ترامب يواجه محاكمة جنائية للمرة الأولى في التاريخ لرئيس أميركي سابق (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بحسب مذكرة مسرّبة.. نيويورك تايمز تقيّد صحفييها بشأن تغطية الحرب على غزة (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          لماذا سلك جيش الاحتلال محور نتساريم للوصول إلى النصيرات؟ خبير عسكري يجيب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          محكمة إسرائيلية تتمرد على العليا وتصدر قرارا بإجلاء عائلة مقدسية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مجلس الحرب الإسرائيلي ينهي اجتماعا وتوقعات برد قريب على إيران (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 2 - عددالزوار : 10 )           »          بعد إصابة قوة إسرائيلية متسللة.. الاحتلال يقصف مبنى لحزب الله (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          سلاح الجو الأردني يكثف طلعاته منذ قصف إيران لإسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ضابط سوري سابق يمثل أمام محكمة سويدية بتهمة جرائم حرب (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الباراسيتامول.. خافض الحرارة والألم وأمير صيدلية المنزل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح - سياسي كويتي (رئيس الوزراء) (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 1 - عددالزوار : 35 )           »          منظومات القبة الحديدية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 9 - عددالزوار : 15342 )           »          بينها القبة الحديدية ومقلاع داود.. ما منظومات الدفاع الإسرائيلية؟ (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          "الوعد الصادق".. أول هجوم عسكري إيراني مباشر على إسرائيل (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 3 - عددالزوار : 38 )           »          أبرز الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية في العقدين الأخيرين (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 12 - عددالزوار : 56 )           »          عام على حرب السودان.. صراع سياسي تسبب في كارثة إنسانية (اخر مشاركة : الباسل - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »         



 
العودة   ..[ البســـالة ].. > جـناح المعرفـــة > قســــــم الشــــخصيات الســــــياســـــــية
التعليمـــات قائمة الأعضاء وسام التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
 


ناريندرا مودي - سياسي هندي

قســــــم الشــــخصيات الســــــياســـــــية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع

قديم 18-01-19, 06:58 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي ناريندرا مودي - سياسي هندي



 

ناريندرا مودي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سياسي هندي تربى في أحضان منظمة هندوسية متعصبة، وكان صاحب تجربة اقتصادية ناجحة في ولاية غوجارات، وهو شديد العداوة للمسلمين الهنود، ومتهم بالتشجيع على قتل نحو ألف مسلم. أصبح رئيسا لوزراء الهند سنة 2014.

المولد والنشأة
ولد ناريندرا مودي يوم 17 سبتمبر/أيلول 1950 في إقليم غوجارات الهندي، وهو خطيب لامع يتكلم بالهندية ويتجنب الإنجليزية التي يعتبرها لغة نخب
نيودلهي.

التوجه الفكري
تلقى الأيديولوجية القومية الهندوسية أيام شبابه حين انضم إلى المنظمة القومية الطوعية (راشتريا سوايامسيفاك سانغ) التي تعتمد أساليب شبه عسكرية، وأمضى في شبابه عدة سنوات في الهميلايا في رحلة استكشاف وتأمّل قبل أن ينخرط في السياسة.


التجربة السياسية
ترأس ناريندرا مودي حكومة ولاية غوجارات من عام 2001 حتى 2014، ووجهت له انتقادات في هذه الفترة بسبب عدم تحرك إدارته خلال الاضطرابات التي قتل فيها نحو ألف شخص غالبيتهم من المسلمين.

وقد زاد من النقمة عليه في صفوف خصومه: رفضه تقديم اعتذارات، وقراره ضمَّ امرأة إلى حكومة الولاية أدينت لاحقا في قضية الاضطرابات الدينية تلك. وقد قاطعته الولايات المتحدة وأوروبا على مدى عقد قبل أن تستأنفا الاتصالات معه.
اتهمته عدة جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان بأنه شجّع ضمنا أعمال العنف الدينية في غوجارات، ومع أنه لم يلاحق قضائيا فإن اسمه مرتبط منذ ذلك الحين بتلك المرحلة المؤلمة التي تركت آثارها في أوساط المسلمين والمدافعين عن العلمانية.
عاد مودي ليثير غضبا وضجة كبيرة في يوليو/تموز 2013 عبر تصريحات قارن فيها بين المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف قام بها الهندوس والجِراء التي تدعسها السيارات في الشوارع.
فاز ناريندرا مودي برئاسة الوزراء في الانتخابات العامة في الهند عام 2014، وقد عوَّل خلال حملته على تجربته الاقتصادية الناجحة لدى توليه رئاسة ولاية غوجارت، حيث سجل نموا سنويا بنسبة 10.13% كثاني أعلى معدل لولاية هندية بين 2005 و2012.

المصدر : الجزيرة نت


 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

قديم 03-04-24, 08:53 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي ناريندرا مودي.. الراهب الغاضب من الجغرافيا والتاريخ



 

ناريندرا مودي.. الراهب الغاضب من الجغرافيا والتاريخ

استطاع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أن يحرف سياسات بلاده وطريقها بعيدًا عن ميراث غاندي وقادة الاستقلال، كيف وصل إلى هنا، وإلى أين يتجه ببلاده؟

2/4/2024
كان الجو رائعًا على شاطئ "أولغا" جنوب مدينة حيفا المحتلة ظهيرة يوم السادس من يوليو/تموز 2017. لم تتجاوز درجة الحرارة السابعة والعشرين مئوية، ما جعله وقتًا مثاليًا للرجلين اللذين نراهما يسيران على الشاطئ، يتحدثان في ود هامس، ويضحكان بصوت عال، ويشيران بأيديهما بين الفينة والأخرى للأفق في تفاؤل ظاهر.
بدا الرجلان كما لو كانا صديقين يستذكران أيامهما الخوالي، لكنك ستندهش إذا علمت أن الرجلين النشيطين اللذين يسيران بخفة على الشاطئ، وقد كشفا عن ساقيهما، ويخطوان نحو عقدهما الثامن بفارق عام واحد، لم يلتقيا من قبل إلا مرات قليلة، وأن هذه هي الزيارة الأولى لأحدهما إلى بلد الآخر.
لم يكن الرجلان سوى "بنيامين نتنياهو"، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وضيفه "ناريندرا مودي"، رئيس وزراء الهند، والذي يزور دولة الاحتلال منهيًا بذلك تاريخًا طويلًا من الجفاء، بدأ منذ إعلان استقلال الهند عام 1947، وتصويتها بالرفض على قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين بعد ذلك بثلاثة أشهر.
بدأ اليوم مبكرًا لمودي، فقد استيقظ في الخامسة صباحًا في جناح القدس بفندق الملك داوود في القدس المحتلة، وهو الفندق الذي أسسه يهودي مصري في ثلاثينيات القرن العشرين وامتلك البنك الأهلي المصري أغلب أسهمه، قبل أن يفجره أعضاء عصابة إرغون الصهيونية تحت قيادة مناحم بيغن، في يوليو/تموز عام 1946 في استهداف لمقر إدارة الانتداب على فلسطين بهدف تدمير وثائق الحكومة الفلسطينية حتى لايتم استخدامها بعد قيام إسرائيل.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كصديقين حميمين، سار مودي ونتنياهو على الشاطئ المحتل يتضاحكان كأن لم تكن بين بلديهما عقود من التوتر (الجزيرة)


لاحقًا، توجه "مودي" بصحبة نتنياهو إلى حيفا لزيارة قبور الجنود الهنود الذين قُتلوا أثناء معارك التاج البريطاني مع الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى فيما بدا محاولة لبناء حلقة وصل بين الهند وإسرائيل، قبل تأسيس دولة الاحتلال بعقود، تجاه خصم حاضر وهو " الخطر الإسلامي" وجذوره البعيدة المتمثلة في الدولة العثمانية.
هذا الادعاء ضحيته الحقيقة التاريخية، فاشتراك الهنود في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية تحت لواء بريطانيا سببه الرئيس وقوعهم تحت نير الاستعمار ولم يكن يسعهم الرفض، وقد غفل "مودي" أن الهنود المقاتلين في الجيش الانجليزي في فترة الانتداب البريطاني في حقبة الحرب العالمية الثانية تعرضوا لهجمات مميتة من قبل العصابات الصهيونية في فلسطين. ذهب التليفزيون الهندي خطوة أبعد بأن أضاف عبارة بخط عريض، أعلى الشاشة التي تُبث عليها صور الزيارة، تصف العلاقة بين البلدين بأنها: "صداقة تمتد لألفي عام"!


يحارب الماضي من أجل المستقبل

ربما لم يكن ادعاء الألفي عام ليخرج لو كان رئيس الوزراء الهندي شخصًا غير "ناريندرا مودي"، المعروف بعشقه للميلودراما التي امتازت بها السينما في بلاده، واعتياده تبهير الحقائق لتغدو أكثر جذبًا لمؤيديه محبي الملاحم والأساطير. فمودي، الذي يحارب الماضي، يحاول افتعال ذاكرة تشرعن توجهه الجديد، المخالف لكل ما تأسست عليه الهند الحديثة.
فقد كانت الهند منذ استقلالها حجر عثرة أمام طموحات إسرائيل في الحصول على اعتراف غير مشروط من إحدى أكبر دول العالم. إنه العالم الذي عرف الهند باعتبارها الدولة الفتية المنعزلة خلف سلاسل الجبال التي خرجت من تحت أغلال الاحتلال لتقود نظام ما بعد الاستعمار، وليؤسس زعيمها "جواهر لال نهرو" حركة عدم الانحياز بجانب زعماء أمثال جمال عبد الناصر، وجوزيف تيتو.
رأت هند ما قبل "مودي" في إسرائيل مشروعًا استعماريًا استيطانيًا يتمم ما بدأه الاستعمار البريطاني ولا يختلف عنه في شيء. بل إن زعيمها الروحي، المهاتما غاندي، صرح بالقول إن فلسطين ملك للعرب، "تمامًا مثلما أن إنكلترا ملك للإنكليز وفرنسا ملك للفرنسيين." وعلى الرغم من اعترافها بإسرائيل كحقيقة واقعة عام 1950، فإن دلهي لم تفتح قنواتها الدبلوماسية مع تل أبيب إلا بالتزامن مع مفاوضات أوسلو عام 1992.
حيث مدت إسرائيل أواصر الصداقة بتسليح الهند، ورفدتها بالذخيرة والمعلومات خلال مواجهاتها المتقطعة مع جارتها باكستان. ورغم ذلك، لم يزر أي رئيس حكومة هندي إسرائيل طيلة سبعين عامًا، إلى أن وصل "مودي" إلى السلطة في مايو/أيار عام 2014. وفي أول اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة حضره الرجل، استقبله نتنياهو بحرارة ودعاه لزيارة إسرائيل قائلًا له إن التعاون مع البلدين "حدوده السماء".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

صورة تجمع "جمال عبدالناصر "وجواهر لال نهرو "وجوزيف تيتو "وهم من أسس حركة عدم الإنحياز (مواقع التواصل)


وعلى الأرض المحتلة في أول زيارة لمودي تم إطلاق اسمه على زهرة "ياسمين" مشهورة تُستنبت في إسرائيل. كان نتنياهو فطنا الى طبيعة الزعيم الهندي فتجاوز معه الأعراف الدبلوماسية، لاستمالته نحو إسرائيل حيث طبع نتنياهو صورته مع "مودي" على بطاقة معايدة وكتب له إهداءً دافئًا. بحلول عام 2022، تم تأسيس "عقد جديد" بين اسرائيل والهند أصبحت الأخيرة بموجبه أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي، وأحد أكثر المنتفعين من تكنولوجيا التجسس التي طورتها دولة الاحتلال، في علاقة يصفها الطرفان بالاستراتيجية.

دولة هندوسية بعقيدة صهيونية

تأسس هذا التعاقد الجديد، وفق إطار نظري أصولي هندوسي له جذوره القديمة ولكنه قوي في عهد "مودي"، ومن خلاله تحتل الهند وإسرائيل مواقع متوازية في الخيال الأصولي الهندوسي. إذ كلتاهما دولتان دينيتان، يهودية وهندوسية، محاطتان بأعداء مسلمين من داخلهما وعلى الحدود. ويكمن حل مشكلاتهما في بناء قوة عسكرية صلبة، متقدمة تكنولوجيًا، تعامل أعداءها هؤلاء بلا رحمة.
وبحسب الأصولية الهندوسية، فإن الهندوسي يصير هنديًا، حتى لو لم يولد في الهند، ولم يعرفها، كما ترى الصهيونية أن كل من وُلد لأم يهودية يعتبر إسرائيليًا. وفي المقابل، فإن أصحاب الأرض في ربوع "الهند" أو في "الأرض المحتلة"، ممن وُلدوا فيها، ولم يعتنقوا الهندوسية أو الصهيونية، فهم مواطنون ناقصو الأهلية، عليهم أن يذوبوا في المجتمع الذي يعيشون فيه، بلا هوية، ولا دين، ولا ثقافة، تميزهم عن غيرهم، إذا أرادوا الحياة في هذا المجتمع بسلام.
تدمج إذن الأصولية الهندوسية والتي تُعرف بأيديولوجيا الهندوتفا Hindutva، الرائجة الآن، بين الدين والعرق والوطن، مثلما فعلت الحركات النازية والفاشية من قبل. وللمفارقة التي يتجاهلها قادة دولة الاحتلال، فقد آمن آباء الأصولية الهندوسية التي يعتنقها "مودي" بمنطق النازية وبتفوق العرق الآري.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


لكن بينما تأسست إسرائيل على هذه العقيدة من الفصل العنصري بين اليهود والعرب، لم تتأسس هند ما بعد الاستقلال على هذا التوجه، بل كانت تحاول جاهدة تطبيق مبدأ المواطنة دونما تمييز. لكن التحولات التي شهدتها الهند، لا سيما تحت زعامة "مودي" منذ 2014، جعلت "فقه المخاصمة" يعمّ، وعناصر "التمييز" تسود، في حقبته تلك التي نقلت المسلمين من خانة مواطني الدرجة الثانية، إلى الغرباء الذي ينتظرون قرار الترحيل.
تدفعنا هذه التحولات لمعرفة الزعيم الهندي، الذي لا يخفي غضبه من تاريخ بلاده لاسيما في حقبها الاسلامية، ولا من مكونها الديمغرافي البشري التنوعي خصوصا فضاءات المسلمين في شبه القارة الهندية. الأمر الذي دفعه إلى استخدام كل أدوات الدولة ومقدراتها، وبمساعدة جيش من تابعيه المخلصين، لبناء هند جديدة، تختلف جذريًا عن تلك التي أرادها مؤسسوها، ولا التي خطها التاريخ.
هل كان "مودي" صانع هذا التغيير أم أنه تجلّ آخر لروح العصر، الذي يقدم الشعبويين أصحاب المفاصلة والكاريزما، على السياسيين الذين يمدون الجسور مع مخالفيهم، كيف نفهم الامبراطور الغضوب؟


