مسودة قانون لتجنيد الحريديم في الجيش يثير الجدل بإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي - عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          مقال في "نيويورك تايمز": ترامب فوق القانون (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الجنرال محمد إدريس ديبي - رئيس المجلس الانتقالي في تشاد (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2431 )           »          الجيش الأحمر.. قصة منظمة زرعت الرعب في ألمانيا واغتالت شخصيات هامة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          البنتاغون: إسرائيل ستشارك في تأمين الميناء المؤقت بغزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          جرائم الحرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          جرائم ضد الإنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          التطهير العرقي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          تنظيم الدولة يتبنى هجوم موسكو وسط إدانات دولية ونفي أوكراني بالضلوع فيه (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 69 )           »          احتكاك عسكري بين روسيا وأميركا في القطب الشمالي (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          صحيفة روسية: الناتو مستعد للحرب ضد روسيا منذ 10 سنوات (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 66 )           »          حزب الله يستهدف موقع رادار ومنصتين للقبة الحديدية الإسرائيلية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          بعد عامين من إنشائه.. ما هو حال قراصنة "جيش أوكرانيا الإلكتروني"؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح التــاريخ العسكــري و القيادة > قســـــم التــاريخ العـســــكــري
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


الثورة الفرنسية - The French Revolution

قســـــم التــاريخ العـســــكــري


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 11-05-22, 03:21 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الثورة الفرنسية - The French Revolution



 

الثورة الفرنسية - The French Revolution

تُعد الثورة الفرنسية واحدة من تلك الأحداث القليلة في تاريخ البشرية، التي لا تزال عواقبها الزلزالية يتردد صداها عبر قرونٍ وما وراء حدود فرنسا، إذ اندلعت عاصفة بعد تمرد سكان باريس واستيلائهم على الرمز المكروه "سجن الباستيل" في 14 يوليوز 1789، لكن هذا لا يمثل فقط نهاية النظام الملكي المطلق أو ما يسمى بـ "النظام القديم"، ولم يكن الأمر مجرد حالة انتفاضة لحشد فقير جائع، ضد حكامه المستبدين ومحاولته اليائسة للانتقام والمطالبة بالتغيير. بل كان أكثر من ذلك بكثير، فقد حاول الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنزCharles Dickens، في عام 1859، تحديد ماهية الثورة الفرنسية بوصفها زمناً متناقضاً وفوضوياً، أعطى كل شيء: "لقد كان عصر الحكمة، عصر الطيش، كان وقت الإيمان، وقت الكفر، كان مكان الأنوار، ولكن أيضًا مكان الظلام ".... لذلك كانت أكثر من ذلك بكثير، لأن أحداث الثورة التي هزت فرنسا بين 1789 و1799 هي الأكثر تعقيدًا وتناقضًا في تاريخ أوروبا، وليس فقط في فرنسا نفسها، حيث جلبت الثورة معها تغيرات اقتصادية، سياسية، اجتماعية، وثقافية عميقة. فكانت ولادة "النظام الجديد" نتيجة لثورة دموية هزت العالم، حيث مات مئات الآلاف من الأبرياء، وارتعدت رؤوس أوروبا القديمة المتوجة وهي تراقب برعب وعجز الطريقة التي تقطع بها المقصلة رؤوس أقرانها. لكن منذ تلك الأيام التي أظهر فيها عهد الإرهاب مسلكياته العدوانية، لم يُسحق الأمل من جراء ذلك، لأنّ الثورة الفرنسية كانت أيضًا فترة مُثُلٍ وأَحْلاَمٍ، حيث كان الناس، الذين أخذوا مصيرهم بأيديهم، مصممين على إصلاح الأمور لصنع مستقبل أفضل لأنفسهم. بالتالي، تم تجديد المؤسسات السياسية والتعليمية والقضائية والثقافية والعسكرية، فتناثرت بذور هذا التجديد في جميع أنحاء العالم. ولعلَّ هذا الاقتباس خير دليل على ذلك: "مبادئ حرية المعتقد وحرية التعبير كما ورد في إعلان حقوق الإنسان والمواطن، على الرغم من عدم تطبيقها في جميع أزمنة الفترة الثورية، إلا أنها أدت إلى منح حرية الفكر والحقوق المدنية للإنسانية". في مرحلة ابتدائية، قبل سبر أغوار هذا الموضوع، لابدا من تحديد تعريف له، على أن نتطرق في هذه المقالة لأهم محطاته التاريخية، مراحله، تأثيره التاريخي، نتائجه وأبرز النظريات التي أثيرت حوله.

أولا: مفهوم الثورة الفرنسية:
تعتبر الثورة الفرنسية فترة تحولات واضطرابات سياسية واجتماعية، ميزت التاريخ السياسي، الاجتماعي والفكري لفرنسا خاصة وأوروبا بوجه عام، حيث ابتدأت سنة 1789م وانتهت تقريبا سنة 1799م، وقد عملت حكومات الثورة الفرنسية على إلغاء الملكية المطلقة المستمدة من الحق الإلهي، الامتيازات الإقطاعية للطبقة الأرستقراطية، النفوذ الديني الكاثوليكي، وإعلان الجمهورية. حيث يُنظر الى الثورة الفرنسية بأنها أولى الثورات البورجوازية، ومن أهم الأحداث التاريخية في أوروبا الحديثة، التي أثرت على الثورات التي حدثت بعدها، باقتباسها مبادئها الثورية: "الحرية، المساواة، الإخاء".

ثانيا: مراجعة تاريخية للثورة الفرنسية:
1-لمحة تاريخية:
كانت الثورة الفرنسية مرحلة تاريخية لتحولات واضطرابات اجتماعية وسياسية حدثت في فرنسا بين عامي 1789 و1799، فكانت أبرز نتائجها: إلغاء الملكية المطلقة وإعلان الجمهورية، مع القضاء على الأسس الاقتصادية والاجتماعية للنظام القديم بإنشاء نظام ديمقراطي جديد. على الرغم من أن التنظيم السياسي لفرنسا، كان يتأرجح بين الجمهورية والإمبراطورية والملكية لمدة 75 عامًا، بعد سقوط الجمهورية الأولى إبّان انقلاب نابليون بونابرت، إلا أنّ الثورة في حقيقة الأمر، شكلت النهاية للاستبداد وأنجبت نظاماً جديداً أصبحت فيه البرجوازية، وفي بعض المناسبات الجماهير الشعبية، القوة السياسية المهيمنة في البلاد.
كانت الثورة الفرنسية نتاجًا للعديد من العوامل الداخلية والخارجية التي كانت مهمة جدًا وقت التظاهر بشكل عام، وهي أن هذه الأحداث نتجت عن اختلال توازن الأمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث لم يكن الجميع على قدم المساواة. ومع ذلك، فقد ثبت أن النشاط الثوري بدأ يتشكل عندما كانت هناك أزمة في المالية الملكية في عهد لويس السادس عشر (1774-1792)، بسبب نمو الدين العام. وتجدر الإشارة، أنه رغم أنَّ فرنسا كانت دولة ذات اقتصاد متوسع، إلا أنها كانت تتمتع ببنية اجتماعية متضاربة ودولة ملكية متأزمة. في الواقع، يمكن الحديث عن أزمة النظام القديم في جميع أنحاء أوروبا الغربية، لكنها في الدولة الفرنسية تؤشر على السبب الرئيسي للأزمة في الريف وانتفاضات الفلاحين، بالإضافة إلى وجود برجوازية وَعَتِ اللحظة وصار لها دور فيما يتعلق بالتغييرات التي يحتاجها المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت. وبالتالي، كانت هناك أيضًا معارضة عامة ضد القواعد الاقتصادية والاجتماعية التي رجحت مصالح الفئات المتميزة، كما هو موضح في الاقتباس التالي: "... كان معظم السكان غير سعداء بسبب الفقر والالتزام بدفع ضرائب مرتفعة ..." يضاف إلى ذلك وضع الدولة الفرنسية التي كانت تعاني من أزمة مالية خطيرة، فقد أنفقت أكثر بكثير مما جنته، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الدعم المالي الذي أرسلته الحكومة إلى 13 مستعمرة إنجليزية في حرب الاستقلال وبسبب التكاليف العالية للحفاظ على الفئات ذات الامتيازات الاقطاعية.

في عهد الملك لويس الخامس عشر والملك لويس السادس عشر، حاول وزراء مختلفون دون جدوى إصلاح النظام الضريبي وتحويله إلى نظام أكثر عدلاً وتوحيدًا، فقد واجهت مثل هذه المبادرات معارضة شديدة من طبقة النبلاء، الذين اعتبروا أنفسهم الضامن لمكافحة الاستبداد. هؤلاء الوزراء، بعد دراسة مفصلة للوضع المالي، قرروا بعدم استدامته وأن هناك حاجة إلى إصلاحات مهمة، إذ اقترحوا قانوناً ضريبياً موحداً فيما يتعلق بحيازة الأراضي، وأكدوا أن هذا سيسمح بالتوحيد المالي. ومع ذلك، على الرغم من اقتناع الملك بضرورة الإصلاح المقترح، رفض مجلس الأعيان قبول هذه الإجراءات، وأصر على أن هيئة تمثيلية فقط، أي البرلمان العام، يمكنها الموافقة على الإصلاح المذكور. وبهذا المعنى، طلب الملك منهم الاستقالة بسبب الضغوط، ونصب بدائل ممن حاولوا تنفيذ الإصلاحات التي اقترحها الوزراء السابقون، لكنهم واجهوا مرة أخرى معارضة قوية، خاصة من قبل برلمان باريس، حيث جرت محاولة للمضي قدماً في الإصلاح الضريبي على الرغم من البرلمانات، لكن هذا تسبب في مقاومة هائلة من فئات المجتمع الثرية، التي أدت إلى سحب القروض القصيرة الأجل، لقد أعطت هذه القروض الأكسجين والحياة لاقتصاد الدولة الفرنسية في ذلك الوقت، مما أدى عمليًا إلى حالة من الإفلاس الوطني.

وفقًا لما سبق، يعتبر إفلاس دولة فرنسا عام 1778 واضطرار الملك لويس السادس عشر الى عقد مجلس طبقات الأمة (رجال الدين، النبلاء، الطبقة الثالثة) بشأن زيادة الضرائب بطريقة عادلة، والشروع في إصلاح البلاد. أيضا، انعقاد مجلس طبقات الأمة في 5 مايو 1789، الذي تم إنشاؤه من قبل الجمعية التأسيسية، بمثابة بداية الثورة وتعجيلها. لقد مرت الثورة الفرنسية بمرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى هي الملكية الدستورية بين 1789 و1792 والمرحلة الثانية المؤتمر الوطني الفرنسي بين 1792 و1795، والتي تميزت فيها فترة الإرهاب في 1793 و1794، وتختتم مع الانقلاب الذي أقدم عليه نابليون بونابرت - Napoléon Bonaparte.
*ملاحظة: مجلس طبقات الأمة: في النظام السياسي لمملكة فرنسا، كانت طبقات الأمة الخاصة بالمملكة (أو الولايات العامة) عبارة عن تجمع يجمع بين طبقات المجتمع الثلاثة (الولايات): طبقة النبلاء، طبقة رجال الدين والطبقة الثالثة، ويتم استدعاؤهم بأمر من الملك في ظروف استثنائية (أزمة سياسية أو مالية، حرب أو مسألة دبلوماسية كبرى). من بين أمور أخرى، كان هذا المجلس، هو الوحيد المخول له لإصلاح الضرائب العامة أو بدرجة أقل، للفصل في مشاكل الأسرة الحاكمة، بهدف التعامل مع الأزمة التي واجهتها.

