إعادة النظر في نظام انتشار الأسلحة النووية
يبدو أن إسرائيل تحرص أكثر من غيرها من دول العالم على تتبع عورات الدول التي تمتلك مخزونا نوويا سواء كان ذلك على صعيد المنشآت أم المواد الانشطارية، في الوقت الذي تحظر فيه على الآخرين الحديث عن سلاحها النووي ومنشآتها الذرية.
وأما ما يتعلق بنظام منع انتشار الأسلحة النووية والتوقيع على معاهدة الحظر يوم 5 مارس/ آذار 1970 فإن إسرائيل لا علاقة لها بذلك حيث وقع 43 دولة في الوقت الذي لم توقع فيه إسرائيل على هذه المعاهدة كبقية الدول، في حين ترى من حقها أن تكون دولة نووية في الوقت الذي تحظر فيه على الآخرين هذا الحق.
أهمية الكتاب
- اسم الكتاب: إعادة النظر في نظام انتشار الأسلحة النووية
- المؤلف: إفرايم أسكولاي
-عدد الصفحات: 184
- الطبعة: الأولى 2004م
-الناشر: مركز جافي للدراسات الإستراتيجية، جامعة تل أبيب
تبرز أهمية هذا الكتاب في كونه يعالج قضية من أهم وأبرز القضايا الدولية التي تطرح على الساحة، ألا وهي قضية منع انتشار الأسلحة النووية ومحاولات الضغط على الدول التي تسعى لتطوير قدراتها النووية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما هو الحال الآن مع إيران وكما تم في السابق من إثارة وتتبع أسلحة العراق وكوريا الشمالية.
الكتاب أعده خبير إسرائيلي يعمل باحثا في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، عمل في سلطة الطاقة النووية الإسرائيلية لمدة 40 عاما، كما عمل في الوكالة الدولية للطاقة, حيث يسلم في كتابه هذا أن إسرائيل دولة نووية وأن على العالم أن يتعامل مع هذا الأمر على أنه أمر واقع مثلها في ذلك الدول الأخرى التي تعمل في هذا المجال. ويركز الكاتب على أنه لابد من تتبع الدول المطورة للسلاح النووي مثل إيران وكوريا ويعفي في الوقت نفسه إسرائيل من طائلة المسؤولية.
ولعل أخطر ما في الكتاب أن الباحث يطالب
بإجراءات قاسية لضبط عملية انتشار الأسلحة النووية ولو أدى ذلك إلى التدخل والمس في سيادة الدول التي يشملها الأمر، على ألا تكون إسرائيل من ضمنها.
إعادة النظر في المعاهدة
"معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عفا عليها الزمن ولم تعد مجدية في ظل التفلتات التي جرت من دول موقعة عليها دون أن تردعهم المعاهدة"
يعرض الكاتب في الفصلين الأول والثاني قراءة تحليلية لواقع انتشار الأسلحة النووية في العالم، مسلطا الضوء على آفاق هذا الانتشار في منطقة الشرق الأوسط، حيث يناقش أبجديات معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عام 1970، ويرى أن هذه المعاهدة عفا عليه الزمن ولم تعد مجدية في ظل التفلتات التي جرت من دول موقعة على المعاهدة، لكن المعاهدة لم تردعهم.
ويرى أن هناك مخاطر جمة تواجه العالم من جراء الانتشار غير المنضبط للأسلحة النووية، الأمر الذي يحتاج إلى إلغاء تلك المعاهدة واستبدالها بمعاهدة أكثر صرامة وضبطا ونجاعة, مؤكدا أن عملية الضبط والرقابة تحتاج إلى نظام جديد بآليات جديدة يتمتع بقوة الردع التي تكفل عدم التمادي والتجاوز.
ويذهب المؤلف إلى أن العالم سيتحول إلى شريعة غاب إذا لم يضبط عملية انتشار الأسلحة الذرية التي باتت تقلق الأجيال، ولا يكون ذلك إلا بالإلتزام الفعلي لقوانين المعاهدة ضمن النظام الجديد الذي يقترحه هو, حيث يعرض أدوات للتنفيذ من خلال تأسيس مجلس أعلى من كبار الدول الأعضاء الموقعة على المعاهدة الجديدة المقترحة، إضافة إلى الاستعانة بمجلس الأمن والقوات الدولية التي بمقدورها أن تضبط كل شيء بالقوة.