نشأة الساخط الصغير

القيود الكثيرة التي وعى عليها مودي جعلت منه ثائرًا على كل شيء!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
حلم الطفل ناريندرا مودي بأن ينضم إلى الجيش الهندي، لكنه القدر كان أكثر كرمًا من أحلامه! (الجزيرة)

في ذلك اليوم من صيف عام 1956، وقبل أن تشق الشمس طريقها إلى السماء في بلدة وادنكر الريفية في ولاية غجرات، كانت "هيرابين"، البالغة من العمر 33 عامًا، توقظ ابنها الفتى ناريندرا، للاستعداد للخروج مع أبيه لبيع الشاي على عتبات محطة القطار الوحيدة في البلدة.
كان ناريندرا، الذي لم يكمل عامه السادس بعد، قد أمضى ليلته مريضًا، وهو ما دفع أمه لإعطائه جرعة من زيت الخردل الدافئ قبل النوم، على أمل أن يستيقظ في حال أفضل. لم يخيب العلاج الشعبي رجاء الأم، ولن يتوقف الطفل عن استخدامه في مستقبله لعلاج أعراض البرد والزكام.
استيقظ ناريندرا مودي في ذلك المنزل الصغير، الذي تجاوزت مساحته بالكاد 40 مترًا مربعًا، في نشاط على استعداد للذهاب ومساعدة والده "دامودرداس" ليوم طويل آخر.
يقول "مودي" إنه عاش طفولة جادة. فمنذ وقت مبكر، كان الطفل الثالث بين ستة من الإخوة والأخوات، قد أُجبر على تحمل مسؤولية مساعدة عائلته، وهو الأمر الذي صبغ شخصيته من البداية. وكانت حياته قد خُططت بالفعل، قبل مولده بفترة طويلة. ففي الهندوسية، التي يعتنقها آل "مودي"، يتفاضل الناس حسب طبقاتهم، لا يأكلون معا ولا يتزاوجون فيما بينهم، إذ لم يُخلق الناس متساوين أمام الآلهة.
فالطبقة العليا للكهنة، هم الذين خُلقوا من رأس الإله "براهما"، ويليهم المحاربون الذين قُدّوا من ذراعه، ثم التجار الذين نُزعوا من فخذه، ومن قدمه خرج الفلاحون. وأسفل هذا الهرم، وخارجه، تقبع طبقات هندوسية منبوذة، وقبائل السكان الأصليين الذين استوطنوا هذه الأرض قبل قدوم أبناء العرق الآري الذين اعتنقوا الهندوسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


تلبسّ ذلك المصير الحتم عائلة "مودي"، مثل مئات الملايين من الهنود الآخرين. في قاعدة الهرم الطبقي، كانوا جزءا من الطبقات المتأخرة، وهم أعلى قليلًا من المنبوذين الذين أجبروا على العبودية والسخرة والأعمال التي يراها الهندوس مدنسة للروح مثل العمل في تنظيف الفضلات البشرية. اقتصرت وظيفة طبقة عائلة مودي في المجتمع الهندوسي على استخلاص الزيوت وبيعها، ولهذا عمل في وقت مبكر من طفولته في تعبئة زيت الطعام لتاجر من تجار البلدة مقابل بضعة قروش.
رفض "مودي" هذا المصير، وعبرت مواقفه لاحقًا عن سخط ضد آباء الهند المستقلة وسياساتهم، وضد الطبقات العليا في الهندوسية، واستطاع استغلال تصنيف طبقته المتأخرة في الدعاية السياسية من أجل استجلاب الدعم. ففي خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني 2014، قبيل انتخابه رئيسًا للوزراء، قال "مودي" إن زعماء "الطبقات العليا" الهندوسية في البرلمان يخشون مواجهة منافس من "الطبقات المتأخرة". وقد واجه "مودي" دعاية مضادة تتهمه بتضخيم ادعاءاته الطبقية، بل يرفض كثير من معارضيه قبول قصته عن طفولته، ومنها انتماءه الطبقي، ويعتبرونه ادعاءً لحشد المؤيدين.
وبسبب قوة التشكيكات في دعايته أصدرت حكومة ولاية غجرات التي كان يرأسها قبل وصوله إلى رئاسة الوزراء بيانا في أبريل/نيسان 2014 لتعضيد روايته وللتأكيد أن "مودي" ينتمي إلى طبقة "غانشي" المتأخرة. هذا الجدل حول انتمائه، سببه حرص "مودي" على صورته الذهنية عند الجماهير وإصراره على تعميق سرديته كبطل ريفي دفعته ظروفه الصعبة الى المدينة من أجل الثأر، على غرار الأفلام الهندية.


بطل لفيلم هندي

هل شاهدت فيلمًا هنديًا من قبل؟ لو كانت إجابتك بنعم، فلن تندهش إذا قرأت ما يرويه كتاب أطفال مصور أُصدر احتفاء بحياة "مودي"، وكيف حفزه غضبه على نظام الطبقات الهندوسي لكتابة مسرحية وهو طفل مثّلها زملاؤه في المدرسة الإعدادية، حول امرأة تُطرد من معبد هندوسي لوضاعة طبقتها، يموت طفلها المريض الذي أرادت الذهاب به إلى المعبد من أجل التوسل بالرهبان وتقديم القرابين لشفائه. لا يمكن التأكد من هذه القصة، مثل قصص كثيرة عن طفولة "مودي"، بما فيها قصته كبائع شاي مع أبيه. لكن يبدو أن الشيء المؤكد أن "مودي" تعلم، حسب ما يقول، اللغة الهندية (وهو المتحدث باللغة الغوجراتية المحلية) أثناء عمله في محطة القطار، وأنه عرف كثيرًا عن الحياة من مجرد استماعه لحكايات المسافرين، خاصة الرهبان ورجال الدين الهندوس.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لوحة إعلانية لسلسلة على شبكة الإنترنت بعنوان “مودي: رحلة رجل عادي” في مومباي، الهند، 8 أبريل 2019. (رويترز)


وأيضًا من المؤكد أن "مودي" عاش طفولة صعبة، وأن حياته كانت مخططة بتفاصيلها الطبقية وبلا فرصة تقريبًا للفكاك. فمثلًا اختيرت زوجة ناريندرا في الثالثة من عمره. إذ كانت العائلات الغوجراتية، والهندوسية بشكل عام، تتفق فيما بينها على ترتيب زيجات الأطفال في وقت مبكر.
وفي عام 1960، وقعت عيناه على إعلان عن بدء قبول طلبات الالتحاق بإحدى المدارس العسكرية القريبة من الحدود مع باكستان. سرعان ما قرر ابن العاشرة إنفاق روبيَّتَين كاملتين -وقد كان غرام الذهب يساوي 6 روبيات في هذا الوقت- كي يُرسل طلبه للانضمام إلى المدرسة عبر البريد، إلا أن الرد حين جاءه بضرورة حضوره امتحان في تلك النُقطة البعيدة شمالي الهند، لم يتحمَّس والده، لا سيَّما مع ثمن تذكرة القطار الباهظ، لذا ظلَّ صبي الشاي، أو "الشاي والا" حبيس ولايته غجرات.
عزز رفض أبيه من سخطه، وازداد اعتقادا بأن مستقبله لا يمكن أن يكون في وادنكر بصحبته، لكنه لم يكن ليتصور أبدًا أن يصبح رئيسًا لوزراء الهند. لقد فوجئ نفسه وكذلك أهل قريته بهذا المآل.
وبالنظر لمسار العلاقة بين ناريندرا وأبيه، يمكن القول بأن رفض أبيه التحاقه بالمدرسة العسكرية ربما تسبب في بداية جفاء تنامى بينهما، إلى حد أن البعض يعتقد أن والده، الذي توفي بعد ذلك بثلاثين عامًا في 1989، مات بأزمة قلبية أعقبت خلافًا له مع ناريندرا. وهو الأمر الذي ينفيه الرجل الذي شارك في اجتماع حزبي في أحمد أباد يوم جنازة والده. وعلى أية حال، لا يكاد "مودي" يذكر أباه في العلن أبدًا، وعلى العكس ظل يحتفظ بحب وتقدير هائلين، لوالدته، وكثيرًا ما ذرف الدموع أو تهدج صوته أثناء حديثه عنها وعن عملها الشاق، في ملء المياه ونقله للمنازل، أو تنظيف البيوت، وجلي الصحون.


طفلٌ صُنع على عين الآلهة

إن تفسير العلاقة بين "مودي" وأمه، قد يشكل مفتاحًا لفهم الكثير عن شخصيته. فأمه - بحسب ما يذكر عنها - تلك المرأة الطيبة التي أوقفت حياتها له ولإخوته وللآلهة ولبقرات البلدة المقدسات. وهي في مخيلته الثابت الذي لا يغيب، الحاضرة في فكره، والمتجلية في ذكره وتصريحاته. بينما لا يحتل الأب هذه المكانة لتجسيده صورة القيد الذي يسعى مودي إلى كسره.
ويبدو أن أمه كذلك رأت في ابنها - بحسب ما يَنقِل عنها - شخصا غير عادي حيث قالت له ذات مرة "ربما أكون قد أنجبتك، لكن الخالق هو الذي صنعك على عينه". هل قالت له ذلك فعلا، بمعنى آخر هل هي من صنعت وضخت في نفسه هذا الإحساس المتعاظم بذاته أم هي المبالغات المعتادة التي لا يتوقف عن اصدارها؟
تلك هي صورة الأم المقدسة بحسب ما قدمها "مودي"، لكن للأم صورة أخرى عند الهندوسي التقي، فهي الأرض موطن الإله رام، وهي البقعة المباركة مصدر الخير والأمان. وأمه "هيرابين" والأرض الهندية هما الثابتان الأرسخ في حياته، بعد أن فقد الثقة في أبيه واستسلامه، وانحراف آباء الاستقلال الوطني أمثال غاندي ونهرو، عن رعاية الأرض المباركة، ممن لوثت السياسة والسلطة هندوسيتهم النقية، ورضوْا لشبه جزيرة الهند المقدسة بأن يدخلها دين غير الهندوسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الأم في مخيلة مودي ثابتة لا تغيب، وحاضرة في فكره، ومتجلية في ذكره وتصريحاته. أما الأب فلا يحتل هذه المكانة لتجسيده صورة القيد الذي يسعى هو إلى كسره. (رويترز)


ولذلك فكما جاهد ناريندرا للفكاك من إرث أبيه الطبقي، اندفع بقوة لأن يحرر الهند من إرث آباء جيل الاستقلال الذي فرط في شرف ونقاء الأم المقدسة وهي فضاءات وتخوم الهند. يمكن القول إن حياة "مودي" تتلخص في رحلته للبحث عن أب يجد فيه عوضًا عن أبيه الرحمي، بأب روحي يولد على يديه مرة ثانية، يلبي ما يتفجر داخله من أحاسيس الدور والمكانة، أب يؤهله بعد ذلك أي ناريندرا مودي نفسه ليكون أبًا روحيًا أعلى للوطن، تتجدد بين كفيه مصائر الهند!
الآن، يعتقد "مودي" أنه أداة في يد القدر لتغيير مصير الهند وإعلان استقلالها الثاني وتحويلها أمام العالم إلى دولة هندوسية باسم مقدس "بهارت". يظهر هذا الاعتقاد في كثير من أحاديثه، ينطقها بلسانه وبقلمه وعبر أمه معتقدًا أنه "بيدق في يد الإله". وينقل "مودي" عنها أنها "كثيرًا ما تخبرني أنه لا يمكن أن يحدث لي أي شيء لأن لدي صلوات العامة وبركات الإله".
يضفي "مودي" عادة تلك الهالة، الروحانية، على نفسه عبر أزيائه الزاهية وعمائمه غالية الثمن، والتي يقول معارضوه إن بعضها نُقش عليها اسمه وتكلفت مئات الآلاف من الروبيات.
ولعل مشهد جلوسه داخل رحم مغارة بجبال الهيمالايا، مرتديا زيه الزعفراني، متبتلا كراهب صوفي منعزل، أثناء انتخابات عام 2019، تجسد هذه الحالة في نظر معارضيه. فهم يتساءلون كيف لراهب متعبد ألا يتحرك إلا والمصورون جاهزون لانتهاب تلك اللقطات المرتبة. وهي الصورة ذاتها التي أراد إيصالها عندما أطلق لحية مكتملة النمو في فترة جائحة كورونا وما بعدها.
ألهم المظهر الجديد لمودي مجموعة من المقارنات من الحكيم كونفوشيوس إلى الفيلسوف أفلاطون إلى الشاعر طاغور، ومن رجل قوي إلى زاهد قومي هندوسي. رأى المراقبون المتحمسون أن "الحالة الصوفية" الجديدة لرئيس الوزراء هي محاولة لرفع مكانته من سياسي شعبوي يعمل حسب أهواء الناخبين إلى زعيم روحاني يقود الناس للخروج من الأزمة الوطنية والسير على الطريق الذي يضرب به المثل.