2-أسباب الثورة الفرنسية:

بشكل عام، كان هناك العديد من العوامل التي أثرت على الثورة: نظام ملكي يخضع الجمود لقوقعته في عالم متغير؛ أيضا، ظهور طبقة برجوازية أصبحت ذات أهمية اقتصادية متزايدة واستياء الطبقات الدنيا، إلى جانب توسع الأفكار الليبرالية الجديدة التي ظهرت في ذلك الوقت والمسماة "التنوير"، التي تأسست على كثيرٍ من عناصر الأيديولوجية الماسونية التي كانت قائمة على العقلانية، بالتالي فالماسونية هي أيديولوجية إنسانية نابعة من العقلانية والطبيعانية (المذهب الطبيعي). ووفقًا لها، فإن "الطبيعة" تسترشد بالعقل الذي يقود بذاته إلى كل الحقيقة، وبالتالي إلى "الحرية، المساواة، الإخاء"، ممهدا الى ما يسمى ب "الترتيب الجديد للعصورnovus ordo seculoru – " وهو نظام علماني جديد. بهذا فالفلسفة الماسونية ألهمت الثورة الفرنسية وكانت بمثابة مقدمة لوقائعها والتي امتددت آثارها لاحقًا على الفلسفة الشيوعية. بشكل عام، كانت هناك عدة عوامل أثرت في الثورة ويمكن مقاربتها من خلال أربع وجهات نظر:
من حيث المنظور الاجتماعي: هناك صعود للبرجوازية مع قوة اقتصادية كبيرة وأساسية في الاقتصاد في ذلك الوقت، حيث كانت الكراهية ضد الاستبداد الملكي يغذيها الاستياء ضد النظام الإقطاعي من جانب الطبقة البرجوازية الناشئة والطبقات الشعبية أو العاملة.

من حيث المنظور السياسي: دولة ترتكز على نظام استبدادي لا يستجيب لمطالب الواقع المتغير، حيث تم رفض الفصل بين سلطات الدولة، مما أدى إلى ركود المجتمع.
من حيث المنظور الايديولوجي: كان امتداد الأفكار الجديدة الناتجة عن عصر التنوير مهمًا "... مفاهيم الحرية السياسية والإخاء والمساواة، أو رفض مجتمع متعدد الأطياف، أو النظريات السياسية الجديدة حول فصل سلطات الدولة ... " كانت الأفكار الجديدة التي طرحها دعاة حقبة التنوير: مونتسكيو وفولتير وروسو التي وجدت صدى في المجتمع الفرنسي، وكلها كانت تحطم هيبة مؤسسات النظام القديم وساعدت على انهيارها.
من حيث المنظور الاقتصادي، تفاقمت ديون الدولة التي لا يمكن السيطرة عليها بسبب نظام يتسم بتفاوت اجتماعي شديد والضرائب المرتفعة التي أعفيت منها الطبقات ذات الامتيازات الاقطاعية (النبلاء ورجال الدين)، مما أثر سلباً على بقية المجتمع. لذا، كانت هناك زيادة في نفقات الدولة وانخفاض في الفوائد لملاك الأراضي، كما كان هناك نقص في الغذاء في الأشهر التي سبقت الثورة، وهذه التراكمات المستدامة ساهمت في تفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية، التي اندلعت عندما كانت هناك أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة لحدثين محددين: تعاون فرنسا مع الاستقلال الأمريكي الذي تسبب في عجز مالي هائل وانخفاض في الأسعار الزراعية.

من خلال التوليف، يمكن إثبات أنّ أسباب الثورة هي مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- هيكل تقليدي قديم، قوضه تطور الاقتصاد وصعود البرجوازية، التي ادعت أنها سلطة سياسية موازية للسلطة الاقتصادية التي تتمتع بها.
- مطالب التغيير السياسي، وفق نظريات التجديد الليبرالية التي اقترحها الفلاسفة المستنيرون والعقلانيون.
- الاستياء من طرف الطبقة الثالثة، التي تتعرض لضغوط متزايدة من الضرائب.
تأسيساً على ما سبق، تَكَرس في الأخير عدم توافق بين الاحتياجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلد مع ركود التدبير السياسي.

3-التنوير:
بلغت الحركة العقلانية التي بدأت خلال عصر النهضة ذروتها في القرن الثامن عشر، وأطلق عليها اسم عصر التنوير، أو عصر العقل أو عصر العقلانية، نقيضاً للعصور المظلمة، في إشارة إلى عصر القرون الوسطى. حيث أعلن مفكرو القرن الثامن عشر تحول العالم إلى مكان أفضل وصيغة أخرى، بناءً على العقلانية، لذلك تسمى هذه الحركة الفكرية بالتنوير. لقد كان من سمات القرن الثامن عشر "الإنسان المستنير"، وهو الشغوف بدراسة العلوم والفلسفة، دون أن يكون بالضرورة، حكيمًا ذو معرفة عميقة أو فيلسوفًا، لأنّه ميال للدراسة ومتحمس للاكتشاف، فكان التفكير والعلوم التجريبية الأسلحة التي استخدمها البشر في معالجة مشاكل عصرهم، من أجل استبدال المعتقدات والتفسيرات الروحانية والخارقة للطبيعة أو السحر والخرافة بردود عقلانية تعتمد على التجربة العلمية والنتائج الملموسة المادية، حيث أظهر مفكرو هذا القرن إيمانًا أعمى بالعقل وناضلوا من أجله، واعتقدوا أن العقل قادر على ضمان تقدم البشرية ومصدرًا رئيسيًا واختبارًا للمعرفة، بالتالي يجب فَصْلُ كل ما لا يتفق معه.
كانت النواة الرئيسية لنشر هذا التيار هي تلك الصالونات الفكرية لبرجوازية القرن الثامن عشر، حيث نظمت التجمعات والاجتماعات، أيضاً، تم استخدام المطبعة والكتب كوسيلة لنشر المعلومات، فازدهرت عملية نشر الكتب والكتيبات والمجلات والصحف بشكل غير عادي على الرغم من الرقابة والمحظورات. كذلك، كانت هناك دائما ورشة عمل لطباعتها ومنظمة سرية لتوزيعها في دول مختلفة. لقد تميزت حركة التنوير بموقف التشكيك في الحقائق والمسلمات التي كانت حتى ذلك الحين لا جدال فيها، ومن بينها سلطة المؤسسات التقليدية مثل الكنيسة والملكية المطلقة. انطلاقاً من هذا النقد، نشأت فكرة أن الإنسان، من خلال العقل والمعرفة، يمكنه إعادة تنظيم المجتمع على أساس المبادئ العقلانية والتقدم إلى ما لا نهاية.

انتشر التنوير في معظم البلدان الأوروبية، لكنه تَقَوَى أكثر في فرنسا حيث كان أبرز دعاة هذه الحركة هم: شارل لوي دي سيكوندا Charles Louis de Secondat، المعروف بالبارون دي مونتسكيو Montesquieu، فرانسوا ماري آروويه François-Marie Arouet المعروف باسم فولتير Voltaire وجان جاك روسوJean-Jacques Rousseau.
لقد اقترح البارون دي مونتسكيو، في كتابه "روح القوانين - De l'esprit des lois "، الذي نُشر عام 1748، استبدال النظام الملكي المطلق بالملكية الدستورية، وبالتالي، فإن سلطة الملوك مقيدة بقرارات ممثلي الشعب، الذين تم تشكيلهم في البرلمان. بالإضافة إلى ذلك، وضع مونتسكيو العقيدة السياسية لفصل سلطات الدولة، والتي تحافظ على ما يلي:
- يجب أن تودع السلطة التنفيذية لدى الملك ووزرائه.
- ستعهد السلطة التشريعية إلى مجالس النواب، ويجب أن يتم انتخاب هؤلاء الممثلين من قبل المواطنين.
- السلطة القضائية مودعة لدى القضاة ومستقلة عن السلطات الأخرى.
كما انتقد فولتير الحياة السياسية والعادات والممارسات الدينية وسلطة الأقوياء. حيث في ذلك الوقت، شن في كتاباته هجمات قاسية ضد استبداد الملوك وأعلن أن جميع المواطنين دون استثناء يجب أن يطيعوا القوانين التي يضعونها بأنفسهم.

أما روسو فأكَّد أن السيادة، وأصل السلطة، تنبع من إرادة المواطنين، حيث تمثل السلطة والقوة العليا التي لا يجوز المساس بها؛ وهي السيادة الشعبية، حيث جادل في كتابه "العقد الاجتماعي" بأن الإرادة العامة يجب أن تسود على إرادة القلة.
بالتالي، فكل هذه الأفكار ترددت في المجتمع الفرنسي الذي كان يعاني من مشاكل مالية وسياسية واجتماعية.

4- استقلال الولايات المتحدة الأمريكية:
في منتصف القرن الثامن عشر، كان جزء كبير من القارة الأمريكية تحت سيطرة أربع دول أوروبية: إسبانيا والبرتغال وبريطانيا العظمى وفرنسا، فقد كانت ممتلكات التاج البريطاني تقع على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، حيث تشكلت ثلاث عشرة مستعمرة بعد ذلك بسنوات، مما أدى إلى نشوء الولايات المتحدة الأمريكية. لقد كان بعض المستعمرين يعملون في الصناعة أو التجارة، والبعض الآخر في الزراعة، لكنهم جميعًا كانوا يطمحون إلى تحرير أنفسهم من الحكم الإنجليزي لتشكيل حكومتهم الخاصة. فقد بدأ الاستعمار الإنجليزي لأمريكا في أوائل القرن السادس عشر، مع تأسيس ولاية فرجينيا، حيث أسس المستوطنون الأوائل مزارع التبغ. وبالتالي، شجع نجاح هذه التسوية على هجرة الأوروبيين الآخرين إلى أمريكا: الرأسماليون، النبلاء الذين لحق بهم الضرر وفقدوا كل شيء، التجار، الحرفيون وعدد كبير من الطوائف الدينية المضطهدة بسبب معتقداتها. لكن، في يناير 1776، تسبب نشر كتاب توماس باين Thomas Paine، المسمى ب"الفطرة السليمة Common Sense "، في إحداث تأثير كبير بين سكان المستعمرات، بالإضافة إلى انتقاد النظام الملكي والدستور البريطاني. فسلط المنشور الضوء على الفوائد التي سيجلبها الاستقلال للمستوطنين، وبالتالي دعوتهم للانضمام إلى حركة الاستقلال.

استلهم إعلان استقلال المستعمرات الثلاث عشرة الأفكار السياسية لجون لوك والمفكرين المستنيرين الفرنسيين حول الحرية والمساواة في الحقوق لجميع الناس. وفقًا لهذه الأفكار، فإن الحكومة هي نتيجة اتفاق بين الشعب والحاكم لحماية الحياة والحرية والسعي وراء السعادة؛ إذا لم تحترم الحكومة هذه المبادئ، يحق للناس إصلاحها أو إلغائها لإقامة نظام جديد. في عام 1778، دعمت فرنسا المهتمة بإنشاء سوق في المستعمرات الأمريكية وقف تقدم إنجلترا الاستعماري، والنضال من أجل الاستقلال بالقوات والأسلحة. لهذا السبب أعلن الإنجليز الحرب على الفرنسيين مما جعل إسبانيا تتحالف مع فرنسا وبالتالي مع مستعمرات أمريكا الشمالية. وقد شجع دعم البلدين على النضال من أجل التحرير. وفي عام 1781 أطاحت القوات الأمريكية بالإنجليزية. بهذه الطريقة، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة تطبق نموذج الديمقراطية الذي اقترحه المفكرون المستنيرون، فخدم بذلك هذه الحقيقة التاريخية المستلهمة للثورة الفرنسية وأصبح سببًا لإضعاف النظام القديم. فمنذ ذلك الحين، أدى دعم فرنسا لمستعمرات أمريكا الشمالية لتحقيق الاستقلال إلى جلب المزيد من الخطر على اقتصادها المدمر.

