وأولت الهند منذ استقلالها اهتماما كبيرا بزيادة قوتها العسكرية، لا سيما أنها استخدمتها بعد الاستقلال مباشرة ضد باكستان، ثم كانت حربها مع الصين عام 1962، وتبعتها الحرب الهندية الباكستانية الثانية عام 1965، ثم الثالثة عام 1971.
وأدت هذه المواجهات بين الهند وكل من باكستان والصين إلى اعتبارهما المصدرين الأساسيين للتهديد، ومن ثم فإنها في سعيها لمواجهة هذا التهديد اتجهت لتدعيم علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي سابقا، ومن جانبها فإن باكستان التي ترى في الهند التهديد الرئيسي دعمت علاقاتها مع الصين، وفي مرحلة لاحقة ومع التطورات التي حدثت على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عملت الهند على تدعيم روابطها العسكرية مع
الولايات المتحدة.
وعملت الهند دائما على الاحتفاظ بقوات مناسبة على الجبهتين الباكستانية والصينية، بعدما كانت لا تولي الجبهة الصينية الاهتمام الكافي قبل حرب 1962. ومن ثم فإنها حتى أواخر السبعينيات كانت تتبع سياسة الدفاع الكافي، ومع بداية الثمانينيات بدأت تتحول إلى سياسة الردع المحدود.
وقد استمرت الهند في اتباع سياسة الردع، وبررت امتلاكها للأسلحة النووية بردع الآخرين عن استخدام هذه الأسلحة ضدها، وفي حال إقدامهم على استخدامها ضدها أي في حالة انهيار الردع فإنها تؤكد على قدرتها على الرد على الضربة الأولى.
وذلك يتطلب عددا كافيا من الأسلحة النووية ونظاما قويا للقيادة والسيطرة، ونظاما فعالا للرقابة والإنذار المبكر، وتخطيطا وتدريبا شاملا يتفق مع الإستراتيجية المعلنة والقدرة على توظيف القوات والأسلحة النووية.
كما أن فعالية القدرات العسكرية التقليدية لا تقل أهمية عن فعالية القدرات النووية. وتقوم العقيدة النووية الهندية على القدرة على التحول السريع من الانتشار وقت السلم إلى التوظيف الكامل للقوات في أقصر وقت ممكن، والقدرة على الرد بفعالية حتى في حالة التأثر الشديد بالهجمات المعادية. ويتطلب هذا تعدد وسائل إطلاق الأسلحة النووية من الطائرات والصواريخ والقوات البحرية.
وتدرك الهند أن القوة العسكرية عامل مهم يساعدها في مسعاها للعب دور إقليمي ودولي فاعل عبر فرض السيطرة في جنوب آسيا والمحيط الهندي، لدرجة أن البعض تحدث عن مبدأ مونرو الهندي بالنسبة لجنوبي آسيا، ويستدلون على ذلك بمعارضة الهند الشديدة للوجود الأجنبي أو التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لدول جنوبي آسيا أو في الخلافات في ما بينها. والهند ترى أنها لا تشكل تهديدا لجيرانها، وأنها لا تريد ذلك حيث إنها تعتبر أن أمن جيرانها هو جزء من أمنها.
التفوق على باكستان
التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات بين الهند وباكستان، فقد دخلت الدولتان في ثلاث حروب منذ الاستقلال، ناهيك عن الاشتباكات التي تحدث بينهما من حين إلى آخر منذ عودة التوتر إلى
كشمير مع نهاية الحرب الباردة.
وقد حدثت اشتباكات منذ حادث الاعتداء على البرلمان الهندي في ديسمبر/كانون الأول 2001، والذي اتهمت فيه الهند باكستان بدعمها لمنفذي الهجوم. كما أن الهند تتهم باكستان بدعم ما تسميه بالإرهاب في كشمير وتسهيل تسلل عناصر عبر خط السيطرة في كشمير لتنفيذ عمليات في الأراضي الهندية.
وتعتبر قضية كشمير أهم قضية تثير الخلاف والنزاع بين الجانبين، حيث ترى الهند أن كشمير جزء لا يتجزأ من الأراضي الهندية، في حين ترى باكستان أنه يجب أن يعطى الشعب الكشميري حق تقرير المصير.