"اترك حياتك واتبعني"

للترقي الروحي، يجب أن تتخلى عن رغباتك، فماذا عن الترقي التنظيمي؟


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ناريندرا مودي الشاب متحدثًا أثناء إحدى فعاليات منظمة التطوع الوطنية "السانغ". (الموقع الرسمي لناريندرا مودي)

كانت الشمس حارقة في أحمد أباد، أكبر مدن "غجرات" وعاصمتها قبل مدينة "غانديناغار" التي تأسست وأصبحت العاصمة رسميًا في السبعينات. وبينما كان "نيرانجان نايك"، الشاب الذي تجاوز منتصف العشرينات بقليل، يسير في طريقه إلى أحد معابد المدينة، إذ به يتوقف عندما لمح وجهًا مألوفًا لرجل يجلس في سيارة.
استغرق الأمر بعض الوقت كي يدرك "نايك" أن الرجل ليس سوى صديقه "ناريندرا مودي"، معمما ومتخفيًا في هيئة متدين سيخي بعد أن أطال شعره وأسبل لحيته وارتدى نظارات سوداء تخفي معظم وجهه خشية الاعتقال وهروبًا من المطاردة. كان "مودي" قد بدأ في حصاد ثمار إخلاصه للقضية الهندوسية، وصراعه مع السلطة السياسية، إذ كان في أوج صعوده كناشط معارض لحكومة حزب المؤتمر.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ناريندرا مودي بزي السيخ ساردار عندما كانت إنديرا غاندي تسجن قادة حزب بهاراتيا جاناتا وراسلكي سانغ. (الموقع الرسمي لناريندرا مودي)


كان مودي وصاحبه نايك قد انضما مبكرًا لـ"منظمة التطوع الوطنية" أو "راشتريا سوايمسيواك سانغ"، وهي منظمة أصولية هندوسية، والمعروفة باسم "السانغ"، وتختصر" RSS". لكن "مودي"، الذي حاول جهده إخفاء هويته، خوفًا من مصير السجن الذي طال كبار قادة السانغ في ذلك الوقت، كان قد هجر الدراسة، وترك عالمه بأكمله قبل أكثر من سبعة أعوام.
انجذب "مودي" في صباه إلى الفرع المحلي من التنظيم الهندوسي، الذي وفر له وعدًا بالانتماء لمجتمع يمكن للهندي المسحوق فيه أن يترقى روحيًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، بغض النظر عن طبقته الدينية أو أصول أسلافه، مجتمع ينعزل فيه عن محيطه الملوث. يتذكر "نايك" كيف كان "مودي" الطفل مهتمًا بملبسه في كشافة الصبيان في فرع "السانغ" في "وادنكر"، كان الفتى طروبا بالسراويل القصيرة ذات اللون البُني الفاتح،. والقمصان البيضاء والقُبعات السوداء. حين انضم "مودي" إلى هذه المنظمة الأصولية وهو ابن ثمانية أعوام، تغيَّرت حياته للأبد.
رأى "ناريندرا" في معلميه بديلًا عن أبيه، وفي محاضن التربية الحركية عوضا عن المدرسة، وفي رفاقه من أخوة السانغ عائلته المختارة. لكن الحياة في التنظيم الأصولي لم تكن سهلة، إذ أن المنظمة الهرمية المنضبطة تطلب من كوادرها أن يتخلوا عن ملذاتهم، بما في ذلك الزواج والعائلة، فعليه إن أراد اتباعهم أن يهجر حياته. فمثلًا، في عام 2014، أقيل أحد مسؤولي الأمانة العامة في الحركة بسبب علاقته بامرأة، تزوجها بعد شهر واحد من خروجه من المنظمة.


راهب يرفض ترك الدنيا

ثمَّة تقليد طويل من هَجْر العالم من أجل التجرُّد والزُهد عند الهندوس، وقد كانت له بصمته على أفكار "المهاتما غاندي"، الذي أراد من بني جلدته أن ينبذوا الحداثة ويعودوا إلى الطبيعة والأرض. ومن قبل "غاندي"، كان هناك الراهب "سوامي ويويكانندا"، الذي يكِن له "مودي" تقديرا كبيرا منذ طفولته، ويقول إنه يستلهم فلسفة حكومته من أفكاره التي دعا فيها إلى "صحوة هندوسية" في بداية القرن العشرين.
رأت جماعة السانغ الأصولية في تنظيمهم حركة ذات منزع خلاصي. ووجدوا في الزهد والتقشف طريقة لتربية النفس من أجل العودة لبناء المجتمع من جديد. سار "مودي" في هذا الطريق الصعب، ولكن أسرته التي أرادت تأكيد تموضعه في عمق طبقته، أصرت على زواجه المخطط له.
ففي الوقت الذي احتفلت فيه عائلة "مودي" بزفافه، وأُحضرت زوجته لمنزل العائلة، كان لمودي رأي آخر، حيث لم يختل بها تحت سقف واحد.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"جاشودابن مودي" زوجة رئيس وزراء الهند "ناريندرا مودي" التي انفصل عنها. (الفرنسية)


أصرت الأسرة على إقامة الزوجة "جاشودابِن" في منزل العائلة كي يستمر الزواج. إلا أن "مودي" أخبرها أنه "سيسافر عبر البلاد"، وأن عليها ألا تتبعه وأن تعود لمنزل أهلها. قالت "جاشودابِن" أيضا إن "ناريندرا" لم يتحدث معها أبدا عن "السانغ"، رغم أنه كان يقضي معظم وقته في مقرات التنظيم، قبل أن يقطع التواصل معها.
في أحد حواراتها الصحفية النادرة قبيل انتخابه رئيسا للوزراء، توقعت "جاشودابِن" فوز "ناريندرا" بالمنصب، لكن قالت بحزن: إنها لا تتوقع أبدا أن يتواصل معها مجددًا. كانت "جاشودابِن" قد انقطعت عن تعليمها، قبل أن تكمله بعد أن هجرها زوجها، وعملت كمعلمة منذ السبعينات، إلى أن تقاعدت قبل عامين من وصول "مودي" لمنصب رئيس الوزراء، وهي تعيش مع أخيها منذئذ تحت حراسة شديدة حيث لا تفضل، أو لا يُسمح لها، بمقابلة أحد، خصوصا الصحفيين.

محاولة غير مكتملة للرهبنة

هل يكفي الاستحمام بالثلج ليتحول الشاب الغاضب إلى راهب؟


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
يقول مودي إنه كان يستيقظ في الثالثة صباحًا، ليستحم في المياه المثلجة، ضمن طقوس ترويضه الروحي. (مواقع التواصل)

في جبال الهملايا تسكن الأديرة الهندوسية والبوذية في صمت وهدوء، محتفظة داخل مغاراتها المنعزلة بأعماق الثقافة الهندية. تبدو للصاعد اليها مجرد تعرجات أزلية حفرها الزمن والرياح، ولكن من ينصت لها تعطيه الكثير عن تفاصيل الشخصية الهندية الروحية والثقافية.
مضى "مودي" نحو عالم الهمالايا وما زال إحساس الفراغ الأبوي يلازمه. ليس ثمة طريقة لمعرفة ما الذي فعله "مودي" بالتحديد في رحلته تلك سوى الاعتماد على روايته. يقول "مودي" إنه ارتحل إلى بقاع مختلفة من الهند، منها كالكوتا في أقصى شرق الهند، في مقر المعبد الرئيسي لحركة "ويويكانندا" الدينية التي أسست في نهاية القرن التاسع عشر. ومنها غابة تسكَّع فيها "مودي" حتى التقى راهبا هندوسيا أمضى معه بضعة أسابيع.
يقول "مودي" إنه كان يستيقظ في الثالثة صباحًا، ليستحم في المياه المثلجة، ضمن طقوس ترويضه الروحي. ويؤكد أنه "تعلم كيف يصل إلى السلام الداخلي، والوحدة مع الوجود، ومحاذاة نفسه مع أنغام الكون". وعلى الرغم من رغبته العارمة في التفرغ الكامل للرهبنة، إلا أن الأمر لم يكن بهذه السهولة.
في كل مرة حاول "مودي" أن يلتحق بسِلك الرهبنة، رُفض لعدم حصوله على شهادة جامعية. وبعد ثلاثة أعوام من الترحال، عاد ناريندرا إلى غجرات، باحثا عن فرصة أخيرة للرهبنة، فلم يجد سوى الردَّ نفسه. لذلك، تقبل الشاب العشريني قدره، وانتقل إلى "أحمد آباد" مفضّلا العمل مع عَمِّه في مقهى كان يملكه قرب محطة للحافلات. يعود لنفس النقطة مرة أخرى، بعد كل محاولة، ولكن كانت هذه عودة مختلفة.


ولادة ثانية وأب جديد

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ناريندرا مودي (يسار) مع أهم معلميه "لاكشمانراو إنامدار"، قبل وقت قصير من وفاة الأخير (مواقع التواصل)


نحن الآن في بداية السبعينات. العقد السابق كان دمويًا في "غجرات"، إذ شهد أعمال عنف طائفية ومذابح ضد المسلمين خاصة في "أحمد أباد" عام 1969. اتهمت لجان التحقيق التي شُكلت لاحقًا، جماعة السانغ، ومنظمات هندوسية كبرى بالمسؤولية عن المذابح، وهو ما أدى لبدء حقبة جديدة من العلاقات بين المسلمين والهندوس، اتسمت بالتوتر الدائم، وأجبرت المسلمين على النزوح من الأحياء المختلطة في المدينة المسورة إلى المناطق التي تهيمن عليها الأقليات في الضواحي الصناعية والمناطق الواقعة على الأطراف الجنوبية لمدينة "أحمد آباد".
كان مودي في هذا التوقيت بائعا للشاي قُرب محطة يتدفَّق عبرها الناس، وأيضًا بالقُرب من مقر "السانغ" في الولاية. وهناك وجد أخيرا ما كان يبحث عنه وافتقده طيلة حياته: أب ومُعلِّم. في هذه المرحلة، اقترب "مودي" من أهم معلميه، والذي يعتبره أكثر المؤثرين في فلسفته وسياساته، "لاكشمانراو إنامدار"، والذي اشتهر بلقبه: "وكيل صاحب".
كان "وكيل صاحب" تنظيميًا شديد الذكاء والإخلاص. عُرف الرجل بأنه كان يجوب "غجرات" مستقلًا القطار منذ وصوله إلى الولاية عام 1952، بهدف بناء تنظيم محكم "للسانغ" وضم طلاب وشباب جدد. يقول "مودي" إن: "وكيل صاحب" أسس بنفسه 150 فرعًا للسانغ في الولاية، في ظل ظروف واجهت فيها الحركة حظرًا بعد اغتيال غاندي، وبسبب تحييد نهرو للمتطرفين الهندوس، الذين كانت جماعة السانغ الأصولية في القلب منهم.
برز "وكيل صاحب" كأب ومعلم للكثير من الشباب الغوجراتيين، وكان "مودي" واحدًا من هؤلاء. ينسب "مودي" الآن الفضل في انضباطه ونظامه اليومي من اليوغا، والتأمل، وتمارين التنفس، والصيام الأسبوعي، إلى "وكيل صاحب"، الذي أصر على أن ينشأ أتباعه في أجواء حازمة. ترى الحركة كل الهندوس عائلة واحدة، بغض النظر عن تدينهم، وهذا ما علمه وكيل صاحب لمودي وأصحابه.
لكن ربما يكون الأثر الأكبر "لوكيل صاحب" على "مودي" هو في رؤيته المتطرفة للمسلمين. ففي الثانية والعشرين من عمره، انضم "وكيل صاحب"، باعتباره محاميًا، إلى عصيان مدني ضد الحاكم المسلم لولاية حيدر آباد، والتي كانت واحدة من إمارات الهند الكثيرة تحت الاستعمار البريطاني. لم يكن معلم "مودي" يرى للمسلمين حقا في وطنهم، وصاحبته تلك الرؤية طيلة حياته وحياة تلميذه من بعده.
سيعطي "وكيل صاحب" لمودي فرصًا، ونصائح، ستثبت أهميتها الشديدة فيما بعد. فمثلا، أمر "وكيل صاحب" تلميذه بإكمال دراسته الجامعية، وهو ما تم بالفعل عام 1978، بحصوله على بكالوريوس العلوم السياسية بالمراسلة من جامعة دلهي المفتوحة. وفي 1983، حصل "مودي" على ماجستير العلوم السياسية من جامعة غجرات بنظام الانتساب. شهادتان لا يعترف بهما الكثير من معارضي مودي.
كذلك دعم "وكيل صاحب" حماسة "مودي"، فقد وجهه لدعم جهود الدولة في الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، والتي انتهت باستقلال بنغلاديش. تعرض كثيرون من قادة "السانغ" للاعتقال خلال حكم الطوارئ الذى أعلنته رئيسة الوزراء أنذاك "إنديرا غاندى" بين سنتي 1975-1977 ويدّعى "مودى" أنه هو الآخر كان من المعتقلين لفترة وجيزة. وبعد خروجه من السجن تفرغ للعمل في السانغ.


انطواء حقبة نهرو، وابنته تلعب بالنار

"لا توجد قوة على وجه الأرض يُمكنها أن تُبقي المسلمين في هِندوستان. عليهم أن يتركوا البلاد. المهاتما غاندي يريد إبقاء المسلمين في الهند حتى يستطيع حزب المؤتمر أن ينتفع بأصواتهم في الانتخابات".
هكذا تحدَّث المفكر الهندوسي "غولوالكر". وبعد أسابيع من كلماته تلك، اغتيل المهاتما غاندي في 30 يناير 1948، على يد أحد أعضاء السانغ، جاء كلامه في اجتماع للتنظيم، حرض فيه الهندوس على المسلمين.
قبل ذلك بأشهر استقلت الهند كجمهورية برلمانية في أغسطس 1947، وظلت النخبة القديمة مهيمنة على المشهد السياسي والاجتماعي في الهند، واستمر النظام الطبقي الهندوسي جاثمًا على صدور الجميع. جاء الاستقلال نتيجة نضال طويل، قاده حزب المؤتمر، تحت زعامة "المهاتما غاندي". لكن بسبب ضخامة حزب المؤتمر، وشبكاته الواسعة، وحاجة قيادته لعقد مواءمات كثيرة، لم يُتح للحزب، ولا لرئيس الوزراء نهرو، أن يقضى على أسس المجتمع الهندوسي الطبقية التي لم يعتنقها بجدية طيلة حياته.
ومع ذلك، حافظ "نهرو" على الديمقراطية ولم ينفرد بالسلطة على غرار الكثير من زعماء العالم الثالث حينذاك، ولذا تُعزَى له استمرارية التقليد الدستوري والديمقراطي في الهند لأكثر من نصف قرن.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

المهاتما غاندي (يمين) مع جواهر لال نهرو في الأول من يوليو عام 1946. (شترستوك)