5-دور البرجوازية في الثورة الفرنسية:
في القرن الثاني عشر، نشأت بورغوس أو البورجوازية (في اللغة الفرنسية Bourgeoisie، وفي اللغة اللاتينية المتأخرة Burgus-والتي تعني المدينة المحصّنة) كطبقة اجتماعية جديدة في أحياء المدن وهم في الأصل "سكان القرية"، حيث كانت البرجوازية خارج النظام الإقطاعي تمامًا، لأنهم لم يكونوا إقطاعيين ولا فلاحين ولا رجال كنيسة، بل كانوا يتكونون من التجار والحرفيين مما مكّنهم من الاستقرار في المدن، وأن يمتلكوا عالماً جديداً مغايراً، مليئاً بالفرص التي يمكن استغلالها . بالتالي، ظهرت العديد من المؤسسات الاجتماعية الجديدة في الأحياء، وجلب تطور التجارة معه، تقدم النظام المالي والمحاسبة، فانضم الحرفيون إلى جمعيات تسمى النقابات أو الاتحادات أو الشركات أو الأخويات أو الفنون، اعتمادًا على الموقع الجغرافي. كما ظهر العمل المأجور، الاقتصاد النقدي، وظهور الأعمال المصرفية: الائتمان والقروض والكمبيالات (أوراق الدفع)، وهو شيء غير معروف تقريبًا في العالم الإقطاعي والذي ينشأ عن الرأسمالية الأولية، وبرزت الجامعات أيضًا كرد فعل من نقابات المعلمين.
وهكذا نشأت البرجوازية في أوروبا ولعبت في فرنسا دورًا مهمًا حيث كانت المجموعة الاجتماعية هي التي قادت الثورة الفرنسية. بهذا المعنى، استفادت البرجوازية من الوضع الاقتصادي السيئ للغاية لدولة فرنسا، فقد نجحت في الاجتماع بطبقات الأمة التي تتولى زمام الأمور وبدأت تجتمع كمجلس وطني تأسيسي. في 14 يوليو 1789، كانت البرجوازية مدعومة بفئة اجتماعية كبيرة تم اضطهادها واستغلالها من قبل النبلاء: الفلاحون، الذين توسطوا حشداً ثورياً هائجاً مُشبعاً بالظلم والجوع، استولى على الباستيل -كان رمزًا لسلطة النظام المطلق الذي تسبب في إزاحة سلطة النبلاء وأنصار الحكم المطلق-والذي يحابي البرجوازية المهتمة بتطبيق نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي جديد.

6-النظام القديم لفرنسا:
يعتبر الاستبداد الملكي، غياب التمثيل الشعبي والدور المميز للنبلاء ورجال الدين هي الخصائص الثلاث التي تحدد أساسًا ما يسمى تاريخيًا بالنظام القديم. وُضع هذا النظام، الذي تطور في أوروبا منذ عصر النهضة، موضع تساؤل خلال القرن الثامن عشر من قبل أفكار التنوير، التي انتشرت بشكل رئيسي بين البرجوازية، التي كانت تطمح إلى إنشاء حكومات تمثيلية حقيقية، على أساس حقين اثنين أساسيين: الحرية في التعبير عن الآراء، والمساواة بين جميع الناس أمام القانون. في البلدان الكاثوليكية سيكون هناك أيضًا صراع لفصل الكنيسة عن التدخل في الحياة السياسية والتعليم. في نهاية القرن الثامن عشر، كانت هذه الأفكار تؤتي ثمارها أولاً في أمريكا، مع استقلال المستعمرات الإنجليزية الثلاثة عشر في أمريكا الشمالية عام 1776، ولاحقًا في أوروبا، مع الثورة الفرنسية عام 1789.

دخل النظام القديم -وهو نظام يتسم بالملكية المطلقة والمجتمع الطبقي، أي مع نظام هرمي و وجود فئات اجتماعية متميزة - في أزمة عميقة. لقد تقاسم النبلاء ورجال الدين السلطة السياسية مع الملوك ولم يدفعوا الضرائب، لأنهم كانوا طبقات ذات امتيازات إقطاعية. أما في الطبقة الثالثة، تميزت فئات عن أخرى، إذ حظيت البورجوازية بامتيازات باعتبارها الطبقة العليا من الطبقة الثالثة، والطبقة الدنيا ضمت العمال والفلاحين الذين تحملوا أعباء ثقيلة حرمتهم من أربعة أخماس ثمار عملهم، وكان عليهم دفع الضرائب للدولة، والعشور للكنيسة، والحقوق الإقطاعية للسيد.
تبعاً لهذا النظام، فحظوة التميز تقترن بتعاقب الولادات داخل الطبقة؛ ومع ذلك، أدى التطور التجاري إلى ازدهار البرجوازية وتقدمها الاجتماعي من خلال الزواج من النبلاء أو شراء ألقابهم، حيث تأثرت البرجوازية بأفكار التنوير، وكانت ضد السلطة المطلقة للملوك وامتيازات النبلاء ورجال الدين. كذلك، اعتبر أعضاء البرجوازية هذه الامتيازات غير عادلة ودافعوا عن فكرة السيادة الوطنية، التي بموجبها تكمن السلطة في الشعب ويتم تفويضها لممثلين منتخبين من قبل الشعب.
إذن، أثرت مفاهيم المفكرين المستنيرين على اندلاع الثورة وعملت كأساس لشجب عدم المساواة الاجتماعية. لذلك، كانت البرجوازية وبعض الجماعات الشعبية، المهمشة من الحياة السياسية، مجالًا ملائمًا لنفاذ أفكار الحرية والمساواة.

7-الوضع الاقتصادي لفرنسا:
أعاقت الصناعة القوانين المتطرفة والضرائب، فقد كانت هناك عادات داخلية، حيث تختلف الأوزان والمقاييس حسب المنطقة؛ ويجب استهلاك بعض العناصر، مثل الحبوب، في مكان الإنتاج؛ حيث تم تطبيق رسوم جمركية أدت في كثير من الحالات إلى إلغاء التبادل. من الواضح أن كل هذا أعاق النمو والتطور الاقتصادي للبرجوازية، والتي تعززت من خلال النشاط التجاري والتي كانت في ذلك الوقت تتطلع إلى السلطة السياسية. حينها مر ما يفوق القرن قبل صعود لويس السادس عشر إلى العرش عام 1774، حيث عانت الدولة الفرنسية من أزمات اقتصادية دورية سببتها الحروب الطويلة التي خاضتها في عهد لويس الرابع عشر، وسوء إدارة الشؤون الوطنية في عهد لويس الخامس عشر، ثم الخسائر الفادحة التي سببتها الحرب الفرنسية في الهند 1754-1763 والزيادة في الديون الناتجة عن القروض إلى المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية خلال حرب الاستقلال الأمريكية. كما بدأ المدافعون عن تطبيق الإصلاحات المالية والاجتماعية والسياسية، يطالبون بإصرار بتلبية مطالبهم في عهد لويس السادس عشر. إثر هذه المتغيرات، عين الملك مراقبًا عامًا للشؤون المالية آن روبير جاك تيرجو- Anne Robert Jacques Turgot الذي وضع سياسة صارمة فيما يتعلق بنفقات الدولة؛ ومع ذلك، فقد أُجبر على الاستقالة بسبب ضغط القطاعات الرجعية من النبلاء ورجال الدين الذين دعمتهم الملكة ماري أنطوانيت، ولم يحصل خليفته جاك نكير-Jacques Necker أيضًا على تغييرات فكان مآله كما مآل سابقه الذي ترك منصبه. وبهذا المعنى، فقد أشاد الناس بإعلان عن حصيص مقتطف من الأموال والموارد الملكية يمكن من خلاله تقدير تكلفة الطبقات ذات الامتيازات الاقطاعية، لكن تفاقمت الأزمة خلال السنوات التالية؛ الأمر الذي تطلب تحولا جوهريا.

ثالثا: مراحل الثورة الفرنسية:
1-مجلس طبقات الأمة لعام 1789
تَكَوَّنَ مجلس طبقات الأمة من ممثلي كل طبقة في الدولة، حيث تم فصل هذه الطبقات في وقت المداولة، وكان لها صوت واحد فقط لكل طبقة. لقد كانت الدعوة مصدر قلق للمعارضة، حيث كان هناك اعتقاد بأنها ليست أكثر من محاولة، من جانب النظام الملكي، للتلاعب بالتجمع حسب الرغبة، حيث كانت فكرة السيادة الوطنية على المحك، وحينها أثير سؤال مهم بشأن الاعتراف بأن مجلس الطبقات يمثل إرادة الأمة.
كان يعتبر التأثير الثالث لمجلس طبقات الأمة واحدًا من الاضطرابات السياسية الكبيرة، لا سيما بسبب تحديد نظام التصويت، حيث اقترح برلمان باريس الإبقاء على نظام التصويت الذي تم استخدامه في عام 1614، على الرغم من أن القضاة لم يكونوا متأكدين تمامًا من ماهية هذا النظام بالفعل. إذ كان معروفًا، من ناحية أخرى، أنه تم تمثيلهم في المجلس المذكور: رجال الدين (الطبقة الأولى)، والنبلاء (الطبقة الثانية) والبرجوازية (الطبقة الثالثة). على الفور، بدأت مجموعة من الليبراليين الباريسيين تسمى لجنة الثلاثين بالاحتجاج والتحريض، مطالبة بمضاعفة عدد أعضاء المجلس الذين يحق لهم التصويت في الطبقة الثالثة. فقبلت الحكومة هذا الاقتراح، لكنها تركت مهمة تحديد حقوق التصويت للمجلس، لذا خلقت هذه النهاية الفضفاضة ضجة كبيرة.
لم يقبل الملك لويس السادس عشر وجزء من النبلاء الوضع، فأعلن أعضاء الطبقة الثالثة أنفسهم الجمعية الوطنية، ووعدوا بكتابة دستور. وقد كانت فئات الطبقة الأرستقراطية تثق في إمكانية طبقات الأمة للعمل على استعادة جزء من السلطة المفقودة، لكن السياق الاجتماعي لم يعد كما كان في عام 1614، لأنّ هناك نخبة برجوازية لديها سلسلة من المطالب والمصالح التي من شأنها أن تصطدم وجهاً لوجه مع مطالب النبلاء وكذلك مع مطالب الشعب، وهو الأمر الذي سيظهر في السنوات التالية.
عندما اجتمعت طبقات الأمة الفرنسية أخيرًا في فرساي، في 5 مايو 1789 ونشأت خلافات بشأن قضية التصويت، كان على أعضاء الطبقة الثالثة التحقق من أوراق اعتمادهم، والبدء في القيام بذلك في 28 مايو وتنتهي في 17 يونيو، عندما أعلن أعضاء الطبقة الثالثة أنهم الأعضاء الوحيدون في الجمعية الوطنية: لن يمثلوا الطبقات الثرية بل الشعب نفسه. بالتالي، كان الإجراء الأول للجمعية هو التصويت لصالح إعلان حقوق الإنسان والمواطن، بينما دعوا أعضاء الطبقات الأولى والثانية للمشاركة في هذا التجمع، لكن أوضحت هذه الطبقات نواياها في المضي قدمًا حتى بدون هذه المشاركة.
*ملاحظة : ظهرت السيادة الوطنية أثناء الثورة الفرنسية عام (1789) ويشير هذا المفهوم الى سيادة مُطلقة للشعب، أي أنّ السلطة بيد المواطنين.

2-الجمعية الوطنية:
استمرت المناقشات بشأن الإجراء ستة أسابيع، حتى تأسست الجمعية الوطنية في 17 يونيو، أعقب هذا التحدي المفتوح للحكومة الملكية، التي دعمت رجال الدين والنبلاء، الموافقة على الإجراء الذي أعطى الجمعية الوطنية فقط سلطة التشريع في المسائل المالية. فسارع الملك لويس السادس عشر إلى منع الجمعية من الاجتماع في قاعة اجتماعاتها بإغلاقها. وكَرَدٍ على ذلك، عقدت الجمعية اجتماعا، وقد تضمن تعهداً رسمياً بقسم لعبة التنس -اعتادت الطبقة الأرستقراطية اللعب فيها - في 20 يونيو، والتي وعدت بموجبه بعدم الانفصال حتى يتم وضع دستور لفرنسا. في ذلك الوقت، تسببت الخلافات العميقة الموجودة في الطبقتين العلويتين (رجال الدين والنبلاء) في حدوث انشقاق في رتبهما، فقد ترك العديد من ممثلي رجال الدين الأدنى - في النظام القديم، من الناحية الاجتماعية تم تقسيم رجال الدين الى منزلة أعلى ومنزلة أدنى، فالمنزلة الأعلى تضمنت رجال دين من طبقة النبلاء المميزة والعائلات المالكة، ورجال دين ذوو المنزلة الدنيا جاءوا من عائلات فلاحية ثرية والصناعيين الحرفيين- وبعض النبلاء الليبراليين أراضيهم للانضمام إلى الجمعية الوطنية، وهكذا تم إنتاج ثورة قانونية حقيقية عندما تم استبدال مفهوم الاستبداد الحقيقي بمفهوم السيادة الوطنية.

