مقال بفورين أفيرز: القوة لا تصنع الحق في أوكرانيا والقانون الدولي يتصدى للغز

[الباسل]

مقال بفورين أفيرز: القوة لا تصنع الحق في أوكرانيا والقانون الدولي يتصدى للغزو


محكمة العدل الدولية استجابت بسرعة غير مسبوقة للنظر في انتهاكات الحرب بأوكرانيا (الأمم المتحدة)


17/3/2022

وصف مقال بمجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه "أكثر الحروب غير الشرعية وقاحة" والتي تشنها دولة ذات سيادة ضد دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية.
ووفقا لكاتبة المقال أونا آن هاثاواي -وهي محامية أميركية وأستاذة للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل- فإن إقدام الكرملين على شن الغزو يعد انتهاكا واضحا للالتزام الأساسي الوارد في ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع "استعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة".

ولفتت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد توعد الأوكرانيين مؤخرا بأنهم إذا ما استمروا في المقاومة فإنهم سيعرّضون مستقبل الدولة الأوكرانية للخطر.

خرق غير عادي للقانون

وذكرت الكاتبة أن سيلا من الأدلة الآنية الواردة من أوكرانيا تؤكد أن الجيش الروسي يرتكب جرائم حرب في كل أرجاء البلاد، كما يستهدف المدنيين، مضيفة أن تلك "الأفعال غير العادية الخارقة للقانون" قوبلت بأعمال غير عادية بنفس القدر لإنفاذ القانون.
وأضافت أن أكثر ردود الفعل على "الحرب غير المشروعة بشكل صارخ" والتي نوقشت على نطاق واسع ذلك الطوفان غير المسبوق من العقوبات المنسقة التي فرضتها الولايات المتحدة، وأوروبا ومعظم دول العالم ضد روسيا.
وطبقا للكاتبة، فقد طُبِّقت تلك العقوبات تحديدا وبشكل مباشر ردا على انتهاك روسيا لميثاق منظمة الأمم المتحدة، وكانت نتيجتها أنها بعثت برسالة مفادها أن غزو أوكرانيا لا يشكل تهديدا لأوكرانيا وحدها بل للنظام القانوني الدولي أيضا.
ثم إن دول العالم، بانضمامها لتلك العقوبات، تعرب بوضوح أنها هي الأخرى ترفض الغزو الروسي "غير الشرعي وما يمثله من انتهاك".

الحرمان من جني ثمار التعاون الدولي

وتشير هاثاواي في مقالها إلى أن القانون الدولي المعاصر يطالب الدول بالرد على الانتهاكات، ليس بالحرب ولكن بعقوبات تحرم أي دولة تخرق القانون من جني ثمار التعاون الدولي.
وتستطرد الكاتبة بأنه في هذه الحالة فإن الحرمان أو الإقصاء لا يتضمن عقوبات اقتصادية وحدها إنما يحظر كذلك الرياضيين الروس من المشاركة في الفعاليات الرياضية العالمية، ويمنع الطائرات الروسية من التحليق فوق المجالين الجويين الأوروبي والأميركي، ويحجب وسائل الإعلام الروسية في دول الاتحاد الأوروبي.

لكن ليس هذا كل شيء، فالمؤسسات القانونية الدولية التي عادة ما تكون في حالة من الخمول -برأي أستاذة القانون الدولي- دبت فيها الحياة من جديد فجأة إثر الغزو الروسي "غير الشرعي"، فقد أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعد الغزو بأيام قليلة أنه سيجري تحقيقا حول جرائم حرب روسية محتملة وجرائم ضد الإنسانية.
كما أن أوكرانيا طلبت بدورها من المحكمة الجنائية الدولية التدخل في الصراع. وهناك مطالب متعاظمة لإنشاء محكمة خاصة للنظر في ما إذا كانت جريمة عدوان.

ردود فعل عالمية غير مسبوقة

ومع أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت تلك المحاولات ستكلل بالنجاح، فإن ردود الفعل غير المسبوقة قد يكون لها تأثير غير متوقع في إحياء النظام القانوني الدولي وتعزيزه من حيث لم يحسب له بوتين حسابا. وعلى حد تعبير هاثاواي، فإن الصراع لا يتعلق فقط بمستقبل أوكرانيا، إذ هو يخص مستقبل النظام القانوني الدولي الذي نعرفه أيضا.
وتطرقت الكاتبة إلى محاولات مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار يشجب الغزو الروسي، ويطالب بسحب القوات الروسية من أوكرانيا، إلا أن موسكو أجهضته باستخدامها حق النقض (الفيتو).
وبحسب المقال، فقد بدأ دولاب العدالة بالدوران سريعا. ففي 28 فبراير/شباط، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان أنه يسعى للحصول على تفويض لفتح تحقيق بأسرع ما يكون. ورغم أن كلا من روسيا وأوكرانيا ليستا طرفا في نظام روما الأساسي الذي تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، فإن كريم خان صرح بأنه سيعجّل بالتحقيق إذا أحالت دولة عضو ملف الأزمة الأوكرانية إلى مكتبه.
وتقول هاثاواي إنه لم يحدث قط أن جاءت استجابة المحكمة الدولية على اندلاع نزاع بهذه السرعة، مشيرة إلى أن تصريح المدعي العام يعني أن المقاتلين وقادتهم العسكريين من طرفي الصراع -بمن فيهم بوتين نفسه- قد يلاحقون قضائيا بتهم تتعلق بجرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية أو ارتكاب مذابح.

الاختلاف بين حالتي سوريا وأوكرانيا

وعقدت المحامية الأميركية وأستاذة القانون في مقالها مقارنة بين الصراعات في أوكرانيا وسوريا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها. وقالت إن الوضع في أوكرانيا يختلف عما دار من حروب في سوريا أو القرم.
وعلى خلاف ما يجري في سوريا، لم توافق القيادة الأوكرانية على استخدام روسيا للقوة، فقد ظل رئيسها فولوديمير زيلينسكي يقود بلاده في أكثر اللحظات "العظيمة" للمقاومة والتي تتجلى فيها الهوية الوطنية في التاريخ الحديث.
فقد حوَّل زيلينسكي أوكرانيا إلى "رمز للديمقراطية والحرية في وجه العدوان الروسي".
وحتى لو سقطت الحكومة الأوكرانية -تقول هاثاواي في ختام مقالها- فإن الإدانة القانونية الموحدة والمستمرة للغزو تعد أمرا لا غنى عنه ليس فقط لاستدامة الأمل في مستقبل تكون فيه أوكرانيا حرة ومستقلة، بل كذلك للحفاظ على النظام القانوني الدولي القائم على مبدأ أن القوة لا تستطيع أن تصنع الحق.

المصدر : فورين أفيرز