ورغم أي ملاحظات على عهده فإنه مما يحسب "لجواهر لال نهرو" مواقفه الموضوعية من الإسلام تاريخا وثقافة، وقد سجل ذلك في كتابه "لمحات من تاريخ العالم" الذي هو في الأصل مجموعة رسائل كتبها لابنته "انديرا غاندي" من السجن نقش فيها انطباعاته عن الحضارة الاسلامية حيث كان يرى "أن قصة انتشار العرب في آسيا وأوروبا وافريقيا والحضارة الراقية والمدنية الزاهرة التي قدموها للعالم هي أعجوبة من أعاجيب التاريخ".
ومن رأيه أن الإسلام هو الباعث والفكرة لهذه اليقظة العربية، مؤكدا أنه قد جاء برسالة الأخوة والمساواة والعدل، "وهكذا ولد في العالم مبدأ ديمقراطي جديد". وقد خاطب ابنته إنديرا قائلا: "وأنك إذ تقارنين رسالة الأخوة الإسلامية هذه بحالة المسيحية… تعرفين مقدار سحر هذه الرسالة وتأثيرها لا على العرب وحدهم، ولكن على جميع شعوب البلدان التي وصل اليها العرب".
طبيعي جدا أن تعتبر مثل هذه الأفكار انتكاسة وطنية بالنسبة للسانغ، ولم يكن نهرو بالشخص السهل الذي يمكن التخلص منه أو الضغط عليه، لكن جاءته ضربة نارية غير منتظرة من التنين الرابض على التخوم فأطاحت به، وأسقطته ومعه حقبته بأفكاره وأحلامه، إنها الهزيمة العسكرية المُخزية أمام الصين عام 1962.
بعد وفاة نهرو، صعدت إلى سدة السُلطة ابنته "إنديرا غاندي" التي لم تتوان عن القيام بمناورات سياسية شديدة الخطورة لاكتساب حلفاء جدد غير تقليديين من أجل مد سيطرتها، بما في ذلك دعمها الخفي للمنظمات الأصولية مثل للسانغ والدعم غير المباشر للراديكاليين السيخ من أجل السيطرة على ولاية البنجاب حيث يُشكِّل الهندوس أقلية مقابل السيخ.
لم تعبأ إنديرا بميراث والدها العلماني، وأصرت على ملاعبة الأفاعي ودعم الجماعات المتطرفة قبل أن تنقلب عليهم وينقلبون عليها . ثم جاء انتصارها على باكستان عام 1971 فأسهم في تأكيد نزعتها للاستبداد، لاسيما بعد أن أعلنت حالة الطوارئ عام 1975، وكذلك تأجيلها الانتخابات عاميْن دون اكتراث بالأسس الديمقراطية، ثم ألقت بآلاف من معارضيها إلى السجون دون تفرقة.
في تلك الفترة، بفضل تلك السياسات الطائشة، خرج المارد من القمقم، وانفتح قادة الحركة الهندوسية الأصولية على غيرهم من التيارات السياسية حتى يكتسبوا شرعية، وشكَّلوا تحالفا وسطيا تجسَّد في حزب "جَنَتا" الذي تكوَّن من كل خصوم "إنديرا"، ووصل إلى السلطة بعد الفوز في انتخابات 1977.
لم يُكمِل هذا التحالف الحاكم فترته كاملة في السُلطة بسبب التنافر بين عناصره الاشتراكية والقومية الهندوسية، وسرعان ما عادت "إنديرا" إلى منصبها بعد انتخابات مُبكِّرة عام 1980، حتى اُغتيلت بعد أربعة أعوام بواسطة حرسها الخاص المُكوَّن من السيخ المتعاطفين مع إخوانهم الانفصاليين.
اقتربت انديرا من الشجرة المحرمة ووقعت في محظورين غيرا وجه الهند فيما بعد. المحظور الأول: فترة الطوارئ وكانت رِدَّة واضحة عن مبادئ أبيها وحزب المؤتمر. والمحظور الثاني، وهو الأبعد أثرًا، حيث انفتح الباب وتعبد الطريق أمام ظهور تنظيم دؤوب وفصيل سياسي جديد لم يكُن يحلم بالوصول إلى السلطة آنذاك: الحركة الأصولية الهندوسية.


المسرح يتهيأ لصعود الرهبان الجدد

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عُين "مودي" أمينا لتنظيم حزب (بهاراتيا جنتا) في غجرات عام 1987. (الموقع الرسمي لناريندرا مودي)


كان "مودي" جزءا من كل ذلك الصخب، وشارك في أجوائه النضالية خلال السبعينات من موقعه في جماعة "السانغ". وبحكم قربه من زعيمه وملهمه "وكيل صاحب"، أُوكلت له مهام خطيرة أبرزته اسمًا وصيتا داخل المنظمة الهندوسية المتطرفة. لكن بعد أن تصاعدت الأزمة وأعلنت حكومة إنديرا غاندي حالة الطوارئ في صيف عام 1975، اختفى "مودي" عن الأنظار، متنكرا مرة في زي راهب هندوسي، وأخرى في ثياب سيخي، تلك التي رآه فيها صاحبه "نايك" في أحمد أباد.
عمل "ناريندرا" من تحت الأرض في هذه الفترة، وقام على طباعة منشورات معارضة، وتنظيم مظاهرات رافضة للحكومة. ومع آخرين، وفر شبكة من المنازل الآمنة وأماكن الاختباء لحماية المطلوبين من إخوته من أبناء الجماعة لدى الحكومة، وجمع تبرعات للسياسيين المعارضين والنشطاء. كذلك ألف "مودي" كتابًا بعنوان "في النضال الغوجراتي" وصف فيه ما جرى في حقبة إنديرا.


نشاط "مودي" وكفاءته أديا به إلى الترقي داخل "السانغ". ففي 1978 نال رتبة منظم إقليمي، ليشرف على أنشطة الحركة في مدينتين في غجرات. وفي عام 1980، تأسس الذراع السياسي الجديد للسانغ، وهو حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جنتا). بعد تأسيس هذا الحزب بقليل، عاد "مودي" إلى غجرات، ليشارك في قيادة الحركة في الولاية إلى عام 1985. في هذا العام، أمرت الحركة "مودي" بترك العمل السري والانتقال للعمل في الحزب السياسي. لاحقًا، قاد "مودي" الحملة الانتخابية لحزبه، وبعد أن قرر "السانغ" تصعيد الأعضاء المخلصين لمواقع مؤثرة في الحزب، عُين "مودي" أمينا لتنظيم الحزب في غجرات عام 1987.


غُجرات.. أرض الحرب والتجارة

كيف أسهم المسلمون في تشكيل البيئة التي وُلد فيها مودي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
عاشت غجرات تاريخًا اختلط فيه الغزو بالتجارة، وهو ما صنع فيها وجودًا إسلاميًا قويًا، وحركات إحياء هندوسية قوية أيضًا (مواقع التواصل)

لنعرف البيئة التي نشأ فيها مودي، علينا أن نتركه قليلا لنسافر إلى الضفاف الشرقية لبحر العرب حيث يقع الساحل الطويل لولاية غجرات، الذي وُلِد قُرب إحدى شواطئه "المهاتما غاندي"، وعلى الجهة المُقابلة من البحر تطل سلطنة عُمان، التي تُعتبَر أقرب البقاع إلى ساحل غجرات، أقرب من جبال الهيمالايا ومن أقصى جنوب الهند، بل وحتى من العاصمة دلهي ذاتها.
كانت "مَسقط" العُمانية المحطة الأولى لتُجار غجرات حين أبحروا نحو الغرب وتاجروا مع العرب منذ قرون ومدوا جسور التواصل وأواصر الصداقة. غير أن الأقرب من عُمان لساحل غجرات هي دولة باكستان المجاورة ومن ورائها إيران وآسيا الوسطى، وهي منطقة لا تجلب، بالنسبة للحركات الأصولية الهندوسية الذكريات الإيجابية نفسها، إذ لطالما كانت غجرات واحدة من أولى المحطات التي مرَّت بها جيوش الدول الإسلامية، التُركية والمغولية، والعربية، والفارسية المتاخمة لشمال الهند.
وإلى الجنوب قليلا، تقع بلدة سومنات، حيث تلتقي أنهار ثلاثة، بفضلها تكتسب المدينة وفقا للعقيدة الهندوسية قدسية كبيرة. وفي القلب من البلدة، وعلى البحر مباشرة، يظهر معبد "سومنات" الضخم ذو اللون الذهبي، حيث يعتقد الهندوس أن الإله "شيوا" تجلَّى في حلة نورانية للمرة الأولى هُنا، ولذا يحِج الآلاف منهم سنويا إلى تلك البقعة المقدسة. يقف المعبد شامخا وكأنه هُنا منذ آلاف السنين، لكنه في الحقيقة تعرَّض للهدم مرات، حتى أعيد بناؤه بعد مبادرة من بعض سياسيي حزب المؤتمر في خمسينيات القرن الماضي.
لقد نظر "غاندي" إلى معبد سومنات المُهمَل وشبه المُدمَّر في الأربعينات على أنه جزء من تراث الهند يجب إحياؤه، واتفق معه في ذلك ذراع "نهرو" اليُمنى، الأكثر تمسُّكا بالهندوسية، "ولَّابهاي باتِل". لم يمانع "نهرو" لكنه لم يتحمَّس لفكرة إعادة بناء المعبد برعاية رسمية، لما يحمله ذلك من إمكانية تأليب المشاحنات الطائفية بين المسلمين والهندوس وتقويض علمانية الدولة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

معبد سومنات (مواقع التواصل)


ولذا قرَّر "باتِل" أن يمضي في المشروع خارج مظلة الدولة وأن يجمع تبرُّعات من جهات خاصة، حتى افتُتِح المعبد بموافقة من "نهرو" لكن كحفل خاص، حتى إن رئيس الهند "راجيندرا براساد" شارك فى الافتتاح بصفة شخصية رغم معارضة نهرو. على الجهة الأخرى، لم يكُن المعبد مجرد تراث هندي يتوجَّب إحياؤه في نظر "السانغ"، الذين نشأ "مودي" وسطهم، بل جرى تضخيمه وتوظيفه ليصبح تأسيسا لحالة تسعى لمحو عار الغزوات الإسلامية.
إذن لم يكُن غريبا أيضا أن تنشأ في الشمال الشرقي للهند في "غجرات" القريبة من العالم الإسلامي، حركة إحياء هندوسية أصولية تقوم على المغالاة القومية، في مواجهة الأفكار العلمانية، حيث اعتقد مناصروها بتفوُّق الهندوسية كعقيدة، وتعتقد بقدسية الوطن والجنس قد نجد لها أثرًا في التاريخ، وقد وصف "أبو الريحان البيروني" (المتوفى سنة 1048م) شريحة من هؤلاء الهندوس بالقول بأنّهم "يعتقدون في الأرض أنّها أرضهم، وفي الناس أنّهم جنسهم، وفي الملوك أنّهم رؤساؤهم، وفي الدين أنّه نحلتهم، وفي العلم أنّه ما معهم، فيترفّعون...".
كانت "غجرات" أرض القادة والمصلحين في زمن الاستقلال، غاندي ونهرو ومحمد علي جناح وكلهم ولدوا في نفس الاقليم وتحدثوا نفس اللغة المحلية، ولكن بعد أن تركها "محمد علي جناح" وغادر الهند، وبعد أن قُتِل "غاندي" عام 1949، وتوفي "باتِل"، ثم "نهرو" وابنته من بعده، بدا أن بصمة غُجرات قد تلاشت من صفوف النخبة. بيد أنها سرعان ما عادت في الثمانينات لتكون مسرحا للحركات الأصولية الهندوسية مع صعود الحزب القومي الهندوسي، قبل أن يأتي رمزها الأهم: ناريندرا مودي.


الاختبار الأول لمودي: هدم المسجد!

مسيرة الحج الكبرى التي استمرت لجيلٍ كامل قبل أن تنتصر


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نظم المحتجون الموالون للسانغ حشدا ضخما من مائتى ألف متطرف هندوسي أمام مسجد بابري ليقتحموه وليهدموه حجرًا حجرًا. (الجزيرة)

نعود إلى "ناريندا مودي" من جديد حيث المكان مدينة سومنات المُقدَّسة، وحيث الزمان 25 سبتمبر/أيلول 1990. فبينما كان معبد سومنات الضخم يتلألأ على خلفية أمواج بحر العرب، جلس "مودي"، بلحيته الخفيفة التي بدأ يعلوها الشيب وثيابه التقليدية، في قرية قريبة ينتظر ما ستُسفِر عنه الأحداث التي بذل جُهدا مُضنيا لتنظيمها.
لو نجح الرجل في إثبات كفاءته في التعبئة والحشد، ستكون تلك فرصة صعوده إلى الصفوف الأمامية لحزبه وللسياسة الهندية كلها. لقد مضى عام واحد على تعيينه أمينا عاما لحزب الشعب في غجرات، وقد أتم الرجل عامه الأربعين قبل أيام قليلة، وها هو أمام مهمة جليلة لطالما حلم بها: تنظيم مسيرة حج هندوسية أو ما يطلق عليه (ياترا) إلى مدينة أيوديا، غرب الهند، لهدم مسجد "بابري" وبناء معبد "رام" مكانه.
كُلِّف "مودي" حينذاك بتنظيم مظاهرة "الياترا" داخل "غجرات"، وقد خُطِّط لتلك المسيرة الشعبية أن تلف الهند كلها إلى أن تصل مدينة "أيوديا". لقد كان "مودي" هو من اقترح بدهاء على رئيس الحزب أن تبدأ "الياترا" من معبد" سومنات"، لما له من رمزية إحياء الهندوسية ومحو "عار الغزوات الإسلامية" التي مُنيت بها الهند.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
كان مسجد "بابري" بمدينة "أيوديا" شمالى الهند قد بناه "مير باقى"، أحد جنرالات السلطان بابور المغولي في سنة 935هـ (1528م). في الوقت نفسه، كانت مدينة "أيوديا" - ولا زالت - واحدة من أهم المُدن المقدسة عند الهندوس، لأنها، حسب اعتقادهم، مسقط رأس الإله رام.
لذا، اعتاد الهندوس والمسلمون أن يقيموا شعائرهم بالتوازي في تلك البقعة. لكن منع البريطانيون الهندوس من دخول باحة المسجد. وبعد استقلال الهند بعاميْن، اقتحم بعض الهندوس المسجد ووضعوا أصناما لرام داخله، وجاؤوا في الصباح ليقولوا بأن التماثيل ظهرت كمعجزة، فقررت محكمة محلية حينها إغلاق المكان كله أمام الهندوس والمسلمين على السواء، تجنُّبًا للفتن الطائفية، مع السماح للهندوس بدخول "المعبد" من باب خلفي.
في صباح السادس من ديسمبر/كانون الأول عام 1990، كان الموعد لانطلاق المظاهرة الكبرى، دقت الساعة المنتظرة التي أعلنته جميع حركات هِندوتفا، وعلى رأسها حزب الشعب، كان الجميع يعرف أن المهندس الأبرز لذلك الزحف الشعبي هو ناريندا مودي.
طافت الياترا الهند بكل ربوعها، وحملت نقطتا البدء والانتهاء رمزية مهمة بتوحيد أهم مذهبيْن للعبادة في الهندوسية: عُبَّاد الإله "شيوا"، الذي خُصِّص له معبد "سومنات" في غجرات، وعُبَّاد الإله "ويشنو"، الذي سيُخصَّص له معبد "رام" في أيوديا.
مرَّت رحلات "الياترا" عبر عشرات المدن والبلدات والقُرى على الطريق من سومنات إلى أيوديا، وخلَّفت وراءها أيضا مئات من المواجهات الطائفية حيثما مرت. وقد اضطُرَت السلطات المحلية إلى اعتقال رئيس حزب الشعب عندما دخلت مسيرته ولاية "بيهار"، ومن ثمَّ أعلن "مودي" "أسبوع الإصرار" من أجل مواصلة مسيرات "الياترا"، ونظَّم اجتماعات في مئات المواقع بغجرات، حتى وصل الزحف أخيرا إلى أيوديا ورُفع عَلم الهندوسية الزعفراني على إحدى قباب مسجد بابري. في المُحصِّلة، قُتِل أكثر من مئتي شخص، ونشأ توتر طائفي في ولاية غجرات لم تعهده من قبل، أدى إلى تزايد الانفصال بين أحياء المسلمين والهندوس على مدار التسعينيات، بل وبناء أسوار لفصل المجتمعيْن في أماكن عديدة.
في مايو/أيار 1992، التقى باحثان هنديان ناريندرا مودي، وأجريا حوارًا معه. لاحقًا، كتب أحدهما، آشيس ناندي، وهو ناقد اجتماعي معروف، مقالًا يصف فيه "مودي" بأنه "فاشي كلاسيكي"، لكن لنترك الاقتباس لناندي الذي يقول: "لقد استوفى "مودي" تقريبًا جميع الشروط التي وضعها الأطباء النفسيون والمحللون النفسيون وعلماء النفس كنتاج سنوات من عملهم البحثي والتجريبي لمعرفة سمات الشخصية الاستبدادية. لمودي نفس المزيج من الصلابة المتزمتة، ومحدودية الحياة العاطفية، والاستخدام المكثف للدفاع عن الأنا من خلال الإسقاط، والإنكار والخوف من مشاعره الخاصة جنبًا إلى جنب مع خيالات العنف. تقع كل تلك الصفات ضمن مصفوفة من سمات الشخصية الواضحة المصابة بجنون العظمة والوسواس".
لكن بعد أشهر قليلة من هذا الحوار، وعاميْن على مسيرة الياترا الشهيرة، نجحت الجماعات الأصولية في نقل الكثير من الحمولات النفسية العدائية، الى شريحة واسعة من الجماهير الهندوسية التي وجدت في المسلمين عدوا تضع عليه كل آثام الفقر والضعف والتفكك، ولم يكن غريبا إذن أن ينظم المحتجون الموالون للسانغ حشدا ضخما من مائتى ألف متطرف هندوسي أمام مسجد بابري ليقتحموه وليهدموه حجرًا حجرًا. وتشهد الهند موجة عنف طائفية غير مسبوقة راح ضحيتها حوالي 3000 شخص أغلبهم من المسلمين كما حرقت وهدمت ونهبت ممتلكاتهم فى كل الأمكنة التى وقعت فيها آلاف الاضطرابات خلال هذه المدة.
كانت منظمة السانغ قد حُظرت لفترة وجيزة بعد هدم المسجد، لكن المحصلة كانت لصالح المتطرفين الهندوس بإعادة المنظمة للعمل والاعتراف بالأمر الواقع.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