3-الجمعية الوطنية التأسيسية:
اتخذت الجمعية الوطنية اسم الجمعية الوطنية التأسيسية في يوليو 1789، لأن الغرض منها كان صياغة دستور، أي قانون أساسي من شأنه تنظيم الملكية الفرنسية، لم يكن لدى الملك خيار سوى الاستسلام، ودعوة رجال الدين والنبلاء للانضمام إلى الطبقة الثالثة في الجمعية المشكَّلة حديثًا، بالتالي، انضمت الثورة السياسية إلى الثورة الشعبية.

أ-اقتحام سجن الباستيل:
في 11 يوليو 1789، قام الملك لويس السادس عشر، تحت تأثير النبلاء المحافظين وكذلك شقيقه الكونت دارتوا، بإقالة الوزير نيكر، وكذلك أمر بإعادة بناء وزارة المالية. بالتالي، فسر الكثير من سكان باريس هذا الإجراء على أنه انقلاب ذاتي من قبل النظام الملكي، لذلك نزلوا إلى الشوارع في تمرد مفتوح، فظل بعض العسكريين على الحياد، لكن انضم آخرون إلى الشعب.
في 14 يوليوز، وخوفًا من أن تعتقلهم القوات الملكية، اقتحم أهالي باريس حصن الباستيل القديم، الذي كان يستخدم كسجن للمعارضين السياسيين والمسجونين الدينيين والمحرضين ضد الدولة، فاعْتُبِرَ رمزاً للاستبداد والظلم. بعد أربع ساعات من الاقتحام والقتال، استولى المتمردون على السجن وقتلوا حاكمه ماركيز برنارد دي لوناي- Bernard René Jourdan, marquis de Launay بقطع رأسه وتثبيته على رمح ليجوبوا به الشوارع. وعلى الرغم من إطلاق سراح أربعة سجناء فقط، فقد أصبح الباستيل رمزًا قويًا لحقارة النظام القديم. كذلك، اتهم الحشد العمدة جاك دي فليسيليس-Jacques de Flesselles بالخيانة، فقُتل بالرصاص على يد غريب، وتم قطع رأسه وعرضه في المدينة على شكل رمح مع رأس دي لوناي، ومنذ ذلك الحين ولدت عادة المشي برؤوس مقطوعة على رمح، والتي أصبحت شائعة جدًا خلال الثورة.
ب-الخوف العظيم وإلغاء النظام الإقطاعي:

انتشرت الثورة في المدن الأخرى، حيث ظهر حشد من المواطنين المسلحين الراغبين بإطاحة النظام القديم، فبدأ المجلس الوطني التأسيسي نشاطه بدافع الاضطرابات وأعمال الشغب، واستمر التمرد في الانتشار بدافع السخط الشعبي في جميع أنحاء فرنسا، حيث وصل المناخ الثوري إلى المناطق الريفية، بتمرد الفلاحين على النظام الإقطاعي، واقتحامهم القصور مع المطالبة بقمع وإسقاط الرسوم والامتيازات الإقطاعية القديمة، وتنفيذ أعمال حرق سندات الامتيازات، الحقوق الإقطاعية وملكية الأراضي، فاضطر الملك وعائلته إلى الفرار من فرساي، والانتقال إلى باريس، لقد أنتجت حالة تمرد الفلاحين من أجل التغيير، مناخًا من الذعر يُعرف باسم la Grande Peur ، وهو الخوف العظيم بين النبلاء الذين فروا إلى الخارج، مدركين أن انهيار النظام القديم كان على وشك الحدوث، لذلك اضطر رجال الدين والنبلاء إلى التخلي عن امتيازاتهم في الجلسة التي عقدت ليلة 4 أغسطس 1789؛ حيث أقرت الجمعية تشريعات منها إلغاء النظام الإقطاعي، الامتيازات الاقطاعية، العشور(عشر الدخل)، إرساء المساواة إزاء الضرائب، على الرغم من منح تعويضات في بعض الحالات، وتم حظر قوانين أخرى تتمثل في وراثة مناصب الدولة داخل نفس العائلة والإعفاء الضريبي للممتلكات.
في خضم هذا المناخ، تبدأ البرجوازية في بناء أسس النظام الجديد، ليتسم عملها التشريعي بثلاثة جوانب أساسية:
- إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789
- الدستور المدني لرجال الدين 1790
- دستور عام 1791

كخطوة سابقة للدستور، صاغ المجلس وصوت لصالح إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 أغسطس 1789، وتم تجميعه لاحقًا في ثلاثة مبادئ: "حرية، مساواة، إخاءFraternité - ،Égalité ،Liberté "، وهو الشعار الحقيقي لـلثورة، حيث يعترف بالمساواة كحق غير قابل للتصرف وبالسيادة الوطنية، لكن هناك أيضًا تناقضات: المساواة مدنية فقط، حيث حرية الصحافة والرأي معترف بها ولكن حرية تكوين الجمعيات غير مذكورة، يحظرها قانون شابليي- Loi Le Chapelier الصادر في 14 يونيو 1791 بشكل صريح. ومع ذلك، فهو نص عالمي مازال محتفظا بجدارته حتى اليوم، ويبرز أن الاعتراف بالسيادة الوطنية قد أرسى الأسس لملكية دستورية في المستقبل، على الرغم من الاستياء المنطقي للملك الذي لم يكن لديه خيار سوى قبولها. وأثناء مداولات الجمعية، طالب سكان باريس الجياع، الذين أغضبتهم شائعات المؤامرات الملكية، بالطعام والحلول. ففي 5 و6 أكتوبر، سار سكان باريس، وخاصة نساؤهم، نحو فرساي وحاصروا الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري أنطوانيت، لكن تم إنقاذ العائلة الملكية من قبل الماركيز غلبرت دو موتير دي لافاييت Gilbert du Motier de La Fayette، الذي رافقهم إلى باريس بناءً على طلب الشعب. بعد هذا الحادث، استقال بعض الأعضاء المحافظين في الجمعية التأسيسية الوطنية، الذين بدورهم رافقوا الملك. في العاصمة، كان ضغط المواطنين يؤثر بشكل متزايد على المحكمة والجمعية التأسيسية الوطنية.

سيطرت الراديكالية على الغرفة، لكن كان الهدف الأصلي، هو استمرارية زرع ملكية دستورية، والمشاكل الرئيسية التي كان على الجمعية مواجهتها كانت دَيْنيَة ومالية. لتجنب الإفلاس المخيف، تقرر تأميم ممتلكات رجال الدين المصادرة وجعلها تحت تصرف الأمة، والتي تم طرحها لاحقًا للبيع لسداد الدين العام، فقد كانت جميع ممتلكات الكنيسة المصادرة لتسديد ديون الدولة المتدينة معروفة باسم التعييناتAssignats - عبارة عن نقود ورقية صادرة عن الجمعية الوطنية التأسيسية؛ أي أن الدولة أصدرت سندات دين مضمونة بممتلكات الكنيسة، والتي يمكن سدادها بها، لكن إصدارها كان كبيرًا، لدرجة أنها أصبحت تعمل كأموال ورقية، وتنخفض بسرعة وتسبب تضخمًا قويًا. على الرغم من بيع ممتلكات الكنيسة، فقد ظهر مُلاك جدد راغبين في عدم خسارة ما ضمنته الثورة، إلا أنّ التضخم المتسارع أدى إلى عدم الاستقرار الاجتماعي الذي سينتهي به الأمر إلى إلحاق الضرر بالكنيسة. حيث أصبحت الكنيسة الفرنسية، بفقدان ممتلكاتها، ثرواتها والقضاء على العشور، معتمدة اقتصاديًا على الدولة، لهذا السبب كان على الجمعية الوطنية التأسيسية أن تقوم بإصلاح وترشيد التنظيم الكنسي الذي تم تحديده في الدستور المدني لرجال الدين. من خلال هذه القاعدة القانونية، أصبحت الكنيسة الفرنسية ذات طابع وطني أكثر، مبتعدة عن الاعتماد على البابا، حيث تم تخفيض عدد الأساقفة، وتم تغيير نظام التعيين، وحيث كان على جميع أعضاء المؤسسة الكنسية أداء اليمين الدستورية، فنشأ عن هذا الإجراء، انقسام رجال الدين الفرنسيين إلى قسم اليمين: رجال الدين الدستوريون الذين حلفوا اليمين، وقسم المعارضة: رجال دين المقاومون الذين رفضوا أداء القسم المدني للمبادئ الثورية بسبب رفضهم - ورفض البابا - للدستور المدني لرجال الدين الذي أقرته الجمعية التأسيسية الوطنية، مضيفًا عنصرًا آخر من الخلاف لتسوية الثورة.
حظيت المسودة الأولى للدستور بموافقة الملك الفرنسي لويس السادس عشر في احتفالات فخمة، حضرها مندوبون من جميع أنحاء البلاد، في 14 يوليو 1790، ألغت هذه الوثيقة التقسيم الإقليمي لفرنسا وأنشأت نظامًا إداريًا كانت وحداته هي الإدارات، والتي سيكون لها هيئات محلية مؤهلة. بالتالي، تم حظر الألقاب الوراثية، وإنشاء محاكمات أمام هيئة محلفين في القضايا الجنائية، وتم اقتراح تعديل أساسي للقانون الفرنسي. خاصة، فيما يتعلق بالمؤسسة التي حددت الشروط الملكية للتصويت، يتمثل ذلك في الاقتراع السكاني (حق السكان في الاقتراع)، حيث نص الدستور على أن يقتصر الناخبون على الطبقتين العليا والمتوسطة، وقد منح القانون الجديد السلطة التشريعية للجمعية الوطنية، المكونة من 745 عضوا ينتخبهم نظام تصويت غير مباشر. على الرغم من استمرار الملك في ممارسة السلطة التنفيذية، إلا أنه تم وضع قيود صارمة عليه، حيث تم سحب حق النقض منه، فقلصت بذلك صلاحياته مستبدلة إيّاه بإمكانية تأخير تنفيذ القوانين دون أن يتمكن من رفضها أو نقضها، وكانت الجمعية هي التي تتمتع بالسيطرة الفعالة على اتجاه السياسة الخارجية، ويتولى السلطة القضائية قضاة منتخبون من قبل الشعب. كذلك تم إلغاء الاستبداد، وإنشاء نظام ملكي دستوري، مُوات بشكل واضح لمصالح الطبقة الناشئة الجديدة: البرجوازية الثرية.

4-الجمعية التشريعية:
بمجرد الانتهاء من مهمتها، تم حل الجمعية الوطنية التأسيسية، مما أفسح المجال أمام الجمعية التشريعية، التي كان عليها صياغة قوانين لتطوير المبادئ المنصوص عليها في دستور 1791. في إطار النظام الجديد للحكومة، تم تنفيذ السلطة التشريعية من قبل الجمعية التشريعية، التي كانت تتألف من نواب يمينيين أو مدافعين عن الملكية الدستورية، و136 من جهة اليسار مقسمون إلى (اليعاقبة والجيرونديون) من مؤيدي الثورة والجمهورية، في الوسط كان هناك حوالي 300 نائب على مسافة متساوية إزاء كلا الطرفين، فساهم انقسام البرجوازية في تعسير عمل النظام الملكي الدستوري الذي استمر بالكاد لمدة عام، منذ أن تسبب عدم الاستقرار الداخلي وبداية حروب الثورة مع أوروبا في ثورة ثانية في أغسطس 1792، والتي أنهت النظام الملكي وأسست الجمهورية الأولى. مما عطل توطيد الملكية الدستورية:
- سعى الملك للحصول على مساعدة أجنبية لإنهاء الثورة.
- تفاقم التوتر الاجتماعي بسبب ضعف حصاد عام 1791 الذي زاد من سعر الخبز والضغط الاقتصادي بعد فشل قضية ورق النقد (التعيين assignat ).
- قام النبلاء بتشويه سمعة النظام الجديد وحاولوا توريط فرنسا في غزو من قبل القوات الإمبراطورية.
- ثار الكاثوليك الغاضبون من الدستور المدني لرجال الدين، في بعض مناطق فرنسا.
- كان الثوار أنفسهم منقسمون.