ويرى أنه لابد من العمل مباشرة والتطبيق العملي على إيران التي يراها متمردة على قرارات الوكالة الدولية للطاقة.
ويعرض الكاتب فلسفة جديدة بالتعاون مع مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة تمكن الأخيرة من الوصول إلى أي مكان بكل أريحية لإجراء عملية الرقابة والتفتيش للتأكد من عدم وجود خرق، مشيرا إلى أن المعاهدة الحالية وبندوها الداخلية لا تعطي الأحقية الكافية في عملية التتبع والرقابة، الأمر الذي أدى إلى خرق بنود الاتفاقية من العديد من الدول وفي مقدمتها الدول الموقعة عليها.
ويعتبر أن من أهم علامات فشل المعاهدة القائمة عدم استطاعتها على منع انتشار التقنية النووية إذ انتهت بعض الدول بنجاح من إنتاج قنابل ذرية كما هو الحال مع باكستان والهند وإيران وكوريا الشمالية، مستثنيا إسرائيل من كل ذلك.
حظر بيع المواد الانشطارية
يعرض الكاتب في الفصلين الثالث والرابع للنظام الجديد المقترح الذي يرى أن أهم عنصر نجاحه يكمن في حظر بيع المواد الانشطارية ونشرها، إضافة إلى نزع السلاح النووي بشكل كامل من الدول التي تمتلكه في المنطقة.
ويرى أن أهم عنصر في المشكلة المطروحة عدم فعالية النظام القديم في التحقق من إمكانية حصول الدول على المواد الانشطارية ومكوناتها الأساسية للقضايا السلمية وليست الحربية، فقد تمكنت عدة دول من الحصول على هذه الأساسيات ضمن متطلبات سلمية إلا أنها استعملتها لصناعة القنابل الذرية, وبعد اكتشاف أمر هذه الدول لا يسعها إلا أن تقوم بالانسحاب من المعاهدة وكأنه لم يحصل شيء يثير أو يذكر.
"يقترح الكاتب تطبيق نظام جديد ذي آليات وضوابط جديدة للحد من انتشار الأسلحة النووية من خلال الرقابة الصارمة والتفتيش الدقيق عن المكونات الأساسية للصناعات النووية"
ولهذا يطالب الباحث بضرورة تطبيق النظام الجديد ذي الآليات والضوابط الجديدة من خلال الرقابة الصارمة والتفتيش الدقيق عن المكونات الأساسية للصناعات النووية، ضمن الخطوات التالية:
1- اكتشاف المنشآت التي تنتج المواد الانشطارية وتخصب اليورانيوم في الوقت المناسب، وهذا يحتاج إلى صلاحيات للدول المراقبة أو اللجان كي تصل إلى كل موقع في أسرع فرصة وبدون عراقيل ولا إجراءات أمنية ورسميات زائدة حتى تتمكن من الوصول إلى الهدف، وإلا فإن كل دولة غير ملتزمة بمقدورها أن تخفي برنامجها بطريقتها الخاصة.
2- أن تخضع الدول المنتجة للمواد الانشطارية إلى إشراف دولي، بحيث تنتج موادها بطريقة شرعية ضمن الكميات المسموح بها للقضايا السلمية فقط وليس للقضايا الحربية، وأن لا تقوم ببيع موادها هذه إلا ضمن الرقابة الدولية المفروضة.
3- التأكد من مخزون المواد الانشطارية الأساسية أولا بأول وعدم تسريبها إلى دول غير مرغوب فيها باقتنائها لهذه المواد من قبل وكالة الطاقة الذرية، وفرض عقوبات وحظر على كل دولة تقوم ببيع غير شرعي.
4- يجب أن تخضع المنشآت التي تنتج المواد الانشطارية للرقابة الدورية الدائمة، بحيث يتم التأكد من أن إنتاجها فقط للمواد السلمية.
5- عدم السماح بتخصيب اليورانيوم إلا ضمن شروط وقيود وضمانات تكفل عدم استخدامه لصناعة الأسلحة النووية.
ويرى الكاتب أن هذه الشروط وغيرها ينبغي أن تشكل عمودا فقريا للمواد الأساسية للنظام الجديد المقترح لضبط انتشار الأسلحة النووية، وأن عملية التنفيذ تحتاج إلى قرار جماعي دولي حتى تصبح واقعا على الأرض قبل فوات الأوان.