اقتحم حشد من مائتي ألف هندوسي متطرف مسجد بابري، وهدموه حجرًا حجرًا (الجزيرة)


وبعد اثنين وثلاثين سنة، وفي الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني، 2024، وقف ناريندرا مودي في زي فاخر ذهبي اللون، ليدشن حملته الانتخابية لإعادة تنصيبه رئيسًا للوزراء، بافتتاح معبد رام على أنقاض مسجد بابري.
لقد نجحت المسيرات الدينية للسانغ في بداية التسعينات في خلق تعريف جديد للانتماء للهند ذابت فيه الفروقات الدينية الهندوسية، وتلاشت داخله الفروق الطبقية تحت الراية الزعفرانية المُثلثَّة. غير أنها في الوقت نفسه، اصطنعت "آخر" حمَّلته مسؤولية هدم المعابد في القرون السالفة، وتهميش الهوية الهندوسية، وقد كان هذا الآخر سياسيا هو حزب المؤتمر، الذي يحابي المسلمين، أما اجتماعيا وتاريخيا، فكان الآخر هو المجتمع المُسلِم بأسره. ما استتبع بالضرورة تحويل المسلمين ضمنيا إلى غرباء عن وطنهم في ظل أيديولوجيا باتت تتخذ من راية رام، لا من العلم الهندي، شعارًا لها.

هندوتفا تجمعنا: من هو الهندي؟

عندما تصبح الصلاة نحو الكعبة سببًا في نزع الجنسية!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أعضاء منظمة التطوع الوطنية RSS في مسيرة للترويج لأنشطة الهندوتفا (رويترز)

حتى نفهم مآلات تلك السياسات المتطرفة على حال المواطنة في الهند علينا أن نقفز سريعا إلى عام 2019 بعد أن تسنم مودي سدة الحكم، حيث كان كلا من "أزهر علي"، و"دوكدم داس" من أهالي ولاية آسام في شمال الهند عندما بدأت الحكومة الهندية في تطبيق قوانين الجنسية الجديدة والتي أقرها "مودي" في 2019 وتقضي بمنح الجنسية الهندية لأبناء الأقليات الدينية الذين جاؤوا إلى الهند هربًا بدينهم، ويضم الهندوس والسيخ والبوذيين والمسيحيين مستثنيًا المسلمين.
عاش "أزهر" طوال حياته في ولاية آسام، وشارك بالتصويت في الانتخابات التي تجري في البلاد منذ الثمانينات. كُتب اسم "أزهر" في بعض الأوراق الرسمية بشكل خاطئ، وهو ما جعل السلطات تشك في كونه هنديًا من الأساس بسبب أنه مسلم. عُرض "أزهر" أمام "محكمة الأجانب" التي أنشأها قانون الجنسية الجديد الذي أقرته حكومة "مودي"، وكان أول تجل لعقيدته السياسية الناحية في اتجاه تغريب المسلمين عن أوطانهم، ليخسر أزهر القضية وينتهي به المطاف في السجن لأربع سنوات تقريبًا بتهم التزوير والإقامة غير القانونية.
خلال تلك الفترة، باعت عائلته أرضها لدفع الأتعاب القانونية وانتحرت زوجته. وأطلق سراحه لاحقا بكفالة. ومع ذلك، لم يظهر اسمه في قائمة الجنسية حتى الآن. وهو ما يعني أنه لا يزال مهددا بالاحتجاز والسجن مرة أخرى. يقول أزهر في أسف: إنه كان من مؤيدي "مودي"، وإنه صوت له في الانتخابات، لكن وجهه يوحي بالكثير من الندم!

في نفس الولاية، تعرض "دوكدم داس" لنفس المشكلة، إذ حدث خطأ إملائي أثناء كتابة اسمه في كشوف الناخبين. وبعد أن ظل يشارك في التصويت فى الانتخابات لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، اعتبرته السلطات أجنبيًا. وعلى الرغم من أن حالته مماثلة لحالة أزهر، إلا أن الفرق الرئيسي بين الحالتين هو أن داس هندوسي الديانة.
لذلك، فسيحصل بسهولة على جنسيته الهندية مرة أخرى، في الوقت الذي لن يُنظر فيه لأزهر بنفس الطريقة، لا من قبل السياسيين والبيروقراطيين، ولا من قبل القانون! لتفسير ذلك، علينا أن نعود إلى الأصولية الهندوسية، الهندوتفا، لمعرفة ما الذي تقدمه للهنود بالتحديد وإفرازاتها القانونية والدستورية.


عندما أصبح قاتل غاندي قديسًا

انشغلنا، حتى هذه النقطة من المقال، بالمظاهر الحركية والسياسية للتغيرات الكبرى التي مست فضاءات الهند، لكننا نحتاج لفهم ومعرفة القواعد النظرية المؤسسة للأصولية الهندوسية التي تعرف بـ "الهندوتفا" أو التي ظهرت من خلال كتابات المنظر الهندي "وينايَك دامودار ساوَركر"، وخاصة كتابه "هندوتفا: من هو الهندوسي؟"، الذي نُشر عام 1923، وهذا الكتاب يعتبر هو إنجيل الأصولية الهندوسية، حيث قدَّم الكاتب تعريفا لهندوتفا على أنها فكرة شاملة تجمع الهنود الذين فرقتهم اللغة والعرق والدين تحت هوية أممية واحدة، وأن يجمع الأديان الهندية المنقسمة طبقيا وعقائديا تحت مظلة قومية واحدة تجاه دين آخر مغاير، سلبت منه معاني المواطنة والانتماء.
قال لنا "أوداي شاندرا"، الأستاذ بجامعة جورجتاون، إن "ساوركر" وقادة الحركة الأوائل لم يكونوا هندوسًا عميقي التدين، وأن "الهندوتفا" جاءت لتقضي على الهندوسية التقليدية باختلافات عقائدها وطبقات معتنقيها وممارساتهم. لذلك يُمكِن أن يكون أصحاب الأديان الهندية المختلفة، غير المسلمين والمسيحيين طبعا، جزءا من تيار "هندوتفا"، بحسب " مؤلف الكتاب" "ساوركر"، إذا آمنوا بالهند وبثقافتها الهندوسية. انتقد "ساوركر" اعتناق الإسلام والمسيحية بين الهندوس باعتباره تهديدا للوحدة الوطنية، ودعا أيضا للعسكرة والتنظيم، وللدفاع عن الهوية الهندوسية، وهو ما يعتنقه "مودي" وقادة حزبه بعد مائة سنة من نشر كتاب ساوركر.
بعد عامين من نشر الكتاب تأسس التنظيم الحركي، "السانغ"، على أفكار هندوتفا عام 1925، وهو الذي أخذ على عاتقه تمكين تلك الأفكار في الهند، لكن أيديولوجيا "السانغ" لم تتعزز إلا مع زعيمها الثاني "غولوالكر"، الذي قاد المنظمة لثلاثة وثلاثين عاما بداية من عام 1940، ونظَّر لأهم أفكارها عبر كتابه "نحن، أو تعريف وطنيتنا".
لقد أكَّد "غولوالكر" على أن الثقافة الهندوسية عماد الحضارة الهندية، وأنها يجب أن تكون أساس أي قومية هندية، أما الأقليات الدينية فليست سوى جماعات دخيلة، لا يحق لها أن تعيش في الهند إلا إذا تخلت عن "هويتها الأجنبية"، وانصهرت في المجتمع الهندوسي. وينتقد غولوالكر في كتابه، العقائد التى ظهرت خارج الحدود الهندية، والولاء لأمة جامعة أو كيان خارج الهند، ويقصد الإسلام في المقام الأول رغم أنه كتب كتابه بعد أكثر من 15 عاما من سقوط الخلافة العثمانية.
كان أبرز ما في أفكار "غولوالكر" ما يمكن أن يسمى بـ "الاستعلاء الهندوسي"، الذي شابه فيه النظرة الفاشية في أوروبا، إلى حد أنه انتقد الديمقراطية الغربية من حيث مساواتها بين الناس، ومجّد "الحل النهائي" الذي اعتمده "أدولف هتلر" في التعامل مع اليهود في ألمانيا ودول أوروبا التي سقطت تحت الحكم النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وناشد الهنود الانتفاع من التجربة الألمانية. ورغم دعوته للوحدة الهندوسية، فإن "غولوالكر" أكد على التراتبية، وهو ما يظهر حتى الآن في" السانغ"، حيث لا يصل إلى قيادته إلا هندوس من الطبقات العليا.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قاتل غاندي "ناتورام غودسِه" (مواقع التواصل)


ومع التخلص من الاستعمار، وإعلان الجمهورية، وانفصال باكستان، في عام 1947، وجدت افكار "ساوَركر" الأصولية سبيلها الى قطاع واسع من المؤمنين الهندوس، ونجح تنظيم "السانغ" في إقناع أعداد أكبر من الهندوس بالانضمام إلى الحركة الأصولية. وكان الخطر الإسلامي المتخيل، أو المبالغ فيه إن صح التعبير، أحد أهم دوافع هذه الوحدة الهندوسية التي بدأت في حشد الأنصار.
لا يمكن النظر إلى هذه الحركة في إطار النموذج الغربي في فهم الحركات الاجتماعية، فهي منظمة هرمية، لكنها في ذات الوقت عائلة ممتدة، فكل القرارات تؤخذ بشكل مشترك، أو بأغلبية تسمح ببناء توافق حول القرارات المصيرية.
لعلك الآن تسأل عن غاندي وفكره، هل كان قريبا من تلك الحركات الأصولية؟
لقد اكتفى غاندي بالتكاتف السياسي في تصوُّره عن العلاقة بين الهندوس والمسلمين، دون أن يُضحِّي بالرمزية الروحية الهندوسية التي استخدمها في تعبئة الجماهير الهندية، وإدخال الكثير من المعاني الهندوسية داخل العمل السياسي، بل وربما كان من أوائل المنظرين للدمج بين الدين والسياسة داخل الثقافة الهندوسية، حيث اعتبر غاندي أن الهند أرض هندوسية، لذا رأى الكاتب المصري عباس العقاد، الذي كتب عن سيرته، أن غاندي بحسب "المؤيدين لمذهبه والمعارضين له متفقون على أنه رجل برهمي في كل قطرة من قطرات دمه، وكل باعث من بواعث روحه: أساليبه برهمية ووسائله برهمية ومثله العليا برهمية وصيامه ومقاومته السلبية، ودعوته .. من صميم النحلة البرهمية، وغايته من حركته أن يجعل الهند "رام راج"؛ أي مملكة الإله "رام" رب البراهمة، وهو الرب الذي انطلق لسانه بدعائه ساعة أصيب برصاص الجاني المعتدي عليه"، لكنه كان متسامحا مع مخالفيه يقبل بالعيش معهم ويرفض العنف ضدهم.
وبرغم اقتراب الأرضية إلى حد ما بين غاندي وخصومه الأصوليين، فقد أطلق أحد أتباع "السانغ" الرصاص عليه في يناير 1948، بعد أن أطلقت الحركة نفسها النار على أفكاره، وهو ما حدا بالحكومة لحظرها، ومحاكمة بعض قادتها، الذين أفلتوا من العقاب لعدم كفاية الأدلة.
ومؤخرا، شرعت تيارات الهندوتفا في رد اعتبار قاتل "غاندي"، وتمجيد مبادرته في تقويض أفكار "المهاتما". على سبيل المثال، أدلت النائبة عن حزب الشعب الهندي "براجيا تاكور" بتصريحات مثيرة للجدل امتدحت فيها "ناتورام غودسِه"، قاتل غاندي، وهو اسم يعيد السانغ وحزب "مودي" تقديمه للمجتمع الهندي بوصفه بطلًا أراد الخير فأخطأه، لا أكثر. فقد بُنيت له المعابد والنصب والمكتبات إلى الحد الذي دفع المؤلف توشار غاندي، حفيد أشهر الداعين للا عنف في التاريخ الحديث، للتصريح بأن مودي وحزبه "يبذرون في الهند بذور تدميرها"!
عادت الحركة للنشاط من جديد في بداية الخمسينات بعد رفع الحظر عنها، لتشرع في بناء المؤسسات، معلية من قيمة الهندوسية بحسبانها المكون الأهم في المواطنة الهندية، ولتقدم لفقراء الهندوس القادمين من طبقات دينية متواضعة، فرصة للترقي الوطني. في هذه الأجواء، انضم "مودي" إلى الحركة طفلًا، لتختلط أفكار غولوالكر بلحمه ودمه.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

المسألة عند مُعتنقي الهِندوتفا شديدة الوضوح: المُسلم على أرض الهند بمثابة كافر بها. (الفرنسية)