أيدت النصوص الدستورية التطبيق الصارم للدستور والحفاظ الشامل على سلطة الملك، لكن سعى نادي اليعاقبة إلى إصلاحه، والحد من سلطات الملك، حيث كانوا ذوي أفكار ثورية وتغييرات أكثر جذرية، مع مَيْل إلى إنشاء جمهورية ديمقراطية مع حقوق المشاركة السياسية، وتطبيق تدابير أكثر إنصافًا لتوزيع الثروة ومحاربة الجوع للشعب الفرنسي. من ناحية أخرى، كان هناك نواب يُدعون الجيرونديين، أصبحوا قادة المجلس التشريعي، حيث أرادوا التوصل إلى اتفاق مع النظام الملكي، ورغبوا في إقامة ملكية دستورية، أي كان لديهم موقف معتدل تجاه التغييرات، لكنهم طوروا سياسة عنيفة بشكل متزايد ضد الملك لويس السادس عشر، من أجل كشف قناعه، وبوهم نشر المبادئ الثورية في جميع أنحاء أوروبا، قاد الجيرونديون الحرب، مقتنعين بأنها ستوحد الوطنيين ضد أعداء مشتركين، وخوفًا من انتشار الأفكار الثورية، حاولت الحكومات المطلقة الأوروبية الأخرى، وقف العملية الثورية لاستعادة النظام الملكي المطلق للملك لويس السادس عشر. رداً على ذلك، أعلنت حكومة الثورة الحرب على بروسيا والنمسا، وهزمها جيش فرنسا. لكن، أدت الاضطرابات الاجتماعية المتزايدة التي سببتها الحرب والأزمة الاقتصادية، إضافة إلى فقدان هيبة المجلس لرفضه استبدال الملك، إلى موجة ثورية جديدة، كانت نتائجها على النحو التالي:
- تم إرسال الملك لويس السادس عشر إلى السجن بتهمة التآمر ضد الثورة.
- تم حل الجمعية التشريعية والدعوة لإجراء انتخابات لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني.

5-المؤتمر الوطني الفرنسي والإعلان عن الجمهورية:
في سبتمبر 1792، تم انتخاب المؤتمر الوطني من خلال تصويت المواطنين، هذه الحقيقة تدل على انتصار أولئك الذين سعوا إلى إلغاء الامتيازات الإقطاعية وتحول عميق في المجتمع الفرنسي، فكان القرار الأول الذي اتخذه المجلس هو إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية. إذ مع سقوط الملكية وحل المجلس، يمثل انتخاب المؤتمر الوطني الجديد منعطفًا في العملية الثورية التي تتخذ طابعًا أكثر ديمقراطية وشعبية. إذ أنّ المؤتمر المنتخب بالاقتراع العام، يتوزع نوابه البالغ عددهم 749 نائبا إلى ثلاثة أحزاب:
1-الجيرونديون، المدافعون عن الشرعية الدستورية، ممثلو البرجوازية العليا.
2-الجبل (لا مونتاني)، ومن بينهم نادي اليعاقبة في الهيئة التشريعية السابقة، المدافعين عن المبادئ الثورية والأقرب إلى البرجوازية الوسطى، الطبقات الشعبية.
3-السهل (الماريس)، كتلة متذبذبة كبيرة بين الجيرونديين وسكان الجبال، تتكون من جمهوريين وبرجوازيين أكثر اعتدالًا.


أ- مؤتمر حزب الجيرونديون
في البداية سيكون للمؤتمر هيمنة واضحة للجيرونديين، بحيث كانت الأشهر الأولى هي الأكثر تضاربًا فيما يتعلق بعملية صنع القرار. ومع ذلك، فقد اشتدت الخلافات بشكل خطير داخل المؤتمر، حيث شكك شعب الجبل في منح دعمه للجيرونديين المحافظين أو نادي اليعاقبة الراديكاليين، لكن تم تحديد أول اختبار كبير للقوة لصالح الأخير، الذي طلب من المؤتمر محاكمة الملك بتهمة الخيانة وحصل على اقتراحهم بموافقة الأغلبية، حيث أُعلن الملك مذنبًا بالتهمة المنسوبة إليه من خلال التصويت بالإجماع تقريبًا في مجلس النواب في 15 يناير 1793، ولكن لم يتم التوصل إلى نفس الاتفاق في اليوم التالي، عندما تقرر الحكم على المتهم. وفي الأخير، حكم على الملك بالإعدام بأغلبية 387 صوتاً مقابل 334 صوتاً ضده، وتم إعدام لويس السادس عشر بالمقصلة في 21 يناير 1793 وبالضبط على الساعة 10و22 دقيقة، لقد كان إعدامه علامة على المسافة المحددة وبداية معركة الموت بين الجيرونديين وسكان الجبل الثوريين المتطرفين، وكان تحديًا مفتوحًا لأوروبا بخصوص النظام القديم، لقد تضاءل تأثير الجيرونديين في المؤتمر الوطني بشكل كبير بعد إعدام الملك، بسبب الافتقار إلى الاتحاد الذي أظهرته المجموعة أثناء المحاكمة، إذ أضر بشكل لا يمكن إصلاحه بمكانتها الوطنية، والتي كانت قد تضاءلت بشكل كبير بين سكان باريس منذ فترة طويلة، الميالون أكثر لاتجاهات اليعاقبة. لكن مقترحات نادي اليعاقبة لتقوية الحكومة بخصوص النضالات الحاسمة التي سيتعين على فرنسا مواجهتها منذ تلك اللحظة فصاعدًا، رفضها الجيرونديون بشدة. ومع ذلك، في أوائل مارس، صوت المؤتمر لتجنيد 300000 رجل وأرسل مفوضين خاصين إلى مختلف الإدارات للتنظيم. وحرض أعداء الثورة رجال الدين وأنصار النظام الملكي على تمرد الفلاحين المعارضين لمثل هذا الإجراء، لكن سرعان ما انتشرت الحرب الأهلية في كل البلاد، وفي بداية عام 1793 كانت فرنسا في حالة حرب خارج أراضيها وداخلها، فقد خسر الجيرونديون أغلبيتهم، مكانتهم في المؤتمر نتيجة لسياستهم الاقتصادية الخاطئة، والاعتماد المفرط على ثروات البلدان التي تم غزوها.

ب-مؤتمر نادي اليعاقبة:
مع هذا المؤتمر، بدأت مرحلة هيمنة الجبال، والتي سيكون لها طريقة مزدوجة للحكم. من ناحية أخرى، سوف تمر الثورة بإحدى مراحلها الأكثر دموية (عهد الإرهاب). كذلك من ناحية أخرى، سيتم اتخاذ تدابير ديمقراطية واجتماعية من شأنها أن تحابي بشكل واضح أكثر قطاعات المجتمع ضعفا، فسيطر المونتانيون (سكان الجبال) على المؤتمر، وحاولوا جذب البرجوازية المعتدلة، حماية الملكية الخاصة، والطبقات الشعبية، خاصة الفلاحين. فقد سمحوا ببيع ممتلكات النبلاء المهاجرين، وتقسيم وتوزيع الممتلكات الجماعية، وألغوا التعويضات عن حقوق الامتيازات الإقطاعية، وبذلك وجهوا الضربة القاضية للأرستقراطية الإقطاعية، فأجبر التمرد الباريسي المؤتمر على الأمر في 2 يونيو باعتقال تسعة وعشرين مندوباً من طائفة الجيرونديين ووزراء هذه المجموعة. ومنذ تلك اللحظة، لعب فصيل نادي اليعاقبة الراديكالي الذي تولى السيطرة على الحكومة دورًا حاسمًا في التطور اللاحق للثورة.

ج-عهد الإرهاب:
أصدر مؤتمر نادي اليعاقبة دستورًا جديدًا في 24 يونيو، الذي وسّع الطابع الديمقراطي للجمهورية، حيث أقر دستور عام 1793 الحق في العمل والمساعدة الاجتماعية والتعليم المجاني للجميع. أيضاً، تم استبدال حق اقتراع مالك المنزل بالاقتراع العمومي (حق التصويت لجميع المواطنين البالغين). ومع ذلك، لم يكن هذا النظام الأساسي حيز التنفيذ. في 10 يوليو، تم نقل رئاسة لجنة السلامة العامة إلى نادي اليعاقبة، الذين أعادوا تنظيم وظائف هذه الهيئة بالكامل.
نفذ نادي اليعاقبة إجراءات بوليسية صارمة لمنع أي عمل معاد للثورة، فتم تجديد صلاحيات اللجنة شهريًا من قبل المؤتمر الوطني من أبريل 1793 إلى يوليو 1794، من هذه الإجراءات، ظهرت فترة مليئة بالعنف والرعب سميت بعهد الإرهاب، هكذا تم إعدام الملكة ماري أنطوانيت في 16 أكتوبر، وتم إعدام 21 من الشخصيات البارزة من الجيرونديين بالمقصلة في الحادي والثلاثين من نفس الشهر، لكونها مخالفة لسياستهم. بعد هذه الأعمال الانتقامية الأولية، حوكم الآلاف من الملكيّانيون والكهنة والجيرونديون وغيرهم من القطاعات المتهمين بالقيام بأنشطة معادية للثورة أو بالتعاطف مع هذه القضية أمام المحاكم الثورية، وأُدينوا وحُكم عليهم بالإعدام بالمقصلة، فبلغ عدد الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في باريس 2639، وكانت العقوبات المفروضة على الخونة أو المتمردين المشتبه بهم أكثر صرامة في العديد من المقاطعات الطرفية، وخاصة في المراكز الرئيسية للانتفاضة الملكية، حيث بلغ العدد الإجمالي للضحايا في عهد الإرهاب 40 ألفًا. "من بين المدانين من قبل المحاكم الثورية، كان حوالي 8٪ من النبلاء، و6٪ من رجال الدين، و14٪ ينتمون إلى الطبقة الوسطى، و70٪ من العمال أو الفلاحين المتهمين بالتهرب من التجنيد الإجباري، هجر الخدمة العسكرية، والتمرد أو جرائم أخرى".

لقد كان رجال الدين الكاثوليك هم الذين عانوا نسبيًا من أكبر الخسائر بين كل هذه الفئات الاجتماعية، فتجلت الكراهية ضد رجال الدين أيضًا في إلغاء التقويم اليولياني-Julian Calendar في أكتوبر 1793، والذي تم استبداله بالتقويم الجمهوري، فحاولت لجنة السلامة العامة إصلاح البلاد بشكل متعصب بناءً على مفاهيمها الخاصة عن الإنسانية والمثالية الاجتماعية والوطنية، وانطلاقاً من الرغبة في إقامة جمهورية الفضيلة، شجعت اللجنة على الولاء للجمهورية والنصر، واتخذت إجراءات ضد الفساد والاحتكار. أيضًا، في 23 نوفمبر 1793، أمرت كومونة باريس Comuna de París بإغلاق جميع الكنائس في المدينة، وقد اتبعت هذا القرار لاحقًا من قبل السلطات المحلية في جميع أنحاء فرنسا وبدأت في الترويج للدين الثوري، المعروف باسم عبادة العقل.