ويشير إلى أن التطور التقني عجل في امتلاك الكثير من الدول وخاصة النامية في العالم الثالث لهذه التقنيات النووية التي باتت بأيد غير أمينة كما يقول الكاتب، ولهذا فإنها تشكل خطرا داهما على الإنسان والإنسانية.
ويعتقد أن تجديد العمل ضمن شروط وقواعد القانون القديم لمعاهدة الحظر فإنه يؤدي إلى تمادي الكثير من الدول المتشبثة بهذا القانون غير الرادع، مشيرا إلى تجربة إيران وكوريا الشمالية وتمردهما على المجتمع الدولي وعدم انصياعها إلى الإرادة الدولية كما يزعم، دون أن يتطرق إلى إسرائيل الدولة النووية التي تمتلك أكثر من 200 رأس نووي إلى جانب امتلاكها العديد من المنشآت النووية في ديمونة وناحال سوريك وهرتسيليا وبيت يام وغيرها.
إسرائيل دولة نووية
يتطرق الكاتب إلى إسرائيل كدولة نووية تمتلك الطاقة النووية ويوجد فيها مفاعلات، حيث تمكنت من الحصول على هذه التقنية من خلال تعاونها الإستراتيجي مع فرنسا، لكنه لا يتطرق إلى استعمال إسرائيل منشآتها للصناعات العسكرية وإنتاج القنابل الذرية وإنما ترك الأمر غامضا. ويؤكد أن إسرائيل لديها كميات من اليورانيوم المخصب، لكنه أيضا لا يتحدث عن حجم هذه الكميات.
واكتفى بالقول إن الضرورة تفرض على إسرائيل أن تكون دولة نووية خاصة أنها تعيش في مستنقع من العداء المستفحل حولها، مؤكدا أنه ليس غريبا أن تمتلك إسرائيل قدرات نووية في الوقت الذي تمتلكها دول أخرى في الشرق الأوسط وشرقي آسيا وشمال أفريقيا.
"الضرورة تفرض على إسرائيل أن تكون دولة نووية خاصة أنها تعيش في مستنقع من العداء المستفحل حولها"
ويرى أن إسرائيل لا تتجاوز الاتفاقيات المبرمة دوليا رغم أنها غير موقعة عليها، في الوقت الذي تجاوزت فيه دول عديدة هذه الاتفاقيات دون أن تتعرض للردع. وأضاف أن على المجتمع الدولي أن يسلم بأن إسرائيل دوله نووية كغيرها من دول المنطقة ومن حقها ذلك، مشيرا إلى أنه لابد من تتبع الدول التي تصدر الإرهاب في المنطقة وتمتلك هذا النوع من السلاح، ويطالب بإجراءات قاسية وصارمة ضد هذه الدول.
ويقترح في خاتمة دراسته أن تشكل قوة دولية رادعة مثل الناتو لتقوم بأعمال الرقابة والضبط والتفتيش على الدول التي تتجاوز بنود المعاهدة الدولية الجديدة والمقترحة، إضافة إلى تقديم المتجاوزين إلى المحكمة الدولية في لاهاي.
ولا يرى الكاتب حرجا في أن يتم فرض حصار دولي اقتصادي على كل دولة تتجاوز بنود المعاهدة وفرض عقوبات عليها حتى تتم عملية الردع، وإلا فلن يكون للنظام الجديد المقترح أي جدوى.
كما يرى أن مسألة الانتشار النووي خطيرة ولا يجوز الاستهانة بها، ولهذا ينبغي الحديث المتكرر عنها رقابة وضبطا وعناية كونها تتعلق بحياة الإنسان كما يقول، لكننا لا نجد لهذه الإنسانية موقعا في كتابه عندما يتحدث عن إسرائيل وقدراتها النووية ويتركها هكذا غامضة دون توجيه ولا انتقاد وكأنها خارجة عن إطار الحلبة الدولية.
ويقترح الكاتب القوانين الرادعة والعقوبات واللجان المنفذة، لكنه يرى كل ذلك موجها لغير إسرائيل التي من حقها -في نظره- أن تصنع وتقتني وتطور دون أدنى حرج.