وفي هذا العالم الجديد، لا بد وأن يكون المسلمون الهنود، الذين يُقدِّسون قبلة أخرى خارج تراب الهند؛ شعبا أقل درجة وأقل استحقاقا للعيش على أرض لا يُقدِّسونها مثل أصحابها. بحسب الفكر الأصولي الهندوسي، لا يسع المسلم ببساطة أن يكون هنديا على نفس درجة جاره الهندوسي الذي ينغمس في تراب الهند وطنا وعقيدة، ولا يعلق قلبه بأي شيء خارجها. لاحقًا، سيؤلف "مودي" كتابًا بعنوان "آشعة النور"، يحكي فيه سيرة عدد من قادة المنظمة وأعضائها، وقصصهم الملهمة لمسيرته، وعشرات آخرين من أعضاء المنظمة الهندوسية المتطرفة باعتبارهم الهنود الحقيقيين والنماذج التي يجب أن تُحتذى.
إن المسألة عند مُعتنقي هِندوتفا شديدة الوضوح: المُسلم على أرض الهند بمثابة كافر بها، وكأن شرط المواطنة هو الإيمان بالوحدة بين حدود الهند الجغرافية، و "بهارت"، اسمها الهندوسي المقدس.
يصعُب وضع الحركة الأصولية الهندوسية في سلة واحدة مع الحركات الدينية على غرار الإسلام السياسي، والاتجاهات المسيحية المحافظة. تظل الصهيونية أقرب صورة للهندوتفا التي لا تعترف بمواطن كامل الأهلية إذا لم يكن يهوديًا مؤمنًا بالسردية الصهيونية وبأفضلية اليهود على أرض فلسطين التاريخية.
جانب آخر وظفته تلك الحركات الأصولية وهو التنافر الكبير الواقع بين الاسلام والأديان الهندية التقليدية، ودفع تلك الخلافات اللاهوتية الى أرضية المعاش اليومي بين الأهلين داخل المجتمع الهندي، وفي مقدمة ذلك مسألة ذبح الأبقار التي يقدسها الهندوس ويأكلها المسلمون، مثلما نوه بخطورتها أحد أهم سياسيي الهند، مؤسس باكستان: محمد علي جناح، وهي الخلافات التي تسببت في صدامات دامية.
أما الأمر الآخر، فهو إخلال المسلمين بالنظام الاجتماعي الطبقي حيث يرى الهندوس العالم من منظور الطبقات، ويرون الناس على أنهم خُلقوا من أعضاء الإله المختلفة ليقوموا بوظائف إما سامية وإما وضيعة، لم يكونوا ليقبلوا بأن الناس سواسية كأسنان المشط، تصعد بهم أعمالهم أو تهوي بهم لأسفل سافلين.
وقديما رأي أبو الريحان البيروني أن الوضع الطبقي وتقسيم البشر تقسيما أبديا بلا فرصة للخلاص، اصطدم بفكرة المساواة الصارمة وثورة التسوية بين الناس، الذي جلبها الإسلام إلى الهند، وبات ذلك من أكبر التحديات أمام انتشار الإسلام في الهند. حيث قال "للهند في أيامنا من ذلك (أي التقسيم الطبقي) أوفر الحظوظ حتى أن مخالفتنا إياهم وتسويتنا بين الكافة إلا بالتقوى، أعظم الحوائل بينهم وبين الإسلام".
ورغم هذا التباين الطبقي والديني، شهدت الهند فترات طويلة من التعايش السلمي، والازدهار الاقتصادي الكبير. لكن السانغ والحركات الأصولية النازعة للمفاصلة، ورفض المكوّن الإسلامي، تنسف التاريخ الطويل والمعقد الذي تداخلت فيه العلاقات بين الهندوس والمسلمين، بل وتنسف أيضا تاريخ الهند نفسه، الذي شمل تأسيس سلطنات إسلامية ودويلات سيخية وممالك هندوسية.

علاوة على الدور البريطاني، الذي يتجاوز مسألة الاستعمار بمعناه المباشر إلى تعميق هذه الحساسيات الدينية من خلال التفريق بين مكونات الهند المختلفة، ومنها المكون الإسلامي الذي حكم البلاد لقرون، وزرع الشقاق بينهم. إذ تُعد المؤسسات الهندية الحديثة كافة، والأعراف القانونية والدستورية في البلاد؛ صنيعة النخبة البريطانية التي بلورت نموذجا خاصا في حُكم الهند أشرك النخبة المحلية بدرجة كبيرة في تسيير السلطة.
هُنا تكمُن واحدة من أبرز حجج هِندوتفا في تفكيك الوطنية الهندية الكلاسيكية، وهي أنها ببساطة صنيعة النخبة التي أفرزتها المؤسسات ذات المنشأ البريطاني. ولن تتعب كثيرًا لتشاهد أحد مقاطع "مودي" الغاضبة من المؤسسات البريطانية، ومن آباء، الهند نهرو وغاندي، مثل ذلك الفيديو الشهير أثناء صراخه غاضبًا من مذيعة هيئة الإذاعة البريطانية التي سألته عن المذابح ضد المسلمين، وكيف أنه قال لها بصوت هادر يملؤه الحنق: كيف لك، وأنت البريطانية، أن تحدثيني عن حقوق الإنسان؟!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لا يمكن لأحد أن ينتقد "الهندوتفا" وأن يظل آمنا في البلاد، خاصة إذا لم يكن هندوسيا (غيتي)

ظل واحد لكل الآلهة

"لا أعرف الفرق، لم أفهم السؤال!"، هكذا أجاب أحد المواطنين الهنود الذين سألناهم عن الفرق بين الدين والإيديولوجيا عند "مودي" وغيره من الأصوليين الهندوس. فهو بالنسبة للكثيرين، التجسد الأوضح للهندوسي المثالي.
لا يفرق الكثير من أتباع "هِندوتفا" بين الهندوسية بوصفها دينا، و"هندوتفا" بوصفها أيديولوجيا. إذ يتشرب أتباع هذه التنظيمات ديانتهم في محاضن السانغ التربوية، و كذلك الوطنية على أفكار هندوتفا قبل أن تقوى أعوادهم. ينتج الأمر رصيفًا بشريًا من المخلصين، وقادة مثل "مودي"، الذي استطاع بناء أسطورته التي جعلت منه بطل قصص للأطفال، وسياسيًا ناجحًا، وشاعرًا مرهف الحس، وراهبًا متبتلًا، وفي النهاية إلهًا. نعم، يمكنك قراءة مئات المقارنات، لا على مواقع التواصل الاجتماعي وحسب، بل وعلى موقع رئاسة الوزراء الهندية، التي تُعقد بين "مودي" وبين آلهة الهندوس، فهو يخلق الهند من جديد مثل فيشواكارما، وعادل مثل فيشنو، وقوي مثل شيوا، وجلّاب للخير مثل لاكشمي، وحكيم مثل ساراسواتي، وناجح مثل غانيشا، وقد جمع محامد الأخلاق مثل راما.
أما من يستطيع التفرقة ممن قابلناهم بين الدين والإيديولوجيا، فلا يزال يؤمن برئيس الوزراء، ويخشى من غضب الإله شيوا، وظله في الأرض مودي. فباستثناء واحد فقط، رفض كل من تحدثنا إليهم من أجل إعداد هذا التقرير ذكر أسمائهم خشية الملاحقة. تحدثنا إلى "سانجاي أكبر"، وهو اسم مستعار لزعيم محلي هندوسي عمل لفترة طويلة في المجال الرياضي على مستوى الهند، وقال "إنه لا يمكن لأحد أن ينتقد "الهندوتفا" وأن يظل آمنا في البلاد، خاصة إذا لم يكن هندوسيا". وهو ما كرره رجل أعمال من طائفة البهرة، وناشط طلابي، وناشطة حقوقية هندية تقيم في أوروبا. لكن ما الذي فعله "مودي" ليخشاه الناس لهذا الحد؟

النار تبتلع المدينة

أهم خطوات تنظيم المذبحة: لا تترك خلفك أثرًا!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الدخان يتصاعد من عربة القطار التي احترقت وأدت لمقتل عدد من الحجاج الهندوس، والتي بدأت حملة استهداف وحشية ضد المسلمين في غجرات في ربيع عام 2002. (رويترز)

رن هاتف ناريندرا مودي، رئيس وزراء غجرات في صباح يوم 28 فبراير، 2002. كان "مودي" قد وصل إلى السلطة قبلها بخمسة أشهر. ظهر على شاشة الهاتف اسم "إحسان جعفري"، وهو نائب برلماني سابق مثّل مدينة "أحمد أباد" عن حزب المؤتمر. كان بإمكان "مودي" أن يتوقع سبب المكالمة، فمنذ اليوم السابق، تشتعل مواجهات طائفية بين جماعات منظمة من الهندوس الذين يهاجمون المسلمين في بيوتهم، وأماكن عملهم، في مناطق عدة من ولاية غجرات.
أراد "جعفري" أن يساعد في تهدئة الأوضاع. لكن ما أن التقط "مودي" هاتفه حتى فوجئ بأن جعفري يستغيث به بعد أن أخبره أن مجموعات من الغوغاء الهندوس تهاجم مجمعه السكني، وأنه، بصحبة سكان آخرين، قد حاول الاتصال بالشرطة، التي لم تستجب ولم يأت أحد لحمايتهم.
بدأ "مودي" في الانفعال، مع وصلة من السباب واللعن في ثورة عارمة إلى أن أغلق هذا الأخير الخط. امتقع وجه "جعفري" بعد أن أغلق الهاتف، حسب "امتياز أحمد"، شاهد العيان الذي استمع إلى المكالمة أثناء احتمائه بمنزل "جعفري" وبقي ليروي هذه القصة.
خرج "جعفري" بعد المكالمة من شرفة مطبخه ليخاطب المتظاهرين قائلًا: "إذا كان يرضيكم قتلي، سأخرج لكم، على أن تتركوا النساء والأطفال في المنزل". وخرج الرجل قبل أن يهجم عليه الحشد الغاضب ويقتله. بعد قليل اخترق المهاجمون الهندوس أسوار المجمع، وأشعلوا النار في أغلب منازله، كذلك أحرقوا ما لا يقل عن 35 مسلما وهم أحياء، بمن في ذلك المحتمين في منزل "جعفري" الذي أُحرق منزله بمن فيه من عشرات المسلمين الذين ظنوا أن من دخل بيته فهو آمن.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

هاجمت جماعات منظمة من الهندوس المسلمين في بيوتهم، وأماكن عملهم، في مناطق عدة من ولاية غجرات بعد حادث حريق القطار. (رويترز)


في اليوم السابق، كان "مودي" قد عقد اجتماعًا في مقر إقامته، وأصدر تعليماته لموظفي الحكومة وضباط الشرطة الحاضرين بالسماح "للناس بالتنفيس عن غضبهم" وعدم الوقوف في طريق رد الفعل الهندوسي العنيف. لكن ما الذي أثار كل هذا الغضب؟
بدأت الأحداث صباح السابع والعشرين من فبراير/شباط، عندما هاجمت مجموعة كبيرة من المحتجين العربتين رقم 5 و6 في قطار سابرماتي الذي كان يقل آلاف الحجاج الهندوس العائدين بعد القيام بطقوس دينية. بدأ الهجوم برشق العربتين بالحجارة، قبل أن يحاول الحجاج إغلاق النوافذ والأبواب للاحتماء داخل عربات القطار، لكن المهاجمين ردوا بإشعال النار في العربتين، أدى الهجوم إلى مقتل 59 شخصًا، بينهم عشرة أطفال و27 امرأة، وصلوا جثثًا محترقة إلى أحمد أباد.
هذه هى رواية حكومة غجرات بقيادة "مودي"، بينما قال أول تحقيق رسمي أجرى فى هذه الواقعة بطلب من وزارة السكك الحديدية الهندية إن حرق العربة من الخارج كان مستحيلا ولابد أن الحريق كان قد بدأ من داخلها. ويؤمن كثيرون بأن حادث حريق القطار كان مفتعلا بهدف رفع رصيد "مودى" وحزبه. وهو ما علله صحفي هندي مسلم من الذين تحدثنا معهم بالقول إن تقريرًا للمخابرات الهندية توقع هزيمة الحزب حال أجريت الانتخابات في موعدها المقرر. وقد أدى حادث القطار إلى استقطاب سياسي حاد كان من عوامل اندفاع الهندوس للتصويت لحزب "مودي"، لا سيما مع ربطه الحادث بهجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي كانت قد وقعت قبل ذلك بخمسة أشهر.
ما أذكى الموقف كان تسليم الجثث المحترقة، للقيادات الدينية الهندوسية والذين نقلوا جثث الضحايا المكشوفة أمام الجماهير إلى 16 مستشفى مختلفة.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



جثث ضحايا حادث القطار (رويترز)في نفس الوقت، بدأ متطرفون هندوس، في نشر شائعة تفيد باختطاف المسلمين لثلاث فتيات هندوسيات. الشائعة أدت إلى هجوم عصابة مكونة من 5000 شخص على منطقة نارودا في "أحمد آباد" لمدة عشر ساعات من دون أي تدخل لقوات الأمن. شمل الهجوم إشعال الحرائق، والنهب، والطعن، والتحرش الجنسي، والاغتصاب الجماعي، بما في ذلك بقر بطون عدد من النساء الحوامل وقتل أطفالهن. قُتل 97 شخصًا في هذه المجزرة، بينهم 35 طفلًا و36 امرأة. وبحسب أحد شهود العيان الذين أصيبوا في هذا اليوم، فإن المتطرفين الهندوس أوقفوا سيارته وطالبوا قريبه بخلع بنطاله للتأكد من أنه "ليس مختونًا" قبل أن يقتلوه.
عقب هذه الحوادث أعلنت الحكومة فرض حظر التجول في الولاية، واستدعيت قوات الجيش لاحتواء أعمال العنف، لكن ذلك لم يمنع استمرار الهجمات على المسلمين. خلفت أعمال الشغب في غجرات أكثر من 1044 قتيلًا، وأكثر من 2500 جريح. لكن المصادر غير الرسمية تقدر الضحايا من المسلمين بضعف هذا العدد تقريبًا.