د- الديركتوار أو حكومة المدراء الفرنسية أو مجلس الإدارة 1795–1799:
في عام 1795 أقر المؤتمر دستورًا جديدًا يقسم السلطة التشريعية إلى مجلسين:
- مجلس الخمسمائة الذي أعد القوانين.
- مجلس الحكماء المختص بالموافقة عليها.
اجتمعت هذه المجالس في جلسات استثنائية لانتخاب أعضاء حكومة المدراء الفرنسية الخمسة، حيث أوكلت إليهم السلطة التنفيذية، وواصلت حكومة الإدارة الفرنسية النضال ضد أنصار الملكية ونادي اليعاقبة ومؤامراتهم. لكن في الثالث من أكتوبر، أعلن أنصار النظام الملكي في باريس التمرد والعصيان على المؤتمر الوطني، بعد أن تم استبعادهم من من طرف حكومة المدراء الفرنسية، ولقد أمرت هذه الأخيرة بتدخل الجيش، الذي كان أحد جنرالاته القائد العسكري نابليون بونابرت Napoléon Bonaparte الذي بدأ نجمه بالبروز. أيضاً استمرت الحرب ضد الدول المطلقة the absolutist في أوروبا، فعهدت حكومة المدراء الفرنسية إلى نابليون بقيادة الجيوش الفرنسية، في 9 نوفمبر 1799، لكن تجاهل نابليون حكومة الديركتوار التي كانت حكومة ضعيفة ومكروهة، بسبب الهجمات التي شُنت من طرف الشعب ضدها، ويرجع هذا إلى أسباب ثلاثة رئيسية: هي الصعوبات المالية، والمنازعات الحزبية، والأزمة الخلقية. لتصبح بعدها السلطة التنفيذية في يد حكومة القناصل (المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل الجمهورية الفرنسية الأولى)، بعد انقلاب 18 برومير الذي قام به نابليون بونابرت، فأطاح بذلك حكومة الديركتوار، وهكذا انتهت الثورة الفرنسية. ومع ذلك، فقد انتشرت مبادؤها وتحولاتها السياسية في أوروبا من قبل جيوش نابليون. "بونابرت، الذي استثمر سلطات حُكمٍ دكتاتوريةٍ، قد استخدم الحماس والمثالية الثورية لفرنسا لإرضاء مصالحه الخاصة. ومع ذلك، فإن الانقلاب الجزئي للبلاد قابله حقيقة أن الثورة امتدت إلى كل ركن من أركان أوروبا تقريبًا خلال فترة الفتوحات النابليونية ". من هذه العملية انتشرت مبادئ الثورة في جميع أنحاء القارة الأوروبية.

رابعا: التأثير التاريخي للثورة الفرنسية:
في نهاية القرن الثامن عشر، كانت هناك أحداث ذات طبيعة سياسية وفلسفية، كان أحد أسباب ظهور مجموعة من الأفكار التي غيرت العالم، والتي روج لها المفكرون والفلاسفة ورجال قانون في ذلك الوقت، مما أدى إلى ظهور الثورة الفرنسية، والتي تعني الانتقال من المجتمع الطبقي، وريث الإقطاع، إلى المجتمع الرأسمالي، القائم على اقتصاد السوق المدعوم من قبل البرجوازية، التي كان لها دور راجح في الحياة الاقتصادية، والتي تمكنت من إزاحة الأرستقراطية والملكية ذات السلطة المطلقة. من خلال هذه الأحداث المتتالية، نشأ نظام جديد أشارت مبادؤه ضمنياً إلى ضعف وانهيار نظام الحكم السابق، وتأكيد مبدأ جديد قائم على "الإرادة العامة: العقل البشري- " Volonté générale: La raison humaine. بالتالي، لم يخلق الثوار الفرنسيون نموذجًا جديدًا للمجتمع والدولة فحسب، بل قاموا بنشر طريقة جديدة في التفكير في معظم أنحاء العالم. من هذه العملية الواسعة، تبرز القاعدة الأيديولوجية التي تبدأ معيارًا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وقانونيًا جديدًا يقوم على نشأة الثورة التي تمظهرت في المبادئ التالية: مبدأ المساواة، وفكرة الحرية والمفهوم الملموس لهيكل ووظيفة الدولة.
بالمعنى الوارد أعلاه، يُقال إن تأثير الثورة الفرنسية في العالم يمكن قياسه وفقًا لتداعياتها، والتي يتم تفصيلها أدناه:

خامسا: نتائج الثورة الفرنسية:
1-إلغاء النظام الإقطاعي:
في 4 أغسطس 1789، فيما يسمى ليلة الجنون، ألغت الجمعية الوطنية الإقطاع، وألغت الامتيازات التي كانت تحصل عليها الطبقة الأولى (رجال الدين) وحقوق الامتيازات الإقطاعية للطبقة الثانية (النبلاء). ففي غضون ساعات، فقد النبلاء ورجال الدين والمحافظات والمدن والبلدات والشركات امتيازاتهم. كذلك، استلزم مسار الأحداث تحول الدولة، الذي استغرق أربع سنوات كنتيجة مباشرة؛ التي تمثلت في إلغاء الملكية المطلقة في فرنسا، كما أنهت هذه العملية امتيازات الطبقة الأرستقراطية ورجال الدين، فتم القضاء على العبودية والحقوق الإقطاعية والعشور، وتم تفكيك الممتلكات وإدخال مبدأ التوزيع العادل في دفع الضرائب، أيضاً بسبب إعادة توزيع الثروة وملكية الأراضي، أصبحت فرنسا الدولة الأوروبية التي تضم أعلى نسبة من أصحاب الحيازات الصغيرة المستقلين، من خلال تنفيذ العملية الجديدة التي غيرت مجرى التاريخ بأكمله، وكذلك التحولات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى التي بدأت خلال هذه الفترة منها: إلغاء عقوبة السجن للديون، وإدخال النظام المتري، وإلغاء الطابع السائد للوراثة في وراثة ملكية الأرض.

-2نهاية سلطة الكنيسة:
أدت الثورة إلى انتقال هائل للسلطة من الكنيسة إلى الدولة، لأنّه في عام 1790، أُزيلت سلطة الكنيسة الخاصة بفرض ضرائب على المحاصيل، وأزيلت أيضًا امتيازات رجال الدين، وصودرت ممتلكات الكنيسة. في ظل النظام القديم كانت الكنيسة أكبر مالك للأرض في البلاد. تم تمرير تشريع في وقت لاحق جعل رجال الدين موظفين في الدولة. واتسمت الفترة بالقمع القاسي لرجال الدين، حيث كانت مذابح الكهنة وسجنهم أمراً شائعاً ومنتشراً في جميع أنحاء فرنسا. لكن اتفاق عام 1801 بين الجمعية والكنيسة، أنهى هذا القمع والمذابح، وأرسى قواعد التعايش التي ظلت سارية حتى 11 ديسمبر 1905 عندما حكمت الجمهورية الثالثة بالفصل النهائي بين الكنيسة والدولة. تم إلغاء التقويم الغريغوري القديم، النموذجي للديانة الكاثوليكية، لصالح التقويم الجديد الذي حدد 22 سبتمبر 1792 كأول سنة. "كما لعبت الثورة دورًا مهمًا في مجال الدين، حيث أدت مبادئ حرية الاعتقاد وحرية التعبير على النحو المنصوص عليه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن، على الرغم من عدم تطبيقها في جميع الأوقات في الفترة الثورية، إلى منح حرية الفكر والحقوق المدنية للبروتستانت، واليهود. فقد بدأت الثورة الطريق نحو فصل الكنيسة عن الدولة ".

3-إعلان حقوق الإنسان والمواطن:
تم وضع إعلان حقوق الإنسان والمواطن في عام 1789، بالإضافة إلى دستور جديد من النوع الديمقراطي يعترف بالاقتراع العام. فالثورة الكبرى ذات النطاق التاريخي كانت ثورة حقوق الإنسان والمواطن، يتجلى ذلك في جانبها المزدوج، الأخلاق (الحقوق الطبيعية غير القابلة للتصرف) والسياسة؛ التي تتمثل في الشروط اللازمة لممارسة الحقوق الطبيعية والفردية، التي تحدد ظهور نموذجٍ جديد للدولة، نموذجٍ للمواطنين، وهي دولة القانون، ذات طابع ديمقراطي ووطني. على الرغم من أن المرة الأولى التي أُعلن فيها عن حقوق الإنسان رسميًا كانت في الولايات المتحدة (قانون فيرجينيا للحقوق عام 1776 ودستور الولايات المتحدة عام 1787)، فإن ثورة حقوق الإنسان هي ظاهرة أوروبية بحتة. حيث سيكون إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي تم تقديمه خلال الثورة الفرنسية عام 1789 بمثابة الأساس والإلهام لجميع إعلانات القرنين التاسع عشر والعشرين. ويرجع سبب النطاق المختلف لكلا البيانين إلى مسائل رسمية وموضوعية. فالإعلان الفرنسي غير مبال بالظروف التي ولد فيها ويضيف إلى الحقوق الطبيعية، حقوق المواطن. ولكن قبل كل شيء، هو نص فريد يتجاوز تاريخيته، ومنفصل عن النص الدستوري، وبالتالي ذو طابع عالمي، يجب أن نضيف إليه اختصار اللغة المستخدمة لكتابة الإعلان المذكور، بحيث تصل الرسالة إلى كل إنسان، ومن هنا تكمن أهميتها ونجاحها في كل من فرنسا وأوروبا والعالم الغربي ككل.

هذه نتيجة حدثت أثناء الثورة: كان إعلان حقوق الإنسان والمواطن من أوائل الأحداث التي حظيت بالرواج والقبول، ففي 26 أغسطس 1789، وافقت الجمعية التأسيسية على وثيقة تحتوي على الأفكار السياسية للبرجوازية: إعلان حقوق الإنسان والمواطن، فتمت كتابة هذا لتوفير إطار عمل قبل كتابة الدستور في الأيام الأولى للثورة الفرنسية. حيث كانت هذه الوثيقة ذات أهمية مزدوجة: فهي لم تصبح أساس الدستور المستقبلي فحسب، بل عبرت أيضًا عن الاتجاه العام للثورة الفرنسية، فمن العناصر الأساسية في هذه الوثيقة، هي تأكيدها أنّ مصدر القوة هي الأمة وليس الله؛ وبذلك أزال الاعلان أسس الحكم المطلق الملكي وأسس نوعًا من الحكومة التي تكمن فيها السلطة بيد الشعب. فقبل هذا الإعلان، تولى الملوك القيادة باسم الحق الإلهي، أي أنهم كانوا ملوكًا لأنهم ممثلو الله ومنه نالوا حقهم في السلطة والحكم. فقد نص الإعلان على أن الملوك يجب أن يتم اختيارهم من قبل الشعب وليس من قبل الله كما كان مفترضًا، وحدد الحقوق الطبيعية للإنسان التي تعتبر أساسية من بينها حرية الفرد والفكر والصحافة والمعتقد، أما المساواة المخولة للمواطن، تكفلها الدولة في المجالات التشريعية والقضائية والمالية والأمن ومقاومة القهر، كما أعلن عن احترام حق الحياة والممتلكات كأساس للدولة الجديدة.

