن علاقة قرابة أو صداقة أو شراكة، أو التأثر بعلاقة عـداوة أو كراهية للآخر.
وتستخدم الهيئات -على اختلاف أنواعها وتخصصاتها- مجموعة واسعة من المعايير والإجراءات عند وضعها لسياساتها الخاصة بمنع "تضارب المصالح"، والتي تساعد مديريها ومسؤوليها وموظفيها وعملاءها على تحديد المواقف التي تشكل حالات تضارب مصالح، وتمكّن الإدارة من مراقبة الالتزام بساساتها الخاصة بذلك. كما تتفاوت الهيئات في النص على هذه المعايير ودرجة الإلزام بها.
ولعل من أكثر عناصر سياسة منع تضارب المصالح شيوعا بين جميع الهيئات المعايير والإجراءات التالية:
1- الإفصاح المالي:
وهو إجراء تنص عليه سياسات منع تضارب المصالح ويُلزَم الموظفون بموجبه بتقديم إقرارات تتعلق بأنفسهم وزوجاتهم أو أزواجهم وأبنائهم القاصرين. وتحتوي هذه الإقرارات على شهادة تفيد بأن الأصول المالية المملوكة لهم لا تمثل تضاربا في المصلحة بين أداء واجبات الموظف الرسمية ومصالح الهيئة التي يعمل لديها.
2- الهدايا والضيافة:
تمنع سياسات منع تضارب المصالح للهيئات موظفيها من قبول أو تقديم أي هدية أو ضيافة أو تكريم من المتعاملين معهم، إذا كان من شأنها أن تؤثر على واجباتهم الرسمية أو تتعارض مع التزاماتهم القانونية أو الإدارية. ويشترط بعض الهيئات الحصول على موافقة مسبقة من إدارتها عند قبول موظفيها لأي من ذلك، أو توجب تسليم الهدايا العينية إلى الإدارة عند قبضها.
3- استغلال المعلومات:
تُلزم سياسات منع تضارب المصالح للهيئات موظفيها بمنع استخدام المعلومات التي تكون متاحة لهم بحكم مناصبهم -أيا كان متعلقها- لتحقيق مصلحة له أو لجهة أخرى ربحية أو غير ربحية، أو الإفصاح عنها لأي كان لتوظيفها في مصلحته أو الإضرار بالآخرين.
وتضع هذه المعايير والإجراءات على الموظفين واجبين عند حصول تضارب في المصالح، هما:
- واجب الإفصاح: وهو أن يتقدم الموظف بالإفصاح عن "تضارب المصالح" حال وجوده أو احتمال وجوده في أي معاملة أو إجراء يخصه أو يكلف به أو يشارك فيه.
- واجب الامتناع: وهو أن يلتزم الموظف -الذي أفصح عن وجود تضارب مصالح يتعلق به- بالامتناع عن استخدام نفوذه للتأثير في سير المعاملة أو الإجراء ذي العلاقة، بما في ذلك واجب الامتناع عن حضور الاجتماعات التي سيُبتّ خلالها في تلك المعاملة.
نماذج وحالات
تضع الحكومات عادة قوانين خاصة بـ"تضارب المصالح" تنظم العلاقة بين المصالح الخاصة والعامة للمسؤولين الحكوميين أيا كانت مواقعهم، وتُلزم المسؤولين الحكوميين بإعلان حجم أملاكهم وثرواتهم قبل وبعد توليهم المناصب العامة. وتشكل لهذا الغرض أيضا هيئات مؤسسية رسمية مثل لجان النزاهة وأجهزة تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار.
وتهدف الحكومات من ذلك إلى مواجهة حالات الفساد الناتجة عن التربح بالمنصب واستغلال النفوذ من قبل المسؤولين والموظفين (مصالح رجال الأعمال وأصحاب النفوذ)، والتمكن من الكشف عنها إعلاميا بمقتضى قوانين حرية تداول المعلومات، وملاحقة أصحابها قضائيا أمام المحاكم.
ومن نماذج ذلك ما جرى يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004 حين وافق البرلمان في إيطاليا على "قانون تعارض المصالح"، من أجل منع رئيس الوزراء آنذاك سيلفيو برلسكوني من استغلال صلاحيات منصبه الحكومي في تعزيز وضع إمبراطوريته الاقتصادية الكبيرة.
وقضى القانون بعدم السماح لبرلسكوني بإدارة شركاته رسميا بما فيها أكبر شبكة تلفزيون خاصة في البلاد وهي شبكة "ميدياست"، لكنه سمح له بالحفاظ على ملكيتها ولم يُلزمه بوضع شركاته في أيدي شخص يثق به كما هو الحال في دول أخرى.
وفي نوفمبر/تشرين الأول 2016 أثارت وسائل الإعلام بالولايات المتحدة ونواب في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، الانتباه إلى مخاطر تضارب المصالح الذي يمثله وضع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بوصفه مالكا لإمبراطورية تجارية داخل أميركا وخارجها.
وصدرت دعوات تطالب ترمب بالتخلي عن مصالحه التجارية قبل تنصيبه رئيسا لكيلا يتورط في تعارض مصالح ينتهك به نص الدستور الأميركي، الذي يمنع "البند 9" من "المادة 1" فيه الرؤساء من قبول أي هدية أو مكافأة أو منصب أو لقب أو أي شيء مهما يكن من أي ملك أو دولة أجنبية، ويُلزم الرئيس بمراجعة أعماله التجارية وتسليم أي أموال أو مكافآت من دولة أجنبية للخزانة العامة.
وقال خبراء النزاهة -الذين يراقبون إمبراطورية ترمب التجارية- إنه يمتلك 111 شركة على الأقل تنشط في 18 دولة، وهو الأمر الذي لم يسبق له مثيل مع أي رئيس أميركي سابق، لأن هناك كثيرا من المخاطر الدبلوماسية والسياسية وحتى الأمنية في امتلاك الرئيس مجموعة من المصالح حول العالم، خاصة أنه ليس واضحا حجم وطبيعة علاقاته المالية.
ورغم إعلان ترمب -الذي وُجهت له اتهامات بالتهرب الضريبي على مدى سنوات طويلة- أنه سيترك إدارة أعماله التجارية الضخمة وسيفوض عائلته في إدارتها قبل تنصيبه رئيسا؛ فإن باحثين في الكونغرس وخبراء في النزاهة يقولون إن نقل الإدارة إلى الأبناء لن يقيم فصلا حقيقيا بين عمل ترمب الخاص وعمله العام. وفي العادة يضع الرؤساء الأميركيون أرصدتهم المالية في صناديق سرية تُدار دون تدخل منهم.
المصدر : الجزيرة نت , مواقع إلكترونية