من يحاسب الجناة؟

استمرت أعمال الشغب في غجرات لثلاثة أيام بدون تدخل القوات المعنية. أرسلت الحكومة المركزية قوة عسكرية بقيادة الجنرال "ضمير الدين شاه" فى اليوم التالى لاندلاع الاضطرابات ولكن "مودى" لم يسمح لها بالتدخل إلا بعد يومين. وفي 2006، قدمت "زكية جعفري"، أرملة البرلماني "إحسان جعفري"، شكوى ضد الشرطة في غجرات بسبب عدم تسجيل تقرير المعلومات الأولية والذي يدين "مودي"، و62 آخرين من بينهم وزراء في حكومته.
استمرت القضية في المداولة أمام المحاكم الهندية حتى يونيو/حزيران 2022، عندما قضت المحكمة العليا برفض الدعوى. من ناحية أخرى، تحظى المجموعة التي نظمت أعمال الشغب بدعم حزب الشعب الهندي. بل إن شهود عيان أفادوا بأن ضباط شرطة شاركوا مع العصابات في إصابة وقتل مسلمين أثناء الاحتجاجات. لكن تراجع الشهود وقال بعضهم إنه هُدد بالقتل من أجل تغيير أقواله.
أما القصة الأكثر إثارة للانتباه هي ما حدث مع هارين بانديا، وزير الداخلية السابق لغجرات، والذي خدم بين 1998 و2001، قبل أن ينتقل للعمل في وزارة المالية في حكومة "مودي"، إلى أن استقال من منصبه في أغسطس/آب 2002.
كان بانديا قد أدلى بشهادته في المحكمة وقال إن اجتماعًا حضره رئيس الوزراء قيل فيه لكبار مسؤولي الشرطة إن عليهم أن يتوقعوا "رد فعل". وقيل لهم أيضًا إنه لا ينبغي لهم فعل أي شيء لاحتواء رد الفعل الهندوسي.
في 26 مارس/آذار 2003، في حوالي الساعة 7:40 صباحًا، قُتل بانديا على يد مهاجمين مجهولين أطلقوا عليه خمس رصاصات عندما كان قد أنهى لتوه تمشيته الصباحية بمدينة أحمد آباد. يعتقد الكثيرون أن بانديا كان قد قُتل خارج سيارته قبل أن يُنقل جسده إلى السيارة ليظل فيها ساعتين على الأقل قبل العثور عليه.
لم يكن بانديا الضحية الوحيدة، فقد قدم الضابط السابق في شرطة غجرات "سنجيف بهات" إفادة خطية ضد "مودي" أمام المحكمة ذكر فيها تفاصيل الاجتماع الذي أمر فيه رئيس الوزراء أجهزته الأمنية "بالسماح للهندوس بالتنفيس عن غضبهم" ضد المسلمين. بعد وصول "مودي" إلى رئاسة الوزراء، أُقيل بهات من الشرطة، وفي بداية فترة مودي الثانية، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة في قضية وفاة أثناء الاحتجاز جرت قبل 30 عامًا.
كانت هذه غضبة "السانغ"، موقف الراهب الغاضب. وهذا بعض ما يخشاه الهنود من قائدهم الذي دمر أعداءه بهذه الطريقة ولم يكن قد وصل إلى أوج قوته بعد.


أعط ما للسانغ للسانغ!

لتصعد للسلطة عليك أن ترضي الآلهة، ولتبقى فيها يجب أن تظل الآلهة راضية!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
مؤيدو مودي يستمعون لأحد خطاباته في حماس خلال الانتخابات التي جاءت به رئيسًا للوزراء في 2014 (غيتي)

استيقظ رئيس الوزراء الجديد "مودي" في الخامسة صباحًا في منزله الكائن في 5 لوك كاليان مارغ. يبدو المنزل أنيقًا، وليس كبيرًا للغاية، لكن الحقيقة أعقد من ذلك. يعيش "مودي" في منزل ضمن مجمع رئاسة الوزراء الذي يقع على 49 ألف متر مربع. يقول "مودي" إنه لا يزال يستعمل الوصفات التقليدية للعلاج مثلما علمته أمه، لكن هذا لا ينفي أن لديه اتصالًا مباشرًا بعدد من أفضل أطباء الهند الذين يعملون على مدار الساعة في انتظار سماع شكواه.
في أحد أيام أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، ذهب "مودي" إلى حفل تنصيبه رئيسًا لوزراء ولاية غجرات في سيارة زرقاء داكنة كانت من أرخص سيارات تلك الأيام، من طراز ماروتي 800. أما حين توجه "مودي" من أحمد آباد إلى دلهى فى مايو/أيار 2014 لأداء اليمين لتنصيبه رئيسا لوزراء الهند فسافر بالطائرة الخاصة لصديقه رجل الأعمال "أدانى" الذي يتهمه المعارضون بالتربح ومضاعفة ثروته مئات المرات فى ظل حكومة مودي.
تسببت له مذبحة غجرات في أزمات تعدت حدود البلاد، بما فيها منعه من دخول الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية قبل وصوله إلى منصب رئيس الوزراء، بسبب دوره في المذبحة. لاحقًا ستدين محكمة هندية مايا كودناني، الوزيرة في حكومة "مودي"، لتورطها في المذبحة، قبل أن يُلغى الحكم من قبل المحكمة العليا في غجرات في فترة "مودي" الأولى كرئيس للوزراء، وقبل أن يتناسى الغرب ذلك وتفتح له العواصم بل وتأتي إليه الوفود العالمية آخرها قمة العشرين في العاصمة الهندية دلهي في الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر/أيلول عام 2023.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" يتوسط القادة خلال الجلسة الافتتاحية لقمة قادة مجموعة العشرين في 9 سبتمبر 2023 في نيودلهي، دلهي. (غيتي)


كان مرد نجاح "مودي" في الوصول لرئاسة الوزراء إلى سياساته الاقتصادية والتنموية التي تبناها بعد نجاحه فيما عُرف باسم "نموذج غجرات". فابن وادناكر الفقير قرر فتح باب ولايته أمام الاستثمار. حيث قرّب "مودي" رجال أعمال كبار، نجحوا بالفعل في بناء نهضة في الصناعة والبنية التحتية لغجرات، حتى وإن جاء ذلك على حساب العدالة الاجتماعية أو الحفاظ على البيئة، حسب منتقديه.
أدت سياسات "مودي" بالفعل إلى تقليل نسبة الفقر في ولايته من 31٪ عام 2004 إلى 16.6٪ في 2012. ومع ذلك، يقول الأستاذ بجامعة جورجتاون أوداي تشاندرا إن سياسات "مودي" الاقتصادية أثرت سلبًا على الهند، وإنه "لا يوجد اقتصادي واحد يحترم نفسه يقبل بأن يعمل مع مودي".
لكن جاءت النهضة العمرانية في غجرات على حساب المسلمين، فبسبب التوترات التي أعقبت المذابح في 2002، حيث أدت سياساته إلى تهجير مئات الآلاف من المسلمين من مناطق سكنهم المختلطة بالهندوس لأطراف المدن والضواحي، وهو ما ساهم في المزيد من تهميشهم. أما عمليات إعادة الإعمار وتسكين المتضررين فقد اتسمت بغياب الشفافية وانعدام العدالة.
وأما النهضة الصناعية، والتي أفادت رجال الأعمال وملاك المصانع، فقد أضرت بالكثير من المجتمعات المحلية التي تعتمد الحرف اليدوية مثل الغزل والنسيج، وكثير منهم من المسلمين.
في دورته الانتخابية الأولى في منصب رئيس وزراء الهند عام 2014، قوضت حكومة "مودي" الكثير من المؤسسات الوطنية الهندية، من خلال تعيين مؤيدي حزب الشعب، والعديد من العناصر الاصولية في كل المناصب المهمة تقريبًا، وقمع معارضيه وإقصائهم، مثلما حدث في المحكمة العليا، ولجنة الانتخابات، وبنك الاحتياطي الهندي.
يقول مهندس هندي مقيم في الولايات المتحدة من الجالية الهندوسية إن الأغلبية التي حصل عليها "مودي"، حصل عليها بسبب انتمائه الديني، وخطابه الإيديولوجي وكراهيته المعلنة للمسلمين، لا منجزه السياسي. وهو الأمر الذي كرره ناشط طلابي مسلم، وباحثة سياسية هندية تقيم في إحدى العواصم الأوروبية.
عندما ظهرت نتائج الانتخابات في مايو من عام 2014، فوجئ الجميع. فلأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود يفوز حزب بأغلبية مطلقة في البرلمان الهندي. ولأول مرة يحصل حزب المؤتمر، الذي قاد ملحمة الاستقلال، على أقل نسبة في تاريخه، 44 مقعدًا في مقابل 282 لحزب الشعب الهندي. كان انتقال "مودي" من شوارع غانديناغار إلى قمة المسرح السياسي في دلهي زلزالًا في السياسة الهندية.
حاول "مودي" أن يحافظ على قاعدتيه من المؤيدين: رجال الأعمال، وضعفاء الهند وفقرائهم. فقد احتفظ لنفسه ولحلفائه بملفات الاقتصاد والصحة والسياسة الخارجية والأمن، وأعطى للسانغ اليد العليا لتحديد الأجندة الاجتماعية والثقافية والتعليمية للهند. وهي الاستراتيجية التي نجح بها، لا في الاحتفاظ بدعم السانغ والرأسماليين فحسب، بل وفي دفع الخطاب السياسي للأحزاب الأخرى، بما فيها حزب المؤتمر، الذي بدأ، في محاولة لاستقطاب مؤيدي حزب الشعب الهندي، في تبني نوعٍ من الهندوتفا الرخوة. ومن أدلة نجاح مودى والسانغ أن كل الأحزاب السياسية الهندية، ماعدا الشيوعيين، قد تبنت الهندوتفا الرخوة وهى لاتجرؤ الآن أن تثير أيه قضية لصالح الأقليات من المسلمين والمسيحيين.
أصبح مودي في الموضع الذي يمكّنه من نشر أفكار جماعة السانغ الأصولية في كل ربوع الهند، فلم تكن العديد من القضايا لتطرح للنقاش العام من دون تحريض مباشر من الأصوليين الهندوس، مثل تجريم الطلاق ثلاثًا، أو إنهاء الحكم الذاتي لكشمير، أو بناء معبد رام محل المسجد البابري. هذه القضايا تتقاطع مع السياسة، والثقافة، والدين في المجتمع الهندي.

تاريخ متوتر

"نحن نأكل البقر وهُم يعبدونه" — محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي متحدثًا في ذكرى الاستقلال السابعة والسبعين وقائلًا لأتباعه إنه يبني الهند لألف عام قادمة (شترستوك)

على ضفاف نهر يامونا في العاصمة دلهي، تقف القلعة الحمراء التي بناها السلاطين المغول منذ أربعة قرون تقريبا، وتحوي بين جنباتها عشرات الفدادين من الحدائق والمباني وبقايا الأسواق القديمة، تحفُّها الأسوار والبوابات الضخمة. في ذكرى الاستقلال من كل عام، يُلقي رئيس الوزراء الهندي خطابا من أمام بوابة القلعة الرئيسية، على خُطى نِهرو الذي ابتدأ هذه العادة عام 1947. لا تُجسِّد القلعة ذروة ازدهار الدولة المغولية فحسب، بل لها رمزية في الرواية الوطنية الهندية لأنها كانت مسرحا لانتفاضة 1857، حين تمرَّد الجنود المسلمون والهندوس في جيش شركة شرق الهند البريطانية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

انتفاضة 1857، حين تمرَّد الجنود المسلمون والهندوس في جيش شركة شرق الهند البريطانية. (مواقع التواصل)


ففي أحد أيام مايو/أيار 1857، استيقظت دلهي على هبَّة عنيفة أشعلها الجنود غضبا من رؤسائهم الإنكليز. كانت الذريعة المباشرة هي شائعة سَرَت بين الجنود مفادها أن الخراطيش الجديدة للبنادق الإنكليزية، التي تحتاج إلى نزع غطائها بالفم قبل وضعها في البندقية، مدهونة بزيت مُشتق من اللحم البقري ولحم الخنزير، والأول مُحرَّم عند الهندوس والثاني مُحرَّم عند المسلمين.
لقد كان الهدف من تلك الخراطيش في نظر الجنود إجبارهم على اعتناق المسيحية، ومن ثم تحويل الهند إلى بلد مسيحي قسرا. نتيجة للغضب المتراكم، اقتحم الجنود دلهي وقتلوا العشرات من الإنكليز وعائلاتهم وكذلك المسيحيين الهنود، ثم قرروا الاحتماء بما تبقى من شرعية السلطان "بهادُر شاه ظفر"، آخر سلاطين المغول، الذي احتفظ بسُلطة صورية تحت إمرة الإنكليز.
كانت تلك اللحظة ذروة التلاحم بين المسلمين والهندوس رُغم التباين العقدي الشاسع بينهما، والذي لخصه لاحقًا محمد علي جناح، مؤسس باكستان، بالقول "إننا نأكل البقر، وهم يعبدونه!". لقد انتفض المسلمون مع إخوانهم الهندوس متذكرين جهاد السلطان المغولي "فتح علي خان" المشهور بالسلطان تيبو (المتوفي 1799م)، الذي كان رمزا مهما لهند ما قبل الاستعمار، ودلالة على الازدهار الذي شهدته الهند قبل وصول البريطانيين.
لقد كانت الهند تحت الظل الإسلامي حاضرة الدنيا، يفوق اقتصادها، في زمانها، اقتصاد الولايات المتحدة في زماننا ببون شاسع، إذ سيطرت على ربع تجارة العالم في بعض الأوقات، قبل أن يأتي البريطانيون بالاستعمار ونهب الثروات وبناء المؤسسات والنخب الحليفة، وأولًا وقبل كل شيء: سياسة فرّق تسُد بين مكونات الهند من هندوس ومسلمين.
لقد تحدث أحد قادة الهند المسلمين، السيد أبو الحسن الندوي، في كتابه "المسلمون في الهند" عن الثورة وقتها قائلًا: "لم تعرف الهند حماسة وطنية ووحدة شعبية قبل هذه، كان للمسلمين السهم الأكبر في القيادة والتوجيه وكان منهم العدد الأكبر والأهم من القادة والزعماء".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رئيس الوزراء الأول للبلاد "جواهرلال نهرو"، والقائد المسلم المتحالف معه "أبو الكلام آزاد" (مواقع التواصل)


لم يدُم هذا التلاحم الذي صقله العدو المشترك طويلًا. توتَّرت العلاقة بين المسلمين والهندوس على خلفية انقسام الهند إلى جمهوريتيْ الهند وباكستان، لكن حزب المؤتمر مع الوقت نجح بسياساته الوطنية والاشتراكية في حيازة ثقة المسلمين الذين آثروا البقاء في الهند، لا سيَّما وقد بقي مولانا أبو الكلام آزاد، أحد أبرز القادة المسلمين بحزب المؤتمر، ولم يغادر الهند، وتبوَّأ فيها منصب وزير التعليم.
رأى المسلمون ثمة تدرج نحو الهاوية، حينما تحول حزب المؤتمر من السبعينات لتبني سياسة معادية لهم، ليمهد هذا الأمر لصعود حزب أصولي إقصائي، يمثل تهديدًا وجوديًا للمسلمين.