وحرصت الهند دوما على تحقيق التفوق العسكري على باكستان سواء على المستويات التقليدية أو غير التقليدية، ومن جانبها فإن باكستان حريصة على ألا تتسع الفجوة بينهما كثيرا، ومن ثم فإن الجانبين يوجد بينهما سباق للتسلح.
وفي سعيها لتحقيق التفوق العسكري على باكستان فإن الهند كانت دائما حريصة على امتلاك نظم تسليحية أكثر تطورا مما هو موجود لدى باكستان. ومن ذلك على سبيل المثال قرارها عام 1981 بشراء طائرات بريطانية من طراز "جاغوار"، وطائرات سوفياتية من طراز ميغ 23، ودبابات سوفياتية طراز T-72 بعد أن حصلت باكستان على طائرات F-16 الأميركية وصواريخ M.901 المضادة للدبابات. فكل طرف سعى لتوثيق روابطه بالقوى الدولية الرئيسية المصنعة والموردة للسلاح من أجل الحصول على الأسلحة وتكنولوجيا تسليحها.
والواقع أن الهند تحقق تفوقا كبيرا على باكستان في مجال الأسلحة التقليدية، وكانت تريد تأكيد هذا التفوق في مجال الأسلحة غير التقليدية بامتلاك الأسلحة النووية، ولكن باكستان ردت بسرعة على هذه المحاولة بامتلاك نفس النوع من الأسلحة.
الصين
القدرة على مواجهة الصين شكل ركنا أساسيا في العقيدة العسكرية الهندية، لا سيما بعد هزيمة الهند أمام الصين عام 1962، تم قيام الصين بالتفجير النووي الأول عام 1964، واستمرار المطالب الإقليمية الصينية فى بعض الأراضي التي تسيطر عليها الهند، وتمركز جزء كبير من القوات الصينية بالقرب من الحدود مع الهند.
ناهيك عن أن الهند كانت تنظر دائما بقلق إلى تنامي القوة العسكرية والاقتصادية الصينية وتسعى لمجاراتها، تماما كما تفعل باكستان بالنسبة للهند، وهذا ما يتضح في مجالات التسليح المختلفة.
المحيط الهندي
تلعب البحرية دورا مهما في الإستراتيجية الهندية، بحكم موقع الهند ورغبتها في لعب دور إقليمي ودولي أكثر فعالية، ومن مقومات لعب هذا الدور بسط السيطرة على المحيط الهندي.
تضم القوات البحرية الهندية أسطولين أولهما الأسطول الشرقي الذي يتركز في خليج البنغال، وثانيهما الأسطول الغربي الذي يتركز في بحر العرب. ويضم الأسطول البحري للهند حاملتين للطائرات، وأكثر من 15 فرقاطة، ومدمرات ونحو 19 غواصة و46 قطعة لخفر السواحل وذلك إلى جانب كاسحات ألغام، وطرادات وقطع برمائية وقطع مختلفة للدعم والإسناد البحري.
وتواجه البحرية الهندية تحديات تقنية عدة، حيث إن معظم القطع البحرية الهندية قديمة وبحاجة إلى تحديث، كما أن جهود بناء السفن محليا ما زالت دون المستوى المطلوب لتحقيق الأهداف المرجوة.
ومن حيث التحديات التي تفرضها القوى الإقليمية نجد أن القوتين البحريتين الصينية والباكستانية هما اللتين تمثلان التحدي الرئيس، فالقوة البحرية الباكستانية وإن كانت ليست في نفس قوة البحرية الهندية إلا أنها استطاعت تحقيق خطوات مهمة في سبيل تطوير قوتها البحرية.
كما أن البحرية الصينية في نمو مطرد مما يجعل من السيطرة الهندية على المحيط الهندي أمرا مشكوكا فيه. ومن ثم فإن الهند تخشى من زيادة التعاون بين الصين ودول مثل بنغلاديش وسريلانكا وباكستان، وما تمنحه من تسهيلات للبحرية الصينية.
ولأهمية موانئ سريلانكا بالنسبة للبحرية الصينية عند توجهها إلى باكستان وبنغلاديش فإن الهند قد حصلت من سريلانكا على حق الاعتراض على استخدام موانيها من جانب قوى أخرى. ومما يوضح إدراك الهنود لتطور القوة البحرية الصينية أن المخططين الهنود يبررون تطوير قوتهم البحرية بتحديث الصين لقوتها البحرية.