كان هذا الإعلان بيانًا للطبقات الوسطى التي سيطرت على الجمعية ولجميع الليبراليين الأوروبيين في القرن التالي. على الرغم من أن المبادئ الأساسية التي أظهرها الإعلان شكلت أسس الليبرالية السياسية في القرن التاسع عشر، إلا أنها لم تطبق في فرنسا الثورية: لم يقبل الملك أن رعاياه السابقين أصبحوا الآن سياديين وقبلت الجمعية التشريعية حق النقض للملك. بعد ثلاث سنوات، ألغي النظام الملكي وتأسست الجمهورية. تمت الموافقة لاحقًا على إعلانين آخرين عن حقوق الإنسان والمواطن أثناء الثورة الفرنسية. كان لإعلان 1793 طابعاً أكثر ديمقراطية (دافع عن الحق في التمرد ضد الطغيان والعبودية المحظورة) وسبق دستور عام 1793 وكان له تأثير كبير في إسبانيا وأمريكا الإسبانية، كونه أحد العناصر الأساسية التي حفزت على غرس الأفكار الجديدة.
كما أُشير من قبل، فإن الإعلان لم يحصل على نتائجه بشكل مباشر، حيث لم يحظ بقبول الملك، وتهيأت من بعد للشعب الفرنسي حكومةً أقرب إلى الديمقراطية، شُكلت طبقاً لاختياراته، كما ساعد ذلك في نشر الأفكار الجديدة وانتشارها، لقد كان شكلاً من أشكال الفكر الذي نشأ في القرن السابع عشر والذي سعى إلى تحسين الإنسانية مسترشدًا بالعقل المستنير ومبادئه، من بين أمور أخرى، إلى المثل العليا التالية كأهداف حكومية: السيادة الشعبية، المساواة الاجتماعية، الحرية الشخصية، ضمان العدالة والتسامح الديني. هذا التأثير، بالإضافة إلى أحداث أخرى، أدى إلى ظهور فكرة الاستقلال في بعض المستعمرات الأمريكية الإسبانية. على الرغم من أن تطبيقه الحقيقي استغرق وقتًا طويلاً، يمكن القول إن إعلان حقوق الإنسان والمواطن كان مفيدًا جدًا لفرنسا وبقية أوروبا وأمريكا بسبب محتواه الإنساني، التي لم يتم تطبيقه على الفور ولكنه أرسى الأسس من مُثله العليا.

4-الإدارة الجديدة للسلطة السياسية:
نشأت الليبرالية السياسية داخل المجتمع الفرنسي، الذي تقوم مبادؤه على السيادة الوطنية الشعبية وفصل السلطات، فقد وضع "لوك، مونتسكيو، روسو" أسس النظام السياسي الجديد كنتاجٍ لثورة، من خلال إنشاء إدارة قوية وفعالة، محت وأنهت بشكل التام إيديولوجيات النظام القديم، إلى جانب مجموعة من الظروف والأحداث التي أدت الى تعزيز الإدارة وظهور ما يعرف الآن باسم القانون الإداري. إذ يمكن القول أنّ تأثير الثورة الفرنسية في العالم كان على نطاق واسع، بكل ما فيها من عنف وتجاوزات مدعومة من قبل الجماهير التي لم يكن لديها أيديولوجية محددة ومعرَفة، وقد انجرفت بعيدًا وتأثرت بمجموعة قوية اقتصاديًا، لا تحتاج إلا للقوة السياسية لتحسين الظروف التي تسمح بتطورها كطبقة اجتماعية، ويمكن القول أنه من بين جميع الثورات المعاصرة، كان الفرنسيون هم المسكونيون - المسكونية تشير إلى فكرة توحيد المسيحية بحيث يكون هناك كنيسة مسيحية واحدة- الوحيدون، حيث خرجت جيوشهم لإحداث ثورة في العالم، ونجحت أفكارهم التي تتجاوز تداعياتها ثورة أمريكا الشمالية، مما تسبب بالفعل في انتفاضات من شأنها أن تؤدي إلى تحرير البلدان الأيبيرية الأمريكية بعد عام 1808. لقد امتد تأثيرها المباشر إلى البنغال، حيث استوحى رام موهان روي Ram Mohan Roy منها لتأسيس أول حركة إصلاحية هندوسية. إنّ التأثير غير المباشر للثورة الفرنسية هو تأثير عالمي، لأنها قدمت نموذجاً لجميع الحركات الثورية اللاحقة، فتم تفسير دروسها وفقًا لتقييم كل بلد أو تم إدراج كل زعيم في الاشتراكية والشيوعية الحديثة.

سادسا: النظريات المختلفة لتفسير ظاهرة الثورة الفرنسية:
نشأت الثورة الفرنسية منذ اللحظة التي تم فيها إنتاج آراء متنوعة وتم تفسيرها من قبل العديد من المواقف والمدارس التأريخية. فبمرور الوقت، أثارت الظاهرة التاريخية قيد الدراسة، مشاعر وتصورات مختلفة لأيديولوجيات سياسية متفق عليها، قد اعتمدت بشكل أساسي على لحظة معينة. بهذا المعنى، يتميز تنظير الثورة الفرنسية بالأيديولوجيات السياسية المعاصرة، حيث بسهولة في مناسبات عديدة، تم ربط الثورة بفترة عهد الإرهاب، لكن العديد من النظريات تأخذ فترة الجمهورية كنموذج للثورة. فيما يلي بعض المواقف بخصوص الثورة الفرنسية التي قيد بحثنا:

1- النظرية السياسية المحافظة:
يعتبر التفسير المحافظ من بين أقدم التفسيرات، لأنه وجهة نظر الملكيين المحافظين، حيث لفترة طويلة كان الأكثر انتشارًا، ويستند حكمه على الثورة إلى نقد الحقائق الملموسة، ومناشدة القيم التقليدية، التي لم تعترف بالحقوق الطبيعية، والتي تم انتهاكها خلال الثورة. بالنسبة للملكيين المحافظين، بدأت الثورة في 17 يونيو 1789 وعرّفها المتحدثون المحافظون باسم الجمعية التأسيسية الوطنية: جاك أنطوان ماري دي كازاليسJacques Antoine Marie de Cazalès، وجيرار دي لالي توليندال Gérard de Lally-Tollendal، وجان سيفرين موريJean-Sifrein Maury. فوفقًا لهذا التفسير، كان للنظام الملكي الفرنسي دستورًا كاملاً وبرلمانًا كان فيه النبلاء ورجال الدين أوصياء عليه: طبقات المجتمع الأوروبي الفاضلة وذات الامتيازات في المجتمع، حيث أنّ الثورة هي نتاج بشر طموحين وعديمي الضمير يتآمرون لانتزاع السلطة من أصحابها الشرعيين.
أمّا الرؤية الأخرى والتي ساعدت في تشكيل النظرية السياسية المحافظة للتاريخ، هي نظرية إدموند بيرك (1729-1797)، على الرغم من أن الأنجلو إيرلندي إدموند بيرك Edmund Burke ليس مؤرخًا، أمضى الكثير من الوقت في مراقبة ظاهرة الثورة الفرنسية من الجانب الآخر من الضفة الإنجليزية، حيث كان لآرائه تأثير كبير على مختلف التيارات السياسية والتاريخية المحافظة، أولاً على المهاجرين ثم كل أولئك الذين قيّيموا الثورة الفرنسية كظاهرة كارثية لفرنسا وللتاريخ. ظهرت أفكار بيرك حول الثورة في كتابه "تأملات في الثورة الفرنسية Reflections on the Revolution in France" (1790). اعتقد بيرك أن مجتمع القرن الثامن عشر لا يحتاج إلى تغييرات أو تحولات كبيرة لأنه لم يمثل أي مشاكل خطيرة، حيث يمكن إصلاح المؤسسات السياسية تدريجياً ولكن دون تعديلات جوهرية، لأنها خدمت وصمدت أمام اختبار الزمن. صحيح أن بيرك اعتبر أن المؤسسات البريطانية كانت الأفضل في العالم، وبالتالي فهي متفوقة على المؤسسات الفرنسية، لكنه كان يعتقد أن الملكية المطلقة ومجتمع الطبقات، دون أن يكونا كاملين، قد نجحا تاريخيًا في البلد المجاور. انطلاقًا من هذه الافتراضات، لم يُنظر إلى الثورة على أنها حاجة مشروعة للتحول، شعرت بها الأغلبية، ولكن كنتيجة لمكائد بعض الجماعات أو القطاعات الاجتماعية ذات المهمة التخريبية. حُملت المسؤولية حينها للمستنيرين الفلاسفة، الذين لطالما عملوا على تقويض دعائم المؤسسات والمجتمع الفرنسي، لا سيما مع انتقادهم للكنيسة. وبمجرد الانتهاء من هذا الإجراء الفكري، ظهر "الغوغاء" الجاهلون، الذين أفسدوا البلاد وسلكوا مسالك وحشية بجهلهم. وهكذا، وفقًا لبوك، ستكون الثورة دائمًا ثمرة مؤامرة أقلية. سوف تتكون الجمعية الوطنية الفرنسية من أفراد أقل مرتبة وحرفيين وأشخاص يمارسون الحرف الميكانيكية والمهن الثانوية. كانت حقوق الإنسان، المعلن عنها عام 1789، نتيجة تخمينات عقلية ولم تكن مرتبطة بالواقع، لأنها لم تنشأ عن التقاليد. كما هاجم مفهوم السيادة الوطنية أو الشعبية، وهو أمر لم يكن موجودًا في بريطانيا العظمى، لأن شرعية السلطة هناك استندت إلى القاعدة التي تنظم خلافة العرش. وبالتالي حسب بيرك، فهو لا يعرف شيئًا عن حصار الطبقات المتميزة للبرلمان، ولا عن إفلاس الدولة. بالنسبة له، فإن التحول الذي تنطوي عليه الثورة تعسفي وقد تم الترويج له من قبل الدوائر السرية والماسونية. إنّ هذا التفسير هو وجهة النظر الرسمية للكنيسة الكاثوليكية، حزب المحافظين الانجليزي، حزب المحافظين الألماني، وجميع الملكيّانين المحافظين (الملكيّانيةMonarchism - ) بشكل عام.

2- النظرية الليبرالية:
بالنسبة لليبراليين، تبدأ الثورة الفرنسية بالعمل الثوري نفسه الذي يتمثل بانعقاد الجمعية التأسيسية الوطنية في 17 يونيو 1789، حيث كان الأمر يتعلق بتصفية الترتيب الهرمي المنحاز لمصلحة الطبقات ذات الامتيازات، دُفعة واحدة، فبالنسبة للبرجوازية الليبرالية، يعتبر قسم لعبة التنس في 20 يونيو 1789 واقتحام الباستيل في 14 يوليو 1789 هما الحدثان المحوريان للثورة، اللذان يعتبران أسطوريان الى حد ما. لكن النقاط الرئيسية للثورة الفرنسية، والأكثر إثارةً، هي: إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 أغسطس 1789، وأول دستور مكتوب في 3 ديسمبر 1791. حيث تعتبر النظرية الليبرالية بمثابة أسطورة لفترة الملكية الدستورية، فقد تم رفضها بشكل مطلق خلال فترة المؤتمر، ولم يقتصر الرفض على عهد الإرهاب فقط، فهو لا يرجع إلى عنف ورعب تلك اللحظة، لأنه يتم اعتباره شرًا ضروريًا في سياقه، ولكن بسبب الاشتراكية الناشئة التي تفترضها أكثر المواقف راديكالية. بالنسبة لليبراليين، التنوير هو عنصر تكييف للثورة، والركيزة الأيديولوجية التي بدونها لم تكن لتتحقق. فشخصيات مثل مونتسكيو وفولتير وروسو يتم اعتبارهم الآباء الروحيين للثورة. أما الطبقة الأرستقراطية (النبلاء) ورجال الدين فتم اعتبارهم طبقة متميزة شغلت مناصب الدولة، ولم تحكم لصالح المجتمع، بل حكمت للحفاظ على نظام امتيازات عفا عليها الزمن، مما يعني ضمنياً سوء الإدارة والفساد في الدولة.
يدافع عن هذا الموقف الليبرالي، المؤرخ والمنظر جول ميشليه - Jules Michelet الذي يرى أنّ مع الثورة الفرنسية، كسر شعب فرنسا الثائر قيوده وحصل على الحرية، لكن أبطال الثورة هم المفكرون التنويريون الذين مثلوا رغبات الأمة وألهموا الرأي العام للقيام بالثورة. بالتالي، هذه إحدى النظريات الأكثر انتشارًا اليوم.