البحث عن تهديد وجودي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

فرار أكثر من 250 ألف لاجئ رواندي بعد أحداث الإبادة الجماعية عام 1994. (رويترز)


في عام 1989، وبعد أن قام غريغوري ستانتون، أستاذ القانون والعدالة الأمريكي والخبير في حل النزاعات في الأمم المتحدة، بتدريب عدد من المسؤولين الأفارقة على تقنيات منع وقوع المذابح، التقى بالرئيس الرواندي "جوفينال هابياريمانا"، وحذره من أن سياساته ستؤدي على الأرجح إلى مذبحة في بلاده خلال خمس سنوات. محذرًا من التلاعب بقواعد الهوية والجنسية.
بعد خمس سنوات من تحذيره، وفي إبريل/نيسان 1994، بدأت مذبحة مروعة، قُتل ما يقرب من 80 ألفًا في اليوم الواحد على مدار مائة يوم، واغتُصبت مئات الآلاف من النساء، ودُمرت البنية التحتية للبلاد. قُتل ثلاثة أرباع أبناء قبيلة توتسي خلال ثلاثة أشهر. كان الرئيس "هابياريمانا" هو الضحية الأولى، إذ استُغل سقوط طائرته ومقتله لبدء إحدى أكبر حملات الإبادة الجماعية في تاريخ البشرية.
في يناير 2022، شارك "ستانتون"، الذي أسس وأصبح رئيسًا لمنظمة "مراقبة الإبادة" Genocide Watch، في جلسة استماع أمام الكونغرس الأمريكي، وقال فيها باستياء ظاهر: "إننا نحذر من أن مذبحة وشيكة قد تحصل في الهند". وأكمل بجبين مقطب بينما يتذكر: "لقد حذرت من الأمر في رواندا، لكن الإبادة كانت قد بدأت بالفعل، فقد تصاعد خطاب الكراهية، وظهرت كل علامات الإنذار المبكر، لا يمكن أن نسمح بتكرار ذلك للمسلمين في الهند!"
يتحدث "ستانتون" بشكل مستمر عن سياسات "مودي" المعادية للمسلمين والتصريحات الكارهة للإسلام من وزراء حكومته وأعضاء حزبه، ويرى فيها تهديدًا وجوديًا، لا للمسلمين فحسب، بل لوحدة الهند واستقرارها.
ويوجه "ستانتون" سهام نقده بشكل مباشر لهندوتفا، قائلًا إن هذه الفلسفة القومية "تعاكس تاريخ الهند ودستور البلاد"، ويشير إلى "مودي" باعتباره "متطرفًا" يسيطر على الحكومة في الهند. وهو الأمر الذي يؤكده الأكاديمي الهندي أوداي شاندرا، الذي قال في حواره مع الجزيرة نت إن مودي يريد "أن يلعب المسلمون في الهند الدور الذي لعبه اليهود في تأسيس أوروبا الحديثة. أن يمثلوا الآخر الذي تتشكل هوية الهند الجديدة عبر نفيه".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مسلمون يشتبكون مع الشرطة أثناء احتجاجهم على زيارة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" إلى دكا في 27 مارس 2021. (شترستوك)


ملاحظات ستانتون وشاندرا تظهر جلية في الواقع الهندي المعاش، إذ يواجه المسلمون مضايقات تصل إلى حد الفصل من العمل، والإيذاء البدني، وحتى القتل، بسبب رفضهم ترديد شعارات وطنية هندية ذات طابع هندوسي، مثل هتاف "العزة للهند المقدسة"، الذي يكرره "مودي" في معظم خطاباته، ويرفضه المسلمون لأنه يعطي الهند صفة إلهية لا تتفق وتعاليم الإسلام.
وفي عام 2019 غيّرت حكومة "مودي" قانون الجنسية وتعديل المواطنة بإعادة تعريف "المهاجرين غير الشرعيين" في البلاد مستهدفة المسلمين في ولاية آسام الشمالية، ما أشعل احتجاجات في مناطق مختلفة من البلاد.
قمعت السلطات المحتجين على القانون وقتلت 50 شخصًا على الأقل، لكن "مودي"، كما قد نتوقع، لم يتراجع. قبل ذلك، وفي 5 أغسطس/آب من نفس العام، عدلت الحكومة الدستور الهندي، لتلغي الوضع الخاص لجامو وكشمير بين ولايات الهند. كانت هذه الخطوة التي جرت في سرعة خاطفة وسرية مثيرة للدهشة، تعبيرًا واضحًا عن ثأر "مودي"، لا من المسلمين فحسب، لكن من مؤسسي الهند، وواضعي دستورها، وسياسييها الذين استمروا في إطلاق الوعود لشعب كشمير بالحفاظ على حكمهم الذاتي وهويتهم الثقافية.
في نفس الوقت، فرضت الحكومة إغلاقًا تامًا على كشمير، وقطعت خطوط الهاتف، وأوقفت خدمات الإنترنت، واعتقلت مئات القيادات السياسية والمواطنين بمن فيهم بعض من دعموا "مودي" أو أيدوا انضمام كشمير إلى الهند في السابق. هدأت شوارع مدينة سريناغار، التي دومًا ما كانت صاخبة بالحياة، ولم يعد يسمع سكانها من خلف نوافذهم المغلقة غير أصوات سيارات الشرطة ووقع أقدام رجال الأمن الهنود في شوارعها الفارغة من الناس.
وعلى الرغم من انحياز حكومة "مودي" وحزبه الصارخ ضد المسلمين، وهي الحكومة الأولى في تاريخ وزارات الهند المركزية التي لم تشهد عضوية وزير مسلم، وهو الحزب الحاكم الذي لم يختر نائبًا مسلمًا واحدًا لتمثيله في البرلمان المركزي للهند وفي الجمعيات التشريعية بكل الولايات لأول مرة في تاريخ البلاد، إلا أن "مودي" لا يزال يوظف أهم سياسات البريطانيين في الهند: فرّق تسُد. فمودي لا يهاجم معارضيه جملة واحدة. يستخدم رئيس الوزراء خطابات متباينة للحديث إلى الطبقات الهندوسية المختلفة، ولا يهاجم المسلمين كافة، إذ امتلك علاقات جيدة بالمجتمع الشيعي، وكذلك بطائفة البهرة، فهو يهاجم السنة، وخلال السنوات الأخيرة، صار هجومه يستهدف الرجال السنة، من خلال العبث في قوانين الأحوال الشخصية، لاستمالة النساء المسلمات لدعم حكومته، بحسب ما قاله الأكاديمي الهندي أوداي شاندرا.
ثأر "مودي" من ماضي بلاده تجاوز السياسة إلى الثقافة والعمران. فقد تغير اسم مدينة الله آباد إلى مدينة براياغراج، وتحولت فيض آباد إلى أيوديا. وليس المسجد البابري هو الوحيد الذي هُدم من بين مساجد الهند التاريخية، فقد رُفعت مئات القضايا التي تطالب بهدم مساجد أخرى، كثير منها تاريخي، بحجة أنها بُنيت على أنقاض معابد هندوسية، مثل مسجد غيانفابي، والذي كان قد بناه الإمبراطور المغولي "أورنغزيب" في القرن السابع عشر. كذلك استغل "مودي" سلطاته، تحت ستار التحديث والترميم وإعادة الإعمار، في إزالة الكثير من المناطق في المدن القديمة، والتي يعيش فيها الأقليات مثل المسلمين، ونقلهم إلى أطراف المدن والضواحي. ومن ضمن السياسات الثقافية التي تبنتها الحكومة، حملات حظر ذبح الماشية والأبقار، وهو الأمر الذي قاد لحوادث عنف دامية قُتل فيها وجُرح مئات المسلمين، ولا تزال مستمرة إلى الآن.

الطريق إلى الهند العظمى!

يستدعي مودي خطابات إقصائية خلّفت أوجاعًا في مراحل متعددة من التاريخ


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ناريندرا مودي متحدثًا بحماس أمام مؤيديه قبيل الانتخابات التي فاز فيها بولاية ثانية (غيتي)

في العام الماضي، وفي خطابه بمناسبة الذكرى السابعة والسبعين لاستقلال الهند عن بريطانيا في 15 أغسطس/آب 2023، خاطب مودي حشود مؤيديه قائلًا: "لقد بدأ العهد الذهبي لبلادنا لألف عام قادمة، وما سنتخذه من قرارات اليوم سيؤثر في الهند لألفية كاملة!". ستندهش إذا علمت كم التشابه بين هذا الخطاب، والخطابات التي صرح بها بعض أسوأ القادة عبر التاريخ، والذين قادوا بلادهم إلى الدمار وأوصلوا العالم إلى حروب عالمية راح ضحيتها عشرات الملايين.
يعرف مودي كيف يصنع صورته في الإعلام المحلي والغربي، ويبدو راغبا في جذب الرأي العام على طريقة بوليوود في بعض الأحيان، وعلى طريقة غاندي في أحيان أخرى. مهما كان التنافر الجليْ بين عالم الأبطال السينمائيين الخارقين الذين استوحتهم السينما الهندية من نظيرتها الأميركية، وبين عالم الزُهَّاد والأدباء والبراهمة الهندوس.
بالنسبة لأتباع السانغ، وكثير من مؤيديه، فإن البلدوزر هو رمز "مودي"، وحزبه. فهو يهدم التاريخ "الملوث" للهند، والمباني غير القانونية، مثل مساجد المسلمين ومناطقهم ومزارات الأولياء التي تُستهدف الواحد تلو الآخر.
عادة ما كان الحزب يستخدم رموزًا دينية لحشد الدعم الهندوسي، مثل نشر رسومات للإله الهندوسي رام وكأنه في قتال مع أحد حكام المغول المسلمين.
تتداخل لمسات كثيرة في الهالة التي يبُثها "مودي" إلى شعبه إذن، فهو المُتجرِّد الهندوسي رُغم أناقته، والبطل الخارق رُغم إخفاقاته الاقتصادية وفشله الذريع فى مواجهة تمدد الصين داخل الأراضى الهندية، وهو صاحب الكاريزما والسيرة المثابرة في بلد سئم السياسات الوراثية لحزب المؤتمر، ولم يَجِد بَعْد بديلا حقيقيا ينافس "مودي"، اللهم إلا بعض الأحزاب الراسخة في الولايات وعلى المستوى المحلي لا الفيدرالي.
سيعرف الأطفال الهندوس "مودي" من كتاب القصص المصورة "بال ناريندرا"، الذي تقول خاتمته: "تعطيك هذه القصص الحقيقية السبعة عشر لمحة عن السنوات التكوينية لناريندرا مودي، القائد الذي ترنو إليه الأمة كلها". يصور الكتاب "مودي" طفلًا ينقذ صبيًا من الغرق، ويسبح في بحيرة تنتشر فيها التماسيح ويصارع تمساحًا كي يعبر للضفة الأخرى ويغرس علمًا هندوسيًا على سطح معبد. ونراه يقدم الشاي والطعام للجنود الذين ذهبوا إلى حرب باكستان في بداية الستينات، ويساعد والده في العمل، ويكتب ويمثل للمسرح، وغيرها الكثير. إنه هنا ليس بطلًا خارقًا فحسب، لكنه قديسٌ مثاليٌ في كل تفاصيل حياته، من ذلك النوع الذي يؤتمن على مستقبل الهند ويجب أن يتحذي به أطفالها.
هذه البطولة المختلقة ظهرت في كل مراحل حياته، بل إن الأكاديمي الهندي أوداي شاندرا، يرجح أن "مودي" قد يُفضل افتعال ظروف سيئة، أو يبقي على صعوبات اقتصادية تواجه الهنود، للحفاظ على صورته كمنقذ من خلال تقديم الدعم الحكومي لشعبه باسمه هو.
ولهذا فليس غريبًا أن نجد منتجة أفلام هندية بارزة تحضّر لإنتاج فيلم عن حياة "مودي"، ومن سيمثل شخصه؟ بالضبط! أشهر ممثل هندي في تاريخها: أميتاب باتشان. لكن الطريف أن منتجة الأفلام بريرنا أرورا، قالت إنها اختارت أن تصنع فيلمًا عن "مودي" لأنه "أكفأ، وأنشط، وأوسم رجل في الهند"، وأنها لا تستطيع التفكير في بطل أكثر جدارة منه لعرض حياته على الشاشة.
يحصل "مودي" على أصوات قرابة 40٪ من الناخبين الهنود اليوم، ولا يبدو أن انتخابات العام الجاري (2024) ستضع حدًّا لذلك؛ بفضل قدرته على صنع سياسات تُعجِب الأثرياء، على عكس النسخة القديمة من الحزب القومي الهندوسي، وبفضل خطاب الشعبوية الذي يجذب الطبقات الوسطى لا سيَّما في المَهْجَر، وبفضل تطرُّفه الهندوسي الذي يشحذ به تديُّن الفقراء، تماما مثلما فعل ذات يوم في الياترا الشهيرة إلى أيوديا.
بيد أن المُستمسكين بأسس الجمهورية الهندية، والسواد الأعظم من مسلمي الهند، وطيف واسع من الهندوس المُعتدلين، وأقطاب اليسار، يرون الرجل على حقيقته، ويرون الدماء الواضحة على يديه. أما هو، والسانغ، وحزبه، فهم لا يريدون الجمهورية، بل أمة هندوسية خالصة، أو راشترا، تجتمع فيها معاني الأمة والدولة والوطن، وقبل كل ذلك، النقاء العرقي والديني.
تُرى فيم كان سيُفكِّر الرُهبان الذين رفضوه في المعابد شابا صغيرا لو رأوه اليوم؟ لربما شعروا بأنهم قد أصابوا في لفظه من مسلك الزُهَّاد، لكن لعلهم يشعرون بالندم في الوقت نفسه على أن باب المعابد الذي أوصِد في وجهه تسبَّب في تحوُّله إلى سياسي، سرعان ما ابتلع، رِفقة السانغ، ما تبقى من الجمهورية، بل وابتلع أيضا سلطة تعريف كل ما هو هندوسي، وهي سلطة باتت اليوم في مقر الحكومة في دلهي، لا بين أيدي الرهبان في المعابد كما أراد لها غاندي.
قبل عدة أشهر، في سبتمبر/أيلول 2023، خاطب "مودي" آلاف الطلاب الهنود في حفل ختامي بمناسبة انتهاء قمة العشرين التي استضافتها الهند. طوال خطابه، استحضر "مودي" قادة الاستقلال، وذكر أسماء عدد من الهندوس الذين قضوا أثناء مقاومتهم للبريطانيين، وفي نهاية كلمته، لم ينس "مودي" أن يهتف ويكرر وراءه آلاف الطلاب، الذين على الأرجح، لن يكون بينهم مسلم: "العزة للهند المقدسة.. العزة للهند المقدسة!".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فريق العمل:
ظفر الإسلام خان
نهى خالد
شهد قايد
بثينة فراس
رسوم: ياسر صلاح الدين.
تصاميم: زياد كحيل.

المصدر : الجزيرة نت - عبد الرحمن عياش

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس

إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 

شبكـة الوان الويب لخدمات المـواقع