3- النظرية الاشتراكية الفرنسية:
تمت إزالة نظرية الاشتراكيين الفرنسيين للثورة الفرنسية إلى حد ما من المادية التاريخية، حيث أنّ هذا التحليل هو الأكثر صدى في فرنسا، ويعتبر جان جوريس - Jean Jaurès وألبرت ماتيز - Albert Mathiez وجورج لوفيفر- George Lefebvre وألبرت سوبول - Albert Soboulأفضل دعاة له. تقدم النظرية الاشتراكية الفرنسية مساهمة كبيرة في معرفة السوابق والوضع قبل الثورة. فتنظير الاشتراكيين الفرنسيين له تيارات كثيرة، وتفاوتات في المعايير. فقام لويس بلانLouis Blanc - ، في عام 1847، بأول عرض اشتراكي للمسألة، حيث رأى بلان في الإرهاب الخطوة الأولى نحو مستقبل حالة الأخوة، وبينما مكسميليان دي روبسبير - Maximilien de Robespierre كان اشتراكيًا قبل عصره. أمّا جان جوريس، في عام 1901، التاريخ الاشتراكي للثورة الفرنسية، فكان مشبعاً بالنزعة الإنسانية الاشتراكية، والتي تصور الثورة كنموذج تاريخي للهجوم على السلطة السياسية من قبل الطبقة التي هيمنت اقتصاديًا، البرجوازية، ضد الطبقة التي كان تملك السلطة السياسية، وهي الأرستقراطية. كانت الثورة أيضًا نموذجًا للديمقراطية الاجتماعية، خلال فترة المؤتمر، وروبسبير هو الداعم الأكبر للديمقراطية الإصلاحية. وقد أعاد ألبرت ماثيز، في العشرينات من القرن العشرين، اكتشاف شخصية روبسبير، الذي قارنه بفلادمير لينينVladimir Lenin - ، حيث إنه يتعلق بالثورتين الفرنسية والروسية، ويعتبر ديكتاتورية نادي اليعاقبة أول ديكتاتورية للبروليتاريا.
بالنسبة للاشتراكيين الفرنسيين، كانت الثورة نتيجة الصراع الطبقي، والبرجوازية ضد النبلاء، وانتصار الرأسمالية. من حيث المبدأ، لم يكن من الضروري تصفية النبلاء كطبقة، ولكن كان ذلك ضروريًا في مواجهة الدعم الخارجي للملكية، ولتحقيق ذلك كان تحالف البرجوازية مع الشعب واجباً، الأمر الذي قاد الثورة إلى مرحلة المؤتمر والإرهاب. لكن الإنجازات المهمة حقًا للثورة جاءت بعد الأحداث الثورية، مثل تشكيل السوق الوطنية، واختفاء المفهوم الإقطاعي للملكية لصالح المفهوم البرجوازي الجديد؛ التي من أجلها يتم توزيع الملكية الزراعية الإقطاعية وتحرير رباط الفلاحين. لذلك، المسألة الزراعية هي قضية مركزية تثير الانتباه، حيث يعيش معظم المجتمع في الريف. لا يتجاهل تحليل الاشتراكيين الفرنسيين الأساليب الكمية، ويعطي أهمية لدراسة تطور سعر الخبز والأجور والوضع الاقتصادي وديون الدولة، إلخ. أما بالنسبة إلى جورج لوفيفر وألبرت سوبول، كانت الاتفاقية أداة لأصحاب الحكم الذاتي الصغار للدفاع عن مصالحهم، وليست أداة للشعب. بالتالي، تعتبر الثورة ظاهرة فرنسية خاصة ولها ثلاثة جوانب أساسية: مفهوم الحرية الذي هو أصل الحريات الحديثة. مفهوم المساواة الذي يركز على تحقيق اختلافات اقتصادية أقل؛ ومفهوم الوحدة، الذي يعتبر الدولة بنية مركزية وحدوية. لقد صنف لوفيفر وسوبول الوضع المثالي للاشتراكية الفرنسية، على أنه ليس اشتراكيًا بحتًا، لأن الثورة الفرنسية لا يمكن مقارنتها بالروسية: إحداها ثورة برجوازية، والأخرى ثورة اشتراكية.

4- النظرية الماركسية اللينينية:
كان التفسير الماركسي اللينيني، حتى الستينيات، مقصورًا على الاتحاد السوفيتي ومحيطه، لكنه انتشر منذ ذلك الحين في جميع أنحاء العالم. إنه تحليل يقوم على المادية التاريخية. إنه يتصور الثورة الفرنسية على أنها ثورة واحدة، الثورة البرجوازية الأولى، التي انضم إليها بشكل مؤقت الفلاحون والبروليتاريا، وكذلك البرجوازية الصغيرة، لهزيمة النظام الإقطاعي المطلق، وهكذا كانت الثورة نتيجة للصراع الطبقي، حيث يرى كارل ماركس Karl Marx – أنّ إعلان حقوق الإنسان والمواطن قد حقق تطلعات الثورة الفرنسية. فالثورة تتميز بتعزيز النزعة الفردية المتطرفة للمواطن العادي وتكريس الملكية الخاصة المطلقة، التي لم تساهم في شيء من أجل التغلب على الاغتراب الانساني. لقد كانت ثورة قادت باسم الأفكار، على الرغم من أن ما كسبته كان مصالح البرجوازية، حيث لم يكن للشعب أيديولوجية سياسية، حيث عندما دعمت البرجوازية في عام 1830 استعادة بوربون، تخلت عن مُثلها العالمية وعززت مصالحها الطبقية. بحلول ذلك الوقت، كانت الثورة قد تغلغلت في كل طبقات المجتمع المستعدة للدفاع عنها، حيث كان لينين أكثر اهتمامًا بالنشاط الثوري لمرحلة المؤتمر، وديناميكيات المشاركة الشعبية، وبدراسة الأسباب الجذرية للثورة، والظروف التي ساد فيها النظام الإقطاعي المطلق. إنه يشير إلى أنه خلال الثورة، يحدث تحول متزامن في القاعدة الاجتماعية والاقتصادية والبنية الفوقية. في هذه العملية تندلع التوترات الطبقية، على الرغم من أن البرجوازية تتلقى في البداية دعم الفلاحين والطبقات الحضرية الدنيا.

بالنسبة لفلادمير لينين، فإن أحد أهم أحداث الثورة هو اقتحام الباستيل في 14 يوليو 1789، والذي يعتبره بداية الثورة، بسبب مشاركة الجماهير في العملية. خلال الثورة، تمت تصفية الإقطاع لتقوية الرأسمالية، بالتالي، تصبح البرجوازية معادية للثورة عندما تفقد السيطرة عليها. في عام 1792 استمرت المدينة في الثورة، مع الهجوم على الملك، وبحلول بداية فترة المؤتمر، تم قطع رأس الملك في عام 1793، إيذانا ببدء مرحلة عهد الإرهاب. لكن البرجوازية سيطرت على هذه المرحلة أيضًا، مع رجال مثل روبسبير، الذي كان في الواقع ثوريًا برجوازيًا. في عام 1794 تحالفت البرجوازية مع الفلاحين، بعد زوال خطر الثورة المضادة، ودخلت فترة حكومة المدراء الفرنسية (1795–1799). بالنسبة للينين، فإن الحقبة النابليونية تنتمي أيضًا إلى الثورة الفرنسية، لأنها المرحلة التي تتولى فيها البرجوازية السلطة، حيث يفترض بأن ثورة 1830 خدمت البرجوازية الكبرى إذ نصبت نفسها إنتهاءاً في السلطة. لأنها في التفسير الماركسي اللينيني، لا تتطابق مع الثورة الروسية، لأن إحدهما ثورة برجوازية والأخرى ثورة اشتراكية.

5- النظرية البنيوية:
تركز النظرية البنيوية على محاولة حل مشاكل محددة، مثل تلك التي لوحظت في الاقتصاد أو المجتمع أو القانون أو المؤسسات، حيث تسعى إلى تفسير جميع حقائق الثورة ووجهات نظر متعددة. الدعاة الرئيسيون لها هم: فرانسوا فوريه-François Furet ودنيس ريشه - Denis Richet. بالنسبة للبنيويين، فإن الثورة الفرنسية هي واحدة من الثورات الأطلنتية، التي لها نفس تطلعات الثورات الأخرى في المنطقة، فهذه الفكرة ذات حتمية جغرافية (ارتباط الثورة بموقعها الجغرافي). إذ يرى كل من فوريت وريشه أن الظاهرة أكثر تعقيدًا، حيث إنهما يعتقدان أن هناك ثلاث ثورات متزامنة: ثورة نواب فرساي، ثورات الطبقة الدنيا والبرجوازية الصغيرة، وثورات الفلاحين.
بالنسبة للتفسير البنيوي، كانت الثورة الفرنسية ثورة برجوازية حاولت إرساء المساواة والأمن الشخصي في التشريع، ومن هنا كانت الدستورية والليبرالية الاقتصادية التي سادت خلالها. كان العامل الحاسم في نجاحها هو تنفيذ إعادة الهيكلة الدستورية للدولة من خلال الجمعية الوطنية، وبالتالي فهم يجادلون أيضًا بأن الشيء الوحيد الذي تحققه الثورة هو تدمير الإدارة الملكية وفرض أخرى، جمهورية ونابليونية، منفصلة في كل شيء عن السياق السياسي والأيديولوجي والاجتماعي. إنّ التفسير البنيوي يركز كثيرًا على تطور المؤسسات لدرجة أنه كثيرًا ما يهمل الحركات الاجتماعية التي حدثت. ومع ذلك، فهذه هي رؤية الثورة الأكثر نجاحًا اليوم، على الرغم من أنها ليست الأكثر شعبية بعد، إلا أن المؤرخين المعاصرين هم من يدافعون عن وجهة النظر هذه. حيث ترتبط جميع النظريات السابقة بأيديولوجية منظريها، ودفعاً لكل ذاتية وبإعمال النظرة المحايدة في الثورة، من المهم أن ندرك أن الثورة الفرنسية كانت ظاهرة تاريخية اجتماعية؛ لأنها حدثت في لحظة معينة حيث كان الفاعلون الرئيسيون هم الأشخاص الذين ساهموا في الثورة لصالح المجتمع الذي يمثلونه أو ينتمون إليه.

أخذا بما سبق يمكن القول، أنّ الثورة هي صراع طبقي من أجل السلطة السياسية التي يؤطرها ماركس كمحرك للتاريخ، "إن تاريخ كل المجتمعات حتى يومنا هذا هو تاريخ الصراع الطبقي لماركس وإنجلز". من الضروري أيضًا الإشارة إلى أنه لا يمكن مقارنتها بالثورة الروسية، التي لها طابع اشتراكي وأن الثورة الفرنسية جزء من الثورات البرجوازية التي كانت مهتمة بتحقيق السلطة السياسية من خلال التأكيد على عبارة ميكيافيلي: الغاية تبرر الوسيلة، بهذا المعنى، كانت الثورة الفرنسية فترة اضطرابات اجتماعية وسياسية حدثت في فرنسا بين عامي 1789 و1799 ومن أبرز نتائجها: إلغاء الملكية المطلقة وإعلان الجمهورية، نتيجة إزالة الأسس الاقتصادية والاجتماعية للنظام القديم، التي أدت الى ظهور الطبقة البرجوازية ذات الأهمية الاقتصادية، ومع استياء شعب جائع، جنبًا إلى جنب مع توسع الأفكار الليبرالية الجديدة، حولت فرنسا إلى نموذج يحتذى به لإلغاء الحكم المطلق. بشكل عام، كانت عوامل سياسية واقتصادية سببت في إشعال فتيل هذه الثورة، حيث بدأت هذه المرحلة التغييرية الأولى في عام 1789 بدعوة من مجلس طبقات الأمة، ووصولاً إلى حكومة المدراء الفرنسية (1795–1799) لتنتهي بتولي نابليون بونابرت السلطة نتيجة انقلاب. بالتالي، فالثورة الفرنسية كانت بمثابة نموذج للمجتمعات الأخرى لتغيير نظام الحكم المطلق لكل نظام اجتماعي، حيث تأسست مبادؤها على: "الحرية، المساواة، الإخاء" التي يتم تضمينها بطريقة ما في غالبية دساتير العالم المعاصر.

المصدر: الموسوعة السياسية



 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع